لم ترحم الحرب قطاعات لبنان، بل كانت عاصفة هوجاء اجتاحت كل مفاصل الحياة، تاركة وراءها آلامًا وجروحًا يصعب تضميدها. لم تكتفِ بتدمير البنية التحتية، بل فرضت على الناس عبئًا ثقيلًا من التحديات اليومية التي لا تُطاق. في قلب هذا الخراب، كان المزارع اللبناني هو الأشد تأثرًا، فهو الذي يعاني ليس فقط من ويلات الحرب، بل أيضًا من أزمة اقتصادية خانقة.

ورغم كل ما مر به من ظروف قاسية، يبقى المزارع اللبناني صامدًا، عنوانًا للصبر والمثابرة، ولا يزال يواصل شقاءه بكل ما أوتي من قوة، عازمًا على العناية بأرضه بكل ما يملك من عزم وإرادة. فما هي الأضرار التي تكبدها المزارع جراء الحرب؟ وهل من تخوف على الإنتاج الزراعي؟
قدّر البنك الدولي أضرار القطاع الزراعي في لبنان بـ 124 مليون دولار بين 27 أيلول الماضي حتى الأسبوع الثالث من تشرين الأول 2024. وأشار إلى أن تراكم الخسائر منذ بداية العمليات العسكرية انطلاقاً من لبنان في تشرين الأول 2023، بلغت 1.1 مليار دولار ناتجة من تراكم الأضرار على الأراضي والمزارعين، ولا سيّما التدمير الذي أصاب المنشآت الزراعية كالبيوت البلاستيكية، والمزارع.

