هل لديك شبيه في مكان ما؟ كيف يفسر العلم ذلك؟
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
هل سبق أن قيل لك إن لديك تشابهًا غريبًا مع شخص آخر؟ هذا يحدث من حين لآخر، وعلى الإنترنت تجد صورة أو مقطع فيديو يظهر فيه أشخاص وأشباه لهم لا يعرفونهم، أو قد يشتهر شخص ما لأنه شبيه بفنان في إحدى الدول.
وفي بعض الأحيان يكون التشابه مدهشا لدرجة تفتح التساؤل عن درجة قرابة محتملة لشخصين لا يعرفان بعضهما بعضا، هذه الفكرة كانت جوهر عديد من القصص الغريبة في الحكايات الشعبية والأدب.
خلال السنوات الأخيرة، بدأ بعض العلماء يتساءلون، وتوصلوا إلى إجابات مدعومة علميًا عن ماهية الأشخاص المتشابهين، وكيف تحولت الفكرة بمرور الوقت؟ وما احتمالات العثور على شبيه لنا؟
التشابه كان ينظر إليه على أنه حدث خطير (شترستوك) الأشخاص المتشابهون.. أصل الفكرةيقول رئيس قسم أبحاث التوائم وعلم الأوبئة الوراثية بكلية كينغز لندن تيم سبيكتور للجزيرة نت إن الأشخاص المتشابهين يعرفون بأنهم هؤلاء الذين "يتشاركون في خصائص جسدية بشكل لافت للنظر، لدرجة أنه في بعض الأحيان، يمكن بسهولة اعتبارهما توأمين أو على الأقل أشقاء أو أقارب".
ويعود أصل التسمية إلى الكلمة الألمانية "دوبلغينغر" (Doppelgänger)، التي تُرجمت حرفيًا إلى "الدوبلير" أو "البديل"، واستخدمت في البداية للإشارة إلى المتشابهين في الفولكلور والأدب الألماني، وشاع استخدامها في مجال الفن، في إشارة إلى الشخص الذي ينوب عن الممثل أو البطل في القيام بالمشاهد الخطرة.
وظهر المصطلح لأول مرة في تسعينيات القرن الـ18 في رواية "7 أجبان" للكاتب الألماني جان باول، الذي عرَّف الأشخاص المتشابهين، في حواشي كتابه بأنهم أولئك الذين "يرون أنفسهم".
وفي الثقافة الشعبية، غالبًا ما يكون الأشخاص المتشابهون كائنات شريرة، وفي بعض القصص، يُنظر إلى كون الشخص شبيهًا لشخص آخر على أنها ظاهرة خارقة للطبيعة، مثل الأرواح والأشباح التي تظهر لأفراد معينين ولعائلاتهم وأصدقائهم.
وكان يُنظر إلى رؤية شخص آخر مشابه على أنها حدث خطير للغاية يشير إلى سوء الحظ، فقد كان ظهور شبيهك بمثابة نذير شؤم ينبئ بمآسي مستقبلية.
مع ذلك، كان ظهور بعض التوائم الغرباء يحمل تحذيرات، حيث افترضت التقاليد الألمانية والسلتية القديمة في أوروبا الغربية أن ظهور شبيه كان علامة على الهلاك الوشيك أو الموت أو المرض.
واستخدمت هوليود السيطرة التي يتمتع بها الأشخاص المتشابهون في أفلام مثل "فيرتيغو" ومسلسل "الباقون" لإظهار التناقض بين الخير والشر، وتسليط الضوء على العلاقة التكافلية بينهما.
مسابقة لأشباه الممثل الأميركي تيموثي شالاميت أثارت حالة من الفوضى في واشنطن سكوير بارك بمدينة نيويورك (غيتي) أكثر من مجرد التشابه في الشكلفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أثارت مسابقة لأشباه الممثل الأميركي تيموثي شالاميت حالة من الفوضى في واشنطن سكوير بارك بمدينة نيويورك، حيث حضر الآلاف ممن يظنون أنهم أشباه تيموثي، وتجادل عديد من المعلقين حول من كان يجب أن يفوز حقًا بالجائزة البالغة 50 دولارًا.
ومع وجود تشابه في ملامح كثير من المشاركين في المسابقة بالفعل، لم يكن من المستغرب أن يثبت العلم وجود مزيد من القواسم المشتركة بين الأشخاص المتشابهين أكثر مما تراه العين.
