عربي21:
2024-11-18@15:32:41 GMT

الوضع الدستوري للشركة المتحدة!

تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT

فكرت أن أضع عنوانها كاملا؛ "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، وذلك للتعريف بها، لكني تذكرت أنها صارت في الأيام القليلة الماضية أشهر من نار على علم، وذلك بعد أن نفر عدد من أعيانها خفافا وثقالا وهم يعلنون فخرهم بالعمل فيها، وبدلا من أن كان الشعار الأثير "مصري وأفتخر"، أصبح "أعمل في المتحدة وأفتخر"، فقد صارت لهم وطنا!

العنوان في أصله مستقى من عنوان لمقال تاريخي كتبه الدكتور حلمي مراد وتناقلته الأجيال وهو: "الوضع الدستوري لحرم رئيس الجمهورية"، وكانت السيدة جيهان السادات قد تمددت في المشهد العام، حتى كان الشائع أنها من تحكم مصر، وقد أضر ظهورها على هذا النحو بالرئيس السادات رحمه الله، ضررا بالغا.



أما الشركة المتحدة، فهي أداة السلطة الحالية للهيمنة على وسائل الإعلام، فأهل الحكم وجدوا أنفسهم في مأزق، وهم يبحثون لإعلامهم الخاص عن مالك في الظاهر ينوب عن السلطة، وهي أزمة النظام منذ تأميم الصحافة في سنة 1960، فقد ورث الإذاعة وهي تابعة للحكومة منذ تنظيمها في العهد السابق، بعد مرحلة قصيرة كانت فيها مملوكة للأفراد، ونطاق إرسال كل إذاعة محدود، فيما سمي بمرحلة الإذاعات الأهلية، ولم تكن هناك مشكلة في ملكية التلفزيون الذي نشأ في أحضان السلطة، فسرى عليه ما يسري على الإذاعات، لكن ظلت المشكلة في الصحافة، ورغبة عبد الناصر في الاستحواذ عليها!

الشركة المتحدة، فهي أداة السلطة الحالية للهيمنة على وسائل الإعلام، فأهل الحكم وجدوا أنفسهم في مأزق، وهم يبحثون لإعلامهم الخاص عن مالك في الظاهر ينوب عن السلطة، وهي أزمة النظام منذ تأميم الصحافة في سنة 1960
عندما وقع التأميم، الذي أطلق عليه هيكل عنوان "تنظيم الصحافة"، كتبوا في المذكرة الإيضاحية للقانون أن الأمر يتسق مع أحد أهداف الثورة وهو منع سيطرة رأس المال على الحكم، ومن ثم فالقانون أكد على تحقيق هدف الثورة بضرورة ملكية الشعب لوسائل التوجيه الاجتماعي والسياسي، وإن انتقلت الصحافة لملكية السلطة فقد كان المخرج هو أن تكون تابعة للاتحاد القومي (التنظيم السياسي الوحيد)، الذي تحول للاتحاد الاشتراكي، لكن الرئيس السادات نقل الملكية القانونية لمجلس الشورى.

وقد ظل القرار اختصاصا أصيلا للرئيس، وكان عبد الناصر مهتما بالصحافة ومشغولا بها وكذلك السادات، فلما جاء مبارك أوكل الأمر لرؤساء هذه المؤسسات الصحفية، كما أوكل مهمة الإذاعة والتلفزيون لوزير إعلامه الذي صنعه على عينه، وبعض هذه القيادات الصحفية ورثها من زمن السادات!

بيد أن النظام الحالي، كان الأكثر بؤسا في إدارة هذا الملف، فقد بدا عازفا منذ البداية في النهوض باتحاد الإذاعة والتلفزيون، لخسائره المالية، مع أن دراسات جدوى وُضعت للتخلص من هذه الأعباء والنهوض به، فكان التفكير في ترك الإعلام الرسمي يتحلل، والبدء في صناعة إعلام بديل، فكانت الشركة المتحدة التي تأسست في سنة 2017، وتحولت إلى إمبراطورية فيها 8 آلاف و700 موظف، وتملك 40 شركة، و10 منصات إخبارية، و17 قناة تلفزيونية!

أكبر كيان:

وفي تعريفها لذاتها جاء أنها واحدة من أكبر الكيانات الإعلامية في المنطقة العربية بأكملها!! ثم شطحت بعيدا لتتفق مع شعارات المرحلة؛ الأطول، والأعرض، والأكبر، على مستوى العالم، فجاء التعريف الإضافي؛ "نجحت في أن تتربع على عرش أكبر المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي في وقت قياسي". ويمكن ملاحظة هذا التواضع؛ فتفوقها في حدود المنطقة العربية والوطن العربي، وليس على مستوى العالم، حال أطول برج، وأكبر مئذنة، وأعرض كنيسة!

