منذ بداية مشواره الفني، استطاع الملحن والموزع الموسيقي مدين أن يترك بصمة قوية وثابتة في عالم الفن العربي.

بدأت مسيرته الفنية منذ صغره، حيث شكلت أغاني برامج الأطفال مرحلة مهمة في تطوره الفني، لكنه سرعان ما انطلق بعيدًا عن هذا النمط، ليبدأ في تقديم أعماله الخاصة والاحترافية في مجال التلحين والتوزيع الموسيقي.

من خلال تعاونه مع أبرز نجوم العالم العربي، نجح مدين في صقل موهبته وتطوير قدراته الفنية. تميزت أغانيه بالإبداع والتنوع، ما جعله يحظى بشعبية كبيرة بين المستمعين والفنانين على حدٍ سواء.

اعتُبر مدين واحدًا من أبرز الملحنين في الوطن العربي، حيث اشتهر بقدرته على خلق أعمال موسيقية تلامس قلوب الجمهور وتحقق نجاحًا كبيرًا.

تميزت أعمال مدين بالروح الفنية العالية والابتكار، حيث استطاع تقديم موسيقى متنوعة تجمع بين التقاليد والحداثة. ومن خلال التعاون مع نجوم كبار مثل عمرو دياب، شيرين عبد الوهاب، محمد حماقي، وأصالة، وغيرها من النجوم.

لا يقتصر إبداع مدين على الأغاني الشهيرة التي ألهمت الكثيرين، بل استمر في إثراء الساحة الفنية بتوزيعاته الموسيقية المبتكرة والمميزة. ومن خلال استمراره على الساحة الفنية، يُعتبر مدين رمزًا للتميز والإبداع في عالم الموسيقى العربية.

بهذه الطريقة، يظل مدين يلهم ويبهر الجمهور بأعماله الموسيقية المميزة التي تزين وتثري التراث الفني والثقافي العربي. وبهذا الاستمرار والتألق، يظل مدين منارة للمواهب الجديدة ونموذجًا للنجاح والتفوق في عالم الفن والموسيقي.

 

انجاز مدين 

ومن جانبه، حقق مدين إنجاز كبير من قبل الفنانة شيرين عبد الوهاب بأغنيتها "كلام عنيه"، التي أدخلتها إلى موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية. وقد حققت هذه الأغنية نجاحًا هائلًا منذ طرحها وحتى اليوم.

"بيلبورد" قدمت تقريرًا مثيرًا عن مسيرة الملحن مدين، الذي بدأ في أغاني برامج الأطفال ووصل إلى قمة احترافه في مجال التلحين. استطاع مدين ترك بصمة واضحة في الساحة الموسيقية العربية وصناعة نجاحات مع كبار نجوم العالم العربي.

شدد مدين على سعادته بهذا التقدير من "بيلبورد"، معربًا عن شكره لاهتمامهم بالأغنية المصرية والعربية. الأغنية "كلام عنيه" التي لحنها مدين لشيرين عبد الوهاب، احتفظت بمكانة متقدمة في قوائم "بيلبورد" العربية لأكثر من 45 أسبوعًا وتتصدر قائمة أعلى 50 أغنية مصرية حاليًا.

من الجدير بالذكر أن مدين شارك أيضًا في نفس الألبوم بأغنية "حبه جنة"، التي ما زالت تحتفظ بمكانتها في القوائم الأسبوعية بنجاح مستمر.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: مدين الفجر الفني

إقرأ أيضاً:

أسطوات مصر|هبة النيل والحرفيين والصناع.. رحلة عبر التاريخ مع تراث يتحدى الزمن.. كنوز بشرية حية صنعت الموروث الثقافي فى أشكال خالدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تعالوا نعود معاً فى رحلة إلى الحضارة المصرية القديمة.. فى تلك الحضارة، نجد أن الحرف والصناعات اليدوية تمثل جزءًا أساسيًا من تراثها الثقافي الغني، فالأيادي الماهرة التي أبدعت في صنع الأعمال الفنية والحرفية، لم تكن مجرد أدوات للعيش، بل كانت تعبيرًا عن الهوية والإبداع.. منذ العصور القديمة، كانت الصناعات اليدوية تحتل مكانة رفيعة في المجتمع المصري، والشواهد الأثرية التي بُنيت بمهارة الحرفيين، تعكس الجهد والإبداع الذي تم الاستعانة به في بناء هذه المعالم الخالدة سواء كانت معابد أو أهرامات أو تماثيل منحوتة أو مساجد أو كنائس، فمصر ليست فقط هبة النيل كما قال المؤرخ هيرودوت، بل هي أيضًا هبة الحرفيين الذين حولوا المواد الخام إلى فنون تُحاكي  الواقع على مر الأجيال.

