قراءة في خطة التنمية الخمسية العاشرة
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
شارفت خطة التنمية الخمسية العاشرة على إكمال السنة الرابعة منذ بدء الاشتغال على مستهدفاتها ومبادراتها؛ حيث استطاعت الخطة خلال فترة وجيزة من تجاوز بعض المؤشرات المستهدفة مثل النمو في الناتج المحلي الإجمالي، ونسب التشغيل والتوظيف سنويا، إضافة إلى تحقيق تقدّم في المشاريع الإنمائية في محافظات سلطنة عُمان التي أسهمت في تطويرها، مما تتواءم مع التوجه الاستراتيجي نحو تعزيز اللامركزية في المحافظات والنهوض بها وتفعيل أدوارها للإسهام في مسيرة التنمية الشاملة، حقيقة من يتابع مستوى الإنجاز بعد نحو 4 سنوات من بدء الخطة الخمسية العاشرة سيشعر بالفخر لما أنجز وتحقق بفضل الإرادة السامية لجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- وجهود المخلصين من أبناء عُمان الأوفياء؛ لتكون عُمان أنموذجا عالميا في النهوض باقتصادها بعد سنوات عجاف عانى خلالها الاقتصاد العُماني من سلسلة أزمات اقتصادية عمّقتها وزادت من حدتها أزمة كوفيد19، مما أحدثت شللا في القطاعات الاقتصادية؛ لتصل سلطنة عُمان واقتصادها إلى مرحلة الجدارة الاستثمارية بفضل تحسّن غالبية مكوّنات الاقتصاد الكلي وتراجع الدين العام للدولة إلى المستويات الآمنة بوصوله إلى نحو 14 مليار ريال عُماني بعد أن كان يمثل خطورة بالغة على المالية العامة للدولة؛ حيث أصبح يمثّل 34% من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كان قاب قوسين من أن يصل 80% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020 بنحو 22 مليار ريال عُماني.
إن الخطة الخمسية العاشرة رغم أن إقرارها كان في ذروة الأزمة المالية والاقتصادية التي أثرت على الاقتصاد العالمي عموما والاقتصاد العُماني خصوصا، إلا أنها استطاعات أن تحقق مستهدفاتها بفضل الإدارة المالية التي تميزت بالكفاءة العالية في التنفيذ والالتزام؛ حيث أقرت العديد من المشاريع التنموية، وقدّمت عديد الحوافز والتسهيلات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتوسّع حجم الناتج المحلي الإجمالي، وتقلّص حجم الدين العام للدولة، واستطاعات مختلف القطاعات من توليد فرص عمل مناسبة للباحثين عن عمل، وتحسّنت غالبية المؤشرات الاقتصادية، إضافة إلى تحسين مستوى الرفاه الاجتماعي للمواطنين عبر بدء صرف غالبية المنافع الاجتماعية التي شملت جميع المواطنين بلا استثناء بعد إقرار منفعة لطلبة الابتعاث الداخلي، مع حوكمة الاستحقاق والتشجيع على الانخراط في سوق العمل وريادة الأعمال وممارسة الأعمال الأخرى؛ حيث تتسم منظومة الحماية الاجتماعية بالمرونة في الاستحقاق وفقا للظروف الاجتماعية والمالية للأسرة العُمانية، ورغم أن خطة التنمية الخمسية العاشرة كانت طموحة في فترة إقرارها قبل أربع سنوات، حيث لم تكن هناك مؤشرات واضحة لتحسن الوضع الاقتصادي عالميا؛ بسبب طول فترة أزمة كوفيد19 والصدمات الاقتصادية التي رافقت الأزمة والانخفاض الحاد لأسعار النفط نتيجة توقّف الصناعات وضعف أداء الاقتصاد بسبب الإغلاقات المتكررة للحد من انتشار الجائحة، إلا أن تفعيل بعض أدوات السياسات المالية والنقدية أدت دورا كبيرا؛ لإعادة بوصلة الاقتصاد إلى مساره الصحيح، وتمكين الأنشطة غير النفطية من المساهمة الفاعلة في إيرادات المالية العامة للدولة؛ إذ تشير الإحصاءات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات الصادرة بنهاية يونيو 2024م إلى أن القطاعات الاقتصادية غير النفطية حقّقت نموًّا لافتًا، من بينها قطاع الصناعات التحويلية الذي نما 10.1%، وقطاع النقل والتخزين نما 7.5%، وأنشطة الزراعة والحراجة وصيد