مسكن مرابطة مقدسية يُهدَم بقوة الاحتلال بعد عام من رحيلها
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
القدس المحتلة- بعد محاولات مضنية للحفاظ على الغرفة التي احتضنت لسنوات والدتهم فاطمة سالم، في الشق الغربي من حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، والمعروف فلسطينيا بـ"أرض النقاع"، أُجبر المقدسي إبراهيم سالم وأشقاؤه على هدم الغرفة الواقعة في حي يتهدد سكانه خطر الإخلاء من منازلهم لصالح المستوطنين.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال إبراهيم سالم إن بلدية الاحتلال أخطرتهم بضرورة تنفيذ الهدم بأيديهم قبل وفاة والدتهم، لكنهم حاولوا الحفاظ على الغرفة لأنها مأوى أمهم الوحيد، وبعد وفاتها بستة أشهر اقتحمت شرطة الاحتلال مع طواقم من بلديتها المنزل وقالوا "إما أن تهدموا الغرفة بأنفسكم أو تدفعوا غرامة بقيمة 80 ألف شيكل" (الدولار يعادل 3.
استمرت محاولات الأبناء في الحفاظ على ما تبقى من رائحة والدتهم، لكن محاميهم أبلغهم أن الإجراء يندرج "في إطار الانتقام ولا مفر من الهدم".
وأضاف إبراهيم "رباط والدتي في منزلها وعدم استغنائها عنه ومقارعتها للمستوطنين على مدار سنوات سبّب لهم إزعاجا كبيرا فقرروا هدم المنزل".
إبراهيم سالم مع ابنته فاطمة على أنقاض المنزل الذي رابطت فيه والدته حتى وفاتها قبل أقل من عام (الجزيرة) هدم الذكرياتهُدمت الغرفة التي تضم مطبخا ومرحاضا صغيرا بعد مرور أقل من عام على وفاة فاطمة التي رحلت في ديسمبر/كانون الأول من عام 2023.
وعادت الجزيرة نت إلى الأرشيف وزيارتها إلى منزل فاطمة في آخر أيام عام 2021 بعد تسلمها أمرا بإخلاء منزلها لصالح المستوطنين.
كان البوح بالألم يُشعر هذه المسنة بضيق في صدرها، فتهرب من التفكير المفرط بالواقع المرّ إلى مطبخها الصغير في الغرفة ذاتها لتستكمل إعداد طبق "المقلوبة" الفلسطيني، وهو المطبخ الذي بات ركاما الآن بقوة الاحتلال.
وفي منزل عائلة سالم الذي رحلت عنه فاطمة، يعيش الآن أبناؤها الثلاثة وعائلاتهم في غرف قديمة متهالكة استأجرها جدهم لأمهم عام 1948 بعدما قرر الاستقرار في القدس.
ورأت عينا فاطمة النور في حي الشيخ جراح عام 1952، وعندما تقدم زوجها لخطبتها كان شرطها الوحيد أن ينتقل للعيش معها ووالديها لأنها تشعر بالغربة خارج هذا البيت.
وقالت فاطمة في حينه، للجزيرة نت، إن اليهود "يدّعون أنهم كانوا يعيشون في هذا المنزل قبل حرب عام 1948، وبعد اندلاعها فروا هاربين وجاء والدي وسكن في المكان، وبدأ بدفع الإيجارات "لدائرة حارس أملاك العدو" التابعة للحكومة الأردنية التي وقعت شرقي القدس تحت حكمها آنذاك".
توالت السنوات والتزمت العائلة بدفع الإيجار بشكل سنوي، ومع وقوع شرقي القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 بدأت "دائرة أملاك الغائبين" الإسرائيلية بجباية الإيجار من العائلة.
كانت جدران الغرفة التي أُجبر أبناء فاطمة على هدمها تعجُّ بإطارات الصور بأحجام وأشكال مختلفة، وكانت رائحة الأكلات الفلسطينية تفوح من مطبخها دائما، وكذلك رائحة القهوة التي دأبت على إعدادها صباح كل يوم لضيوفها وللمتضامنين مع سكان الحي.
الاحتلال ينتقم من المسنة المقدسية فاطمة سالم بعد وفاتها (الجزيرة) تزوير وسرقةوبالإضافة إلى الاسم الفلسطيني المتداول بين السكان والمعروف بـ"أرض النقاع"، فإن المسمى المطلق على الشق الغربي من حي الشيخ جراح إسرائيليا هو "كُبّانية أم هارون"، وتدّعي الجمعيات الاستيطانية أن اليهود كانوا يقطنون في المنطقة قبل عام 1948، وأُخليت بقوة الاحتلال عائلتان من أصل 40 عائلة تعيش على مساحة نحو 10 دونمات (الدونم ألف متر).
