د. عصام محمد عبد القادر يكتب: لماذا نعلم؟
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
الإنسان من أفضل المخلوقات على وجه البسيطة كونه يمتلك التفكير المجرد الذي يساعده في أن يسخر مفردات ومقومات الطبيعة من أجله، ومن ثم يستطيع أن يحدث تغيرًا إيجابيًا ملموسًا يسهم في إعمار الأرض، ويخلق مناخًا مواتيًا لحياة أفضل له وللكثير من الكائنات الحية التي وهبها الله البقاء بغية إحداث توازن بيئي يخدم ماهية البقاء والاستمرارية.
ومن ثم بات التعليم أمرًا وجوبيًا للإنسان كي يستطيع أن يمتلك الخبرة في التعامل الوظيفي مع كل ما يحيط به في البر والبحر والجو، وبالطبع يصعب أن يحدث هذا بعيدًا عن مقدرته على التفكير والتفكر بما يعينه على الفهم والتفسير والاستنتاج والرصد ومحاولة البحث والتنقيب والتجريب ليصل إلى مبتغاه بصورة مقصودة ومخططة أو قد تكون مبنية على المحاولة والخطأ بشكل تحكمه متغيرات في كثير من الأحيان مقننة.
ورغم أن الإنسان لا يمتلك القوة الخارقة التي تمكنه من السيطرة على كل ما يدور في فلك الطبيعة؛ لكنه يمتلك ما هو أفضل من ذلك؛ حيث المعرفة التي تمكنه من تسخير قوى الطبيعة لصالحه، وتحقيق الرفاهية من خلالها، وهذا سر وجوده على الكوكب؛ إذ يقع على عاتقه الإصلاح والصلاح والإعمار من أجل نهضة ورفعة السلوك والوجدان، وبالطبع يعلو ذلك الامتنان لخالق السماء بلا عمد؛ حيث شكر نعمته وعبادته الخالصة تفريدًا وتمجيدًا.
وفي هذا الإطار يتحتم علينا أن ننتقي ما نعلمه للإنسان؛ حيث يستوجب البناء الصحيح له أن نغرس فيه النسق القيمي الذي يصون به نفسه والأخرين، ويصبح بالنسبة له نبراسا يهتدى به في أقواله وأفعاله ووجدانه؛ فينعكس ذلك على تعاملاته وانفعالاته وتفاعله، ويصبح لديه الرغبة الحقيقية في أن يشارك مراحل البناء ويتعاون من أجل البقاء والرقي، ومن ثم يبحث دأبًا على حلول لمشكلات تواجه ومجتمعه ليستشعر الرضا وينبعث في وجدانه الأمل وتتفتح لديه رؤى المستقبل المشرق.
إننا نعلم من أجل مستقبل أفضل لجيل تلو آخر؛ فما نعايشه ونعيشه من ثورة تقنية وتطور في شتى مناحي الحياة وجودة غير مسبوقة في كل ما تنتجه الآلة في ضوء ذكاء اصطناعي مدخله الرئيس ذكاء الإنسان الطبيعي، كل ذلك وأكثر يصب في مصلحة البشرية ويحسن من مدخلات وعمليات الحياة لنعكس أثره دون مواربة على صحة مستدامة وعقل مستنير وفعل وسلوك يرتبط بقيم نبيلة وأخلاق حميدة.
إننا نعلم من أجل بناء إنسان يمتلك خبرة صحيحة سديدة تتضمن في طياتها معرفة غير مشوبة وسلوك مرغوب فيه ووجدان نقي بغرض تشكيل سياج يحميه من براثن الانحراف الفكري وما يترتب عليه من سلبيات أقل ما فيها التشتيت عن الهدف وضلالة الطريق وسوء المنقلب والانتكاسة في كل شيء وأمر.
إننا نعلم من أجل أن يتفوق الإنسان على رغباته وشهواته وينتصر لنفسه اللوامة؛ ليؤكد ماهية تقييم الذات والمقدرة على إصلاح ما قد يتسبب في إفساده بعمد وغير عمد؛ ليستطيع أن يستكمل طريق نهضته ومسار تقدمه ورقيه وازدهاره، ومن ثم يترك الأثر الطيب الذي يحمل بين مكونه رسالة الأمل والتفاؤل لأجيال تلو أخرى؛ بغية الحفاظ على فلسفة البقاء واستكمال المسيرة التي خلقنا جميعًا لأجلها.
إننا نعلم من أجل أن يسود العدل والسلام والحق وفق دستور رباني فطرنا عليه، ومن ثم يتوجب علينا أن نغرس بذور المحبة ونزيل الأحقاد ومسبباتها، ونعضد التراحم والتكافل من أجل أن نخلق مجتمعات تتضافر من أجل البقاء ومواجهة التحديات والأزمات الطبيعية منها وغير الطبيعية، وهذا ما يؤكد على أن الطاقة البشرية تعد الأقوى والأبقى على وجه الأرض كونها لا تنضب ما بقيت الحياة.
