بوابة الوفد:
2025-07-11@03:44:08 GMT

لية إعمار الكون جزء من العبودية لله في الإسلام؟

تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT

في ديننا الإسلامي الحنيف، لا تقتصر العبادة على أداء الشعائر والفرائض فحسب، بل تمتد لتشمل جميع جوانب الحياة اليومية، بحيث يصبح كل عمل يُقدّم لوجه الله عملاً طيباً له أجر وثواب، ومن بين أبرز المفاهيم التي نجدها في تعاليم الإسلام، هو أن "إعمار الكون" أو "إصلاح الأرض" يُعتبر جزءاً أساسياً من العبودية لله، فالإسلام لا يرى في العبادة مجرد طقوس محدودة، بل دعوة شاملة للإنسان ليكون خليفة الله في الأرض، ويُعنى بإصلاحها وتطويرها بما يرضي الله.

العبودية لله من خلال إعمار الأرض

يعتبر الإسلام أن الإنسان خُلق ليكون خليفة في الأرض، أي ليعمرها، كما ورد في قوله تعالى: "إِنِّي جَاعِلٌّ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" (البقرة: 30). هذه الآية تشير إلى تكليف الله سبحانه وتعالى للإنسان بمهمة إعمار الأرض وحمايتها، واستخدام مواردها بما يتماشى مع قيم العدالة والرحمة التي يدعو إليها الإسلام.

إعمار الأرض في الإسلام ليس مقتصرًا على بناء المدن وتطوير الزراعة، بل يشمل أيضًا الحفاظ على البيئة، والنهوض بالمجتمع، والبحث عن العلم، والعدالة الاجتماعية، وتحقيق السلام. فكل عمل يسهم في رفعة الإنسانية أو في تحسين حياة الناس يعتبر نوعاً من الإعمار الذي يرضي الله سبحانه وتعالى. فالحفاظ على البيئة من التلوث، والاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة، والابتكار في العلوم والتكنولوجيا، كلها أعمال يمكن أن تُدرج ضمن مفهوم "الإعمار".

إعمار الكون كجزء من العبادة اليومية

من خلال هذا الفهم الشامل للإعمار، يصبح أي جهد يبذله الإنسان في سبيل تحسين وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي أو البيئي نوعًا من العبادة. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها" (رواه مسلم)، وهذا الحديث يعكس كيف أن العناية بالأرض ومقومات الحياة ليست فقط أمرًا ماديًا، بل هي عبادة قائمة على النية الصادقة في تحقيق مصالح الناس والبيئة.

المسؤولية الفردية والجماعية في إعمار الكون

إعمار الكون يتطلب التعاون بين الأفراد والمجتمعات، فكل شخص منا مسؤول عن تقديم مساهمته الخاصة في هذا العمل العظيم. ومن خلال العمل الصالح في مختلف مجالات الحياة، سواء كان ذلك في التجارة أو الزراعة أو التعليم أو الطب أو التكنولوجيا، يمكننا جميعًا أن نكون جزءًا من هذه العبودية التي تهدف إلى إصلاح الأرض وتنميتها.

في هذا السياق، نلاحظ أن الإسلام يضع على عاتق الأمة الإسلامية مسؤولية كبيرة في الحفاظ على توازن الكون وتنميته، فالكون جزء من خلق الله، ولذلك يجب أن يتم التعامل معه برفق واحترام، وأن يسعى المسلمون دائمًا إلى استغلال موارده بشكل يعكس التقوى والعدل.

إعمار الكون والحفاظ على البيئة

إن الحفاظ على البيئة وحمايتها من التلوث يعد من أبرز صور إعمار الأرض في الإسلام. يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: "وَلَا تَفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا" (الأعراف: 56)، وهذا يعني أن الإنسان مكلف بالحفاظ على التوازن البيئي والموارد الطبيعية، وهو جزء من الإعمار الذي يُرضي الله ويُحقق مصلحة الجميع. وعليه، فإن الجهود المبذولة في الحد من التلوث، وإعادة التدوير، وتطوير مصادر الطاقة النظيفة، وغيرها من المبادرات البيئية، تُعتبر من أرقى صور العبادة في العصر الحديث.

 

إعمار الكون جزء أساسي من العبودية لله في الإسلام، فكل جهد يُبذل لتحسين الحياة البشرية والبيئة، وكل مساهمة في مجال العلم والتكنولوجيا والخير العام، هي عبادات متقبلة عند الله طالما كانت تهدف إلى مصلحة الناس ورفاههم. فالإعمار في الإسلام لا يعني مجرد بناء المساكن أو المدن، بل يشمل كل عمل ينفع البشر ويحفظ الأرض التي كلفنا الله بحمايتها ورعايتها.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: إعمار العبودية العبودية لله الإسلام إعمار الأرض فی الإسلام جزء من

إقرأ أيضاً:

معركة البناء

الكثير من الدول حولنا عانت من حروب (بمختلف أنواعها) سواء في تاريخها القديم أو الحديث، وهناك مـَن مرت عليها كوارث مدمرة سواء كانت بفعل الطبيعة أو بفعل الإنسان ، لكن المتأمل لهذه التجارب يجد أن القاسم المشترك بين كل هذه الدول أنها خرجت من الحرب أو الكارثة أقوى وأفضل مما كانت عليه قبلها. قد يكمن السر في قوة الإرادة وصدق العزيمة التي تتولد بعد معاناة وألم وتنعكس في الرغبة الأكيدة للبناء والتعمير والتغيير نحو الأفضل.

قديماً قالوا قراءة التاريخ تعطي التجارب و العبر للمستقبل، وفي سبيل إعادة إعمار وبناء بلادنا علينا قراءة تجارب الأمم والشعوب حولنا من وقت لآخر حتى نعيد بناء بلادنا وتعود أفضل وأقوى مما كانت ، ولنا الكثير من التجارب عالمياً وأفريقياً، لكن من التجارب التي خضعت لدراسات وكتابات كثيرة عالميا كانت في ألمانيا التي خاضت حرباً عالمية ودمرت تماماً ثم عادت أقوى مما كانت.

ألمانيا خرجت من الحرب العالمية الثانية عام 1945م مدمرة على كل الأصعدة اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً بالإضافة لخراب البنية التحتية تماماً، وتراجع المحصولات الزراعية فحدث نقص حاد في الغذاء وصل إلى مؤشرات المجاعة، وتراجع القطاع الصناعي فتوقفت مصانع وشرد العمال وعم الفقر بين فئات الشعب كله، فقد الناس بيوتهم وعاشوا بين الانقاض ، كان أغلب الشعب بين لاجئ ومهاجر وفقدت العملة الوطنية قيمتها لدرجة أن الناس لجأوا إلى نظام المقايضة لتبادل السلع والخدمات.

أُحتلت ألمانيا وقُسمت إلى نصفين، شرقية وغربية، دُمرت ترسانتها العسكرية وفقدت قياداتها وأُسر جنودها وتعطلت سبل الحياة فيها.

رغم ذلك كله نهض الشعب بإرادة وطنية قوية لإعمار البلاد ، عملوا علي عودة الأمن والأمان أولا ليعود كل لاجئ ومهاجر للبلاد ، كان الشعب هو مَن يسعى لبسط النظام وتفعيل القانون قبل أجهزة الدولة، ثم بناء الديمقراطية والاستقرار السياسي ومد علاقات خارجية تقوم على المصالح المشتركة، مما دفع وزير خارجية الولايات المتحدة – آنذاك – (جورج مارشال) لتقديم مساعدات اقتصادية ومالية ضمن ما عرف تاريخياً (بخطة مارشال) والتي كان الغرض الأساسي منها منع انتشار الشيوعية في ألمانيا بعد الحرب، مما يشكل تهديداً للأمن الأوروبي، فكان لابد من تقوية الاقتصاد الألماني حتى لايقع في شرك الشيوعية (علاقات تحكمها المصالح المشتركة).

بالفعل تلقت ألمانيا المساعدات واستثمرتها في الاتجاة الصحيح فاتجهت لبناء البنى التحتية وفتح المصانع وتقوية القطاع الصناعي وإدخال التكنولوجيا الحديثة في الصناعات الثقيلة ، وتنمية القطاع الزراعي لتوفير الغذاء و توفير الاستقرار النقدي للعملة وتمويل مشاريع إعادة إعمار البلاد ، ودعم الجيش لحماية الدولة وسيادتها، وتقوية الشرطة لبسط هيبة القانون والحفاظ علي النظام ومنع الجريمة.

في كل ذلك كانت إرادة الشعب هي المحرك السحري لعجلة التنمية وبناء وإعمار الدولة ، رغم الأوضاع الانسانية القاسية والاقتصاد المتردي ومرارات الحرب ، كان الإصرار على تجاوز الحرب ودمارها و الأزمات وآثارها بالعمل المستمر المخلص والتفاني من أجل إعمار الوطن هو جوهر التغيير ، لذلك اتخذ العالم ألمانيا نموذجاً عالمياً في إعادة إعمار الدول المتضررة من الحروب .

نحن على الضفة الأخرى علينا أن نطلع على تجارب العالم من حولنا للنهوض ببلادنا، لابد لنا من العمل ، والعمل الجاد مع تركيز وتكامل الجهد بين الحكومة والشعب ومكافحة الفساد والمحسوبية والعمل بالشفافية والكفاءة في اختيار الكوادر لقيادة هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ بلادنا.

الآن ونحن نضع لبنات البناء من جديد علينا الاستفادة القصوى من التقدم التكنولوجي والأخذ به في كافة القطاعات الزراعية والصناعية والانتاجية والبحث عن محرك نمو اقتصادي جديد يدعم معطيات اقتصادنا ويزيد من معدلات النمو والازدهار ، وعقد مؤتمرات اقتصادية دولية بين السودان والدول الصديقة لدعم الاقتصاد السوداني (بالتأكيد الحرب اظهرت لنا الأصدقاء الحقيقين)، والاستفادة من تجارب الإعمار.

هناك الكثير من الدروس القيمة تستخلص من الأزمات التي تمر بها الدول، وتداعيات الحرب في السودان لها ارتدادات على العالم العربي والأفريقي بل والعالمي لاسيما في المجال الاقتصادي ، والجميع يدرك ثقل السودان اقتصادياً وما يمتلكه من موارد وثروات، وكذلك موقعه الجغرافي كنقطة التقاء للتجارة الدولية وممر تجاري للعديد من الدول، مما يؤكد أن السلام والأمن الدوليين لا يمكن النظر إليهما من منظور إقليمي ضيق .

الحرب أظهرت للعالم كله قوة وثبات السودانيين وشجاعة وإقدام قواتنا المسلحة المنتصرة بعزم الرجال وبسالة الأبطال ومؤازرة الشعب السوداني لها وتأييد المولى عز وجل قبل ذلك كله ، فهم (جند الله جند الوطن) .

حان الوقت لنقدم للعالم أنموذجا مشرفاً للبناء وإعادة الإعمار لسودان جديد قوي بأبنائه قبل سلاحه، سودان راسخ بمبادئه مثل جباله، أساسه (المواطنة) لا قبلية ولا جهوية ولا عرقية، يكفي فقط أن تكون سودانياً.

د. إيناس محمد أحمد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • معركة البناء
  • الخريف في ظفار... حين تتعاظم المشاعر
  • قائد أنصار الله: كل شركات النقل البحري التي تتحرك لصالح العدو الإسرائيلي ستعامل بالحزم
  • يا غزة العزة.. لقد أخطأنا جميعًا ونطلب الغفران (2-2)
  • نهاية الكون المحتومة!.. دراسة جديدة تحدد موعد “الانهيار العظيم”
  • الأشهر الحرم.. أفضل 5 أعمال فيها فرصة للتقرب إلى الله
  • نائبًا عن الإمام الأكبر.. رئيس جامعة الأزهر يشارك في مؤتمر مكافحة كراهية الإسلام بجامعة الدول العربية
  • أماكن العبادة والطّقوس والحماية الأمنيّة في العالم العربي
  • الشبكة اليمنية للحقوق والحريات تكشف بالأرقام جرائم الحوثيين في قتل رجال الدين وتفجير المساجد ودور القرآن
  • خروج الدابة التي تكلم الناس.. تعرف على هيئة إحدى علامات الساعة الكبرى