نهضة راسخة وولاء يتجدد
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
د. حامد بن عبدالله البلوشي **
shinas2020@yahoo.com
يعَد حب الوطن منَ الأمور المتجذرة في النفس الإنسانية، ومن العلامات الراسخة على الفطرة السليمة. وقدْ عده الإسلام فضيلةً يجب أنْ يتحلى بها المسلمونَ. ففي حادثة الهجرة النبوية الشريفة من مكةَ إلى المدينة، حين ضاقت الأرض بما رحبت، وأرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم، لم يجد -عليه الصلاة والسلام- بدا من الخروج من تلك الأرض التي شهدت نشأته.
وعندَ خروجه من مكةَ، ظهرتْ حين ذلك مشاعر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الجياشة نحوَ وطنه، وبرزت أحاسيسه الصادقة تجاه أرضه التي أوته، فلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يودعها وداعَ مَن يعتقد أنه لن يحن لها، بل وداعَ مشتاق مغلوب على أمره، يحمله الحنين إليها أينما ذهب، فقال حينها بعين المحب الوفي: "والله إنك لأحب أرض الله إلي، ولولا أن قومَك أخرجوني منك ما خرجت". في تلك اللحظات المؤثرة؛ تَجَلت معاني الوفاء، وحب الوطن، وبرزت قيمة الارتباط بالأرض التي تحتضن أحلامه وأمانيه.
ونحن إذ نحتفل بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد لسلطنتنا الغالية، نتذكر سويًا كيف حبانا الله -سبحانه وتعالى- بوطن عزيز؛ يتميز بتاريخ غني ومشرف عبرَ العصور، حتى أكرمنا الله -تبارك وتعالى- ببداية عصر النهضة الحديث عامَ 1970م، بقيادة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- حينها انطلقتْ النهضة الشاملة التي غيرتْ وجهَ السلطنة، وأعادتْ بناءَ اقتصادها، ومؤسساتها، وأساسات دولتها الحديثة.
وعُمان وطن يعيش في قلب كل مواطن، ويغتنم كل إنسان على هذه الأرض المباركة كل فرصة سانحة، كي يعبر فيها عن عشق الوطن، وتتجلى محبة الوطن بوضوح خاص في الاحتفاء بالعيد الوطني؛ حيث يعد هذا اليوم ليسَ مجردَ احتفاء سنوي؛ بل هوَ تذكيرٌ عميقٌ بمسيرة النهضة المجيدة، وخاصةً خلالَ عَهْد السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله، الذي تولى مقاليد البلاد في زمن صعب بكل المقاييس؛ إذ كانت عُمان تعيش في عزلة عن العالم، غارقة في غياهب الجهل، والمرض، والتخلف، وقادها بكل ثقة واقتدار نحو نهضة شاملة، وباتت راية عُمان خفاقة بين دول العالم، بفضل سياسته الحكيمة، ورؤيته المستنيرة، حيث أصبحتْ عُمان مثالًا يحتذى به في التطور، والبناء الحضاري في المنطقة. وقدْ قالَ السلطان قابوس في خطابه الأول: "إننا نعاهدكم بأننا سنقوم بواجبنا تجاه شعب وَطَننَا العزيز. كما أننا نأمل أن يقوم كل فرد منكم بواجبه لمساعدتنا على بناء المستقبل المزدهر السعيد المنشود لهذا الوطن".
وبعدَ رحيل السلطان قابوس- طيب الله ثراه- تسلمَ الراية من بعده، وحمل مشعل النهضة، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أبقاه الله- ليكملَ المسيرةَ، ويعملَ على تجديد النهضة العُمانية، برؤية حديثة، تلبي تطلعات العصر، وتتماشى معَ التحديات الراهنة. وقدْ أكدَ جلالته- حفظه الله ورعاه- في خطابه الأول، على استمرار العمل على تعزيز النهضة العُمانية، حيث قالَ جلالته: "إن الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمة، والمسؤوليات جسيمة، فينبغي لنا جميعًا أن نعمل من أجل رفعة هذا البلد، وإعلاء شأنه، وأن نسير قدما نحو الارتقاء به إلى حياة أفضل".
