جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-18@21:37:46 GMT

نهضة راسخة وولاء يتجدد

تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT

نهضة راسخة وولاء يتجدد

 

د. حامد بن عبدالله البلوشي **

shinas2020@yahoo.com

 

يعَد حب الوطن منَ الأمور المتجذرة في النفس الإنسانية، ومن العلامات الراسخة على الفطرة السليمة. وقدْ عده الإسلام فضيلةً يجب أنْ يتحلى بها المسلمونَ. ففي حادثة الهجرة النبوية الشريفة من مكةَ إلى المدينة، حين ضاقت الأرض بما رحبت، وأرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم، لم يجد -عليه الصلاة والسلام- بدا من الخروج من تلك الأرض التي شهدت نشأته.

وعندَ خروجه من مكةَ، ظهرتْ حين ذلك مشاعر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الجياشة نحوَ وطنه، وبرزت أحاسيسه الصادقة تجاه أرضه التي أوته، فلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يودعها وداعَ مَن يعتقد أنه لن يحن لها، بل وداعَ مشتاق مغلوب على أمره، يحمله الحنين إليها أينما ذهب، فقال حينها بعين المحب الوفي: "والله إنك لأحب أرض الله إلي، ولولا أن قومَك أخرجوني منك ما خرجت". في تلك اللحظات المؤثرة؛ تَجَلت معاني الوفاء، وحب الوطن، وبرزت قيمة الارتباط بالأرض التي تحتضن أحلامه وأمانيه.

ونحن إذ نحتفل بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد لسلطنتنا الغالية، نتذكر سويًا كيف حبانا الله -سبحانه وتعالى- بوطن عزيز؛ يتميز بتاريخ غني ومشرف عبرَ العصور، حتى أكرمنا الله -تبارك وتعالى- ببداية عصر النهضة الحديث عامَ 1970م، بقيادة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- حينها انطلقتْ النهضة الشاملة التي غيرتْ وجهَ السلطنة، وأعادتْ بناءَ اقتصادها، ومؤسساتها، وأساسات دولتها الحديثة.

وعُمان وطن يعيش في قلب كل مواطن، ويغتنم كل إنسان على هذه الأرض المباركة كل فرصة سانحة، كي يعبر فيها عن عشق الوطن، وتتجلى محبة الوطن بوضوح خاص في الاحتفاء بالعيد الوطني؛ حيث يعد هذا اليوم ليسَ مجردَ احتفاء سنوي؛ بل هوَ تذكيرٌ عميقٌ بمسيرة النهضة المجيدة، وخاصةً خلالَ عَهْد السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله، الذي تولى مقاليد البلاد في زمن صعب بكل المقاييس؛ إذ كانت عُمان تعيش في عزلة عن العالم، غارقة في غياهب الجهل، والمرض، والتخلف، وقادها بكل ثقة واقتدار نحو نهضة شاملة، وباتت راية عُمان خفاقة بين دول العالم، بفضل سياسته الحكيمة، ورؤيته المستنيرة، حيث أصبحتْ عُمان مثالًا يحتذى به في التطور، والبناء الحضاري في المنطقة. وقدْ قالَ السلطان قابوس في خطابه الأول: "إننا نعاهدكم بأننا سنقوم بواجبنا تجاه شعب وَطَننَا العزيز. كما أننا نأمل أن يقوم كل فرد منكم بواجبه لمساعدتنا على بناء المستقبل المزدهر السعيد المنشود لهذا الوطن".

وبعدَ رحيل السلطان قابوس- طيب الله ثراه- تسلمَ الراية من بعده، وحمل مشعل النهضة، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أبقاه الله- ليكملَ المسيرةَ، ويعملَ على تجديد النهضة العُمانية، برؤية حديثة، تلبي تطلعات العصر، وتتماشى معَ التحديات الراهنة. وقدْ أكدَ جلالته- حفظه الله ورعاه- في خطابه الأول، على استمرار العمل على تعزيز النهضة العُمانية، حيث قالَ جلالته: "إن الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمة، والمسؤوليات جسيمة، فينبغي لنا جميعًا أن نعمل من أجل رفعة هذا البلد، وإعلاء شأنه، وأن نسير قدما نحو الارتقاء به إلى حياة أفضل".

ويعد المواطن العُماني هو الركيزة الأساسية في بناء الوطن العزيز، إذْ إن الحفاظَ على مكتسبات الوطن، ومسيرة النهضة؛ يعتمد كل الاعتماد على سواعد أبنائه الأوفياء، وعقول مواطنيه الشرفاء، فالأوطان تحتاج للعقول التي تخطط وتبدع، والأيدي التي تبني وتنجز، والقلوب التي تخلص وتضحي. إن كل إنجاز -مهما كان حجمه- يسهم في تحقيق رؤية أكبر لمستقبل مشرق ومزدهر، يكون فيه الوطن قويًا ومتقدمًا بين الأمم.