في عام 2022، سعى فريق من العلماء الباحثين بقيادة مانيل إستيلر، عالم الوراثة في معهد أبحاث اللوكيميا في برشلونة، إلى معرفة إذا ما كان هناك أساس علمي لوجود تشابه بين أشخاص ليس بينهم أي صلة قرابة على الإطلاق، وإذا ما كان ذلك يرجع إلى الحمض النووي الخاص بهم أو عوامل بيئية أخرى.
ووفقًا للبحث المنشور في مجلة "سل ريبورتس"، الذي أُجري على 32 زوجًا من الأشخاص المتشابهين للغاية، فإن 16 زوجا من هؤلاء الأشخاص لديهم سمات أكثر تشابهًا، ويتشاركون أيضًا في العديد من نفس الجينات وسمات نمط الحياة أكثر من النصف الآخر الذين لديهم سمات أقل تشابهًا.
لفهم ما يحدث على المستوى الجيني بين الأشخاص المتشابهين، تعاون العلماء مع المصور الكندي فرانسوا برونيل، الذي كان يسافر حول العالم لتوثيق وتصوير أكبر عدد ممكن من الأشخاص الذين يبدون متشابهين بشكل ملحوظ.
على مدار أكثر من عقدين من الزمان، جمع برونيل مجموعة ضخمة تضم أكثر من 250 صورة لأشخاص متشابهين من أكثر من 30 مدينة حول العالم، وتوج كل هذه السنوات من العمل الجاد في مشروع بعنوان "أنا لست متشابهًا!".
وللتعرف على إذا ما كانت أوجه التشابه التي اختبرها برونيل تمتد إلى ما هو أبعد من الوجه، اختبر الباحثون بعد ذلك الحمض النووي للمشاركين، ووجدوا أن 9 أزواج من أصل 16 من المتشابهين الذين تم تصويرهم في مشروع برونيل يشتركون بالفعل في الحمض النووي، وهذا يعني أن لديهم سمات وراثية مماثلة، على الرغم من عدم وجود صلة بيولوجية.
من حيث معايير نمط الحياة المختلفة، تمكن الباحثون من العثور على مزيد من أوجه التشابه بين الأشخاص المتشابهين -بخلاف الحمض النووي المشترك- مقارنة ببقية مجموعة الدراسة، كما وجدوا أوجه تشابه في المعايير الحيوية مثل الحالة العائلية والنظام الغذائي وما إلى ذلك.
كما كان هؤلاء الأشخاص الذين لديهم توافق عالٍ في الخوارزميات والقواسم المشتركة الجينية لا يشتركون في الوجه فحسب، بل وأيضًا في سمات أخرى، مثل الخصائص الأنثروبومترية مثل الطول والوزن، وبعض سمات سلوكهم التي قد تشمل العادات الشائعة مثل إدمان التبغ والتعليم، والتي يمكن أن ترتبط بمعامل الذكاء.
ويرى تيم سبيكتور -الذي لم يشارك في الدراسة- أن تشابه جينات وسمات شخصين غير مرتبطين يمكن أن تكون له آثار طبية مهمة في المستقبل، وقد يوفر الأساس لتشخيص الأمراض الوراثية والنادرة باستخدام التعرف على الوجه، مثل مرض السكري أو الزهايمر، ويسمح للمحققين الجنائيين باستخدام عينة من الحمض النووي في مسرح الجريمة للتنبؤ بملامح وجه شخص ما، لكن هذا يحتاج إلى مزيد من الدراسات للتحقق من صحة النتائج.
شبيهي ستالين ولينين مع السياح في موسكو (ساييكو-ويكيميديا) "شبيهي الذي يبلغ عمره 2000 عام"إلى جانب هذه الدراسة، كان مشروع برونيل المستوحى من تشابهه مع شخصية الممثل الإنجليزي روان أتكينسون، أساسًا لتحقيق علمي أجرته نانسي سيغال، أستاذة علم النفس والمتخصصة في دراسات التوائم بجامعة ولاية كاليفورنيا فوليرتون، التي كانت من بين العلماء الآخرين الذين استخدموا أشخاصا متشابهين في مشروع برونيل لتسوية نقاش علمي صغير، لكنه صاخب.