فيما مضى فإن الملكية الواقعية لوسائل الإعلام كانت لرئيس الدولة وأن المؤسسات التي تمارس الملكية على الورق هي غطاء لهذا الاهتمام الرئاسي، وكان جمال عبد الناصر مشغولا بالصحافة قارئا ومسؤولا، ويجلس مع رؤساء تحرير الصحف في البداية بالساعات، وهيكل فيما بعد، أكثر من تواصله مع المسؤولين، ومن هنا أمكنه كسب ود الكتاب والمفكرين، فيزور طه حسين في منزله، ويخبره كيف أنه كان يدخر من مصروفه ليشتري الجريدة كل أسبوع ليقرأ مقاله!

وكان السادات الذي شغل موقع المدير العام لمؤسسة دار التحرير، التي أطلقها ضباط الحركة لتصدر صحيفتي "الجمهورية" و"المساء"، يعتبر نفسه صحفيا، وهي مرحلة مكنته من أن يفهم تفاصيل الحياة الصحفية، فيناضل من أجل تحويل النقابة الى ناد ويفشل، ثم يتقرب من الصحفيين بقانون للصحافة يتجاوز الاسم القديم؛ "تنظيم الصحافة" إلى قانون "سلطة الصحافة"، ويدغدغ المشاعر بأن الصحافة هي السلطة الرابعة. ولم يتقبل منه وجهاء المهنة هذه التسمية، واعتبروها إهانة للسلطة وتحويلها من صاحبة الجلالة إلى مجرد واحدة من سلطات الدولة، وكانوا في هذه متحاملين عليه!

حالة من التمرد غير مسبوقة، وكأنهم صاروا دولة داخل الدولة، وأقوى من النظام فيتحدون قرار إبعاد كفيلهم، ويمنون عليه أن أمنوا به.. أي بالنظام، وخرج عدد منهم يهتفون: نفخر بالعمل في المتحدة، فما هو الوضع الوظيفي لسكرتير مدير مكتب المخابرات العامة بالشركة المتحدة ولو نظريا؟!
الذين تخطوا الرقاب:

كان عبد الناصر والسادات يختارون رؤساء التحرير، وجاء مبارك فلم يغير في الوجوه إلا بقدر، وترك لرجاله هؤلاء تقدير الموقف والتصرف، قبل أن يستغل صفوت الشريف انتقاله إلى مجلس الشورى، وتلاقت إرادته مع إرادة جماعة جمال مبارك فأحدث تغييرا استهدف تعيين شخصيات باهتة يمكنه السيطرة عليها، لأنه كان يشكو من أنه لم يكن صاحب قرار في الصحف القومية عندما كان وزيرا للإعلام!

وكان يمكن للنظام الحالي أن يترك الأمر بيد الكيانات الإعلامية الثلاثة؛ الأعلى للإعلام، والوطنية للصحافة، والوطنية للإعلام، كل في مجال اختصاصه، ما دام ليس جزءا من الحالة الإعلامية كما عبد الناصر والسادات، لكن الأزمة كانت في الشركة المتحدة، وهي غطاء، كما كان الاتحاد القومي، فالاتحاد الاشتراكي، فمجلس الشورى، ليكون القرار بيد رئيس الدولة، ولكن ليوكل الأمر كله لمن يحمل رتبة العقيد بجانب عمله مديرا لمكتب مدير المخابرات العامة، دون أن نقف على اهتماماته التي تؤهل لذلك، وهو صاحب عقدة النكاح في المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة المملوكة للدولة! فكان يصدمنا باختياراته، فنقرأ أسماء تتخطى الرقاب، ليكون سؤالنا من يكون هذا؟ ومن يكون هذا؟

وسمعنا عن رواتب يحصل عليها هؤلاء هي الأعلى في المنطقة العربية، وفي الوطن العربي! وتجمعت المناصب في يد فئة من هؤلاء الشبان، وكأنه يدير ثكنة عسكرية، وعلى قواعد ضابط يبحث عن عساكر مراسلة، وتعامل مع مقدمي البرامج على أنهم قطع شطرنج، فيستدعي هذا، ويحيل هذا على الاحتياط، وقد يستدعيه مرة أخرى، ويعيده للاستيداع من جديد، ومن خيري رمضان، للميس الحديدي، إلى توفيق عكاشة، ولا رقيب عليه!

