مؤيد الزعبي

صحيحٌ أن أدوات الذكاء الاصطناعي باتت موجودة في كل المجالات تقريبًا فأحدها يكتب نصًا وآخر يرسم صورة أو يصمم تصميمًا أو يصنع فيديو أو حتى يؤلف موسيقى ويقلد فنانًا أو يحاورك ويسمعك كما لو كان طبيبًا أو صديقًا أو يدافع عن حقوقك كما لو كان محاميًا.

وهناك أدوات تتشكل على هيئة روبوتات وسيارات وثلاجات وهواتف وأجهزة مختلفة، كل هذا جميل ومذهل ولكن طالما أن كل هذه الأدوات لم تتجسد في نظام واحد شامل فالوحش الحقيقي لم يظهر بعد، فتخيل معي عزيزي القارئ كيف سيكون تأثير الذكاء الاصطناعي لو كان نظامًا متكاملًا يرسم ويكتب ويعزف ويحمل ويبني ويصنع ليس كل واحد على حدة إنما كيان واحد متكامل، وقتها سيكون الوحش قد خرج وظهر للعلن، وعندما أقول لك كلمة "وحش" لا أقصد أبدًا المعنى السلبي؛ بل أعني أن قدرات الذكاء الاصطناعي ستصبح كالوحش قادرة على القيام بكل شيء نجده اليوم صعبًا أو مستحيلًا.

كل ما نراه اليوم من تطورات في عالم الذكاء الاصطناعي مازالت متفرقة، فما يصنعه شات جي بي تي وشبيهاته من أنظمة التوليد اللغوي ما هي إلا كلمات وأفكار يولدها، لم يحرك بها ذراعًا آلية ليبتكر ويصنع، ولم يمسك ريشة فنان ويبدأ بالرسم، إنما يرسم إلكترونيًا ويكتب إلكترونيًا، وحتى لو سألته كيف بالإمكان أن تصنع طائرة مسيرة كمثال سيقدم لك الطريقة لكنه لن يذهب للمعمل أو المصنع ويصنعها بنفسه، ولو تحدثت معه عن كيفية بناء مفاعل نووي بطريقة مبتكرة وصديقة للبيئة سيقدم لك إجابة شافية ووافية ولكنه لا يملك السلطة ولا حتى الأذرع لتنفيذ فكرته، فهو مجرد مولد للكلمات والرسومات والصور، ولهذا أخبرتك أن الوحش مل يظهر بعد، فتخيل عندما تصبح هذه الأدوات عبارة عن عقول وأذرع وأرجل وأنظمة متكاملة حينها ستكون قادرة على كتابة فكرتها وتضع خطتها ولديها أذرع تنفذ ما في عقولها.

وإذا ذهبت لأدوات تصنيع الفيديوهات بالذكاء الاصطناعي فصحيح أن نتائجها مذهلة ومتطورة فعندما تحول لك النص لفيديو، أو تقوم بتحويل فيديوهاتك لنماذج وأشكال غاية في الروعة إلا أنها حتى الآن لم تصبح نظامًا شاملًا قادرًا على إنشاء محتوى متكامل، وليست قادرة على إنشاء فيديو نستطيع القول بأنه احترافي من حيث الصورة والانيميشن والقصة والمؤثرات والنص، وبالطبع لم تصل قدرات الذكاء الاصطناعي لأن تصنع فيلمًا ولا حتى قصيرًا، فصحيح أن الأدوات موجودة بكل جانب على حدة إلا أنها غير شاملة في برنامج واحد، ولهذا تخيل عزيزي القارئ عندما تصبح هذه الأدوات متكاملة فحينها ستصنع لك فيلمًا سينمائيًا لو أردت، وربما لن تصنع لك ربما تصنع لنفسها وتصبح هي التي تدير قطاع المحتوى بأكمله، وسنجد حينها ذكاء اصطناعي قادر على كتابة سيناريو فيلم ويراجعه ويدققه ومن ثم يبدأ بتجهيزه وتنفيذه ونشره وترويجه دون أي تدخل منك، وربما نجدك تتفاوض معه لشراء حقوق بث أو استخدامه.

وكذلك الأمر في مسألة السيارات ذاتية القيادة، فنحن نجهز لسيارات تقود نفسها بنفسها وإلى الآن لم تكتمل الصيغة النهائية لهذه السيارة وحتى عندما تكتمل ستكون هذه السيارات ملكنا نحن البشر، ولكن ما أن تصبح أنظمة الذكاء الاصطناعي هي التي تحركها وتنظم حركتها وتضع قوانينها وتطبقها على أرض الواقع حينها سنقول بأن هذا النظام لم يعد نظام ذكاء اصطناعي بل سيكون بمثابة وزارة للمواصلات والطرق، وكذلك الأمر عندما تصبح الربوتات هي الطبيب وأجهزة الفحص وهي نفسها المعامل والمختبرات وهي ذاتها من تعمل على تصنيع الأدوية وتقوم بتجريبها واختبارها، وأنا أتحدث أن يكون كل هذا ضمن نظام شامل متكامل، حينها سنجد الذكاء الاصطناعي وحشًا قادر على القضاء على الكثير من الأمراض وبنفس الوقت سيكون بمقدوره تحديد مصائرنا أو التأثير فيها فأنا أتحدث عن ذكاء اصطناعي شامل يدير بيوتنا وشوارعنا ومدننا ومكاتبنا وشركاتنا ومستشفياتنا ومدارسنا وجامعاتنا وكل شيء من حولنا.