 

البناءون والنحاسون والسقايون وشيوخ الطوائف والصبية وشهبندر التجار وغيرها مهن وحرف مصرية ترسخت في الوجدان المصري، منها من ظل باقيًّا ومنها ما أصبح في طي النسيان تتحدث عنه كتب التاريخ، وتلك المهن والحرف التي نقلها إلينا التراث المادي من مساجد ومعابد وكنائس شيدت بسواعد مصرية وحرفية فنانين  مصريين أبدعوا في حرفتهم وصناعتهم لتظل راسخة ومنقوشة عبر مئات السنين.

ففي العصور الإسلامية، شهدت الحرف اليدوية ازدهارًا كبيرًا. وتأثرت الفنون بالمبادئ الإسلامية، وأنتج الحرفيون المصريون أعمالًا فنية مدهشة، مثل الفسيفساء والزخارف الهندسية، والأرابيسك والنحت على النحاس والزخارف والنسيج والأزياء وصناعة الحُلي، وغيرها من الصناعات والحرف التي أصبحت رمزًا للجودة والتميز وحكاية من حكايات الإبداع. 

شاهد على عظمة الحضارة 

تعتبر الحرف والصناعات اليدوية في مصر شاهدًا على عظمة حضارتها، بل إن الكثير من تلك الحرف والصناعات والمهن ظلت باقية ومتوارثة من جيل إلى جيل، إنها تذكير دائم بأن الإبداع لا حدود له، وأن الإبداع ليس له حدود.

 

الحرف والصناعات اليدوية 

أمام الخطر الذي يهدد تلك الحرف وتلك الصناعات، بدأت الدولة تتنبه، وأصبح ملف الحرف اليدوية من الملفات الساخنة على جدول أعمال الحكومة.. فالأمر يتطلب  تضافر  جهود كل الجهات الحكومية للحفاظ عليها، ولا يقع العاتق فقط على وزارة الثقافة والتي قد لا يتعدى الأمر لديها سوى عمل بعض ورش العمل أو تدشين بعض المؤتمرات التي تتحدث عن تلك الحرف والصناعات أو إعداد الملف للجهات الأجنبية لإلحاق تلك الصناعات والحرف بقوائم الصون العاجل بمنظمة اليونسكو، مثل تسجيل الأراجوز التراثي والخيامية وصناعة النسيج والتلي على تلك القوائم وحماية تلك الصناعات والحرف والفنون من الاندثار وإعادتها للحياة مرة أخرى، ولكن هناك الكثير من التدابير التي يجب اتخاذها والتي تبدأ من الحفاظ على الكنوز البشرية الحية وهم شيوخ المهنة والحرفة والذين يظلون على قيد الحياة وتوفير لهم كافة الإمكانات وسبل الرعاية حتى يستطيعوا نقل خبراتهم وسر المهنة للأجيال الجديدة والا تذهب سر الصنعة معهم إلى القبور.

 

تراث الأجداد 

عظمة الصناعات والحرف المصرية لم تتوقف عند فترة من الزمان بل عبرت كل الأزمنة لنشهد عليها نحن الأحفاد على حرفية وفن الأجداد ومن بين تلك الحرف الكثير والكثير الذي سنتحدث عنه بالتفصيل فن الفسيفساء والأرابيسك والصدف والتكفيت على النحاس والزخارف الجث وفنون البناء والتشييد التي تميزت بها العمارة المصرية والإسلامية والقبطية أيضًا وربما يأخذنا الحديث عن الكثير من الصناعات التي تميز بها الفنان المصري عبر العصور ومنها فن الأرابيسك والمشربية والصدف والحفر على النحاس والأخشاب والتطريز والأشغال اليدوية وصناعة النسيج والكليم والحرف المرتبطة بجريد النخيل وغيرها من الحرف والصناعات التي اشتهر بها الفنان المصري.