الأسماك نمت 6.5%، وقطاع تجارة الجملة والتجزئة نما بنحو 6%، وقطاع الإنشاءات نما 4.7%، والأنشطة الخدمية نمت 3.3%، واللافت أكثر هو نمو الاستثمار الأجنبي المباشر 19.3%؛ حيث استطاعت المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة عدد من توطين بعض الصناعات وجلب مشاريع استثمارية متنوعة خلال السنوات الماضية. إن مسار التنويع الاقتصادي أخذ منعطفا إيجابيا؛ بفضل الممكنات والفرص المتاحة التي ساعدت على تنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية، مما حفّزها على رفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي مثل اعتماد سياسة المحتوى المحلي وتعزيز القيمة المحلية المضافة، إضافة إلى الدعم المتواصل الذي تحظى به المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من حيث التسهيلات والحوافز التي أقرها مجلس الوزراء خلال الفترة الماضية. وأرى أن خطة التنمية الخمسية العاشرة ستواصل تحقيق مستهدفاتها ومبادراتها بنتائج إيجابية في ظل النشاط الاقتصادي الذي تشهده سلطنة عُمان، خلال الفترة الماضية تابعنا ردود الأفعال الإيجابية مع إسناد الأعمال الإنشائية لبعض المشاريع الاستراتيجية التنموية التي تركّزت على تطوير البنى الأساسية في عدة قطاعات لاسيما القطاعات الاقتصادية الواعدة مثل السياحة واللوجستيات والنقل والصناعات التحويلية؛ حيث تم إسناد العمل لإنشاء عدد من المستشفيات الكبرى في مختلف المحافظات، وإسناد العمل للبدء في استكمال الأجزاء الثلاثة المتبقية من ازدواجية طريق أدم-ثمريت الذي يعد أحد أكبر المشاريع في سلطنة عُمان كونه يربط جنوب عُمان بشمالها، ويساعد على تنمية القطاعات الاقتصادية وتسهيل ممارسة الأعمال، وإنعاش السياحة في الولايات التي يمر عليها الطريق، إضافة إلى دوره في تسهيل التنقل بين المحافظات ورفع درجة الأمان مقارنة بالطريق الحالي، إننا نشعر بالفخر والاعتزاز لما تحقق من مستهدفات خطة التنمية الخمسية العاشرة حتى الآن ونحن نعيش الاحتفالات بالعيد الوطني الـ54 المجيد، وما سيتحقق بعون الله خلال السنة المتبقية من الخطة، ونتوقع أن تتحسن المؤشرات الاقتصادية والمالية أكثر مما عليه الآن، وسيزدهر الاقتصاد العُماني أكثر خلال السنوات القليلة الماضية وسيصل إلى مراتب النمو والتطور والتقدم بفضل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وجعله ذخرا وفخرا لعُمان وشعبها ومن يعيش عليها. وكل عام وعُمان وقائدها وشعبها بخير وسعادة وهناء |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی القطاعات الاقتصادیة الاقتصاد الع إضافة إلى الع مانی ع مانی
إقرأ أيضاً:
هل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة تجعل الله ينظر لقائلها ويغفر له؟
تكثر الاستفهامات والأسئلة عن حقيقة هل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة تجعل الله ينظر لقائلها ويغفر له؟، والتي يزيد معها الحرص والانتباه بقدر العظمة والمنزلة، وحيث إننا في شهر شوال المبارك وآية الكرسي أعظم آيات القرآن، والصلاة هي ثاني أركان الإسلام الخمس من هنا ينبع السؤال عن هل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة تجعل الله ينظر لقائلها ويغفر له؟ ، باعتباره أحد أسرار آية الكرسي الخفية ، وهي إحدى آيات سورة البقرة، ولعل حث رسول الله لنا على قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة يشير إلى فضلها العظيم، الذي لا ينبغي تضييعه أو الاستهانة به وتفويته، فقد تحمل معها مفتاحًا لبوابات الخير والرزق والبركة، وهذا ما يطرح السؤال عن هل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة تجعل الله ينظر لقائها ويغفر له؟.
قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن قراءة آية الكرسي بعد صلاة الفرض أو السنة لها فضل عظيم ونقرأها بعد الصلاة مباشرة.
واستشهد " عويضة" في إجابته عن هل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة تجعل الله ينظر لقائها ويغفر له؟، بما روي عن جابر بن عبدالله وأنس بن مالك ، وحدثه الشوكاني في الفوائد المجموعة، الصفحة أو الرقم : 299، حديث : ( مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ في دبرِ كلِّ صلاةٍ ، خرقَت سبعَ سمواتٍ ، فلَم يلتَئم خرقُها حتَّى ينظرَ اللَّهُ إلى قائلِها فيغفرُ لَهُ ، ثمَّ يبعَثُ اللَّهُ ملَكًا فيَكْتبُ حسَناتِهِ ويمحو سيِّئاتِهِ إلى الغدِ من تلكِ السَّاعةِ) ، وهو حديث إسناده باطل وله سند آخر فيه مجاهيل.
وجاء أن لقراءتها بعد كل صلاة مكتوبة أجر عظيم، حيث إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ آية الكرسي بعد كل صلاةٍ؛ حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: «مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ دبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ، إلَّا الموتُ»، أنها تحفظ القارئ لها من العين، والسحر، والمس؛ إذ إن الله- تعالى- جعلها حرزًا من الشيطان، والجن والسحرة، والمشعوذين، فمن قرأها في الصباح حفظه الله تعالى حتى المساء، ومن قرأها في المساء حفظه الله تعالى حتى الصباح، كما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأها عند النوم؛ ليدفع بها الشياطين.
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير آية الكرسي من سورة البقرة: هذه آية الكرسي ولها شأن عظيم قد صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها أفضل آية في كتاب الله .. عن أُبي هو ابن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله أي آية في كتاب الله أعظم قال: الله ورسوله أعلم فرددها مرارا ثم قال: آية الكرسي».
ودلت السنة النبوية على فضل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة ، فروى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: عن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِلا الْمَوْتُ». أخرجه النسائي في السنن الكبرى، والطبراني في المعجم الكبير، وابن السني.
ويوضح الحديث أن المداومة على قراءة آية الكرسي بعد الصلاة ويستمر على قراءتها يستحق الجنة والفاصل بينه وبينها هو الموت لأنه بالموت قد انقطع العمل واستحق الجزاء -الجنة-، وآية الكرسي هي قوله تعالى: «اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» سورة البقرة الآية 255، وسميت بهذا الاسم لذكر الكرسي فيها، ومن يقرأها في الليل أو النهار بأي عدد (أقلها ثلاث مرات) تشرح الصدور وتكشف الهموم والغم والكربات وتحفظ النفس والأولاد والمال.
فضل قراءة آية الكرسي بعد الصلاةقال الإمام ابن كثير رحمه الله عن فضل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة ، مفسرًا آية الكرسي من سورة البقرة: هذه آية الكرسي ولها شأن عظيم قد صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها أفضل آية في كتاب الله .. عن أُبي هو ابن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله أي آية في كتاب الله أعظم قال: الله ورسوله أعلم فرددها مرارا ثم قال: آية الكرسي».
دلت السنة النبوية على فضل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة ، فروى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: عن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِلا الْمَوْتُ». أخرجه النسائي في السنن الكبرى، والطبراني في المعجم الكبير، وابن السني.