ربما قد يصل لك عزيزي القارئ تصورًا بأن الذكاء الاصطناعي سيعمل مكان الحكومات في قادم الوقت وهو من سينفذ أعمالها بدلًا عنها، ولكن ماذا إن قلت لك أن الذكاء الاصطناعي الشامل سيكون قادرًا على إدارة ما هو أصعب من ملفات الحكومات أنفسها، سيكون قادرًا على إدارة حياتنا بأرضنا وسمائنا والدليل أننا نصنع اليوم أدوات ذكاء اصطناعي متفرقة تقوم بمهام هنا وهناك وقد شاهدنا العجب العجاب من قدراتها فكيف هو الحال لو كان النظام شامل.

لا أجد الأمر سيئًا أو مخيفًا؛ بل إنني على يقين بأن الذكاء الاصطناعي سيقدم لنا حلولًا لمشاكل لم نستطع نحن البشر القيام بها، خصوصًا وأننا على مفترق طرق من أمور كثيرة تهدد حياتنا؛ كالحروب والنزاعات وقضايا البيئة وانتشار الأمراض وعدم المساواة والتفاوت في معيشة الشعوب، كل هذا سيجد له الذكاء الاصطناعي تصريفًا ربما شاملًا، لكن كل ذلك مرهون بكيفية بنائه وتأسيسه وبرمجته، وهذا هو دورنا كبشر من الآن وصاعدًا، حتى نضمن تواجدنا في عالم الذكاء الاصطناعي الشامل.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

"دبي للاقتصاد الرقمي" تستقطب المواهب في الذكاء الاصطناعي

نظّمت غرفة دبي للاقتصاد الرقمي، إحدى الغرف الثلاث العاملة تحت مظلة غرف دبي، ورشتي عمل لتعزيز جذب وتنمية المواهب المتخصصة في تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى دبي، وتطوير دور المرأة في القطاعات التكنولوجية، وذلك في إطار جهودها للارتقاء بمنظومة الأعمال الرقمية في الإمارة وتعزيز تنافسيتها عالمياً.

وتناولت ورشة العمل الأولى التي حملت عنوان "مشهد المواهب الرقمية في دبي"، تنامي الطلب العالمي على الخبراء المتخصصين في تقنيات الذكاء الاصطناعي والمواهب الرقمية.
وجرى خلال الورشة بحث سبل تعزيز جاذبية منظومة الأعمال الرقمية في دبي للكفاءات المتخصصة بقطاعات التقنية المتقدمة وخاصة الذكاء الاصطناعي من أنحاء العالم.
وشارك في الفعالية مجموعة من الجهات المعنية بالاقتصاد الرقمي ومنها الشركات التقنية والمؤسسات التعليمية ومسرعات الأعمال.
واستعرضت الفعالية الثانية سبل تعزيز مساهمة المرأة في الأعمال الرقمية، وتعزيز قدرتها على تأسيس شركة تقنية واعدة مع تسليط الضوء على نماذج ناجحة وقصص ملهمة لرائدات أعمال لاستلهام تجاربهن في تأسيس وتنمية شركات بارزة في قطاعات الأعمال الرقمية.

مقالات مشابهة

  • مصر.. «الذكاء الاصطناعي» يطيح بموظفين من إحدى أكبر الشركات
  • "دبي للاقتصاد الرقمي" تستقطب المواهب في الذكاء الاصطناعي
  • بمزايا الذكاء الاصطناعي.. سامسونج تطلق نظارات ذكية تشبة Ray-Ban من ميتا
  • الذكاء الاصطناعي في مؤتمر أدب الطفل بدار الكتب والوثائق
  • مجلس النواب يُناقش اليوم مشروع تعديلات قانون التأمين الصحي
  • إصدار جديد من فاينل كت برو 11 مزود بتقنيات الذكاء الاصطناعي
  • لمحبي الذكاء الاصطناعي.. OpenAI تتيح تطبيق ChatGPT مجانا
  • روسيا.. تطوير أول منظومة آلية تعتمد الذكاء الاصطناعي لتنظيف الشوارع
  • كيف يغير الذكاء الاصطناعي دور محترفي الأمن السيبراني؟