 

السيف رمز القوة والسلطة

شاهد أساسي عبر التاريخ على الأحداث العظيمة كالحروب والمبارزات

 سيوف الملوك تزين المتاحف المصرية كـ«الفن الإسلامي» و«قصر عابدين»

انتهت الحروب باستخدام السيوف منذ عصر المماليك واستمرت حتى العصر العثماني، ليصبح السيف مجرد رمز على زمن عدى وولى ولم يتبق من تلك الصناعة سوى القليل في بعض الدول الذي يجسد السيف أو الخنجر رمزًا حضاريًّا وثقافيًّا وتعبيرًا عن الهوية، فقد عُرف السيف على مر العصور بأنه رمز للقوة والسلطة والسيطرة وسلاح الفرسان فى المعارك والحروب، فالسيف من أدوات الحرب التي تغني بها الشعراء فى قصائدهم، ويعتبر من الأسلحة الحربية التي كانت تستعمل كأداة للهجوم والدفاع وتم اكتشافها فى العصر الحديدي ومعرفة الطرق الصحيحة لسبكه وطرقه.

وأبدع الفنانون العرب فى صياغة وصناعة كافة أنواع الأسلحة، واستطاع بفنه ونقشه أن يحفر اسمه عبر التاريخ بسن وزخرفة سيوف الملوك والأمراء، واستطاع السيف على مدار التاريخ العربي والإسلامي أن يحفر لنفسه مكانة متميزة بين الأسلحة الأخرى، بل أقيمت دول وممالك وهُدمت حضارات كبيرة بواسطته.

وشهدت صناعة السيوف تطوراً كبيراً منذ نشأتها بداية من العصر الحديدي وحتى العصر البرونزي، فالسيف شاهد أساسي عبر التاريخ على الأحداث المهمة والعظيمة كالحروب والمبارزات أمام الملوك حيث ظلت محافظة على مكانتها وأهميتها حتى يومنا هذا، فالعديد من السيوف الخاصة بالملوك تزين جميع متاحفنا المصرية كمتحف الفن الإسلامي ومتحف قصر عابدين وغيرها من القصور الملكية والتي تتميز بدقة الصناعة وروعة التصميم، وتحتوى على الجواهر واللآلئ النادرة، كـ«سيف العدل والتتويج» وهو من أهم وأروع مقتنيات متحف الأسلحة بقصر عابدين ومصنوع من الفضة الخالصة ومطلى بالذهب ومطعم بمجموعة نادرة من الأحجار الكريمة والعقيق والياقوت والزمرد.

وكان من أشهر الصناع المصريين الحاج سنقر، والحاج محمد إبراهيم أغا وسلطان سيف مصري، وعباسقلي، وعجم أوغلو وهم من الصناع الذين عاصروا السلطان القاجاري ناصر شاة قاجار، وقد نقشت على نصول السيوف بعض الكلمات وبعض الطلاسم لتحمي السيف من الضياع والحفظ أو رسوم للحيوانات وخصوصاً رسم الحيات والأسود بالإضافة إلى اسم الصناع أو الطباع.

فن التلي.. تراث الجدات ترتديه النجمات

الأسيوطي الأشهر.. ويستخدم في تطريز طرحة العروس وحجاب لمنع الحسد

 

ومن بين الفنون التي تميز التراث المصري، فن التلي أو التطريز على النسيج وهو يعتبر من فنون الجدات الذي استطاعت المرأة المصرية الحفاظ عليه عبر الأزمنة وفي الفترة الأخيرة، بدأت التلي في الظهور في الكثير من الأزياء والملابس الحديثة.

