حول الآيات| كيف تحرر الشريعة الإنسان من القيود إلى التفكير الحر؟
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
في حلقة من برنامج تفسير القرآن الكريم للدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الجمهورية السابق، تناول فيها تفسير الآيتين 219 و220 من سورة البقرة، مسلطًا الضوء على دور التفكير وأهميته في حياة المسلم، والعواقب السلبية للغفلة عنه. وركز على المفاهيم التي تحث عليها الشريعة الإسلامية، مثل الحرية، الابتعاد عن المحرمات كالميسر والخمر، وكيفية تحقيق التفكير المستقيم.
الآيتان 219 و220 من سورة البقرة
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة البقرة:219-220].
أهمية التفكير الحرأشار جمعة إلى أن الله سبحانه وتعالى أمر الإنسان بالتفكر كوسيلة لإدراك الحقائق والتمييز بين المهم وغير المهم. وعندما يغفل الإنسان عن التفكير السليم، ينشغل بأمور غير ذات قيمة.
وأضاف أن الحرية الحقيقية ليست في "التفلت"، بل في التفكير الحر المستقيم الذي لا يؤدي إلى الضلال أو الإلحاد، مؤكدًا أن الكفر يحول الإنسان إلى أسير شهواته.
الخمر والميسر: خطر مزدوج على الإنسانتحدث الدكتور علي جمعة عن التحريم الإلهي للخمر والميسر، وشرح أضرارهما العميقة على العقل والمال.
الخمر: يؤدي إلى إدمان يُفقد الإنسان قدرته على التحكم في إرادته ويزيل عقله.الميسر: يسبب إدمانًا ماليًا، حيث يجرّد الإنسان من ماله ويقوده إلى الفقر والمشكلات الاجتماعية. وأكد أن هذه المحرمات ليست فقط لأضرارها المباشرة، بل لأنها تسلب الإنسان حريته وإرادته.العتق والحرية في الشريعةأوضح جمعة أن الشريعة الإسلامية تتشوف إلى تحرير الإنسان من كل ما يقيده، سواء كان ماديًا أو معنويًا. الحرية الحقيقية ليست الانسياق وراء الشهوات أو التقليد الأعمى، بل هي في القدرة على التفكير المستقيم وتحقيق التوازن بين الدين والدنيا.
دعوة للتفكر المستقيماختتم الدكتور علي جمعة حديثه بدعوة المسلمين إلى التفكر بوعي، مشيرًا إلى أن التفكير الصحيح هو ما يحمي الإنسان من الوقوع في شراك الجهل أو الشهوات، ويقوده إلى حياة مليئة بالحرية الحقيقية. وأكد أن التمسك بتعاليم الشريعة، مثل الابتعاد عن المحرمات، يسهم في تحقيق سلام داخلي وارتقاء فكري.
هذا التفسير يعكس حرص الشريعة الإسلامية على بناء إنسان متوازن في فكره وسلوكه، يدرك قيمة الحرية الحقيقية في ظل تعاليم الإسلام.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جمعة الله الحرية الإنسان من
إقرأ أيضاً:
7 أعضاء أمرنا الله بحفظهم فما هم ؟.. علي جمعة يوضحهم
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن أهل الله ذكروا أن رسول الله ﷺ علمنا حفظ الأعضاء السبعة. فما هي هذه الأعضاء؟ وما وظائفها؟ وما الذي أمر به سيدنا ﷺ بشأنها؟ وكيف حوَّلها المسلمون إلى برنامجٍ عمليٍّ للتكليف والتشريف؟.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن الإمام أبو حامد الغزالي رضي الله تعالى عنه، يشير في كتابه الماتع «إحياء علوم الدين» إلى هذه الأعضاء السبعة، فيتكلم عن : العينين، والأذنين، واللسان، واليدين، والقدمين، والبطن، والفرج. وقد وضع لنا سيدنا ﷺ برنامجًا لحفظ هذه الأعضاء من المنكرات، وإشغالها بالطاعات، وإبعادها عن الآفات، وتهيئتها لتنزل الرحمات. أول هذه الأعضاء: “العينان”
أمرنا سبحانه وتعالى في كتابه، وبيَّن لنا رسوله ﷺ وظائف العينين، تركًا وفعلًا، أمرًا ونهيًا، حيث قال تعالى : ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ ، ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾.