ويعد المواطن العُماني هو الركيزة الأساسية في بناء الوطن العزيز، إذْ إن الحفاظَ على مكتسبات الوطن، ومسيرة النهضة؛ يعتمد كل الاعتماد على سواعد أبنائه الأوفياء، وعقول مواطنيه الشرفاء، فالأوطان تحتاج للعقول التي تخطط وتبدع، والأيدي التي تبني وتنجز، والقلوب التي تخلص وتضحي. إن كل إنجاز -مهما كان حجمه- يسهم في تحقيق رؤية أكبر لمستقبل مشرق ومزدهر، يكون فيه الوطن قويًا ومتقدمًا بين الأمم.
إنَّ حب الوطن ليسَ مجردَ كلمات تقال في مناسبات عابرة، بل هو شعورٌ عميقٌ، وسلوكٌ يومي، يَظهر في عمل المواطن، وإخلاصه، وعطائه المتواصل. فالمواطن الوفي يجسد هذا الحب من خلال التزامه بأداء واجباته، وإتقانه لأعماله، وحرصه على مصلحة مجتمعه، لذا؛ علينا أن نشارك جميعا في مسيرة النهضة المتجددة، والبناء المستمر، لهذا الوطن المعطاء على هذه الأرض الطيبة، كل من خلال موقعه ومسؤوليته، مجسدين أرقى معاني المواطنة الإيجابية؛ والمسؤولية الوطنية، وستبقى عُمان قوية بأبنائها المحبين، ومؤسساتها المسؤولة، وقيادتها الرشيدة، وستستمر مسيرة العطاء من أجل مستقبل مشرق، وحياة كريمة مستدامة للجميع بإذن الله تعالى.
وفي الختام.. نرفع إلى المقام السامي أسمى آيات التهاني والتبريكات بهذه المناسبة العظيمة، معاهدين جلالته أن نكون جنودًا أوفياء مخلصين لهذا الوطن الغالي، والمشاركة في خدمته، وبناء نهضة عُمان المتجددة نحو آفاق التقدم والازدهار.
** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الحراك الثوري يدين عمليات التعذيب التي تمارسها قوات "درع الوطن" لرئيس مكتبه السياسي
أدان مجلس الحراك الثوري الجنوبي بشدة ما وصفه بـ "الجريمة النكراء" التي تعرض لها رئيس مكتبه السياسي، عبد الولي الصبيحي، بعد تعرضه للتعذيب الوحشي في أحد معتقلات قوات "درع الوطن" في العاصمة المؤقتة عدن جنوب اليمن.
وأوضح المجلس في بيان صدر اليوم عنه ورصده "الموقع بوست"، أن الصبيحي تم اعتقاله في 13 نوفمبر 2024، وخضع خلال فترة احتجازه لتعذيب جسدي ونفسي شديد، مما أدى إلى تدهور حالته الصحية بشكل خطير، ما اضطر الجهات التي تحتجزه إلى نقله إلى مستشفى الوالي في مديرية المنصورة.
وأكد البيان أن هذه الجريمة تأتي ضمن حملة ممنهجة تستهدف قيادات وكوادر الحراك الثوري الجنوبي بهدف قمع الأصوات الحرة المطالبة بحقوق الجنوبيين المشروعة في الحرية والاستقلال.
وأشار المجلس إلى أن ما تعرض له الصبيحي يمثل جزء من سلسلة طويلة من الانتهاكات والجرائم التي تُمارَس في العاصمة المؤقتة عدن، التي تشهد تدهور للأوضاع المعيشية والإنسانية والخدمية صعبة، وسط انفلات أمني غير مسبوق.
ودعا البيان، المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى التحرك العاجل لإدانة هذا العمل البشع والضغط لوقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وناشد المجلس القوى الحية في العالم للتضامن مع الشعب الجنوبي ودعم قضيته العادلة، مطالبا في الوقت ذاته بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم وتقديمهم إلى العدالة لينالوا عقابهم.