فالتلي من الحرف اليدوية ومن أشهر أنواع التلي هو "التلي  الأسيوطي"، إذ لا تزال الجدة تجلس ويلتف حولها الأحفاد يتعلمون منها سر الصنعة لتحكي بأناملها عن فن من فنون الزمن فهو إرث ثقافي مرتبط بالعادات المرتبطة بالزفاف وتجهيز العروس، فكان يستخدم في تطريز طرحة العروس، وكحجاب لمنع الحسد عن العروس، ولهذا كانت تأتي الأشكال التي يتم التطريز بها في تكونات تكرارية لتكون أشكالاً متعددة من الصليب القبطي في الشكل النهائي، كما اشتهرت أيضًا الموتيفات الحيوانية مثل موتيفة الجمل الشهيرة، أشهرها الموتيفات الهندسية مثل الخط المنكسر والذي يرمز لنهر النيل، والمثلث ويرمز للجبال التي تكثر بين أسيوط وسوهاج، والكثير من الرموز المستمدة من التراث المصري القديم والقبطي. 

أما خيوط التَلّىِ عبارة عن أشرطة معدنية عرضها حوالى 3 مللي، وقديمًا كانت هذه الأشرطة من الفضة الخالصة، أما الآن فهي عادة أشرطة فضية اللون وقليلاً ما تكون ذهبية، وهي غالبًا تكون مصنوعة من أسلاك النحاس المطلية إما بالفضة أو النيكل، وهناك أشرطة معدنية رخيصة أو من البلاستيك.

وتتميز غرزة التَلّىِ بأنها متفردة ولا تشبه أي غرزة أخرى في أعمال النسيج والتطريز، وكل غرزة مستقلة بذاتها عن باقي العمل، والغرزة الواحدة تحتاج لست خطوات لعملها، مما يتطلب حرفية عالية. وكان التَلّىِ يطرز على الحرير، على أماكن قليلة لصعوبة التطريز بالخيط المعدني على الحرير، وعندما ظهر التل أصبح العمل عليه أسهل من الحرير وأصبح التطريز يحتل مساحات أكبر من الأثواب.

 

المشربية والأرابيسك.. إبداع الحفر في الخشب

يزين منابر المساجد ونوافذها.. ويضفي أجواء روحانية في الكنائس 

ازدهر فى العصر الفاطمي.. وتطور مع العباسيين والأيوبيين والمماليك

المشربية والأرابيسك، هو فن  الحفر على الألواح الخشبية بأشكال هندسية صممت بحرفية عالية، والنقوش والزخارف ذات الطابع الإسلامى والروحاني، وبين فنون الخط العربى بكل أنواعه النسخ والثلث، والتى كتب عليها آيات الذكر الحكيم بحروف من ذهب.

 فحينما تتجول في شوارع القاهرة التاريخية تجدها بين العمائر والمساجد ذات الطراز المعماري المتفرد فقد زُينت بشبابيك من الخشب المعشق والتى صنعت بمهارة وحرفية عالية، منابر المساجد وأبوابها الخشبية التى تُعد قطعًا فنية بالغة الروعة والدقة والجمال الذى لا يضاهيه شيئاً آخر، حتى الكنائس والمعابد اليهودية ومعظم أماكن العبادة ستجد قطعة من فن الأرابيسك أو المشربية تزينه وتعطى له أجواءً روحانية غير طبيعية من حيث تداخل الإضاءات والزجاج المعشق. 

وازدهر فن الأرابيسك فى العصر الفاطمي، وأخذ فى التطور مع العصر العباسى والأيوبى وعصر المماليك متخذًا أشكالا جديدة، ومع بداية العصر العثمانى الذى شهد أزهى عصور الأرابيسك على مر التاريخ، ويُعد فن الأرابيسك أحد أهم أشكال الفنون الإسلامية، بجانب زخرفة المساجد والقصور والقباب بأشكال هندسية أو نباتية تبعث فى النفس الراحة والهدوء والسكينة حيث اندمجت المادة بالمشاعر الروحانية.

فعلى مر العصور مر فن المشربية بعدة منحدرات كانت بدايتها بعد أن أصبحت مصر ولاية عثمانية، والتى شهدت تدهوراً فى جميع أركان الدولة والتى بدأت بسلب قواها الصناعية والفنية وترحيل أفضل الأيدى العاملة فى أكثر من 51 حرفة يدوية إلى الأستانا .