نهانا عن النظر إلى العورات، وسماها عورة، بينما يسميها أهل الدنيا فتنةً أو جمالًا، إلا أنها قد تكون فتنةً تؤدي إلى النار وغضب الله. أمرنا بغض البصر عن العورات، وجعل عورة المرأة كل جسدها إلا الوجه والكفين، كما جاء في حديث أسماء: « يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا ». وأشار إلى وجهه وكفيه. كما جعل كشف الوجه في الإحرام فرضًا على المرأة ، بحيث تذبح دمًا إن غطَّته وسترته.
أما عورة الرجل، فهي من السرة إلى الركبة، وقد أمرنا رسول الله ﷺ ألا ننظر إلى العورات، وقال: «أيُّما رجل غض بصره عن محرم إلا أوجد الله له في قلبه لذة» ، أي أنه يشعر بلذةٍ في قلبه؛ لأنه أمر نفسه بالمعروف، ونهاها عن المنكر، وحرمها من هذه الشهوة الدافعة، وكذلك المرأة، فالنساء شقائق الرجال في التكليف والتشريف.
أمرنا رسول الله ﷺ ألا ينظر أحدنا من ثقب بابٍ يتجسس على الآخرين، فإن فعل ذلك وقذفه أحدهم بحصاه ففقأ عينه، فلا دية له. كما أمرنا ألا ينظر أحدنا إلى كتاب أخي إلا بإذنه ، ونهانا عن التجسس والتحسس على الآخرين. وعلمنا أن «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» وبيَّن لنا: «عينان لا تمسهما النار : عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله» . بالعينين ، ترشد الضرير والكفيف، ولك في ذلك صدقة وأجر.
وبالعينين، تنظر إلى كتاب الله فتتلوه آناء الليل وأطراف النهار ، لعله سبحانه وتعالى يرضى عنك. وبالعينين ، تتواصل مع الناس، فتعلمهم الخير، و«خيركم من تعلم القرآن وعلمه» .
وضَّح لنا رسول الله ﷺ ما الذي نفعله، وما الذي نتركه في النظر، وما الذي يجوز، وما الذي ندرؤه، لندرأ به المفاسد. وهناك فرق بين عينين لا تمسهما النار، وبين عينين تمسهما النار، والعياذ بالله تعالى.
“اللسان” أمرنا رسول الله ﷺ أن نأمر بالمعروف، وأن ننهى عن المنكر ، فقال ﷺ : «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه». ونهاناعن الكذب، وعن شهادة الزور، وعن الغيبة والنميمة والبهتان، وعن الوقيعة بين الناس، وأمرنا أن نصلح بين المتخاصمَين، كما أمرنا ألا نفشي أسرارنا للأعداء. قال النبي ﷺ لمعاذ: «تكف عليك هذا». -فأخذ بلسانه- فقال : يا نبى الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال : « ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم فى النار إلا حصائد ألسنتهم؟!».
خوَّفنا ورجَّانا، فرغَّبنا بقوله ﷺ : « إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا ، يرفع الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوى بها فى جهنم ».
كما بيَّن لنا أن من يستمع إلى الكذب، أو شهادة الزور، أو الغيبة والنميمة والبهتان ولم يتحرك، فهو كالمشارك فيها، فـ «الساكت عن الحق شيطان أخرس». ولكن علينا أن نستمع إلى كلام الله، وكلام رسوله، وإلى الحكمة فـ « الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها ». "اليدين والرجلين ".
أمرنا النبي ﷺ بما لا يخفى عليكم، وقال: «اضمن لي ما بين فخذيك ولحييك أضمن لك الجنة».
كما أمرنا بأكل الحلال، ونهانا عن أكل الحرام، وبيَّن أن المعدة هي بيت الداء، وقال ﷺ : « الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ثم يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك ». وقال ﷺ: «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء».
علَّمنا ما الذي يجب أن نفعله، وما الذي ينبغي أن نتركه. إنه برنامجٌ دقيقٌ يوميٌّ، تعرف من خلاله ماذا تفعل، وماذا تدع، وكيف تهيئ نفسك، حتى تكون محلًّا لتنزل الأنوار، ويكون قلبك مكانًا لانكشاف الأسرار، وحتى تكون، أيها المؤمن، وعاءً لتنزل الرحمات الربانية الصمدانية.فهل تفعل؟ وهل تبدأ؟ ائتمروا فيما بينكم بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، واقرؤوا القرآن ، فإنه النبي المقيم في وسط المسلمين ، واقرؤوا سيرة سيدنا ﷺ ، فقد «كان خلقه القرآن»، و كان « قرآنًا يمشي على الأرض».