وتعمّد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير -عندما كان عضوا في الكنيست في شتاء عام 2022- نصب خيمة اعتبرها مكتبا برلمانيا أمام منزل فاطمة سالم، وكانت خيمته مقرا لاستفزاز المقدسيين ولإشعال المواجهات في الحي.
وحاول بن غفير والمستوطنون التضييق على فاطمة وأبنائها بكافة الوسائل لدفعهم للهجرة طوعا من منزلهم، خاصة بعد حصولهم على قرار قضائي بتجميد طردهم منه في فبراير/شباط من عام 2022.
وفي شهر يناير/كانون الثاني من عام 2023 عبثت آليات بلدية الاحتلال بأرض العائلة الواقعة أمام منزلها، وبعدها سُلّمت فاطمة أمرا بهدم منزلها في مارس/آذار من العام ذاته، ثم رحلت في نهاية العام بعدما اجتمعت الهموم عليها وأنهكت جسدها النحيل.
زحف استيطاني لا يتوقف في حي الشيخ جراح بالقدس (الجزيرة) زحف استيطانيوفي حديث سابق للجزيرة نت، قال الباحث المتخصص في شؤون الاستيطان أحمد صب لبن إن القسم الغربي من حي الشيخ جراح يعاني من خطر الاستيطان تماما كما الشرقي، حيث يستهدف بتسعة مشاريع تتضمن بناء وحدات استيطانية وكُنس يهودية ومبانٍ عامة تتبع للحكومة الإسرائيلية.
وأضاف أن معاناة سكان الشطر الغربي من الحي بدأت عام 1967، حين وضعت المباني التي يقطنها السكان هناك تحت وصاية "حارس الأملاك العامة الإسرائيلي"، في هذا القسم الذي يقع في الحد الأقصى من حي الشيخ جراح على خط التماس الفاصل بين حدود عامي 1948 و1967، وتعود ملكيته لعائلتي حجازي ومعّو، اللتين خاضتا نزاعا طويلا في المحاكم الإسرائيلية لمحاولة إثبات ملكيتهما لهذه الأرض، حسب الباحث صب لبن.
وتابع "هناك العديد من الدلائل التي تثبت ملكية العائلتين للأرض، وتدعي إسرائيل أن اليهود يملكونها قبل عام 1948، لكن عائلات يهودية استأجرت منازل في الحي قديما وكانوا يدفعون الإيجار في المحاكم الشرعية بالقدس، وهذا مثبت، غير أن إسرائيل ضربت بعرض الحائط كل ذلك، ووضعت كافة السكان تحت خطر الإخلاء لصالح المستوطنين".
وأشار صب لبن إلى المحاولات المستمرة لـ"تطويب" الأراضي (تسجيلها في السجل العقاري) باسم المستوطنين، وهو ما تم فعليا لجزء منها، وسجلت بمسميات إسرائيلية مما يزيد القضية تعقيدا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الغربی من عام 1948 من عام
إقرأ أيضاً:
FT: كيف أباد الاحتلال جباليا البلد التي كان يسكنها 200 ألف نسمة؟
نشرت صحيفة فايننشال تايمز تقريرا، للصحفيين مهول سريفاستافا٬ وهبة صالح٬ وملاكة كنانة تابر٬ وأديتي بهانداري٬ معزّزا بالصور والخرائط وصور الأقمار الصناعية والفيديو، تُبرز فيه كيف قام الاحتلال الإسرائيلي بتدمير مدينة ومخيم جباليا٬ وتروي فيه قصص بعض سكان المخيم.
وجاء في التقرير الذي ترجمته "عربي21" أنه: "في اليوم الذي نفد فيه الدقيق أخيرا، ولم يعد سقف منزلهم المنهار المكون من طابقين قادرا على صد الأمطار، حملت عائلة عبد الله أبو سيف الجد البالغ من العمر 82 عاما برفق على عربة يجرها حمار وفرّت من جباليا".
وتابع: "بعد أن أصابه الجوع والصمم بسبب شهور من الغارات الجوية، وإدراكه أنه قد لا يعود أبدا، طلب أبو سيف من أصغر أحفاده أن يسنده. كان يريد أن يرى للمرة الأخيرة معالم حياته: قاعة الزفاف حيث تزوج أربعة من أبنائه؛ والمدرسة التي درس فيها، ثم درّس فيها؛ والمقبرة التي دفن فيها والداه".