إننا نعلم من أجل أن نصون النفس من السقوط في بوتقة الأمراض النفسية؛ فنقدح الأذهان بمزيد من الأفكار الإيجابية التي تعضد من طاقته النورانية، وتجعله يستثمر الفكرة ليخرج منها بما يفيد به نفسه ومجتمعه والبشرية كلها، وتدفعه لاستكمال الطريق القويم ليحقق في مجاله ما يجعله يثق في ذاته ويرضى عن نفسه ويوجب الشكر لذوي الفضل عليه وفي القلب ربه الذي وهبه نعم لا تعد ولا تحصى.
إننا نعلم من أجل أن نتناقل ثقافة تحمل في طياتها الهوية وتدعم الوطنية وتعزز القومية وتحافظ على مكتسبات الحضارة وتصون العقيدة والمعتقد؛ فتقينا من الانصهار أو الذوبان في بوتقة الثقافات العابرة الحديثة منها والمستحدثة الواردة منها والشاردة؛ فنصنع عقولًا واعية تحمل فكرًا مستقبليًا مستنيرًا محاط بقيم نبيلة تجعله قادرًا على فلترة وغربلة غير المجدي وغير الصحيح، أو ما به لبس، أو ما يشوبه مغلوط، أو المشوه في أصله.
وفي النهاية يصعب أن نحصي ثمرات التعليم وما نقوم به من أجل بناء الإنسان سواءً أكان في حيز الأسرة، أو المؤسسة التربوية، أو المؤسسة العقدية، أو المؤسسات الاجتماعية قاطبة؛ لكنها إشارات وومضات من جهد مقل يبتغي إلقاء الظلال على ما قد نتناساه في خضم حياة مليئة بمجريات أحداث مثل النهر الجاري.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ومن ثم
إقرأ أيضاً:
محمد كركوتي يكتب: مصاعب النمو الصيني
لا مقارنة بين النمو الذي حققه الاقتصاد الصيني في العقود الماضية، وبين ما يحققه منذ بداية العقد الحالي، لكنه يبقى الأعلى قياساً بكل الاقتصادات الكبرى، في ظل صعوبات يمر بها كغيره من بقية الاقتصادات. اليوم يتصاعد الخوف من تباطؤ النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، مع ضغوط آتية من سوق العمل، ومن استمرار سياسة عدم التحفيز في هذا الوقت، فضلاً عن «تواضع» ارتفاع نمو الناتج الصناعي، وكذلك الأمر في مبيعات التجزئة، ناهيك عن الآثار «المنغصة» التي لا تزال أزمة سوق العقار تتركها على الساحة. ويساهم التردد في عدم التحفيز الاقتصادي، بمزيد من الضغوط، التي جعلت حتى الناتج الصناعي ينمو بوتيرة أبطأ في الفترة الماضية.
لا شك بأن الضغوط ستتزايد، حال وصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. فالأخير تعهد (كما فعل في السابق)، بزيادات فورية للرسوم الجمركية على السلع الصينية، وعزز هذا التوجه بتعيين شخصيات متشددة في إدارته المستقبلية لمعالجة العلاقات التجارية مع الصين. وسيتم ذلك، في ظل تراجع النمو الصناعي إلى 5.3%، مخالفاً كل التوقعات بزيادة بلغت 5.6%. دون أن ننسى المصاعب الكبيرة في العلاقات الاقتصادية عموماً بين بكين ودول الاتحاد الأوروبي، التي أضافت أيضاً ضغوطاً شملت طرفيها. كل هذا لا يترك المجال لتحقيق النمو المستهدف بنهاية العام الجاري عند 5%، بينما تدل كل المؤشرات إلى نمو بحدود 4.5%، يشمل حتى العام المقبل.
الضغوطات المحلية، لا تزال تضرب من جهة العقارات؛ فقد انخفض مؤشر الاستثمار العقاري 10.3% على أساس سنوي، في بلد يشكل فيه هذا القطاع ربع الاقتصاد تقريباً. ويبدو أنه ليس أمام الحكومة الصينية سوى اتخاذ إجراءات أخرى، لإعادة الثقة إلى هذا القطاع الحيوي، بما في ذلك ضخ الاستثمارات، وتسهيل الوصول للقروض «الجيدة»، بعد أربع سنوات من تشديد قيود الاقتراض. وإذا ما أراد المشرعون الوصول إلى مستويات مقبولة من النمو، لا بد من تحريك سريع للساحة المحلية، عبر دعم قطاع مبيعات التجزئة، الذي سجل في الأشهر الماضية قفزات معقولة، لكنها ليست لافتة. المرحلة المقبلة ستكون مليئة بالتطورات، خصوصاً من جهة العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة التي يسعى رئيسها المنتخب لاتباع مزيد من السياسات الحمائية، يعتقد بأنها حق أميركي خالص.