ويوضح الحديث أن المداومة على قراءة آية الكرسي بعد الصلاة ويستمر على قراءتها يستحق الجنة والفاصل بينه وبينها هو الموت لأنه بالموت قد انقطع العمل واستحق الجزاء -الجنة-، وآية الكرسي هي قوله تعالى: «اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» سورة البقرة الآية 255.
وسميت بهذا الاسم لذكر الكرسي فيها، ومن يقرأها في الليل أو النهار بأي عدد (أقلها ثلاث مرات) تشرح الصدور وتكشف الهموم والغم والكربات وتحفظ النفس والأولاد والمال.
فضل آية الكرسيورد أنَّ آية الكرسي من الآيات العظيمة جداً، وَقد رَدَ فضلها في العديد من الأحاديث النبويّة ومنها :
أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا أبا المُنْذِرِ، أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ. قالَ: يا أبا المُنْذِرِ أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: {اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا هو الحَيُّ القَيُّومُ} [البقرة:255]. قالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي، وقالَ: واللَّهِ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنْذِرِ)، فهي أعظم آية في كتاب الله بِدليل ما أخرجه مسلم في صحيحه، ومن الجدير بالذكر أنَّ أبي بن كعب -رضي الله عنه- هو سيّدُ القرّاء.
وقد بيّن فضله النبي في الحديث حين لقّبه بأبي المُنذر تكريماً له -رضي الله عنه- وإشارة إلى منزلته العالية، وعندما أجاب عن سؤاله -عليه السلام- دعا له بالبركة في العلم الذي فتح الله به عليه. إنَّ آية الكرسي حرزٌ للإنسان وحِصنٌ له من دخول النّار، بدليل الحديث الذي ورد عن أبي أمامة الباهلي السابق الذكر. إنَّ آية الكرسي حِصنٌ للبيوتِ من دخول الشياطين والجنِّ.
وقد ثبت عن أُبيّ بن كعب أنه رأى جنّياً يريد أن يسرق من طعامه، فسأله أُبيّ بعد أن علِم أنه جنّي: (فما يُنَجِّينَا مِنكُم، قال: هذه الآيةُ التِي في سورةِ البقرةِ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هو الْحَيُّ الْقَيُّومُ مَنْ قالَها حِينَ يُمسِي أُجِيرَ مِنَّا حتَى يُصْبِحَ، ومَن قالَها حينَ يصبحُ أُجِيرَ مِنَّا حتى يُمسِي، فلَمَّا أصبحَ أتَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليِه وسلَّمَ فذكر ذلكَ له فقال : صَدَقَ الخبيثُ).
وورد أنّ آية الكرسي خيرُ حافظ ٍللإنسان في يومه، فعند الالتزام بقراءتها قبل النوم تحفظه حتى يصبح، وعند قراءتها حين يُصبح تحفظه حتى يُمسي، مصداقاً لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا أوَيْتَ إلى فِراشِكَ فاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزالَ معكَ مِنَ اللَّهِ حافِظٌ، ولا يَقْرَبُكَ شيطانٌ حتَّى تُصْبِحَ).
تفسير آية الكرسيبدأت الآية الكريمة بإعلان وحدانية الله تعالى؛ فهو الإله الحقّ الذي يستحق العبادة والتأليه، وهو الحيّ القائم بشؤون الكون، لا يغفل عنه بالنوم، ولا يشاركه في ملك السماوات والأرض أحدٌ، ولا يشفع عنده أحد من العالمين دون إذنه، وهو المحيط العليم بتفاصيل الأمور ودقائقها، ويعجز ما دونه عن الإحاطة به -سبحانه وتعالى- إلا بما يريد، وسلطانه واسع، لا يثقله التدبير، وهو العليّ بقدره وكمال صفاته، العظيم بجبروته.
