عربي21:
2025-05-01@07:24:51 GMT

ما وراء وعد ترامب بوقف الحروب العالمية؟

تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT

مع استعداد دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير 2025، حظي وعده الانتخابي بـ"إنهاء الحروب" باهتمام عالمي. ويثير هذا التعهد الطموح، وهو حجر الزاوية في برنامجه للسياسة الخارجية، تساؤلات حاسمة حول جدواه وآثاره المحتملة على العلاقات الدولية.

وعد السلام

طوال حملته الانتخابية، أكد ترامب مرارا وتكرارا قدرته على حل النزاعات المستمرة بسرعة، وعلى الأخص في أوكرانيا والشرق الأوسط.

وكان ادعاؤه الجريء بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا "في غضون 24 ساعة" نقطة محورية خاصة. ويتماشى هذا الخطاب مع مبدأه الأوسع "أمريكا أولا"، مع التأكيد على نهج عدم التدخل وإعطاء الأولوية للمصالح الأمريكية فوق التشابكات العالمية.

إن رؤية ترامب لإنهاء الحروب لا تقتصر على صراعات محددة، لقد وضع نفسه كصانع سلام، على النقيض من نهج الإدارات السابقة. وأعلن ترامب في خطاب النصر: "لن أبدأ الحروب، سأوقف الحروب"، في إشارة إلى الافتقار النسبي للاشتباكات العسكرية الجديدة خلال ولايته الأولى.

رؤية ترامب لإنهاء الحروب لا تقتصر على صراعات محددة، لقد وضع نفسه كصانع سلام، على النقيض من نهج الإدارات السابقة. وأعلن ترامب في خطاب النصر: "لن أبدأ الحروب، سأوقف الحروب"، في إشارة إلى الافتقار النسبي للاشتباكات العسكرية الجديدة خلال ولايته الأولى
المسألة الأوكرانية

ربما يشكل الصراع الدائر في أوكرانيا الاختبار الأكثر إلحاحا لطموحات ترامب في إنهاء الحرب، ويبدو أن نهجه يبتعد بشكل كبير عن سياسة الإدارة الحالية المتعلقة بتقديم المساعدات العسكرية القوية إلى كييف.

واقترح ترامب وحلفاؤه نهجا جديدا للتعامل مع الصراع، وتشير التقارير إلى أن إدارة ترامب المحتملة قد تربط تقديم المزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا باستعداد كييف للدخول في مفاوضات سلام مع موسكو. وقد تتضمن هذه الاستراتيجية، التي حددها مستشارو ترامب السابقون، تجميد الخطوط الأمامية الحالية وإنشاء منطقة منزوعة السلاح.

ويرى المنتقدون أن مثل هذا النهج قد يجبر أوكرانيا فعليا على التنازل عن أراض لصالح روسيا، مما قد يعرض سيادتها وأمنها على المدى الطويل للخطر. وهناك مخاوف من أن يُنظر إلى هذه السياسة على أنها تستوعب طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما قد يشجع المزيد من العدوان.

تعقيدات الشرق الأوسط

إن تعهد ترامب بإحلال السلام في الشرق الأوسط يواجه تحديات هائلة بنفس القدر، وتمثل الصراعات المستمرة بين إسرائيل وحماس وحزب الله شبكة معقدة من العوامل التاريخية والدينية والجيوسياسية.

خلال فترة ولايته الأولى، اتخذ ترامب العديد من الإجراءات التي فضلت إسرائيل بشدة، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان. وقد اعتبرت هذه التحركات بمثابة تقويض للمطالبات والتطلعات الفلسطينية لإقامة الدولة.

ورحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف اليميني المتطرف بعودة ترامب إلى السلطة، وهذا يشير إلى أن سياسات ترامب قد تستمر في التوافق الوثيق مع المصالح الإسرائيلية، وربما على حساب الحقوق والتطلعات الفلسطينية.

المقاربات المحتملة لإنهاء النزاع

تعهد ترامب بإحلال السلام في الشرق الأوسط، بما في ذلك حل النزاعات التي تشمل إسرائيل وحماس وحزب الله. ومع ذلك، فإن نهجه قد يعطي الأولوية للتوصل إلى حل سريع على معالجة المظالم الفلسطينية التي طال أمدها:

1- الضغط على الفلسطينيين: قد يدفع ترامب نحو التوصل إلى اتفاق يخدم المصالح الإسرائيلية، مما قد يضغط على الفلسطينيين لقبول شروط لا تفي بمطالبهم القديمة بإقامة الدولة والسيادة.