وخلصت الدراسة التي قادتها إلى أن الأشخاص المتشابهين غير المرتبطين ليس لديهم أي احتمالات لمشاركة "السمات الخمس الكبرى للشخصية" (الانفتاح على التجارب والضمير والانبساط والعصابية والاستقرار)، مقارنة بمجموعات مختلفة من التوائم، بما في ذلك التوائم الذين نشؤوا منفصلين بعيدًا عن بعضهما بعضا، والذين كانت لديهم فرصة إحصائية أكبر لمشاركة هذه السمات، كما لم يتشابهوا ببعضهم بعضا عند قياس تقديرهم لذواتهم.
ودحضت سيغال، وهي مؤلفة كتاب "منقسمون عن عمد"، الانتقادات القائلة بأن "تشابه شخصية التوائم المتطابقين لا يرجع إلى تشابههم الجيني، بل يرجع إلى حقيقة أن مظهرهم المتطابق يدعو إلى معاملة مماثلة من قبل الآخرين"، وبدلاً من ذلك، فإن التفسير الأكثر حكمة هو الارتباط التفاعلي بين النمط الجيني والبيئة.
على الرغم من أن سيغال أثبتت أن السمات بين الأشخاص المتشابهين أكثر اختلافًا من الشخصيات بين التوائم، فإن "التوأمين الغريبين" في دراسة إستيلر وفريقه يشتركان في أكثر من مجرد وجوه متشابهة، وبفضل الجينات التي تتحكم في طول عظامهم، فقد تكون لديهم مشية متشابهة.
أكثر من ذلك، تجاوز البعض تعريف الشبيه على أنه نسخة طبق الأصل من شخص حي إلى الربط بين الشخص وشبيهه المتوفي، فبفضل الإنترنت، أصبح من السهل على الباحثين تعقب ودراسة الأشخاص المتشابهين في أزمنة مختلفة، وإن كان أحدهما مجرد تمثال في متحف.
ففي عام 2017، سأل متحف الحضارة في مدينة كيبيك بكندا أفرادًا من عامة الناس عما إذا كانوا يعتقدون أنهم يشبهون الإلهة أفروديت أو الإله أبولو أو أي من المنحوتات اليونانية الرومانية والمصرية التي يعود تاريخها إلى حوالي 2000 عام.
استجاب أكثر من 100 ألف شخص من جميع أنحاء العالم لدعوتهم، ورفعوا صورا شخصية إلى قاعدة بيانات، واختار المتحف من بينهم أفضل المشاركات باستخدام برنامج التعرف على الوجه.
أصبح أكثر من 20 اختيارًا نهائيًا جزءًا من المعرض الذي أُطلق عليه "شبيهي الذي يبلغ عمره 2000 عام"، لكن مديرة البرمجة بالمتحف، اعتبرت 5 أو 6 صور فقط "مطابقة"، أي أنها صور تشبه تمثالًا بدقة لا تقل عن 95%.
هناك بالفعل تقارب جيني بين الأشخاص المتشابهين (غيتي) احتمالات العثور على شبيهكبخلاف التوائم المتطابقة الذين يشتركون في نفس الجينات تقريبًا، هل لدينا جميعًا شبيه في مكان ما؟ وما احتمالات أن تجد هذا الشخص الذي يشبهك في مكان ما حول العالم؟ لسنوات عديدة، بحث العلماء عن إجابات ولم يحالفهم الحظ.
استنادًا إلى عدد السكان المتزايد، يتوقع سبيكتور أن يكون لدينا شبيه واحد على الأقل في مكان من العالم، وربما لكل واحد منا نسخ متعددة من شكله، ويضيف: "وجود مجموعة واسعة من الخصائص والسمات بين البشر يزيد من احتمال تكرارها بأكثر من طريقة، وتشكل في النهاية نمطا متشابها، لكن المشكلة تكمن في نسبة التشابه بين الأشخاص، فكل شخصين متشابهين بنسب معينة".
في حين تبدو الاحتمالات العلمية لا حصر لها في هذا الشأن، لا يبدو الأمر بهذه البساطة بالنسبة لعلماء آخرين. على سبيل المثال، عام 2015، أجرت عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة أديليد في أستراليا، تيجان لوكاس، دراسة لتقييم وجوه ما يقرب من 4 آلاف شخص لا تربطهم صلة قرابة، لتحديد المسافات بين ملامح الوجه واحتمالات أن تكون هذه المسافات مشتركة على نطاق واسع.
الدراسة التي نُشرت في "جورنال أوف ليغال ميديسن"، تحت عنوان "هل الوجوه البشرية فريدة من نوعها؟"، قارنت بين هؤلاء الأشخاص من حيث 8 قياسات للوجه، و8 قياسات للجسم، لترى مدى تشابههم حقًا. وتضمنت بعض قياسات الوجه والرأس الدقيقة للغاية التي تشير إليها الدراسة طول الأذن ومحيط الرأس والمسافة بين مركزي الحدقتين اليمنى واليسرى.
بقياس مسافات الوجه بدقة، تبين أن فرصة التطابق التام لأبعاد الوجوه معدومة تمامًا، إذ وجد الباحثون أن احتمال مشاركة 4 قياسات مع شخص آخر كان أقل من واحد في المليون، في حين كان احتمال مشاركة 8 قياسات أقل من واحد في تريليون، مما يقلل من احتمال وجود ثنائي من الأشخاص المتشابهين مع اختلافات طفيفة.
تقول لوكاس التي قادت الدراسة، في تصريحات للجزيرة، "حتى إذا أخذت شيئًا بسيطًا مثل الأذن، فإن الأذن فريدة من نوعها بين كل فرد وهناك خصائص تشريحية كافية في الأذن، بحيث يمكننا التعرف على شخص ما من خلال الأذن"، وتضيف: "كانت لدي حالات مثل هذه. قام شخص ما بسرقة بنك وكان يرتدي قناعًا، وكانت أذنه بارزة، وقمنا بمقارنتهما".
بالنظر إلى قياسات بقية الجسم، وجد الباحثون أن احتمالات وجود توأمين غريبين كانت أكثر قتامة، وبناءً على 8 قياسات، فإن الفرصة تكون أقل من 1 في كوينتيليون (مليون تريليون)، هذا لأن هذه القياسات أكبر، وبالتالي يكون نطاقها أكبر، مما يعني أن هناك فرصة أقل لمطابقة الأشخاص مع بعضهم البعض.
ووفقًا للوكاس، "كلما أخذت في الاعتبار مزيدا من القياسات، قل احتمال تطابق شخص ما مع آخر بنسبة 100% في طريقة التشابه الحقيقية"، وتضيف: "قد يبدو شخصان متشابهين للغاية للعين المجردة، ولكن عندما تبدأ في القياس، لن يتطابقا مع بعضهما بعضا، وهذا ما يجعل استدعاء أحد الشهود للتعرف على وجه أحد المشتبه بهم غير موثوق به للغاية".
كيف تجد شبيهك؟لحسن الحظ، بالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالخوف من رؤية أشباههم، تقول النتائج التي خلصت إليها دراسة لوكاس وفريقها إن فرص وجود شبيه لك يشترك معك في نفس مظهر الوجه والجسم تكاد تكون مستحيلة.
لكن إذا كنت ممن يتساءلون عما إذا كانوا قد يتمكنون من العثور على شبيه لهم بين أكثر من 8 مليارات شخص حول العالم، فلا داعي لليأس. هناك كثير من الخيارات المتاحة أمامك لمعرفة الشخص الذي يتطابق معك، هذا إذا كان هناك بالفعل شبيه يمكنك العثور عليه.
هذا الشغف الدائم بالأشخاص المتشابهين جعل المواقع والتطبيقات التي تدعي مطابقة المستخدمين مع أشباههم عبر الإنترنت تحظى بشعبية واسعة النطاق، بما في ذلك "توين سترينجرز" و"آي لوك لايك يو" و"صب ريديت دوبلغينغر".
تعلن هذه المجموعة من المنصات عبر الإنترنت عن قدرتها على اكتشاف الأشخاص المتشابهين ضمن مجموعات المستخدمين الخاصة بها، وهناك مواقع أخرى تدلك على توأمك من المشاهير.
كل ما عليك فعله هو تحميل صورة لنفسك على برنامج التعرف على الوجه، وسيظهر توأمك الغريب، لكن كثيرا ممن فعلوا ذلك أُصيبوا بخيبة الأمل، لأن مجرد التشابه مع شخص ما لا يعني أنك ستكون متشابهًا، لذلك كن حذرًا، فربما لا يروقك مدى اختلاف الشخصية مع شبيهك، وقبل كل ذلك، توخ الحذر، فقد تشارك معلومات شخصية يمكن أن تعرض هويتك للخطر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحمض النووی حول العالم التعرف على العثور على شخص آخر أکثر من فی مکان تشابه ا شخص ما مع شخص ما کان
إقرأ أيضاً:
ثالوث النار.. العلم يكشف أسرار الحرائق وحيل الإطفاء
تتجه الأنظار اليوم نحو ولاية كاليفورنيا الواقعة غربي الولايات المتحدة، حيث لا تزال المنطقة تتعرض لحرائق مروعة تهدد الحياة الريفية والمدنية على حد سواء.
ويزداد الوضع تعقيدا مع التقرير -الذي نشره معهد الموارد العالمية العام الماضي- والذي أشار إلى أن حرائق الغابات تزداد بنسبة 5.4% سنويا، وفقا لدراسة شاملة بين عامي 2001 و2023 على مستوى العالم.
وتُعتبر الحرائق ظاهرة معقدة تحكمها قوانين الفيزياء والكيمياء، ويعتمد اشتعالها وانتشارها على توفر 3 عناصر رئيسية تُعرف بثالوث النار (الأكسجين، الحرارة، الوقود). ويعتبر تعطيل أحد هذه العناصر الوسيلة الأكثر فعالية للسيطرة على الحريق وإخماده بالكامل. وبفضل فهم هذا الثالوث، يمكن لرجال الإطفاء والمؤسسات المعنية اتخاذ الأساليب الأكثر كفاءة للتعامل مع الحرائق.
مطفئات الحريق بالمواد التي تحتويها تختلف باختلاف نوع الحريق الذي تتعامل معه (الجزيرة) العنصر الأول: الأكسجينالنار تحتاج إلى الأكسجين، لأنه يتحد مع الوقود المحترق لإنتاج الحرارة وثاني أكسيد الكربون، ولأن غلاف الأرض يحتوي على 21% من الأكسجين، فإن هناك وفرة لاشتعال حريق في أي مكان بكوكبنا شريطة أن يتوفر العنصران الآخران.
وعندما يُزال الأكسجين من النار، فإنها تبدأ بالخفوت إلى أن تخمد بشكل كامل، والطرق المثلى لفعل هذا هي قطع مصدر إمداد الأكسجين: إما عن طريق استخدام بطانيات الحرائق التي تشكل حاجزا لوصول الأكسجين، أو باستخدام مطفأة الحريق.
وتختلف مطفئات الحريق بالمواد التي تحتويها باختلاف نوع الحريق الذي تتعامل معه، فكل نوع منها مُصمم لمواجهة حرائق معينة، وهو الأمر الذي سنتطرق إليه لاحقا بهذا التقرير.
إعلانولكن عادة ما تُستخدم مطفأة الحريق التي تحتوي على ثاني أكسيد الكربون، وهو غاز غير قابل للاشتعال وأثقل من الهواء، وعندما يُرَش على الحريق فإنه يعمل على تقليل الأكسجين وطرده من محيط الحريق. كما أن إغلاق نوافذ الأبنية لدى إخلائها من السكان يساعد على كبح الحريق لأنه يمنع تسرب المزيد من الأكسجين من الخارج إلى الداخل مع هبوب الهواء.
العنصر الثاني: الحرارةتعد الحرارة عاملا محفزا لبدء عملية الاحتراق، فعندما ترتفع درجة حرارة مادة قابلة للاشتعال إلى حد معين يُعرف بـ"نقطة الاشتعال" تبدأ في إطلاق أبخرة تتفاعل مع الأكسجين، مما يؤدي إلى نشوب سلسلة من الحرائق. وللحرارة دور حاسم ليس فقط في اندلاع الحرائق بل أيضا في استمرارها وانتشارها، إذ تساهم في إزالة الرطوبة من مصادر الوقود وتدفئة المناطق المحيطة، مما يمهد الطريق لامتداد ألسنة اللهب.
ولا يمكن للحريق أن يبدأ أو يستمر دون وجود حرارة كافية، ويمكن إزالة الحرارة عن طريق استخدام مواد تقلل من كمية الحرارة المتاحة، مثل الماء الذي يمتص الحرارة ويتحول من الحالة السائلة إلى البخار. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن تقليل الحرارة في اللهب باستخدام كميات كافية وأنواع مناسبة من المسحوق أو الغاز.