ومَدَحَ الله -سبحانه وتعالى- نفسَه بالآية الكريمة بقوله -تعالى-: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)، والحيُّ القيوم صفتان جليلتان تحمل كُلُّ معاني أسماء الله الحسنى، فالحيّ هو الذي لا يموت، وهو الذي لا يَسبقه عدمٌ ولا يلْحقُه زوال، فكل شيءٍ هالكٌ إلا وجهَهُ -سبحانه وتعالى-، ومعنى القيوم؛ أنَّ الله قائمٌ بذاته لا يحتاج إلى أحدٍ من خلقه، وكُلُّ الخلق تَفتقر إليه، فهو الغنيُّ عن جميع خلقه، ومن تمام حياته وقيّوميّته جاء الوصف الإلهي بقول -تعالى-: (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ)، وكُلُّ ما في الوجود له -سبحانه وتعالى- ومِلكٌ وعبدٌ له، كما أنَّ الله -عز وجل- لا ينام ولا يُصيبه النعاس، وهذا من كمال قيّوميّته.
كما أنَّ الله -تعالى- عليمٌ بكلّ شيء، فهو الذي يَعلم ما في الماضي والحاضر وما سيقع في المستقبل، وهو الذي يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، وكُلُّ مَن يعلمُ بعلمٍ على الأرض لم يكن لِيعلمه لولا أنَّ الله أذِنَ له بذلك، و لا تحدث شفاعة عند الله إلا برضاه وبعد إذنِه، وحتى الرسول -عليه السلام- إذا أراد الشفاعة من الله يأتي تحت العرش ويخرُّ ساجداً ويدعو الله ويَحمده ويُثني عليه، فلا يرفع رأسه إلا بعد أن يأذن الله -تعالى- له ويقبل طلبه بالشفاعة.
وسُمّيت آية الكرسيّ بهذا الاسم لورود الكرسيِّ العظيم فيها، قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)، والمقصود بالكرسيّ هو كناية عن عِظَم العلم وشموله، وهو القول المشهور عن ابن عباس، وفي هذا إظهار لِسعة ملكه -سبحانه وتعالى-.
وقد استوى الله -عز وجل- على العرش استواءً يليق بجلاله، والله لا يعجزه حِفظُ جميعِ مخلوقاتِه في وقتٍ واحدٍ، وهذا شيءٌ يَسير على الله -سبحانه وتعالى-، ولا يُعجزه ولا يُثقله شيء، فهو الذي جلَّ وعلا بذاته، وعليٌّ بقهره وسلطانه، وعليٌّ بمكانه، وفي الآية إشارة إلى كمال قدرة الله بعظم مخلوقاته، وكمال قدرته وحفظه ورحمته، فلا يُثقله ولا يعجزه شيء.
آية الكرسيتُعتبر آية الكرسي من أعظم آيات القرآن الكريم، وهي الآية رقم "255" من سورة البقرة، وتضمّنت أسماء الله -عزّ وجلّ- وصفاته وأفعاله، وورد فيها اسم الله الأعظم، وهو اسم: الحيّ القيوم، وذكر النوويّ اتفاق العلماء على أنّ ما يُميّز آية الكرسي أنّها جمعت من أصول الأسماء والصفات: الألوهيّة، والوحدانيّة، والحياة، والعلم، والملك، والقدرة والإرادة، وهذه السبعة هي أصول الأسماء والصفات، وسُمّيت الآية باسم آية الكرسيّ؛ لاحتوائها على مفردة الكرسي في قوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، ولم يرد ذكر هذه المفردة في غير هذا الموضوع من القرآن كلّه.
وقد نزلت آية الكرسي في المدينة المنورة ليلاً، فأمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- زيداً بكتابتها، وذكر محمد بن الحنفية أنّه لما نزلت آية الكرسي: سقطت الأصنام، وخرّ الملوك وسقطت التيجان عن رؤوسهم، وهربت الشياطين يضرب بعضها بعضاً حتى أخبروا إبليس بالأمر، فأمرهم بالتحقّق، فجاءوا إلى المدينة المنورة، فوجدوها قد نزلت، ومن الجدير بالذكر أنّ آية الكرسي تضمّنت توحيد الله تعالى وصفاته العلا، وذكر ابن عباسٍ؛ أنّ أشرف آيةٍ في القرآن الكريم، هي آية الكرسي.