وأضافت المشربية طابعاً مميزاً بكل بلد من بلدان العالم الإسلامي، متوافقة فى ذلك مع أهم خاصية من خصائص الفن الإسلامى وهى «الوحدة والتنوّع» مستخدمين أدوات حرفية بسيطة تكاد تكون بدائية فى خرط الخشب وخاصة المشربية أو «الخراطة الدقيقة» ومنها المناشير، والأزميل والمثاقب، وقوس خشب، وأدوات للقياس، والمخرطة البلدية خرجت تحف معمارية من أيدى أمهر الفنانين والحرفيين.

الخيامية.. سر فنون المصريين 

الأكثر أصالة وتعقيدا ودقة وإتقانا.. وتحول إلى سرادقات للعزاء والأفراح فى المناطق الشعبية

 

عرف فن الخيامية منذ الحضارة المصرية القديمة، حيث عُثر على سرادق مزين بقطع ملوّنة من الجلد على هيئة نجوم صفر وحمر موزّعة على أربعة جوانب، وكانت الخيامية تستخدم كمظلّة يقف تحتها رئيس العمال، أما الفرعون فكانت تُصنع له خيمة للرحلات، وتطرز بخيوط الذهب والفضة والحرير، ومن أشهر‏ ‏الخيام‏ ‏بالتاريخ‏ ‏خيمة‏ ‏قطر‏ ‏الندى‏ ‏ابنة‏ ‏خمارويه‏ ‏فى‏ ‏العصر‏ الطولونى‏ ‏وخيمة‏ ‏السلطان‏ ‏قنصوة‏ ‏الغوري‏، وكانت‏ ‏عبارة‏ ‏عن‏ ‏قصر‏ ‏متحرك‏، إلا‏ ‏أنها‏ ‏اختفت‏ ‏بمقتله‏ ‏فى ‏موقعة‏ ‏مرج‏ ‏دابق‏ عام 1516، وانتشرت صناعة الخيم كمنازل فى البادية، ومن ثم تطورت وظلت كسوة الكعبة لقرون طويلة تصنع فى مصر بباب زويلة، وتحولت الخيامية إلى سرادقات للعزاء والأفراح فى المناطق الشعبية واستخدمت فيها الوحدات الزخرفية المطبوعة.

«الخيامية» أو فن تطريز القماش بالقماش واشتقت كلمة خيامية بشكل أساسى من كلمة «خيام» والذى ابتكرها المصريون منذ قديم الزمان، فن الألوان الزاهية والخيوط البارزة على الجداريات ومعلقات الحائط، وتطريز القماش بوحدات من القماش ذاته، هو الفن الأكثر أصالة وتعقيداً ودقة وإتقاناً، إبرة فضية وقطع قماش ملون وبخفة أصابع الفنان المصرى ظهرت أعظم اللوحات بأدق الأشكال الهندسية والتكوينات التى تعطى الطابع الإسلامى، فهى الفن المصرى الأصيل الذى لم يقدر أن تمحيه السنوات وعجز الآخرون عن نقله أو تقليده.

ومرت صناعة الخيامية كمثيلاتها من الصناعات اليدوية التى عانت من التدهور تارة والاندثار تارة أخرى وعلى الرغم من محاولات إحياء هذا الفن ليستخدم حديثاً فى صناعة المفروشات والتابلوهات المطرزة والخيم الرمضانية والمعلقات ذات الأشكال والتصميمات والأحجام المختلفة، إلا أن غياب العامل المعرفى بأسرار هذه المهنة يؤثر بشكل كبير، إذ يتم الخلط بين الطرز التاريخية المختلفة بصورة تُجافى التوازن البصري.