وعلى أيامنا كان موقع رئيس تحرير صحيفة مثلا، هو موقع يحتاج إلى التفرغ الكامل، ويرضي طموح شاغله، فيرفض هيكل منصب وزير الإعلام وترك موقع رئيس مؤسسة الأهرام، وعندما يصر عبد الناصر على توزيره، يظل متمسكا بموقعه الصحفي، فما هو أهم من أن يكون الصحفي الطموح رئيسا للتحرير، وأن يكون الإعلامي رئيسا لقناة، ويكون مقدم البرامج ناجحا يشار له بالبنان؟!

وخلال الأيام الماضية، تم الاستغناء عن الرجل الأوحد في شؤون الإعلام، وهنا قام رجاله بحركة تمرد، وصلت إلى حد أن يكتب أحدهم أنه صاحب النجاح غير المسبوق، وكأنه يريد القول إن من فرط فيه يجهل الإدارة السليمة، فكيف يفرط في ناجح بعمله؟! ويمن آخر على النظام بأنهم أبطال 30 يونيو، فكيف يتحولون إلى عبء على الدولة؟ وأنهم من ساعدوها في توصيل رسالتها للناس!

وهي حالة من التمرد غير مسبوقة، وكأنهم صاروا دولة داخل الدولة، وأقوى من النظام فيتحدون قرار إبعاد كفيلهم، ويمنون عليه أن أمنوا به.. أي بالنظام، وخرج عدد منهم يهتفون: نفخر بالعمل في المتحدة، فما هو الوضع الوظيفي لسكرتير مدير مكتب المخابرات العامة بالشركة المتحدة ولو نظريا؟!

تمنيت أن يخرج مسؤول من الشركة المتحدة ليرد على ما ينشر على منصات التواصل الاجتماعي، فالمعلومة ضالة الصحفي، لكن لم يحدث، فالشفافية منعدمة، فلا نعرف من هؤلاء، أو من أين جاءوا برأس المال ومن يتحمل هذه الخسائر الكبير؟ ولماذا؟ هل هي أموال البنوك؟!
مخالف للقانون:

لا بأس، لنعد للشركة المتحدة، وحسب ما أذيع أن خسائر الشركة بلغت 20 مليار جنيه، لتنافس في المديونية اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقا، والوطنية للإعلام حاليا، وفي الفشل وإن كان فشلا سريعا، فماذا لو تم تطوير الاتحاد، بدلا من خيبة الأمل هذه؟!

وقد تمنيت أن يخرج مسؤول من الشركة المتحدة ليرد على ما ينشر على منصات التواصل الاجتماعي، فالمعلومة ضالة الصحفي، لكن لم يحدث، فالشفافية منعدمة، فلا نعرف من هؤلاء، أو من أين جاءوا برأس المال ومن يتحمل هذه الخسائر الكبير؟ ولماذا؟ هل هي أموال البنوك؟!

إن وضع الشركة مخالف للدستور الذي يمنع الاحتكار، وهي تمتلك 17 قناة تلفزيونية، منها ثلاث قنوات في الدراما، هي دي إم سي دراما، وبي بي سي دراما، وأون دراما، فلماذا كل هذا العبث؟!

وهذه الملكية لـ17 قناة تخالف القانون الذي نص على عدم جواز تملك الشركة الواحدة أكثر من سبع قنوات تلفزيونية، ولا يجوز أن تشمل على أكثر من قناة عامة، وأكثر من قناة إخبارية، وذلك حسب المادة (53) من قانون المجلس الأعلى للإعلام. ومع وجود أكثر من قناة عامة ضمن ملكيتها، وقناتين إخباريتين هما "القاهرة الإخبارية" و"إكسترا نيوز"، يصبح من حقنا أن نسأل: أين القانون؟!

وفي مجال الصحف، لا يجوز للشخص الاعتباري الجمع بين ملكية صحيفة يومية والمساهمة في صحيفة أخرى، والشركة تملك "الدستور" وهي صحيفة يومية وكذلك "اليوم السابع" وهي صحيفة يومية أيضا، ولا أعرف دورية الإصدار لصحيفة "أموال الغد"؟!

وبعيدا عن هذا فقد نصت اللائحة التنفيذية للقانون على إلزام المؤسسات الصحفية والإعلامية بنشر ميزانياتها وحساباتها الختامية في صحيفتين يوميتين واسعتي الانتشار، خلال الشهور الثلاثة التالية لانتهاء السنة المالية، وهو أمر لم يحدث، فأين دولة القانون؟!

إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة!

x.com/selimazouz1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الشركة المتحدة الإعلامية مصري الصحافة مصر الإعلام صحافة الشركة المتحدة مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرکة المتحدة عبد الناصر أکثر من

إقرأ أيضاً:

حدود الحرية في قانون الإعلام الجديد!