2- دولة فلسطينية محدودة: قد تتضمن رؤية ترامب للسلام شكلا محدودا من الحكم الذاتي الفلسطيني بدلا من دولة ذات سيادة كاملة. ولا يرقى هذا إلى مستوى التطلعات الفلسطينية لتقرير المصير.

3- التركيز الاقتصادي: قد يركز نهج ترامب على الحوافز الاقتصادية للفلسطينيين على الحقوق السياسية، على غرار خطة "السلام من أجل الازدهار" المقترحة خلال فترة ولايته الأولى.

المخاوف بشأن حقوق الفلسطينيين وتطلعاتهم

هناك عدة جوانب من سياسات ترامب المحتملة تثير المخاوف لدى الفلسطينيين:

1- خطر الضم: هناك مخاوف من أن ترامب قد يمنح إسرائيل "تفويضا مطلقا" لضم أجزاء من الضفة الغربية، مما يزيد من تقويض احتمالات قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

2- قضية اللاجئين: لا تعالج سياسات ترامب بشكل كاف حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وهي قضية رئيسية في أي اتفاق سلام شامل.

3- إعادة إعمار غزة: من غير الواضح كيف سيتعامل ترامب مع إعادة إعمار غزة وعودة النازحين الفلسطينيين، وخاصة في شمال غزة.

4- المخاوف الإنسانية: إن تركيز ترامب على إنهاء الصراعات بسرعة قد يتجاهل الحاجة إلى معالجة الأزمات الإنسانية والتنمية طويلة الأجل في الأراضي الفلسطينية.

الإمكانات المتاحة لردع العدوان الإسرائيلي

في حين أعرب ترامب عن دعمه لإسرائيل، هناك بعض المؤشرات التي تشير إلى أنه قد يسعى إلى تعديل الإجراءات الإسرائيلية:

يتقاطع نهج ترامب لإنهاء الحروب أيضا مع تشككه تجاه حلف الناتو، وتثير تساؤلاته السابقة حول أهمية التحالف وانتقاده للإنفاق الدفاعي للدول الأوروبية مخاوف بشأن مستقبل التعاون الأمني عبر الأطلسي
1- الحث على حل النزاع: أفادت تقارير أن ترامب حث نتنياهو على "إنهاء" العمليات العسكرية في غزة بحلول الوقت الذي يعود فيه إلى منصبه. ويشير هذا إلى أنه قد يضغط على إسرائيل لإنهاء عملياتها العسكرية الأكثر عدوانية.

2- مخاوف العلاقات العامة: أشار ترامب إلى أن إسرائيل تخسر "حرب العلاقات العامة في غزة"، مشيرا إلى أنه قد يدفع باتجاه تكتيكات أقل عدوانية بشكل واضح.

عامل الناتو

يتقاطع نهج ترامب لإنهاء الحروب أيضا مع تشككه تجاه حلف الناتو، وتثير تساؤلاته السابقة حول أهمية التحالف وانتقاده للإنفاق الدفاعي للدول الأوروبية مخاوف بشأن مستقبل التعاون الأمني عبر الأطلسي.

وتشير التقارير إلى أن ترامب قد يفكر في إبرام صفقة مع روسيا لمنع توسع الناتو في المستقبل، خاصة فيما يتعلق بأوكرانيا وجورجيا. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تمثل تحولا كبيرا في السياسة الخارجية الأمريكية، وقد تكون لها آثار بعيدة المدى على ديناميكيات الأمن الأوروبي.

الأدوات الدبلوماسية والحروب التجارية

في حين أن تركيز ترامب على إنهاء الصراعات العسكرية واضح، فإن نهجه الأوسع في السياسة الخارجية يشير إلى تفضيله للنفوذ الاقتصادي على الدبلوماسية التقليدية. وتميزت فترة ولايته الأولى باستخدام التعريفات الجمركية والمفاوضات التجارية كأدوات للتأثير الدولي.

وقد تترجم هذه الاستراتيجية القائمة على "السلام من خلال القوة" إلى استمرار الضغوط الاقتصادية على الخصوم، إلى جانب الاستعداد للمشاركة في مفاوضات مباشرة.

إن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب، والتي غالبا ما يشار إليها كتكتيكات تفاوضية، قد تلعب دورا في هذه الجهود الدبلوماسية.