إنَّ حب الوطن ليسَ مجردَ كلمات تقال في مناسبات عابرة، بل هو شعورٌ عميقٌ، وسلوكٌ يومي، يَظهر في عمل المواطن، وإخلاصه، وعطائه المتواصل. فالمواطن الوفي يجسد هذا الحب من خلال التزامه بأداء واجباته، وإتقانه لأعماله، وحرصه على مصلحة مجتمعه، لذا؛ علينا أن نشارك جميعا في مسيرة النهضة المتجددة، والبناء المستمر، لهذا الوطن المعطاء على هذه الأرض الطيبة، كل من خلال موقعه ومسؤوليته، مجسدين أرقى معاني المواطنة الإيجابية؛ والمسؤولية الوطنية، وستبقى عُمان قوية بأبنائها المحبين، ومؤسساتها المسؤولة، وقيادتها الرشيدة، وستستمر مسيرة العطاء من أجل مستقبل مشرق، وحياة كريمة مستدامة للجميع بإذن الله تعالى.

وفي الختام.. نرفع إلى المقام السامي أسمى آيات التهاني والتبريكات بهذه المناسبة العظيمة، معاهدين جلالته أن نكون جنودًا أوفياء مخلصين لهذا الوطن الغالي، والمشاركة في خدمته، وبناء نهضة عُمان المتجددة نحو آفاق التقدم والازدهار.

** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مؤتمر جامعة السلطان قابوس يوصي بتطوير الحماية الاجتماعية للأطفال وكبار السن

اختتم المؤتمر الدولي الثالث لقسم علم الاجتماع والعمل الاجتماعي الذي نظمته جامعة السلطان قابوس بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية بعنوان"سياسات وبرامج الرعاية الاجتماعية ودورها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة" بعد أن استمر على مدار يومين، بمشاركة أكاديميين، وباحثين، وخبراء من داخل سلطنة عمان وخارجها.

وفي ختام المؤتمر، أصدر المشاركون مجموعة من التوصيات المهمة لتعزيز سياسات الرعاية الاجتماعية والارتقاء بها بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، حيث أبرزت التوصيات ضرورة تطوير وتعزيز شمولية منظومة الحماية الاجتماعية؛ لتشمل الفئات المهمشة مثل النساء، والأطفال، وكبار السن، والعمال غير الرسميين، مع التأكيد على ضرورة إصلاح التشريعات لضمان استدامة تكامل الحماية الاجتماعية. كما أوصى المشاركون بضرورة تطوير آليات تمويل مبتكرة، تعتمد على مصادر حكومية، وخاصة، ودولية لدعم هذه المنظومة.

كما شدد المؤتمر على أهمية تصميم دليل أخلاقي يتماشى مع التحول الرقمي في مؤسسات الرعاية الاجتماعية؛ لتحديد القواعد والإجراءات المتعلقة بالممارسات المهنية الرقمية، بما يضمن حماية حقوق المستفيدين وتعزيز الشفافية والمساءلة في هذا المجال.

من بين التوصيات البارزة أيضًا، كان هناك دعوة لتحسين سياسات وبرامج الرعاية الاجتماعية لكبار السن، مع ضرورة وضع سياسات وطنية تراعي احتياجاتهم وتطلعاتهم، وتوفير برامج متخصصة لدعم مشاركتهم المجتمعية وتقديم رعاية صحية ونفسية واجتماعية شاملة. كما تم التأكيد على تحسين جودة الرعاية الاجتماعية للأطفال، من خلال تطوير خدمات وبرامج تركز على النمو السليم للأطفال في بيئة صحية وآمنة، وحمايتهم من الإهمال والإساءة، بالإضافة إلى اعتماد أنظمة وتقنيات تساعد الطلبة ذوي الإعاقة على التفاعل مع بيئتهم المحيطة باستقلالية.

كما أوصى المؤتمر بضرورة دمج التعليم بالتنمية المستدامة من خلال تضمين أهداف التنمية المستدامة في المناهج الدراسية واستحداث مواد تعليمية تركز على المهارات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والابتكار. كما تم التأكيد على أهمية توفير بيئة داعمة للمرأة القيادية في المؤسسات العمانية وتعزيز دورها في صنع القرار، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات بين القطاعات الحكومية والخاصة لتحقيق التنمية المستدامة.

