#الإسلام_والسلام
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
مقال الإثنين: 18 /11 /2024
لا يوجد معتقد ديني ولا أيديولوجيا بشرية، تنتهج السلام وتدعو لإفشائه بين الناس غير الإسلام، بل قد جعل الله تعالى السلام أحد أسمائه الحسنى، كما جعل التحية بين الناس: السلام عليكم.
السلام بمعناه الأساسي هو نشر الأمان والطمأنينة بين الناس، وجعل العلاقة بينهم مبنية على التعاون وتحقيق المصالح للجميع، من غير غمط الحقوق أو الظلم، والذي منبعه الطمع في ما لدى الآخر، لذلك فأول وسيلة لإحلال السلام والوئام بدل التنازع والتقاتل هي تحقيق العدالة المبنية على عدم غمط الحقوق.
من هنا نفهم حكمة الله تعالى في إنزال الدين على البشر، ليكون حكما ومرجعا محايدا، ولم يتركهم للاجتهادات الوضعية التي عادة ما تحابي الأقوى وصاحب التأثير الأعلى، وجعل عماد الدين التشريعات الناظمة لجميع العلاقات المجتمعية البينية بين الأفراد، وبين المجتمعات المختلفة ، وحتى بين الإنسان والبيئة، والمحافظة على الحقوق وصيانة الملكيات العامة وحمايتها من الاعتداء عليها.
من مراجعة التاريخ البشري، لن نجد أية حقبة زمنية ساد فيها السلام، بل دائما ما كان هنالك في المجتمع الواحد طبقات مستعبَدة لأخرى أقوى منها، أو في أفضل الأحوال مستغَلة من قبل طبقة أخرى، فتسرق جهدها لأجل رخائها.
كما كانت هنالك أقوام تستعبد أقواما آخرين، أو تستعمر أرضهم فتسلبهم خيراتها، ولا تبقي لهم غير الفتات، وكان المظلومون في أغلب الأحيان يناضلون لاستعادة حقوقهم الإنسانية، ولما كانت السلطة دائما في يد الظلمة، والتي لا تستجيب لأنّات المظلومين، فلا يبقى في أيديهم غير اللجوء الى العنف، فتلجأ السلطة الى القمع لدرء تطور الاحتجاج وصولا الى الثورة والتي تنذر بسقوط نظام الحكم.
وإن كان التمرد من قبل مجتمع مستلب الحقوق من قبل دولة أخرى، فتلجأ القوة الظالمة الى استعمال القوة المفرطة للقضاء على المحتجين، ولتخويف غيرهم من الانضمام لهم.
مما سبق نجد أنه لا يمكن تحقيق السلام بالقمع أو القوة العسكرية، فالتخويف في كلتي الحالتين لن يؤدي الى إحلال السلام، بل ستبقى الثورة كامنة في النفوس، كنار تحت الرماد، تهب من جديد في أول فرصة سانحة.
وعليه فلا يمكن أن يتحقق السلام الدائم الا ان كان عادلا، لذلك فمن العبث الاعتقاد بأن السلام يفرض بالقوة، ويثبت ذلك دوام الصراعات وتجددها، لأن الأيام دول ولم تستتب القوة الغالبة لأمة زمنا طويلا.
من خلال فهم تلك الحتمية التاريخية، نتوصل الى ان تحكيم الدين واتباع منهج الله هو الوسيلة الوحيدة لإحقاق الحقوق، لأنه هو المنهج الوحيد العادل الذي لا يحابي المتنفذين ولا يرضخ لسلطان القوة المتجبرة.
وبما أن الدين عند الله هو الإسلام، ومنهاجه ثابت مدون في القرآن الذي لا يمكن للبشر المتنفذين أن يعدّلوا في نصوصه، لذلك فاتباعه يحقق السلام الحقيقي.
في الحال المزري الراهن لأمتنا، ما أوصلنا إليه إلا من استسلموا للعدو وطبعوا معه بدلا من مقارعته الى أن يخرج من ديارنا التي احتلها، فزادونا هوانا وأطمعوا عدونا فينا، فعلوا ذلك لأنهم أخذوا بمنهج الغرب، ورموا كتاب الله وراء ظهورهم، ولو اتبعوه لوجدوا فيه مخرجا.
في قوله تعالى: “فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ” [محمد:35]، يبين لنا عدم جواز النزوع الى مسالمة العدو إلا من موقع القوة، أي أن شعار “السلام خيارنا الاستراتيجي” الذي رفعته الأنظمة الحاكمة في ديار المسلمين لتبرير استسلامها، هو خيانة لمنهج الله وخروج عن دينه، فقد بشرنا تعالى بأننا الأعلون إن اتبعناه وأطعناه، لأنه عندئذ سيكون معنا، ومن كان الله معه فلا غالب له، وأثبتت وقائع التاريخ ذلك، فلم يهزم المسلمون قط من قلة وعدم تكافؤ في القوة مع عدوهم عندما كانوا مطيعين لله، ما هزموا إلا عندما خالفوا أوامره.