التحديات والانتقادات

تواجه طموحات ترامب لإنهاء الحرب العديد من التحديات المهمة:

1- تعقيد الصراعات: تنطوي العديد من الحروب المستمرة على عوامل تاريخية وعرقية وجيوسياسية عميقة الجذور تقاوم الحلول البسيطة.

2- مخاوف الحلفاء: قد يشعر حلفاء الولايات المتحدة، وخاصة في أوروبا والشرق الأوسط، بالقلق إزاء التحولات المفاجئة في السياسة التي تؤثر على مصالحهم الأمنية.

3- القيود السياسية الداخلية: قد تعمل الرقابة التي يمارسها الكونجرس والرأي العام على الحد من قدرة ترامب على تنفيذ تغييرات جذرية في السياسة الخارجية.

4- الاستقرار على المدى الطويل: يزعم المنتقدون أن الحلول السريعة قد تعطي الأولوية للسلام على المدى القصير على حساب الاستقرار والعدالة على المدى الطويل.

تعهد دونالد ترامب "بإنهاء الحروب" يمثل نهجا جريئا وربما تحويليا للسياسة الخارجية الأمريكية، وفي حين أن الوعد بالسلام جذاب عالميا، فإن التنفيذ العملي لهذه الرؤية يواجه العديد من العقبات والمزالق المحتملة
5- العواقب غير المقصودة: إن التحولات السريعة في السياسة قد تشجع الخصوم أو تخلق فراغات في السلطة في المناطق المضطربة.

التداعيات المحتملة

إذا نجح، فقد يؤدي نهج ترامب إلى إعادة تنظيم كبيرة لديناميكيات القوة العالمية، وقد يؤدي خفض التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج إلى تغيير المشهد الأمني الدولي، مما قد يخلق فرصا للقوى الأخرى لتوسيع نفوذها.

إن تعهد دونالد ترامب "بإنهاء الحروب" يمثل نهجا جريئا وربما تحويليا للسياسة الخارجية الأمريكية، وفي حين أن الوعد بالسلام جذاب عالميا، فإن التنفيذ العملي لهذه الرؤية يواجه العديد من العقبات والمزالق المحتملة.

وبينما يستعد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، يراقب المجتمع الدولي عن كثب ليرى كيف سيترجم خطابه إلى أفعال. وستكشف الأشهر والسنوات المقبلة ما إذا كان نهج ترامب غير التقليدي يمكن أن يؤدي بالفعل إلى القرارات السريعة التي وعد بها، أو ما إذا كانت تعقيدات الصراعات العالمية ستقاوم الحلول السريعة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب الحروب إسرائيل الفلسطينية إسرائيل امريكا فلسطين اوكرانيا حروب مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ولایته الأولى إنهاء الحروب فی السیاسة العدید من نهج ترامب ترامب على على المدى مما قد إلى أن فی حین

إقرأ أيضاً:

اقتصاد الحرب

دعيت قبل أيام إلى ندوة حملت عنوان «اقتصاد الحرب»، وكان مجرد العنوان كافـيًا ليستوقفني طويلًا؛ إذ بدا لي أن فـي الجمع بين الحرب والاقتصاد شيئًا من المفارقة المحيرة فلطالما تعودنا أن نربط الحرب بالدمار والانهيار بينما الاقتصاد يحيل إلى البناء والتنمية فكيف تجتمع النقائض فـي ساحة واحدة؟

ذلك السؤال لم يلبث أن تمدد داخلي مع كلمات أحد المحاضرين، حين سأل بجرأة: «وهل للحروب فوائد؟» سؤال بدا للوهلة الأولى مستفزًا، لكنه فـي حقيقة الأمر يفتح بابًا لفهم أوسع لطبيعة المصالح التي تحكم العالم.

نعم، للحروب فوائد، ولكن لمن يشنها لا لمن تشتعل فوق رؤوسهم نيرانها فقد أثبت التاريخ القديم والحديث بل وحتى سيناريوهات المستقبل أن الاقتصاد يقف غالبًا خلف معظم الحروب، وأن الدول الغازية كثيرًا ما ترى فـي الحرب وسيلة لاستعادة عافـيتها الاقتصادية أو لتعظيم مكاسبها.

ليس هناك غزو قُدم للعالم على أنه مشروع نهب وسلب دومًا تأتي الحروب مغلفة بشعارات سامية كحفظ الأمن والدفاع عن حقوق الإنسان ونصرة الشعوب المظلومة؛ لكنها تبقى فـي جوهرها سباقًا محمومًا للسيطرة على الثروات، وإعادة رسم الخرائط الاقتصادية وفق مصالح القوى الكبرى.

