كونفشيوس العراق
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
نوفمبر 18, 2024آخر تحديث: نوفمبر 18, 2024
هاني عاشور
رغم مرور عشرين سنة على التغيير في العراق، لم يظهر كونفشيوس العملية السياسية، ذلك الذي ينادي بالحب والوئام، وحسن معاملة الناس بعضهم لبعض، والأدب في الخطاب، واحترام الأكبر سنًا، وتقديس الأسرة، وأهمية الطاعة والاحترام للكبار مقامًا وسنًا، واحترام الحاكم، وكره الظلم والطغيان.
لقد ظهر في العراق عشرات، وربما مئات، من أمثال شمشون الجبار، وميكافيللي، وطرزان، وشايلوك، وابن سبأ، وأشعب الطمّاع. ولكن حينما تخلو الحياة من العباقرة والمفكرين والحكماء، تصبح أقرب إلى نهايتها، وتتحول وراثة الدم والثأر والحقد إلى متلازمة تاريخية لا تخلّف سوى أكوام من الجماجم هنا وهناك.
لماذا لم يولد أو يظهر كونفشيوس في العراق، رغم وجود رجال ذاقوا الظلم وتجرّعوا سم الطغيان والتفرّق والغربة والمطاردة؟ ولماذا لم تمنح مصاعب الحياة البعض ممن كنّا ننتظرهم ليكونوا لمسة من الحكمة، وليقولوا كلمة حق ووئام في ظرف تتقاذف فيه الجثث مثل فقاعات الصابون، وتنتزعها القبور كعودة الابن الضال، حتى أصبحنا نعتقد أن تلك أبجدية الحياة ومسارها الطبيعي.
لم يكن كونفشيوس سوى نتاج حرمان، فقد أباه وهو صغير. وكم منّا مَنْ فقد أباه في الحروب الطويلة التي عاشها العراق طيلة قرن مضى؟ لقد حدّد كونفشيوس مذهبه في إطار شيئين مهمّين: “جن” و”لي”. أمّا “جن”، فهي الحب والاهتمام الحميم بإخواننا البشر، وأما “لي”، فهي تصف مجموعة من الأخلاق والطقوس والتقاليد والإتيكيت واللياقة والحشمة.
فلماذا نحن الآن بلا “جن” ولا “لي”؟ أَهكذا يراد لنا أن نكون، أم أننا اخترنا هذه الحياة بأنفسنا؟
سألت بعض أصدقائي عن سبب غياب كونفشيوس في حياتنا. فقال أحدهم إن فضائياتنا لا تحبّذ ظهور أمثاله، لأنها تعتاش على التنابز بالألقاب وصراعات الديكة. وقال آخر إن المال الحرام لا يترك كونفشيوسًا واحدًا على الأرض. لكن صديقًا ثالثًا قال: “نحن نعيش اليوم عصر قتل الكونفشيوسيين لأنهم يكشفون حقيقة كارهي الحياة.” واستشهد آخر ببيت شعر للجواهري:
لا تنسَ أنّك من أشلاءِ مجتمعٍ
يدين بالحقدِ والثارات والدَّجلِ
وأخيرًا، عذرًا يا كونفشيوس لأنني أيقظتك من قبرك وجعلتك مثالًا وموضوعًا للكتابة، وخلطت ذكرك بطبق مسموم من الأحزان.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
إقرأ أيضاً:
التوكُّلُ على الله في مواجهة أعداء الله وصعاب الحياة
شاهـر أحمد عميـر
في عالم مليء بالأزمـات والتحديات المتعددة، يجد المـؤمن نفسَه في مواجهـة مُستمرّة مع أعداء الله وأعداء الحق وأصحاب الظلم والعدوان، أُولئك الذين يحاولون تقويض القيم الإيمانية وإضعاف إرادَة الشعوب المستضعفة.
يقف الإنسان أمام هذا الواقع محاصرًا بأحمال ثقيلة، وقد يشعر ضعفه وعجزه عن مواجهة هذه التحديات وحده.
وهنا يأتي السبيل الأوحد والأسلم لكل مؤمن، وهو اللجوء إلى الله والتوكل عليه، مستعينًا بقوته، واثقًا بحكمته، متوكلًا على تدبيره في السراء والضراء.
قال الله تعالى: {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إذَا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإنسان قَتُورًا}، مبينًا محدودية الإنسان مهما بلغت قوته ومكانته، وأن خزائن الله وحده تحتوي على الرزق والرحمة، وأنه جل جلاله المتكفل بتدبير أمور عباده. فالإنسان مهما حاول التحكم بمصيره يبقى عاجزًا عن درء الخطر أَو جلب النفع لنفسه إلا بما شاء الله.
وهنا يظهر دور القيادة الصالحة التي تهدي الأُمَّــة إلى ضرورة التمسك بحبل الله والاعتماد عليه في مواجهة الأعداء والتحديات. إن علم الهدى، السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، حفظه الله وأطال في عمره، يمثل نموذجًا للقائد الذي يحمل في قلبه صدق التوكل على الله، ويبث في نفوس المؤمنين قوة الإيمان ويعزز فيهم العزيمة والثبات.
في كُـلّ خطبه وتوجيهاته، يذكّر السيد القائد بضرورة الإيمان العميق والاعتماد الكلي على الله، ويحث أبناء الأُمَّــة العربية والإسلامية على التوكل الصادق الذي يمنحهم الثبات والقوة لمواجهة أعداء الله ومواجهة خطرهم على الأُمَّــة الإسلامية ومقدساتها. فهو، حفظه الله، يؤمن بأن النصر والتمكين لا يأتيان إلا لمن ارتبط قلبه بالله وحدَه واستعان به في كُـلّ شأنه، مشدّدًا على أن العزةَ والكرامةَ تُنال بفضل الله وحدَه.
ودائمًا يعلّمنا السيد القائد أن التوكل لا يعني التخاذل أَو انتظار النصر بلا عمل، بل هو مزيج من السعي والتوكل، إذ يقول الله في الحديث القدسي: “يا عبدي، اعقل وتوكل”. فالتوكل الحقيقي هو ذاك الذي يرافقه العمل، فالمؤمن يتخذ بالأسباب ويجتهد، ولكنه يدرك أن الفضل يعود لله في النهاية. وهذا التوكل القوي هو السلاح الروحي الذي يُمدّ به الإنسان قلبه، فيجعل له قوةً لا تضاهيها قوة، وصبرًا لا يهزه شيء، وطمأنينةً تغمر قلبه حتى في أشد اللحظات.
وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا”، فالطير تخرج كُـلّ صباح تسعى في طلب الرزق، لكنها تخرج بقلوب مملوءة بالثقة برزق الله لها. وهكذا يجب أن يكون حال المؤمن في سعيه، يعتمد على الله ويدعوه أن يوفقه، ويطلب منه القوة والعون في مواجهة أعداء الله.
وفي ظل ما تمر به الأُمَّــة العربية والإسلامية اليوم، من تحديات كبرى وصراعات قد تنهك القلوب، تظل الحاجة ماسة إلى استحضار معاني التوكل والثقة بالله، والاستلهام من القادة الذين يرشدون الأُمَّــة إلى الطريق السوي. فالتوكل على الله في مواجهة أعداء الله وصعاب الحياة هو السبيل الذي يمنح النفس الثبات ويثبت الأقدام في مواجهة المخاطر.