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

أثمن وأغلى ما في هذه الحياة هي حرية التعبير التي تعد مقياسًا حقيقيًا للعلاقات السليمة بين السُلطة الحاكمة في أي بلد والفرد أو المجتمع الذي يعيش في كنف تلك السلطة التي تُشرِّع له القوانين وتُنظِّم له مختلف أوجه الحياة؛ كالحقوق المدنية التي يجب أن يكتسبها ويتعرف عليها، وكذلك الواجبات المُلزمة والحدود التي يجب أن يُدركها الجميع من الرعية نحو الوطن، والتي تُشكِّل من وجهة نظر الحكومة "الخطوط الحمراء" التي لا يجب أن يتجاوزها المواطن الصالح، حتى وإن كان المجتمع يمثل الحلقة الضعيفة على وجه الخصوص في المجتمعات التي يُعتقد بأنها غير قادرة على التفريق بين الحق والباطل، وبالتالي تقوم الحكومات بالتصرف نيابة عن الشعب.

وإذا كان حديثنا الذي بدأ بحرية التعبير الذي هو اشمل واعم من الحريات الأخرى التي تعد فروعًا لها، فإن التركيزهنا سوف يتمحور حول حرية الإعلام، وخاصة الصحافة التي هي في الأساس رسول المظلومين وضمير الانسانية؛ لما تتحمله من مسؤوليات كبيرة عن تنوير الناس وتعريفهم بحقوقهم؛ بل في الوقوف أمام المتسلطين عبر التاريخ؛ فالصحفي الحر مثل الشمعة التي تحترق من اجل تُضيء الدروب المظلمة للجماهير. بدايةً بنضال الأوائل من المؤسسين الذين تزامن ظهورهم مع الصحافة في أوروبا أمثال جان جاك روسو مؤلف كتاب "العقد الاجتماعي" الذي يُعد من أهم كتاب عصر التنوير في فرنسا. ومن المؤسف حقًا أن نجد عددًا قليلًا من حكومات العالم لا يتجاوز عددها أصابع اليد الوحدة التي تحترم حرية الصحافة في هذا العالم المترامي الأطراف؛ فأكبر كذبة سمعتُها هي الزعم والافتراء بأن هناك سلطة رابعة اسمها الصحافة، خاصةً في المجتمعات النامية التي يُفترض أن يُراقب فيها الإعلام كل السُلطات، خاصة السلطة التنفيذية، فضلًا عن السلطتين التشريعية والقضائية. وفي حقيقة الأمر هناك صراع أبدي بين الحكومات والإعلام والأخير هو الضحية.

الفكرة التي اريد إيصلها للجميع عبر هذه السطور هي القوانين والأنظمة التي وُضِعَت لحماية الصحفي، والتي تستمد قوتها من الدساتير الموضوعة للأمم، وسرعان ما قد يتم تجاوزها عندما تشعر السلطات بأنها في خطرٍ يُهدد وجودها؛ فتجد الكل يتجاهل القوانين والتشريعات التي وُضِعت في وقت السلم والوئام.

فعلى سبيل المثال اضطترت بعض الحكومات في الشرق الأوسط في اعقاب "الربيع العربي" إلى إغلاق صحفها المشاغبة وتقييد حرية الصحفيين، دون النظر إلى نصوص قوانين الإعلام التي لا تُجيز مصادرة حرية الصحافة إلّا بأمر قضائي.

في المقابل، عرفت سلطنة عُمان عبر تاريخها 3 تشريعات تُنظِّم العلاقة بين الحكومة والإعلام، وإن كان القانون الأول الذي صدر في عام 1975 يتضمن 55 مادة، وقد مَنحت المادة رقم (9) من قانون المطبوعات والنشر لوزير الإعلام صلاحيات واسعة في إيقاف إصدار الصحف ومصادرتها دون الرجوع إلى أي سلطة قضائية، لكن لم يكن القانون الثاني الذي يحمل رقم (49/ 1984) والذي صدر في فترة الازهار الاقتصادي والاستقرار الأمني  للبلاد أفضل حالًا مما قبله، على الرغم من استمراره أكثر من 40 سنة.