تحت رايات السلام تُقاد الجيوش، وتحت مظلة الإنسانية تُقصف المدن، وفـي الخلفـية دومًا، تتحرك حسابات المال والموارد والأسواق والاقتصاد.

كان مشهد اللقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي واحدًا من أكثر المشاهد تعبيرًا عن العلاقة العميقة بين الاقتصاد والحرب، فقد بدت لغة اللقاء أقرب إلى اجتماع مساومة تجارية منها إلى لقاء بين حليفـين فـي مواجهة خطر مشترك. كانت الولايات المتحدة، التي دعمت أوكرانيا سياسيًا وعسكريًا، تنتظر مقابلًا واضحًا لهذا الدعم، وهو تمرير مشروع استثماري ضخم أطلق عليه مجازًا اسم «مشروع المعادن النفـيسة»، مقابل ما أنفقته واشنطن فـي تمويل الحرب ودعم كييف التي أنفقت كما تقول الأرقام قرابة 75 مليار دولار لدعم أوكرانيا حتى عام 2024، بينما بلغت مساهمة أوروبا نحو 34 مليار دولار.

كما يتضح بجلاء أن لا شيء يُمنح بالمجان فـي زمن الحروب؛ وكما تُسفك الدماء بسخاء، كذلك تُحسب الأموال بدقة. كلفة الحرب لا تذهب سُدى، بل تُسترد لاحقًا من الخاسر مباشرة، أو من خلال حلفائه، أو عبر مشروعات استثمارية تعوض عن كل دولار أُهدر.

من بين المحاور اللافتة التي ناقشتها الندوة كان الحديث عن الفوارق العميقة بين اقتصادات الأمس واقتصادات اليوم، وكيف أن تحولات العالم الحديثة قد أعادت صياغة مفاهيم الحرب والسلام معًا. ففـيما كان اقتصاد الأمس يعتمد على الموارد التقليدية، كالنفط والذهب والسلع الطبيعية، أصبح اقتصاد اليوم أكثر تعقيدًا، حيث تهيمن شركات التقنية الكبرى، ويتحكم الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني فـي دفة الاقتصاد العالمي. ومع هذا التحول العميق، لم تبقَ الحروب كما كانت؛ بل اكتسبت هي الأخرى ملامح جديدة تتسق مع متطلبات العصر.

فاليوم، حين تُذكر الحروب، لا يستحضر الذهن مشاهد الجيوش الجرارة أو المعارك التقليدية فحسب، بل تحضر إلى الواجهة مفردات جديدة: الطائرات بدون طيار، الصواريخ الذكية العابرة للقارات، الحروب السيبرانية التي تُشن عبر شبكات الإنترنت لضرب الأنظمة الاقتصادية وشل البنى التحتية دون طلقة واحدة. لم تعد الحرب اليوم مجرد مواجهة عسكرية صلبة، بل أصبحت صراع عقول وتقنيات وأكواد رقمية فـيكفـي أن شن هجمة إلكترونية قد تؤدي إلى تعطيل شبكات الكهرباء، أو شل البنوك، أو إفشال أنظمة الاتصالات فـي دولة كاملة، مما يفضي إلى حدوث انهيار اقتصادي هائل. ولنا فـي الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها كبرى الشركات العالمية، والهجمات التي طالت منشآت حيوية فـي أكثر من دولة، أمثلة صارخة على أن ساحة الحرب قد انتقلت إلى الفضاء الإلكتروني، حيث لا يُرى الجندي ولا يُسمع صوت الرصاصة، لكن آثار الدمار تبدو أوضح وأسرع من أي وقت مضى.

إن الحديث عن اقتصاد الحروب لم يعد يُختزل فـي الغنائم التقليدية، بل أصبح يمتد ليشمل السيطرة على البيانات، والتحكم فـي أنظمة الذكاء الاصطناعي، والتفوق فـي أدوات الحرب الخفـية التي تصنع اقتصاد الغد.