ولكن في ذلك اليوم من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي "لم يكن هناك ما يمكن رؤيته ــ لم يتبق شيء، فقط الأنقاض والحطام. لقد تم محو حياته بالكامل. كل ما تبقى هو ذكرياته". بحسب ما قاله ابنه إبراهيم.
وتقول الصحيفة إنه: "لم يسلم أي مكان في غزة من القوة التدميرية للجيش الإسرائيلي وقصفه العنيف، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. فيما يعتقد الوسطاء أنهم على وشك إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار لإنهاء القتال وتأمين إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع".
في السياق نفسه، أردف التقرير: "لكن لم يتعرض أي مكان للدمار بشكل أكثر اكتمالا من جباليا، وهي مدينة قديمة أعطت اسمها بعد احتلال فلسطين عام 1948 لمخيم اللاجئين القريب. ومع الوقت أصبح المخيم واحدا من أكبر المخيمات في الأراضي الفلسطينية".
"يعيش في جباليا والشوارع المحيطة بها ما يقدّر بنحو 200 ألف شخصا -بما في ذلك أكثر من 100 ألف لاجئا سجّلت أسماؤهم رسميا، وفقا للأمم المتحدة والمسؤولين المحليين. إذ وُلد المخيم في نهاية حرب ودمر في أخرى؛ ليصبح مقبرة للذكريات غير المرتبطة بالمعالم التي كانت تحافظ عليها في مكانها ذات يوم" أوضح التقرير.
واسترسل: "لم يصف أحد مدينة جباليا بأنها جميلة، وخاصة المخيم نفسه. ولكن كان هناك دائما جزء صاخب ونابض بالحياة الفلسطينية: الصلاة في مسجد العودة، والاحتجاجات مع وجبة جانبية من الشاورما في دوار الشهداء الستة، والأعراس في قاعة بغداد للأفراح القريبة٬ وكان المتسوقون يسافرون من جميع أنحاء غزة إلى سوق المخيم المزدحم، منجذبين بأسعاره الرّخيصة، وكذلك الآيس كريم والكعك من متجر الزيتون الشهير، في قلب السوق".
وتابع: "كان مبنى القاضي "الحلويات الشرقية" التاريخي المكون من ثلاثة طوابق، والذي يبيع المعجنات بما في ذلك البقلاوة المحشوة بالفستق، بمثابة عامل جذب آخر. كان السكان المحليون يتجمعون لحفلات أعياد الميلاد في قاعته، بينما كان الآلاف من الناس يطلبون مسبقا أطباق المعجنات للاحتفال بنتائج امتحانات الثانوية العامة".
ويضيف التقرير في وصف المخيم: "كان نادي جباليا الرياضي الخدمي مركزا لهوس غزة بكرة القدم، حيث استضاف مباريات محلية بينما عرض مقهى "رابعة" القريب مباريات تتراوح من دوري أبطال أوروبا إلى الدوري المصري الممتاز. وكان الفنانون يغنون ويعزفون على العود في ليالي الموسيقى في المقهى".
وتصف هجوم الاحتلال الإسرائيلي بأنه كان: "بلا هوادة، وكان التدمير شاملا ــ ليس فقط في جباليا، بل وأيضا في بيت لاهيا وبيت حانون المجاورتين ــ إلى الحد الذي جعل وزير دفاع إسرائيلي سابق، أواخر العام الماضي، يصف تصرفات الجيش في شمال غزة بأنها "تطهير عرقي".
وقال موشيه يعلون لقناة تلفزيونية محلية: "لم تعد هناك بيت حانون. ولا توجد بيت لاهيا. إنهم [الجيش الإسرائيلي] يعملون حاليا في جباليا، وهم في الأساس ينظفون المنطقة من العرب". وبعد إدانته بسبب تعليقاته، عزّز موقفه، وقال لمحاور ثان إن: "هذا تطهير عرقي ــ ولا توجد كلمة أخرى لوصفه".
كذلك، تصف الصحيفة جباليا: "تحوّل مخيم اللاجئين إلى مساحات من الأنقاض على مدى الرؤية التي تستطيع المسيرات رؤيتها، وشوارعه التي كانت تعج بالسكان ذات يوم مدفونة تحت أنقاض عشرات الآلاف من المنازل. وفي مختلف أنحاء القطاع، قتل أكثر من 46 ألف فلسطينيا، وفقا لمسؤولين محليين".