ويعتمد فن الخيامية أو ما يُطلق عليه فى بعض الأحيان «صناعة الأنبياء» نسبة لنبى الله إدريس الذى كان يعمل فى خياطة الخيم فى مكوناته على قماش التيل والخيوط الملونة، ويُعد من الفنون الاحترافية الدقيقة التي تحتاج موهبة فنية عالية وتتطلب العديد من المواصفات كالصبر على تعلم الفن اليدوى والقدرة الفائقة على مزج الألوان باحترافية عالية، وترتكز صناعة الخيامية على رسم التصميم فى البداية والذى ستتم خياطته على القماش أولاً، ثم تبدأ بعدها مرحلة التخريم ويتم وضع بودرة مخصصة من أجل طبع الرسم على قماش التيل حتى يستطيع الفنان القيام بعملية التطريز.

 

«السيرما».. التطريز بخيوط الذهب والفضة

«السيرما» هى نوع من التطريز ينفذ باستعمال خيوط ذهبية أو فضية أو نحاسية أو ألومنيوم إما طبيعية أو مخلقة، صُنعت منها ثياب الملوك والأمراء وكسوة الكعبة والمفارش والسجاد والأوشحة وغيرها الكثير من التحف النسيجية التى تزين العديد من متاحف العالم .

ويُعد التطريز أحد فروع المساعدة للخياطة وكان الأرمن يسيطرون على هذه الحرفة فى الأستانة ثم انتشرت عن طريقهم فى مصر وظلوا يحتكرونها حتى نهاية القرن التاسع عشر، وكان يحتاج هذا النوع من التطريز إلى حرفية عالية ودقة متناهية، ويأتى سحر وفتنة هذا النوع من التطريز من التأثيرات الحادثة بفعل لمعان الخيوط المعدنية، كما يمكن مزج الذهب والفضة مع أساليب أخرى بطريقة فائقة وشيقة.

وسبق فن التطريز فنَّ الحياكة بزمن طويل، حيث مارسته شعوب معظم الحضارات القديمة أما أقدم المطرزات التى حفظت حتى العصر الحاضر‏ فقد عثر عليها فى مقبرة توت عنخ آمون فى مصر، وتعود إلى القرن السادس عشر قبل الميلاد ، ثم انتقلت بعض تلك المطرزات إلى أوروبا ممثلة فى ملابس رجال الكنيسة وبعض الملوك والنبلاء، ومن أشهرها الرداء الكنسى للقديس توماس بيكت وهو رداء مطرز بالذهب، ورداء التتويج الخاص بالملك روجار الثانى النرمندى فى صقلية، والرداء الخاص بالملك وليم الثاني.

 

كسوة الكعبة

ستارة باب التوبة.. درة تاج متحف النسيج 

تعتبر كسوة الكعبة الشريفة من أبرز وأهم القطع التى تعتبر بشكل كبير عن فن السيرما أو التطريز بخيوط الذهب والفضة حيث تعتبر «كسوة الكعبة» بمتحف النسيج المصرى بشارع المعز وهى التحفة النسيجية والتى كانت تصنع فى دار الكسوة بالخرنفش، وهى آخر قطعة مصرية ذهبت إلى الكعبة والتى تم صنعها فى عهد الملك فاروق الأول، كما تُعد «ستارة باب التوبة» هى درة تاج المتحف وهى قطعة من القماش مستطيلة الشكل، عليها زخارف نباتية، وكتابات قرآنية مطرزة بخيوط فضية بأسلوب «السيرما».

 

الفسيفساء.. فن الخلود

زينت جدران المساجد والمعابد والقصور والحدائق الملكية.. وفي صناعة التحف والإكسسوارات واللوحات

قبة قصر السلطان قلاوون نموذج حي للفسيفساء الرخامية

 

عرفت الفسيفساء بأنها فن تزيين الأسطح،‏ كالأرضيات والجدران والقباب،‏ بتصاميم مصنوعة من قطع صغيرة من الحجارة والزجاج،‏ والخزف ويتم رصفها الواحدة بجانب الأخرى لتكون شكلاً جمالياً على القطع المراد زخرفتها، وزينت الفسيفساء جدران المساجد والمعابد والقصور والحدائق الملكية والتحف والإكسسوارات واللوحات الفنية وحتى صناديق المجوهرات كما استخدمت فى تزيين الحمامات العامة والبرك والنوافير لتكون بديلاً للفنون الزخرفية الأخرى التى يتم إفسادها بفعل الرطوبة.