ولكوني مهتمًا بالشأن الإعلامي، فقد شدني خلال الندوة الربط العميق بين الإعلام والاقتصاد والحروب؛ إذ لطالما كانت العلاقة بين وسائل الإعلام والمؤسسة العسكرية خلال الحروب علاقة وطيدة ومتشابكة. فالإعلام هو الأداة التي تنقل ما يحدث على الأرض إلى العالم، وترسم الصورة التي يراد لها أن تصل إلى الجمهور. ولنا فـي حرب الخليج الأولى (1990-1991) ذكرى لا تُنسى؛ إذ كانت أول حرب تُنقل مباشرة عبر شاشات التلفاز، ولعبت شبكة CNN الأمريكية دورًا محوريًا فـي تغطيتها على مدار الساعة، مما غير مفهوم التغطية الإعلامية للحروب جذريًا، وهذا الدور لعبته قناة الجزيرة لاحقًا فـي تغطيتها الحرب على أفغانستان عام 2001، ثم الحرب على العراق عام 2003، حيث قدمت للعالم مشاهد مغايرة لما كانت تعرضه الشبكات الغربية.

ومع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد الحروب الإعلامية حكرًا على المؤسسات الكبرى. فقد دخل الأفراد على خط التغطية، عبر هواتفهم المحمولة، يبثون المشاهد لحظة بلحظة من قلب الحدث، كما رأينا بوضوح خلال حرب «طوفان الأقصى» التي اندلعت فـي أكتوبر 2023 بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل. إذ لعبت مقاطع الفـيديو المباشرة والصور الحية المنتشرة عبر منصات مثل تويتر (حاليًا X) وإنستغرام وتيك توك دورًا حاسمًا فـي تشكيل الرأي العام العالمي، متجاوزة التغطيات الرسمية المنحازة، رغم محاولات بعض المنصات حجب أو تقييد المحتوى المرتبط بالقضية الفلسطينية.

فـي ظل السطوة المتزايدة للتقنيات الحديثة على تفاصيل حياتنا، يبدو أن حروب المستقبل ستأخذ شكلًا مختلفًا عما ألفه العالم طوال تاريخه فلم تعد السيطرة العسكرية وحدها كافـية، بل أصبحت السيطرة على البيانات، والتحكم فـي شبكات الذكاء الاصطناعي، وتوجيه الإعلام الرقمي أدوات لا تقل فتكًا عن الأسلحة التقليدية.

سنشهد مستقبلًا حروبًا تُدار من خلف الشاشات، يقودها مهندسو البرمجيات ومطورو الخوارزميات، حيث يكفـي اختراق منظومة إلكترونية لتعطيل دولة بأكملها، أو إطلاق شائعة مصاغة بذكاء لإسقاط اقتصاد.

ومع تسارع الابتكار فـي مجالات الطائرات ذاتية القيادة، والصواريخ الموجهة، والحروب السيبرانية، ستصبح ساحة المعركة موزعة بين الأرض والفضاء والفضاء الإلكتروني معًا.

إن حروب الغد لن تحتاج لجيوش تحتشد على الحدود بقدر حاجتها إلى قدرات تكنولوجية متقدمة، وهو ما يفرض على دول العالم أن تعيد التفكير فـي أمنها القومي خارج الأطر التقليدية.

فالعالم الذي نعرفه اليوم، يتهيأ لحقبة ستكون فـيها المعارك أكثر صمتًا وأشد دمارًا، ومع كل ذلك، ستظل المصالح الاقتصادية هي المحرك الأول لصناعة الحروب، وإن تعددت الأقنعة والمسميات.

مقالات مشابهة

  • دعوى قضائية ضد جامعة تكساس وترامب يلوح بوقف مِنح هارفارد
  • صفقات سرية وتضارب مصالح.. ماذا وراء صعود شركة ترامب للعملات المشفرة؟
  • وزير الخارجية الأوكراني: نطالب روسيا بوقف إطلاق النار
  • نيويورك بوست: إيلون ماسك يخفف حضوره في البيت الأبيض ويستعد لإنهاء مهامه الرسمية
  • الخارجية الأمريكية: آن الأوان لتقديم مقترحات ملموسة لإنهاء الصراع في أوكرانيا
  • اقتصاد الحرب
  • نتنياهو يخطط لإنهاء حرب غزة بحلول أكتوبر المقبل.. فما الحقيقة؟
  • الخارجية: الحرب التي تخوضها ميليشيا الجنجويد بالوكالة عن راعيتها الإقليمية موجهة ضد الشعب السوداني ودولته الوطنية
  • وزير الخارجية ونظيره الإيراني يستعرضان مستجدات المحادثات التي ترعاها سلطنة عمان
  • ما وراء تصريح ترامب بشأن المرور المجاني عبر قناة السويس