خسائر ضخمة، توقف في الصادرات وتكاليف باهظة
بالطبع حجم الضرر الذي شهدته الأراضي الزراعية ضخم، لكن رئيس تجمع المزارعين والفلاحين، إبراهيم الترشيشي يوضح
لـ"لبنان 24"، أنّه "من الصعب في الوقت الراهن تحديد أو تقدير حجم الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية نتيجة الحرب، وذلك لأنّ الأضرار تتفاوت وتتفاقم يومًا بعد يوم، ومن المبكر للغاية تحديد حجمها النهائي قبل أن تنتهي الحرب. لكنّ ما يمكن الجزم به هو أن منطقتي البقاع الأوسط والشمالي هما من أكثر المناطق تضررًا بعد الجنوب، حيث تعرّضتا للحرق نتيجة القنابل الفسفورية."
وأشار إلى أن "المزارعين هم الخاسرون الأكبر من هذه الحرب، إذ يواجهون تحديات كبيرة في العناية بأراضيهم. فالعديد منهم يشاهد محاصيله تذبل أمام عينيه دون أن يتمكن من الوصول إليها لريّها أو حصادها أو توفير المياه اللازمة لها. وفي حال تمكن من الوصول إلى أرضه، يواجه صعوبة في تأمين العمال الذين يحتاجهم للعمل، وعندما يوافق بعضهم على المجيء، تكون أجورهم مرتفعة جدًا، تصل إلى ثلاثة أضعاف ما يمكن أن يحققه المزارع من محصوله."
والقطاع الزراعي يحتاج إلى رعاية يومية دقيقة، وإذا غاب المزارع عن أرضه لمدة أسبوع أو عشرة أيام، فإن الإنتاج يتأثر بشكل كبير نتيجة غياب العناية المستمرة به، مما يؤدي إلى تدهور جودة المحصول بسبب نقص المياه والأسمدة والعلاج اللازم. كما أنّ تكاليف الإنتاج ارتفعت بشكل ملحوظ، حيث تضاعفت أسعار الأسمدة والبذور. والطقس "زاد الطين بلة"، إذ شهدت المنطقة درجات حرارة منخفضة جداً، مما أدى إلى تدمير جزء كبير من المزروعات في منطقة البقاع.
وعن المشاكل التي يعاني منها المزارع جراء الحرب، أكد الترشيشي لـ "لبنان 24" أنّها "متعددة ومعقدة. أولاً، أسعار المزروعات وصلت إلى أدنى مستوياتها، مما جعلها لا تغطي حتى نصف تكلفة الإنتاج. ثانيًا، توقفت صادرات العديد من المحاصيل التي كانت تُرسل إلى سوريا، نتيجة للضربات الإسرائيلية على المعابر الحدودية مثل معبر المصنع، مما يعني أنه لم يتم تصدير أي كمية من الإنتاج حتى الآن. ثالثًا، الشحنات التي تمكنت من التصدير، تكبدت تكاليف نقل مرتفعة جداً، حيث ارتفعت تكلفة النقل بنحو 2000 دولار لكل شحنة. والأمر الأكثر تعقيدًا هو أن الشحنات التي كانت تستغرق ثلاث ساعات للوصول من شتورة إلى دمشق، أصبحت الآن تحتاج إلى حوالي 48 ساعة، رابعًأ، حالة الحيرة والتساؤلات التي يواجهها المزارع حول مستقبل الزراعة في منطقة البقاع".
أمّا بالنسبة للحل، فإعتبر الترشيشي أنّه "يكمن في بذل جهود لفتح المعابر وتسهيل حركة الترانزيت عبره، مما سيمكن لبنان من الوصول إلى كافة الدول العربية بسهولة"، متمنياً على "الدول العربية تسهيل إجراءات تصدير المنتجات اللبنانية، خصوصًا في ظل عدم توفر الطرق البحرية كما كانت سابقًا، حيث أصبحت الرحلات البحرية متقطعة وغير منتظمة."
وفي رده على سؤال عن إمكانية حدوث نقص في الأسواق إذا استمرت الحرب، أوضح الترشيشي أن "الوضع الحالي لا يشير إلى أزمة في الإنتاج، حيث إن موسم البقاع يقترب من نهايته، ويتجه القطاع الزراعي بشكل كبير نحو منطقة عكار، التي تلعب دوراً مهماً في تلبية احتياجات المواطنين من المنتجات الزراعية".
سهل عكار يمد لبنان بالغذاء وخطة طوارئ لرفع الإنتاج
بدوره، شرح رئيس نقابة مزارعي الخضر في عكار خضر الميدا لـ "لبنان 24"، أنّ " سهل عكار يمتلك القدرة على تأمين حوالي 70% من احتياجات الشعب اللبناني من الغذاء، وفي بعض الأصناف يمكن أن يصل إلى 100%، وذلك حسب كمية المحاصيل المزروعة من تلك الأصناف. ومع ذلك، يعتمد السوق على مبدأ العرض والطلب، لأن هناك نقصًا في التنظيم عند زراعة الأصناف المختلفة".
وعن الخطة المتبعة للفترة المقبلة، كشف الميدا أنّه " قبل أقل من شهر، تم عقد اجتماع مع وزير الزراعة في غرفة التجارة بطرابلس، حيث تمّ تشكيل لجنة طوارئ لمتابعة وضع الزراعة والمزارعين". موضحًا أنّ "الهدف من هذه اللجنة هو دعم وتشجيع المزارعين وزيادة الإنتاج الزراعي من مختلف الأصناف، بما يساهم في تلبية احتياجات أكبر عدد من المواطنين. ونحن الآن بدأنا تنفيذ هذه الخطة، وقد تم توجيه جميع المزارعين للتركيز على تكثيف وزيادة زراعة الأصناف المطلوبة لتلبية احتياجات السوق المحلية".
ويبقى السؤال، بين الخسائر الفادحة وتكلفة الإنتاج المرتفعة، هل سيتمكن المزارع من الاستمرار؟

المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: لبنان 24

إقرأ أيضاً:

ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع

توشك المفاوضات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس أن تصل إلى ذروتها بإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. ورغم أن جانب دولة الاحتلال غير مأمون بناء على التجارب التاريخية وبناء على تجارب مفاوضات الحرب الحالية، لكن المؤشرات والتسريبات التي رشحت خلال الأيام الماضية والمشهد العام في المنطقة والمزاج الأمريكي كلها تشير إلى أن إسرائيل مضطرة هذه المرة إلى التوقيع قبل بدء الفترة الرئاسية للرئيس الأمريكي ترامب.

إن هذه الخطوة كان يمكن أن تحدث منذ أكثر من عام لولا تعطش رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتطرفة للدماء ولولا الأحقاد التي تستعر في نفوسهم ضد الشعب الفلسطيني، ولو حدثت في ذلك الوقت لكان يمكن لآلاف الأطفال الذين استشهدوا في هذه الحرب أن يكونوا من بين الذين سيفرحون بالقرار وهم يعودون إلى قراهم المدمرة ليبحثوا عما تبقى من ذكرياتهم وألعابهم وبعض طفولتهم.

لكن قتلة الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء لا يفهمون معنى الطفولة ولا قدسيتها حتى خلال الحرب ومن باب أولى لا يفهمون معنى أن تعود الأمهات الثكلى بأطفالهن فلا يجدن حتى قميصا فيه رائحة طفلها قد يخفف بعض حزنها أو يوقف دموع عينها المبيضة من الحزن والبكاء.

من حق الفلسطينيين أن يشعروا بالنصر رغم كل الخسائر التي منوا بها: خسائر في الأرواح التي قد تصل الآن بعد أن تتلاشى أدخنة الحرب إلى نحو 50 ألف شهيد وأكثر من 200 ألف جريح وبنية أساسية مهدمة بالكامل وغياب كامل لكل مظاهر الحياة الإنسانية وانعدام كامل للمواد الغذائية والطبية.. وشعور النصر مصدره القدرة على البقاء رغم الإبادة التي عملت عليها قوات الاحتلال، الإبادة المدعومة بأعتى الأسلحة الغربية التي جربها العدو خلال مدة تصل إلى 18 شهرا.

في مقابل هذا لا أحد يستطيع أن ينكر أن الموازين في المنطقة قد تغيرت بالكامل خلال هذه الحرب، والمنطقة في اليوم التالي لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار ليست هي المنطقة التي كانت عليها قبل يوم 7 أكتوبر.

وإذا كانت إسرائيل قد صفَّت الكثير من خصومها في هذه الحرب وفككت محور المقاومة وأثخنت الكثير من جبهاته وآخرها الجبهة السورية إلا أنها كشفت عن ضعفها في المواجهات المباغتة، وفضحت أسطورة أجهزتها الأمنية وقبتها الحديدية.

وفي مقابل ذلك فإن حركة حماس رغم ما تعرضت له من خسائر فادحة في رجالها وقياداتها الميدانية إلا أنها أثبتت في الوقت نفسه أنها منظمة بشكل دقيق ومعقد وأنها قادرة على الصمود وتجديد نفسها وتقديم قيادات جديدة.

والأمر نفسه مع حزب الله ومع إيران التي دفعتها هذه الحرب إلى دخول مواجهة مباشرة لأول مرة في تاريخها مع إسرائيل، ولا شك أن تلك المواجهات كشفت لإيران نفسها عن مواطن الضعف في منظوماتها كما كشف مواطن القوة.

ورغم أن بعض الخبراء يرون أن حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله يمكنهم تجديد قوتهم خلال المرحلة القادمة إلا أن الأمر يبدو مختلفا في سوريا التي يظهر أنها خرجت من المحور تماما سواء كان ذلك على المستوى الأيديولوجي أو حتى مستوى العمل الميداني واللوجستي.

وأمام هذا الأمر وتبعا لهذه التحولات ما ظهر منها وما بطن فإن الموازين في المنطقة تغيرت بالكامل، ولا يبدو أن ذلك ذاهب لصالح القضية الفلسطينية في بعدها التاريخي أو في جوهر ما تبحث عنه وهو دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المحتلة ولو على حدود 5 يونيو 1967.

لكن هذا لا يعني أن المقاومة ستنتهي أو تنتهي نصرة القضية الفلسطينية من الشعوب الحرة المؤمنة بالقضية، بل ستزهر في كل مكان في فلسطين أشكال جديدة من المقاومة والندوب الذي أحدثتها الحرب في أجساد الفلسطينيين وفي أرواحهم، ستبقى تغلي وستكون بذورا لمواجهات أخرى أكثر ضراوة وأكثر قوة وإصرارا على النصر.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يعترف بخسائر فادحة جراء العدوان على قطاع غزة.. كم بلغت؟
  • إحباط هجوم لمليشيا الحوثي وتكبيدها خسائر فادحة في الضالع
  • تعرف على الخسائر الفادحة للجيش الإسرائيلى بعد 467 يوما من الحرب في غزة
  • بعد 467 يوما من الحرب.. كم بلغت خسائر جيش الاحتلال الإسرائيل في غزة؟
  • هجوم على مصنع للبارود في روسيا
  • «النقل» تؤكد أهمية الممرات اللوجستية التي يجري تنفيذها لربط مناطق الإنتاج بالمواني
  • ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع
  • “طوفان الأقصى” والعمليات المُساندة لها تُكبد اقتصاد العدو الصهيوني خسائر فادحة
  • الدفاع الروسية تكشف عن خسائر فادحة لنظام كييف على محور كورسك
  • برلمانية: مد إيقاف العمل بقانون ضريبة الأطيان سيسهم في زيادة الإنتاج الزراعي