كما شدد المشاركون على ضرورة إنشاء مرصد عربي للخدمة الاجتماعية يدرس قضايا الفئات الأولى بالرعاية مثل فاقدي الرعاية الوالدية، وتقديم الدعم لسياسات الرعاية الاجتماعية من خلال بناء قدرات المؤسسات الإيوائية، وتنفيذ مسوحات دورية لتحديد الاحتياجات وتطوير حلول مبتكرة.

وفي مجال القطاع الخاص، أوصى المؤتمر بضرورة تبني سياسات تشجع على تقديم الدعم الاجتماعي المستدام، عبر تطبيق معايير العمل العادلة، وتأمين بيئات عمل صحية وآمنة، بالإضافة إلى دعم برامج تدريبية وتوظيفية للعمال من الفئات الأقل حظًا، مما يعزز من قدرتهم على المشاركة الفاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

على صعيد إدارة الأزمات والكوارث، تمت دعوة المؤسسات التعليمية إلى إدراج إدارة الأزمات في المناهج التعليمية، مع تدريب فرق العمل على السيناريوهات المتوقعة، وتنسيق الجهود بين الجهات المعنية لمواجهة الكوارث.

وفي ختام المؤتمر، شدد المشاركون على أهمية استمرار تنظيم المؤتمرات التي تركز على سياسات وبرامج الرعاية الاجتماعية، بما يسهم في تعزيز الوعي المجتمعي وتحقيق تقدم مستدام في هذا المجال، كما اقترحوا طرح قضايا جديدة تتعلق بتطوير هذه السياسات على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.

محاور المؤتمر

ناقش المؤتمر العديد من المحاور الرئيسية مثل سياسات وبرامج الرعاية الاجتماعية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة طبقا لـ"رؤية عمان 2024"، بالإضافة إلى التجارب العربية والدولية في هذا المجال. كما تم التركيز على دراسات العدالة الاجتماعية، وقضايا البيئة، واستشراف مستقبل سياسات الرعاية الاجتماعية في ضوء التغيرات العالمية.

كما تضمن برنامج المؤتمر 17 جلسة علمية تناولت الأوراق المقدمة في هذه المحاور، بالإضافة إلى 9 حلقات عمل شارك فيها 115 بحثًا علميًا وورقة عمل من 189 باحثًا من 21 دولة.

الطفولة المبكرة

على هامش المؤتمر، قالت الدكتورة وطفة بنت سعيد المعمرية، استشاري أول طب الأطفال بمستشفى جامعة السلطان قابوس: إن حلقة العمل التي قدمتها تطرقت إلى أهمية السنوات الأولى في بناء القدرات المعرفية والاجتماعية والعاطفية للأطفال، مع استعراض الأساليب الحديثة في تعزيز النمو الصحي والتعلم المبكر. كما تم مناقشة التحديات والحلول في هذا المجال مع عرض تجارب ناجحة من سلطنة عمان وخارجها.

التنمية الشاملة

وفي الجلسة الافتتاحية، أكد الدكتور فتحي شراي من جامعة قرطاج التونسية، في ورقته العلمية، على دور الخدمة الاجتماعية في تحقيق التنمية الشاملة، موضحًا أن الخدمة الاجتماعية قد تطورت لتصبح جزءًا من المؤسسات الاجتماعية الرئيسية التي تساهم في عملية التنمية المستدامة، مما يعكس أهمية التوعية الاجتماعية بالتحولات البيئية والتنموية.

وأكد المؤتمر في ختام أعماله على ضرورة تبني منهج تنموي شامل يشمل جميع جوانب التنمية، بما فيها الاقتصادية والاجتماعية، ويعزز المسؤولية الاجتماعية لدى الأفراد والمؤسسات لتحقيق مجتمع أكثر تضامنًا.

مقالات مشابهة

  • تكريم الفائزين بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في دورتيها العاشرة والحادية عشرة لعامي 2023 و2024
  • الخميس.. تكريم الفائزين في مسابقة "اقرأ" للناشئة
  • بتكليف سامٍ.. محافظ مسقط يرعى تسليم "جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون"
  • محافظ مسقط يرعى حفل تسليم جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب.. الأربعاء
  • مؤتمر جامعة السلطان قابوس يوصي بتطوير الحماية الاجتماعية للأطفال وكبار السن
  • إطلاق برنامج للتبادل الطلابي بين "ميناء صحار" وجامعة السلطان قابوس"
  • المراسم السلطانية يتوج بالبطولة السابعة لوحدات ديوان البلاط
  • وزير الديوان يستعرض جهود الارتقاء بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب
  • رئيس بيلاروس يتعرف على محتويات المتحف الوطني ويزور "ركن السلطان قابوس"
  • جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب