ما وراء وعد ترامب بوقف الحروب العالمية؟
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
مع استعداد دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير 2025، حظي وعده الانتخابي بـ"إنهاء الحروب" باهتمام عالمي. ويثير هذا التعهد الطموح، وهو حجر الزاوية في برنامجه للسياسة الخارجية، تساؤلات حاسمة حول جدواه وآثاره المحتملة على العلاقات الدولية.
وعد السلام
طوال حملته الانتخابية، أكد ترامب مرارا وتكرارا قدرته على حل النزاعات المستمرة بسرعة، وعلى الأخص في أوكرانيا والشرق الأوسط.
إن رؤية ترامب لإنهاء الحروب لا تقتصر على صراعات محددة، لقد وضع نفسه كصانع سلام، على النقيض من نهج الإدارات السابقة. وأعلن ترامب في خطاب النصر: "لن أبدأ الحروب، سأوقف الحروب"، في إشارة إلى الافتقار النسبي للاشتباكات العسكرية الجديدة خلال ولايته الأولى.
رؤية ترامب لإنهاء الحروب لا تقتصر على صراعات محددة، لقد وضع نفسه كصانع سلام، على النقيض من نهج الإدارات السابقة. وأعلن ترامب في خطاب النصر: "لن أبدأ الحروب، سأوقف الحروب"، في إشارة إلى الافتقار النسبي للاشتباكات العسكرية الجديدة خلال ولايته الأولى
المسألة الأوكرانية
ربما يشكل الصراع الدائر في أوكرانيا الاختبار الأكثر إلحاحا لطموحات ترامب في إنهاء الحرب، ويبدو أن نهجه يبتعد بشكل كبير عن سياسة الإدارة الحالية المتعلقة بتقديم المساعدات العسكرية القوية إلى كييف.
واقترح ترامب وحلفاؤه نهجا جديدا للتعامل مع الصراع، وتشير التقارير إلى أن إدارة ترامب المحتملة قد تربط تقديم المزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا باستعداد كييف للدخول في مفاوضات سلام مع موسكو. وقد تتضمن هذه الاستراتيجية، التي حددها مستشارو ترامب السابقون، تجميد الخطوط الأمامية الحالية وإنشاء منطقة منزوعة السلاح.
ويرى المنتقدون أن مثل هذا النهج قد يجبر أوكرانيا فعليا على التنازل عن أراض لصالح روسيا، مما قد يعرض سيادتها وأمنها على المدى الطويل للخطر. وهناك مخاوف من أن يُنظر إلى هذه السياسة على أنها تستوعب طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما قد يشجع المزيد من العدوان.
تعقيدات الشرق الأوسط
إن تعهد ترامب بإحلال السلام في الشرق الأوسط يواجه تحديات هائلة بنفس القدر، وتمثل الصراعات المستمرة بين إسرائيل وحماس وحزب الله شبكة معقدة من العوامل التاريخية والدينية والجيوسياسية.
خلال فترة ولايته الأولى، اتخذ ترامب العديد من الإجراءات التي فضلت إسرائيل بشدة، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان. وقد اعتبرت هذه التحركات بمثابة تقويض للمطالبات والتطلعات الفلسطينية لإقامة الدولة.
ورحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف اليميني المتطرف بعودة ترامب إلى السلطة، وهذا يشير إلى أن سياسات ترامب قد تستمر في التوافق الوثيق مع المصالح الإسرائيلية، وربما على حساب الحقوق والتطلعات الفلسطينية.
المقاربات المحتملة لإنهاء النزاع
تعهد ترامب بإحلال السلام في الشرق الأوسط، بما في ذلك حل النزاعات التي تشمل إسرائيل وحماس وحزب الله. ومع ذلك، فإن نهجه قد يعطي الأولوية للتوصل إلى حل سريع على معالجة المظالم الفلسطينية التي طال أمدها:
1- الضغط على الفلسطينيين: قد يدفع ترامب نحو التوصل إلى اتفاق يخدم المصالح الإسرائيلية، مما قد يضغط على الفلسطينيين لقبول شروط لا تفي بمطالبهم القديمة بإقامة الدولة والسيادة.
2- دولة فلسطينية محدودة: قد تتضمن رؤية ترامب للسلام شكلا محدودا من الحكم الذاتي الفلسطيني بدلا من دولة ذات سيادة كاملة. ولا يرقى هذا إلى مستوى التطلعات الفلسطينية لتقرير المصير.
3- التركيز الاقتصادي: قد يركز نهج ترامب على الحوافز الاقتصادية للفلسطينيين على الحقوق السياسية، على غرار خطة "السلام من أجل الازدهار" المقترحة خلال فترة ولايته الأولى.
المخاوف بشأن حقوق الفلسطينيين وتطلعاتهم
هناك عدة جوانب من سياسات ترامب المحتملة تثير المخاوف لدى الفلسطينيين:
1- خطر الضم: هناك مخاوف من أن ترامب قد يمنح إسرائيل "تفويضا مطلقا" لضم أجزاء من الضفة الغربية، مما يزيد من تقويض احتمالات قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
2- قضية اللاجئين: لا تعالج سياسات ترامب بشكل كاف حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وهي قضية رئيسية في أي اتفاق سلام شامل.
3- إعادة إعمار غزة: من غير الواضح كيف سيتعامل ترامب مع إعادة إعمار غزة وعودة النازحين الفلسطينيين، وخاصة في شمال غزة.
4- المخاوف الإنسانية: إن تركيز ترامب على إنهاء الصراعات بسرعة قد يتجاهل الحاجة إلى معالجة الأزمات الإنسانية والتنمية طويلة الأجل في الأراضي الفلسطينية.
الإمكانات المتاحة لردع العدوان الإسرائيلي
في حين أعرب ترامب عن دعمه لإسرائيل، هناك بعض المؤشرات التي تشير إلى أنه قد يسعى إلى تعديل الإجراءات الإسرائيلية:
يتقاطع نهج ترامب لإنهاء الحروب أيضا مع تشككه تجاه حلف الناتو، وتثير تساؤلاته السابقة حول أهمية التحالف وانتقاده للإنفاق الدفاعي للدول الأوروبية مخاوف بشأن مستقبل التعاون الأمني عبر الأطلسي
1- الحث على حل النزاع: أفادت تقارير أن ترامب حث نتنياهو على "إنهاء" العمليات العسكرية في غزة بحلول الوقت الذي يعود فيه إلى منصبه. ويشير هذا إلى أنه قد يضغط على إسرائيل لإنهاء عملياتها العسكرية الأكثر عدوانية.
2- مخاوف العلاقات العامة: أشار ترامب إلى أن إسرائيل تخسر "حرب العلاقات العامة في غزة"، مشيرا إلى أنه قد يدفع باتجاه تكتيكات أقل عدوانية بشكل واضح.
عامل الناتو
يتقاطع نهج ترامب لإنهاء الحروب أيضا مع تشككه تجاه حلف الناتو، وتثير تساؤلاته السابقة حول أهمية التحالف وانتقاده للإنفاق الدفاعي للدول الأوروبية مخاوف بشأن مستقبل التعاون الأمني عبر الأطلسي.
وتشير التقارير إلى أن ترامب قد يفكر في إبرام صفقة مع روسيا لمنع توسع الناتو في المستقبل، خاصة فيما يتعلق بأوكرانيا وجورجيا. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تمثل تحولا كبيرا في السياسة الخارجية الأمريكية، وقد تكون لها آثار بعيدة المدى على ديناميكيات الأمن الأوروبي.
الأدوات الدبلوماسية والحروب التجارية
في حين أن تركيز ترامب على إنهاء الصراعات العسكرية واضح، فإن نهجه الأوسع في السياسة الخارجية يشير إلى تفضيله للنفوذ الاقتصادي على الدبلوماسية التقليدية. وتميزت فترة ولايته الأولى باستخدام التعريفات الجمركية والمفاوضات التجارية كأدوات للتأثير الدولي.
وقد تترجم هذه الاستراتيجية القائمة على "السلام من خلال القوة" إلى استمرار الضغوط الاقتصادية على الخصوم، إلى جانب الاستعداد للمشاركة في مفاوضات مباشرة.
إن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب، والتي غالبا ما يشار إليها كتكتيكات تفاوضية، قد تلعب دورا في هذه الجهود الدبلوماسية.
التحديات والانتقادات
تواجه طموحات ترامب لإنهاء الحرب العديد من التحديات المهمة:
1- تعقيد الصراعات: تنطوي العديد من الحروب المستمرة على عوامل تاريخية وعرقية وجيوسياسية عميقة الجذور تقاوم الحلول البسيطة.
2- مخاوف الحلفاء: قد يشعر حلفاء الولايات المتحدة، وخاصة في أوروبا والشرق الأوسط، بالقلق إزاء التحولات المفاجئة في السياسة التي تؤثر على مصالحهم الأمنية.
3- القيود السياسية الداخلية: قد تعمل الرقابة التي يمارسها الكونجرس والرأي العام على الحد من قدرة ترامب على تنفيذ تغييرات جذرية في السياسة الخارجية.
4- الاستقرار على المدى الطويل: يزعم المنتقدون أن الحلول السريعة قد تعطي الأولوية للسلام على المدى القصير على حساب الاستقرار والعدالة على المدى الطويل.
تعهد دونالد ترامب "بإنهاء الحروب" يمثل نهجا جريئا وربما تحويليا للسياسة الخارجية الأمريكية، وفي حين أن الوعد بالسلام جذاب عالميا، فإن التنفيذ العملي لهذه الرؤية يواجه العديد من العقبات والمزالق المحتملة
5- العواقب غير المقصودة: إن التحولات السريعة في السياسة قد تشجع الخصوم أو تخلق فراغات في السلطة في المناطق المضطربة.
التداعيات المحتملة
إذا نجح، فقد يؤدي نهج ترامب إلى إعادة تنظيم كبيرة لديناميكيات القوة العالمية، وقد يؤدي خفض التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج إلى تغيير المشهد الأمني الدولي، مما قد يخلق فرصا للقوى الأخرى لتوسيع نفوذها.
إن تعهد دونالد ترامب "بإنهاء الحروب" يمثل نهجا جريئا وربما تحويليا للسياسة الخارجية الأمريكية، وفي حين أن الوعد بالسلام جذاب عالميا، فإن التنفيذ العملي لهذه الرؤية يواجه العديد من العقبات والمزالق المحتملة.
وبينما يستعد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، يراقب المجتمع الدولي عن كثب ليرى كيف سيترجم خطابه إلى أفعال. وستكشف الأشهر والسنوات المقبلة ما إذا كان نهج ترامب غير التقليدي يمكن أن يؤدي بالفعل إلى القرارات السريعة التي وعد بها، أو ما إذا كانت تعقيدات الصراعات العالمية ستقاوم الحلول السريعة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب الحروب إسرائيل الفلسطينية إسرائيل امريكا فلسطين اوكرانيا حروب مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ولایته الأولى إنهاء الحروب فی السیاسة العدید من نهج ترامب ترامب على على المدى مما قد إلى أن فی حین
إقرأ أيضاً:
اللغة التي يفهمها ترامب
ما اللغة التى يفهمها الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو؟!
الأول يفهم لغة المصالح، والثانى يفهم لغة القوة، والاثنان لا يفهمان بالمرة لغة القانون الدولى وحقوق الإنسان والمحاكم الدولية وقرارات الشرعية الدولية.
هل معنى ذلك أن الرؤساء الأمريكيين، وكذلك رؤساء الوزراء الإسرائيليون السابقون كانوا ملائكة ويقدسون لغة القانون والشرعية الدولية؟!
الإجابة هى لا. جميعهم يفهمون ويعرفون لغة القوة والمصالح، لكن تعبيرهم عن ذلك كان مختلفا وبدرجات متفاوتة، وكانوا دائمًا قادرين على تغليف القوة الخشنة بلمسات ناعمة وقفازات حريرية ملساء والقتل والتدمير بعيدًا عن كاميرات وعيون الإعلام. والدليل أن المذابح والمجازر الإسرائيلية مستمرة منذ عام 1948 حتى الآن، وخير مثال لذلك كان رئيس الوزراء الأسبق شيمون بيريز.
نعود إلى ترامب ونقول إنه يصف نفسه أحيانًا بأنه مجنون ومن يعرفه يقول عنه إنه يصعب التنبؤ بأفعاله، وأنه لا ينطلق من قواعد معروفة. هو لا يؤمن بفكرة المؤسسات، والدليل أنه همش حزبه الجمهورى، وهمش وسائل الإعلام وتحداها. كما يزدرى المؤسسات الدولية، بل إنه ينظر مثلًا إلى حلف شمال الأطلنطى باعتباره شركة مساهمة ينبغى أن تعود بالعوائد والأرباح باعتبار أن الولايات المتحدة هى أكبر مساهم فى هذه الشركة أو الحلف.
تقييم ترامب لقادة العالم يتوقف على قوتهم وجرأتهم وليس على التزامهم بالأخلاق والقيم والقوانين.
حينما علق على خبر قيام إيران برد الهجوم الإسرائيلى، نصح إسرائيل بتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وقبل فوزه بالانتخابات الأخيرة نصح نتنياهو أن ينهى المهمة فى غزة ولبنان بأسرع وقت قبل أن يدخل البيت الأبيض رسميًا فى 20 يناير المقبل.
وإضافة إلى القوة، فإن المبدأ الأساسى الذى يحكم نظرة وقيم ومبادئ ترامب هو المصلحة. ورغم أنه يمثل قمة التيار الشعبوى فى أمريكا، والبعض يعتبره زعيم التيار المحافظ أو اليمين المتطرف، فلم يعرف عنه كثيرًا تعصبه للدين أو للمبادئ. هو يتعصب أكثر للمصالح. وباعتباره قطبًا وتاجر عقارات كبير، فإن جوهر عمله هو إنجاز الصفقات.
وانطلاقًا من هذا الفهم فإنه من العبث حينما يجلس أى مسئول فلسطينى أو عربى مع ترامب أن يحدثه عن قرارات الشرعية الدولية أو الحقوق أو القانون الدولى. هو يعرف قانون المصلحة أو القوة أو الأمر الواقع.
ويحكى أن وزير الخارجية الأسبق والأشهر هنرى كسينجر نصح وزيرة الخارجية الأسبق مادلين أولبرايت قبل أن تلتقى الرئيس السورى الأسد، وقال لها: «إذا حدثك الأسد عن الحقوق والشرعية قولى له نحن أمة قامت على اغتصاب حقوق الآخرين أصحاب الأرض، وهم الهنود الحمر، وبلدنا تاريخها لا يزيد على 500 سنة، وبالتالى نؤمن بالواقع والقوة وليس القانون».
هذا هو نفس الفكر الذى يؤمن به ترامب، لكن بصورة خشنة وفظة. هو يتعامل مع أى قضية من زاوية هل ستحقق له منافع وأرباح أم لا.
وربما انطلاقًا من هذا المبدأ يمكن للدول العربية الكبرى أن تقدم له لغة تنطلق من هذا المبدأ. بالطبع هناك أهمية كبرى للحقوق وللشرعية وللقرارات الدولية والقانون الإنسانى، ومن المهم التأكيد عليها دائمًا، لكن وإضافة إليها ينبغى التعامل مع ترامب باللغة التى يفهمها. أتخيل أن اللجنة الوزارية المنبثقة عن القمة العربية الإسلامية يمكنها أن تتفاوض مع ترامب بمجرد بدء عمله فى البيت الأبيض. بمنطق أنه إذا تمكن من وقف العدوان الإسرائيلى على فلسطين ولبنان فسوف تحصل بلاده على منافع مادية محددة، أما إذا أصرت على موقفها المنحاز?فسوف تخسر كذا وكذا.
بالطبع هذا المنهج يتطلب وجود حد أدنى من المواقف العربية الموحدة، ولا أعرف يقينًا هل هذا متاح أم لا، وهل هناك إرادة عربية يمكنها أن تتحدث مع الولايات المتحدة وإسرائيل بهذا المنطق الوحيد الذى يفهمونه أم لا؟
الإجابة سوف نعلمها حتمًا فى الفترة من الآن حتى 20 يناير موعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض
خصوصًا أن تعيينات ترامب المبدئية كلها لشخصيات صهيونية حتى النخاع، وهى إشارة غير مبشرة بالمرة.
أما عن نتنياهو فكما قلنا فهو لا يفهم إلا لغة القوة. وقوته وقوة جيشة وبلاده مستمدة أولًا وثانيًا وثالثًا وعاشرًا من قوة الولايات المتحدة، وبالتالى سنعود مرة أخرى إلى أن العرب والفلسطينيين يقاتلون أمريكا فعليًا وليس إسرائىل فقط.
(الشروق المصرية)