برلمانات الديكور وأحزاب القوالب: حين تُهمّش إرادة الشعوب وتُغيّب العدالة
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
#سواليف
#برلمانات #الديكور و #أحزاب_القوالب: حين تُهمّش #إرادة_الشعوب وتُغيّب العدالة
بقلم : ا د #محمد_تركي_بني_سلامة
في عالمنا العربي، تُعرض بعض البرلمانات والأحزاب السياسية كما لو أنها قطع ديكور في واجهات زجاجية براقة، تخطف الأنظار بجمالها الظاهري، لكنها تفتقر لأي عمق أو مضمون حقيقي. تُقام الانتخابات، وتُرفع الشعارات الرنانة، وتُلقي النخب السياسية خطبًا تبدو وكأنها منبر للحرية والعدالة، ولكن الحقيقة غالبًا ما تكون عكس ذلك.
كيف يمكن لأمة أن تنهض إذا كانت مؤسساتها مشلولة، وأصوات شعوبها مُختزلة في صناديق اقتراع نتائجها تُحسم قبل فتحها؟ البرلمان، الذي يُفترض أن يكون بيتًا للشعب، بات مجرد غرفة للتصديق على القرارات الجاهزة. أما الأحزاب السياسية، التي كان من المفترض أن تكون منبرًا يعبر عن هموم المواطنين وتطلعاتهم، فقد أصبحت قوالب جامدة تُعيد إنتاج نفسها بما يتناسب مع رغبات السلطة أو الإملاءات الخارجية.
هذه الحالة المؤسفة تمثل إهدارًا واضحًا لإرادة الشعب، التي تُهمّش تحت شعارات زائفة مثل “الإصلاح” و”المشاركة الديمقراطية”. المواطن، الذي كان من المفترض أن يكون ركنًا أساسيًا في صناعة القرار، يُعامل كرقم في معادلة سياسية لا تأخذ رأيه بعين الاعتبار. الديمقراطية، في هذا السياق، لم تعد وسيلة لتحقيق العدالة والمساواة، بل تحولت إلى مسرحية عبثية تُدار بعناية لخدمة مصالح فئة صغيرة، غالبًا بتوجيهات خارجية لا تمت لمصلحة الوطن بصلة.
الأكثر إيلامًا هو أن هذه الديمقراطية الشكلية قد تكون أسوأ من الاستبداد الصريح. ففي النظام الاستبدادي، تكون طبيعة الحكم واضحة، بينما في الديمقراطية الزائفة، يُخدع المواطن بشعارات فارغة، ليجد نفسه أمام مؤسسات تُدار من خلف الكواليس، وأحزاب لا تمثله بقدر ما تمثل مصالحها الضيقة أو مصالح من يدعمها.
هذا الخداع المنهجي لا يخلق فقط أزمة في الشرعية، بل يؤدي أيضًا إلى تدمير الثقة بين الشعب ومؤسساته. المواطن الذي كان يؤمن يومًا بأن صوته له قيمة، يفقد هذا الإيمان تدريجيًا ليصبح أكثر عزوفًا عن المشاركة، وأكثر إحباطًا من إمكانية التغيير.
لكن، ورغم كل هذا السواد، يبقى الأمل معلقًا بأولئك الذين يؤمنون بضرورة إحياء المؤسسات السياسية لتعود إلى دورها الحقيقي. لا يمكن لأي أمة أن تنهض إذا كانت قراراتها تُدار من الخارج أو إذا كانت إرادة شعبها مُختزلة في مظاهر شكلية. الإصلاح الحقيقي يبدأ من إعادة الاعتبار لصوت الشعب، من بناء مؤسسات قوية تعبر عن إرادة المواطنين دون ضغوط أو تدخلات، ومن أحزاب سياسية تُعيد تعريف نفسها كأدوات للتغيير لا كأدوات للتجميل.
عندما تصبح الديمقراطية ممارسة حقيقية تعكس إرادة الأمة، يمكن للوطن أن يتحرر من قيود التبعية وأن يعود قراراه بيد أبنائه. فقط حينها يمكن أن نحلم بمستقبل يعبر عن تطلعات شعوبنا، ويضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
في الختام، إن مصير الأمة لا يمكن أن يتغير إلا بأيدي أبنائها. عندما يدرك المواطن العربي أن صوته هو المفتاح الحقيقي للتغيير، ستعود الديمقراطية إلى معناها الأصيل، وستتحول البرلمانات من ديكورات زائفة إلى مؤسسات تصنع القرار، والأحزاب من قوالب جامدة إلى منصات حقيقية للتغيير.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الديكور إرادة الشعوب محمد تركي بني سلامة
إقرأ أيضاً:
أنغولا تُنهي دورها كوسيط في نزاع شرق الكونغو الديمقراطية
أعلن الرئيس الأنغولي، جواو لورينسو، انسحاب بلاده من دورها كوسيط في عملية السلام المتعلقة بشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وجاء هذا القرار في وقت حساس حيث أعلنت أنغولا أنها تفضل تركيز جهودها على رئاستها الحالية للاتحاد الأفريقي، وهو المنصب الذي يتطلب اهتماما واسعا بالقضايا القارية والدولية.
وقد لعبت أنغولا دور الوسيط في النزاع القائم بشرق الكونغو عبر "عملية لواندا" التي بدأت عام 2019. وكان الهدف من هذه العملية التفاوض بين الحكومة الكونغولية والفصائل المسلحة التي تعصف بالمنطقة. إلا أن هذه الوساطة شهدت بعض التعثر بسبب تعقيد النزاع ووجود العديد من الأطراف المتنازعة، مما جعل تحقيق تقدم ملموس أمرا صعبا.
وأكد الرئيس لورينسو في بيانه الأخير أن القرار جاء بعد دراسة معمقة للظروف الحالية، مشيرا إلى أهمية التركيز على التزامات بلاده الدولية، خاصة في إطار رئاستها للاتحاد الأفريقي. وأوضح أن أنغولا ستظل ملتزمة بدعم استقرار المنطقة من خلال التنسيق مع الدول الأفريقية والمنظمات الدولية، لكن دون الانخراط المباشر في الوساطة.
وجاء هذا القرار بعد مناقشات طويلة مع السلطات الكونغولية والأطراف الدولية، في وقت يشهد فيه النزاع تصعيدا خطيرا. وتواصل الحركات المسلحة، لا سيما تحالف القوى الديمقراطية وحركة "إم 23″، هجماتها ضد القوات الحكومية، مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين وتشريد الآلاف، بينما يعاني ملايين آخرون من الأزمة الإنسانية المستمرة.
إعلانمن الجدير بالذكر أن الحكومة الأنغولية أعربت عن دهشتها من اجتماع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي، مع الرئيس الرواندي، بول كاغامي، في الدوحة، والذي قالت إنه لم يكن جزءا من أجندة الوساطة المتفق عليها.
وشدد الرئيس لورينسو على أن أنغولا ستواصل دعم جهود السلام في المنطقة عبر الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، ولكنه لم يستبعد إمكانية البحث عن وسطاء جدد من دول أخرى للتوسط في النزاع. كما أكد أن بلاده ستواصل تقديم الدعم الإنساني للمتضررين من النزاع في شرق الكونغو.
وقد أثار القرار الأنغولي ردود فعل متنوعة. ففي حين اعتبر بعض المحللين أن هذه الخطوة تعكس تغيرا في الإستراتيجية الأنغولية، يرى آخرون أنها قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة في شرق الكونغو إذا لم يُوفر دعم بديل للوساطة. وفي هذا السياق، كانت الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا قد دعت إلى تكثيف الجهود الدولية لتحقيق تسوية سلمية للنزاع.