وقال إبراهيم الخرابيشي، وهو محام رفض المغادرة، إن المشهد من الأرض مرعبا ولا يمكن تصوره. خلال الغارات الإسرائيلية. اختبأ هو وزوجته وأطفاله الأربعة في زاوية من منزلهم. وهو يتفادى الطائرات الرباعية المروحية الإسرائيلية عندما يخرج خفية للحصول على الطعام للبقاء على قيد الحياة.
وأضاف: "نرى جثثا لا يجرؤ أحد على إزالتها على مدى الرؤية. نسمع الجرحى ينادون طلبا للمساعدة ويموت بعضهم. كل من يشعر بالشجاعة الكافية للذهاب لنجدتهم يسقط بجانبهم ثم نسمع صوتين يصرخان طلبا للمساعدة بدلا من صوت واحد".
ونشأ الشاعر مصعب أبو توهة، في بيت لاهيا القريبة. فرّ أولا إلى مصر، ثم إلى سيراكيوز، نيويورك. كل ما تبقى له لينقله إلى أطفاله هو القصص. لقد دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية مكتبته التي تضم عدة آلاف من الكتب. وكتب في قصيدة: "أترك باب غرفتي مفتوحا، حتى تتمكن الكلمات في كتبي من الفرار عندما تسمع القنابل".
وقال إن هذه هي مأساة تجربة اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948: النزوح القسري المتكرر أثناء الصراع، حتى من المنازل المؤقتة في مخيمات اللاجئين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكل ذلك مع التمسك بالأمل في العودة إلى منازل الأجداد في يافا أو حيفا أو الرملة.
وتابع: "نحن ندفع بعيدا أكثر فأكثر عن وطننا والذكريات التي يجب أن نحافظ عليها. بالنسبة لنا، الآن بعد تدمير هذا المخيم، فإن هذا يعني أيضا تدمير تاريخ اللاجئين الذي دام حوالي 76 عاما".
ويحتل مخيم جباليا مكانة كبيرة في قصص كل من الإسرائيليين والفلسطينيين. اندلعت الانتفاضة الأولى من أزقته المزدحمة في عام 1987 بعد أن صدم سائق شاحنة إسرائيلي، ثلاثة فلسطينيين من المخيم وقتلهم، ما أدّى إلى إطلاق العنان لعقود من الغضب العارم تجاه الاحتلال الإسرائيلي للقطاع.
ولكن نموه الكثيف جعله من مخيم مؤقت بعد حرب عام 1948 إلى ما يوصف بـ"غابة خرسانية" لا تزيد مساحتها عن كيلومترين مربعين، أبرز أيضا مشكلة مستعصية في قلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: حق العودة للفلسطينيين الذين فروا من ديارهم فيما أصبح في النهاية دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأجيال من أحفادهم.
وبحلول الوقت الذي ولد فيه الحاج عليان فارس، في عام 1955، بدأ المخيم في التبلور. قامت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ببناء منازل صغيرة من الأسمنت وألواح الزينكو، بغرف لا يزيد حجمها عن ثلاثة أمتار مربعة. كانت العائلات بأكملها تتجمع فيها. لم تكن المنازل بها مراحيض وكان السكان مضطرين إلى نقل المياه من صنابير بعيدة.
والآن بعد أن نزح إلى أنقاض مخيم آخر، أصبح لدى فارس (69 عاما) حلم واحد: إذا انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي يوما ما، فسوف ينصب خيمة فوق أنقاض منزله ويعيش هناك حتى يتم إعادة بناء جباليا. وقال فارس بصوت يكاد يغرق في صوت مسيّرة إسرائيلية: "مخيم جباليا مدينتي، إنه مسقط رأسي. كل ما يخصني موجود في جباليا. سأشعر بالغربة في أي مكان خارج جباليا".
لقد كان سماح الاحتلال الإسرائيلي لمئات الآلاف من المواطنين الذين فروا من شمال غزة٬ بالعودة أم لا يشكل عقبة حاسمة في مفاوضات وقف إطلاق النار. فكل من يعود سوف يعود إلى مشهد حطمته غارات جيش الاحتلال الإسرائيلي، بما فيه: العملية الحالية، التي يقول الاحتلال إنها تهدف إلى منع المقاومة من إعادة تجميع صفوفها. وقد قُتل أكثر من 50 جنديا إسرائيليا في العملية الشمالية.