ومن المهم ملاحظة أنه يمنع بتاتا استخدام الماء لإخماد الحرائق الكهربائية، إذ أن ذلك يزيد من خطر التعرض لصدمة كهربائية، كما أن الماء يجب عدم استخدامه في حرائق النفط لأن اختلاطه مع الزيت يؤدي إلى تفاقم الوضع.
العنصر الثالث: الوقوديحتاج أي حريق لمصدر وقود لكي يبقى على قيد الحياة، وهناك أشياء تساعد على الاشتعال، مثل الورق والخشب والمنسوجات والبلاستيك والموائع المختلفة القابلة للاشتعال، وجميع هذه المواد قادرة على أن تكون وقودا لأي حريق كان.
وبقطع مصدر الوقود، ستلتهم النار نفسها إلى أن تخمد تماما، ويعد التخلص من الأشجار المحيطة في حرائق الغابات أحد الأساليب الفعالة لإيقاف امتداد ألسنة اللهيب، غير أن قطْع مصدر الوقود لا يضمن دائما توقف النيران حتى تنتهي من استهلاك الوقود الموجود تماما، ففي أحيان كثيرة تبقى الحرائق مشتعلة لكن تحت سيطرة كاملة إلى أن ينفد الوقود. والجدير بالذكر أن رجال الإطفاء يستخدمون مواد وثيابا وعدّة مصنعة خصيصا من مواد مقاومة للاشتعال.
إعلان أنواع الحرائقصحيح أن الحرائق تشترك في هذا الثالوث، إلا أن أنماطها تختلف باختلاف الوقود الذي يحدد أفضل الطرق والآليات لصد الحريق وإخماده. وفي بعض الأحيان، قد يتضاعف الخطر عند استخدام الطريقة الخاطئة. وعليه، فإن الرابطة الوطنية للحماية من الحرائق قد أعدت 5 تصنيفات لأنواع الحرائق لتسهيل التعامل معها على حدة:
حرائق الفئة "إيه" (A) – إخمادها بالماء: تحدث حرائق الفئة الأولى نتيجة اشتعال مواد شائعة مثل الخشب والورق والأقمشة والبلاستيك، ويكون إخمادها باستخدام الماء أو فوسفات الأمونيوم الأحادي. ويُشاع حدوث هذه الحرائق في حاويات القمامة، لذا ينبغي التعامل معها بحذر حيث قد تحتوي على مواد خطرة قد تنفجر. حرائق الفئة "بي" (B) – وإخمادها يكون بإزالة الأكسجين: تحدث هذه الحرائق نتيجة لاشتعال السوائل أو الغازات القابلة للاشتعال مثل الزيت والكحول، ويكون إخمادها عن طريق خنق اللهب باستخدام مواد مثل فوسفات الأمونيوم أو ثاني أكسيد الكربون، كما يجب تجنب استخدام الماء لأن ذلك يزيد من انتشار الحريق. حرائق الفئة "سي" (C) – ويكون إخمادها بقطع الكهرباء: تنتج هذه الحرائق عن مكونات كهربائية مثل المحولات والأجهزة، وتُعد الطريقة المثالية للتعامل معها هو قطع التيار الكهربائي أولا، ثم استخدام مواد غير موصلة كهربائيا مثل ثاني أكسيد الكربون. حرائق الفئة "دي" (D) – إخمادها يكون باستخدام المواد الجافة: تحدث هذه الحرائق بسبب المعادن القابلة للاشتعال مثل المغنسيوم والتيتانيوم، ويكون إخمادها باستخدام مسحوق جاف مثل الغرافيت أو كلوريد الصوديوم، إذ أن استخدام الماء يزيد من سوء الحريق. حرائق الفئة "كيه" (K) – ويكون إخمادها باستخدام طفايات الحريق الكيميائية: تحدث هذه الحرائق في المطبخ بسبب اشتعال الزيوت أو الدهون، ويكون استخدام طفايات الحريق الكيميائية التي تحتوي على مواد تمتص الحرارة وتمنع الأكسجين من الوصول إلى النار، كما ينبغي عدم استخدام الماء في هذه الفئة من الحرائق. إعلان