لكن يجب الاعتراف بأنه خلال السنوات الأخيرة شهدت الصحافة العُمانية وكذلك الإعلام الإذاعي الخاص حريةً نسبيةً معقولةً لا تقل عن غيرها من دول الخليج العربية؛ بل أزعم أننا افضل حالًا من جيراننا في سقف الحرية، التي هي في واقع الأمر تعود بشكل كبير إلى الإرادة السياسية، وليس للقوانين المنظمة للإعلام فقط. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن جميع أمورنا على ما يرام؛ بل في الواقع هناك بعض المقالات وكذلك برامج إذاعية قد تم إيقافها خلال السنوات الماضية، رغم أن ذلك لم يتم إلّا على مستوى ضيق، وقد تكون هناك مُبرِّارات للرقابة الذاتية، وكذلك لمقص الرقيب من وجهة النظر الرسمية.

وقبل أسبوع، صدر قانون الإعلام الجديد بعد طول انتظار امتد لاربع عقود، وتضمن القانون 60 مادة، وحملت المادة رقم (3) العديد من النقاط المُهمة التي نتوقع منها- إذا ما تم تطبيقها بحسن النية من المسؤولين- أن يكون لها الأثر الطيب في حل مشكلة مُزمِنة تتمثل في الحق في الحصول على المعلومات من مصادرها، وتداولها بشكل مشروع، كما إن حرية الرأي والتعبير باستخدام وسائل الإعلام قد أقرها القانون الجديد كحق مكتسب لا لبس فيه، وهذا تطور إيجابي كبير. والأهم من ذلك كله حق الصحفي الاستقصائي، الحفاظ على سرية مصادر المعلومات التي يحصل عليها، فقد نصت المادة (21) على أنه "لا يجوز إجبار الإعلامي على إفشاء مصادر أخباره أو معلوماته، وذلك دون الاخلال بمقتضيات الأمن الوطني، والدفاع عن الوطن".

وتزامنًا مع نشر القانون الجديد، تواصلتُ مع الزملاء رؤساء التحرير ومديري الإذاعات الخاصة الذين تربطني بهم علاقات عمل، واستطلعت وجهات نظرهم حول القانون، فكانت إجاباتهم موحدة ومختصرة في كلمتين مفادهما "غرامات ومحظورات". وبالفعل القانون لا يخلو من بعض التحديات؛ فالعقوبات أُفرِدَ لها 20% من مواد القانون ممثلة في 12 مادة من اجمالي 60 مادة، كذلك الارتفاع الكبير في الغرامات التي تصل إلى 200 ألف ريال عُماني كحد اقصى، وكذلك عقوبة السجن التي تمتد في بعض النصوص إلى 3 سنوات، وكل ذلك يُشكِّل قلقًا وهاجسًا للأسرة الإعلامية، نتيجة ما يمكن أن تتعرض له المؤسسات والإعلاميين من عقوبات رادعة.

والسؤال المطروح الآن: ماذا نتج عن عمل المشرعين في مجلس عُمان خلال المداولات الماضية؟ فقد استبشرنا خيرًا بالأخبار التي وردتنا من مجلس الشورى بعد مناقشة مشروع القانون، والمتمثلة في إلغاء النصوص المتعلقة بالسجن، ولكن سرعان ما تم عرقلة مشروع القنون في بوابة أخرى حسب التسريبات، ثم نسمع عن توافق بين المختصين في مجلس عُمان حول النصوص المختلف عليها. لكن ما حصل من تباين في الآراء حول التعديلات المقترحة على مشروع قانون الحماية الاجتماعية يبدو أنه حدث مع قانون الإعلام، الذي كُنَّا نطمح أن يخلو من العقوبات غير المبررة التي تؤثر بصورة غير إيجابية على مكانة سلطنة عُمان في المؤشرات والمحافل الدولية.

وفي الختام.. كنا نأمل أن تكون مسألة إيقاف المؤسسات الإعلامية- سواء مؤقتًا أو دائمًا- متروكة برُمتها للقضاء والمحاكم وليس للحكومة.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • موعد رحيل نيمار دا سيلفا عن الهلال
  • طالبان وترامب.. هل تحقق الإدارة الأمريكية الجديدة حلم الشرعية الدولية للحركة؟
  • نتنياهو يعقد مشاورات أمنية مع تقدم مفاوضات وقف النار في لبنان
  • إعلام المزاريب وتصريف الأخبار
  • البرادعي يعلق على ترشيحات ترامب: الوضع أسوأ من أي وقت
  • حدود الحرية في قانون الإعلام الجديد!
  • مسؤول إغاثي: الوضع في شمال غزة يشبه "فيلم رعب"
  • الشرطة الكهربائية تخلي محطة أبو صوفة وتعيدها للشركة العامة للكهرباء
  • برلمانيو "الدستوري" و"الحركة" و"الأحرار" الأكثر تغيبا "بدون عذر" خلال جلستين... و30 برلمانيا تغيبوا مرتين