وبناء على ما سبق فإن التطبيع مع العدو يعني إقرارا له بما احتله، وقد بين لنا كتاب الله أنه لا يجوز إلقاء السلم الى العدو الباغي قبل ان يستعاد منه ما استلبه، لذلك فالتطبيع مخالفة لأمر الله، ومن يفعله فلا يعتبر متبعا لمنهجه، ومن يؤيده في ذلك فهو مشترك معه في المعصية، ولن ينفعه يوم القيامة إيمان لم يعمل بهِ.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه ما کان
إقرأ أيضاً:
ترجمات القرآن والكتب الإسلامية.. بين نشر الدين وأمانة الكلمة
ويوضح الأستاذ صلاحي أن كل لغة تعبر عما يحتاجه أهلها الذين يتحدثون بها، ولكن اختلاف المجتمعات واختلاف الحضارات والأزمان، جعل بعض المفاهيم والمعاني موجودة في لغات دون غيرها، "فالله -سبحانه وتعالى- منزه عن الشبيه والند وكل ما يقارن، ولكن معنى التنزيه غير موجود في اللغات الأوروبية وفي الإنجليزية، وكلمة سبحان الله لا يمكن ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية"، مشيرا إلى أنه تم ترجمة "سبحان الله" إلى اللغة الإنجليزية بمعنى المجد والتمجيد.
كما أن كلمة "الزكاة" ليس لها مثيل في اللغات الأخرى، ورغم أن المترجمين اجتهدوا، فإنهم لم يعثروا على ترجمة تفي بالمعنى، كما يقول ضيف برنامج "الشريعة والحياة في رمضان".
وعن بداية حركة الترجمة في التراث الإسلامي، يؤكد الأستاذ صلاحي أن أول من نبّه إلى أهمية الترجمة هو الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما قال لزيد بن ثابت: هل تعرف السريانية؟ فرد زيد: لا، فقال الرسول الكريم: فتعلمها فإنها تأتيني كتب.
وقال زيد إنه تعلم السريانية في 17 يوما، وبعدها تعلم لغات أخرى.
أما حركة الترجمة من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية، فبدأت في العصور الإسلامية الأولى، وكانت دار الحكمة التي أسسها الخلفية المأمون تزخر بالترجمات، وترجمت قبلها العديد من العلوم ومنها الفلسفة الإغريقية واليونانية.
إعلانوبالنسبة للترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، فإن ازدهار الأندلس شجع الأوروبيين على الترجمة من العربية إلى لغاتهم، وكانت الترجمة الأولى للقرآن الكريم باللغة اللاتينية عام 1143، وبقيت مخطوطة وكان لها انتشار واسع، ولم تطبع إلا بعد 4 قرون، ثم ترجم القرآن الكريم من اللاتينية إلى الفرنسية بعد مدة طويلة، في حوالي أواخر القرن الـ17.
أما الترجمة الأولى للقرآن الكريم من العربية إلى الإنجليزية، فقام بها شخص يدعى جورج سيل وظلت هذه الترجمة -يضيف الأستاذ صلاحي- هي الوحيدة حوالي 150 سنة، ثم جاءت الترجمة الثانية عام 1861، وكلتا الترجمتين كانت فيها أخطاء كثيرة وتحيز كبير جدا ضد الإسلام.
ويشير في السياق نفسه إلى أن الذي يترجم لا يؤمن بالدين، فمن المحتمل جدا ألا يفهم بعض الأشياء التي ينقلها، وحصل ذلك في ترجمات كثيرة للقرآن الكريم من غير المسلمين. ويعطي مثالا على ذلك ترجمة نسيم داوود، وهو عربي يهودي، الصادرة عام 1956، حيث ترجم "فإذا أفضتم من عرفات" التي جاءت في سورة البقرة بـ"عندما تنزلون من عرفات راكضين"، بينما الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكد "أن الإفاضة هي السكينة".
ويشدد الأستاذ صلاحي على أهمية وجود الفكر الإسلامي في اللغات الأخرى، أولا حتى يتعرف غير المسلمين على الإسلام، وثانيا لكي تتعلم الجاليات المسلمة في البلدان الغربية وخاصة الجيل الثالث والرابع الذين هم بحاجة إلى معرفة الإسلام وقيم وعادات مجتمعاتهم وأوطانهم الأصلية.
ويقول إن هناك إلحادا كبيرا بين أطفال المسلمين الذين ينشؤون في البلدان الأوروبية، ومن الضروري أن تتوفر لهم المعلومات عن الإسلام باللغة الإنجليزية.
26/3/2025