إلى ذلك، سجّلت وزارة الصحة بغزة 2,500 شهيد حتى الآن في العملية الشمالية، ولكن مع ترك العديد من الجثث لتتعفن في الشوارع -بعضها أكلتها الكلاب الضالة- فيما يعتقد المسؤولون المحليون أن العدد الحقيقي للشهداء ضعف هذا الرقم. وقال الأطباء إن المرفق الطبي الوحيد الذي لا يزال يعمل، وهو المستشفى الإندونيسي، بالكاد يعمل.
ولأكثر من ثلاثة أشهر، سمح الاحتلال بدخول القليل من الطعام. وقال كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، توم فليتشر، على قناة "إكس" التلفزيونية إن: وكالات الإغاثة قامت في الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر إلى نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي٬ بـ 140 محاولة للوصول إلى المدنيين المحاصرين، ولكن "الوصول كان شبه معدوم".
ونفى جيش الاحتلال أنه ينفذ ما يسمى "خطة الجنرالات"، التي اقترحها مستشار الأمن القومي السابق جيورا إيلاند، والتي تنطوي على إخلاء شمال غزة بالقوة ومنع المساعدات الإنسانية. ولكن مسؤولا إسرائيليا كبيرا قال إن شمال غزة "لن يعود إلى سابق عهده أبدا".
وقال المسؤول: "يمكنك أن تسميها منطقة عازلة، ويمكنك أن تسميها أرضا زراعية، ويمكنك أن تسميها ما شئت، ولكن سيكون هناك فصل مادي أكبر بين المجتمعات الإسرائيلية والمدن الفلسطينية".
وبحسب التقرير: "يقول عمال الإغاثة إنه لا يمكن أن يبقى أكثر من بضعة آلاف من الناس. ويرفض البعض بعناد طردهم من أراضيهم. والبعض الآخر فقراء للغاية أو مرضى لدرجة أنهم لا يستطيعون التحرك. ويتنقل البعض بين المستشفيات التي بالكاد تعمل، على أمل أن يوفر وضعهم المحمي بموجب القانون الدولي بعض الأمان الضئيل".
كان عبد أبو غسان، يحتمي في مدرسة بالقرب من المستشفى الإندونيسي. وطوال اليوم كان يسمع المدفعية والانفجارات بينما يدمر سلاح المهندسين الإسرائيلي حزاما تلو الآخر من المنازل، ونشر العديد منهم مقاطع الفيديو على الإنترنت في لقطات حاولت القوات الإسرائيلية السيطرة عليها.
وفي بعض مقاطع الفيديو، يضحك الجنود الإسرائيليون ويعزفون الموسيقى ويرقصون بينما تدمر عمليات الهدم المتحكم فيها المنازل. واستنكرت جماعات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وخبراء الأمم المتحدة، تدمير الاحتلال للممتلكات المدنية.
وقالت جماعات حقوق الإنسان: ما لم يخدم هذا غرضا عسكريا واضحا، فإن هذه الأفعال قد تنتهك القانون الدولي. وقال جيش الاحتلال إن أفعاله في غزة وجباليا "كانت ضرورية من أجل تنفيذ خطة دفاعية من شأنها أن توفر أمنا أفضل في جنوب إسرائيل".
وزعم أن عملياته في جباليا ركزت على القضاء على ألوية حماس في شمال غزة، وقال البيان: "إن الجيش الإسرائيلي يتخذ الاحتياطات الممكنة لتقليل الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية المدنية والسكان المدنيين والإخلاء في الحالات ذات الصلة"، مدعيا أن قواته واجهت أحياء تحولت إلى "مجمعات قتالية تستخدم للكمائن".
ومن داخل جباليا، يتضاعف الرعب بسبب المستوى الكبير للتدمير. وقال أبو غسان إن: أحياء بأكملها سويت بالأرض: الفاخورة والفلوجة وأبو شريف، وقال وسط الانفجارات: "بقيت على الرغم من المجاعة. نحن أهل الشمال نحب هذا المكان، ولكن الوضع أصبح كارثيا: المجاعة والخوف وتدمير كل مبنى".
بعد عشرة أيام من حديثه إلى "فايننشال تايمز"، قالت عائلته إن أبو غسان: استشهد في بلدته الحبيبة بيت لاهيا بغارة جوية إسرائيلية، بين أنقاض شمال غزة الذي رفض التخلي عنها.