ففن الفسيفساء يروي حكاية أخرى من حكايات التاريخ والحضارات، فهو «الرسم الذى يدوم حقًا إلى الأبد» حسبما وصفها الفنان الإيطالى دومينيكو غيرلَنْدايو فى القرن الـ 15، ليروى كل تصميم من أشكال الفسيفساء قصة ذات رموز ودلالات لأناس كانوا يعيشون قبلنا، ويضم العديد من المتاحف نماذج ولوحات فنية مبهرة وغاية الدقة والروعة لفن الفسيفساء، بل إن بعض الكنائس والمساجد والقصور الملكية تضم جدرانها إحدى اللوحات الفنية صنعت بأيدى أمهر الحرفيين والفنانين لفن الفسيفساء. 

وتَّتطلب حرفة صناعة المكعبات الصغيرة واستعمالها فى الزخرفة «الفسيفساء» أو موهبة ومهارة ودقة عالية من صانعيه حيث يتم صنع اللوحة الفنية بعدة مراحل بدءًا من تصميم الإطارات فى داخل موضعها الملائم، فكان الحرفى ينتبه جيدًا للقاعدة ولسطحها ليضمن أنه أملس ومستوي، ثم يقوم بوضع طبقة من الملاط الناعم «البطانة»‏ فوق السطح على مساحة صغيرة،‏ كى يتمكن من رصفها قبل أن تجف، وفى بعض الأحيان يقوم الفنان بوضع رسم تخطيطى على السطح لإتباعه أثناء رصف المكعبات، والتى كانت تقطع وفقاً لقياس محدد لوضعها فى المكان المناسب، ويتم غرز المكعب تلو المكعب فى الملاط،‏ حتى تمتلئ الفراغات بينها.‏ وبعد الانتهاء من رصف مساحة معينة يتم رصف مساحة أخرى حتى تنتهى الفسيفساء، وكان الحرفيون المبدعون يعملون على الأجزاء الصعبة من الفسيفساء تاركين الأجزاء السهلة لمساعديهم.‏

كما شهد هذا الفن تطورًا تقنيًا من حيث استعمال الألوان واستغلال درجاتها وتدرجات الألوان فى الزجاج وقد استعمل الزجاج لتغطية الجدران والقباب بينما استعملت مكعبات من الحجارة والرخام لتغطية الأرضيات لأنها تتحمل أكثر ولا تتلف بسهولة، وإلى جانب الزجاج إدخالهم للمعادن فى صناعة اللوحات الفسيفسائية.

أما الفسيفساء الإسلامية فقد كانت امتدادا للفسيفساء البيزنطية فى حين احتفظوا بفضل تطوير صناعة هذا الفن من حيث استخدامهم للألوان المائية فى التلوين مع ابتكار أشكال هندسية غير معهودة فى تزيين القصور والمعابد لتمتد هذه التقنية لما بعد الإسلام إذ استعملت فى زخرفة جدران المساجد والعمائر والقصور أثناء الحكم الأموى والعباسى والفاطمى فى مصر والأندلس حيث حرص الفنان على إدخال عنصر جديد فى زخرفة الجدران والأرضيات وهو استخدام الفسيفساء الرخامية كتلك التى استخدمت بقبة قصر السلطان قلاوون فى مصر، كما ظهر استخدام البلاطات الخزفية المزخرفة فى تكسية قمم المآذن والقباب والجدران.

 

الشفتشي.. عالم الأسرار 

يعتمد على برم الخيوط المعدنية من الفضة والذهب بدقة لتكوين أشكال تشبه الدانتيل

 

فن «الشفتشي» هو من الفنون والحرف التراثية البالغة الدقة والتي تتطلب مهارة كبيرة في صناعتها، فكانت معظم الأسر قديمًا لا تخلو من كردان أو قرط إلا وعليه بصمة فن الشفتشي. وكلمة «الشفتشي» كانت تطلق على أنواع من القماش ذات النسيج الرقيق الذى يكشف عما تحته، وكان المصري القديم أول من أبدعها قبل العثمانيين، وقد أخذت الفكرة من هذه الأقمشة والتي سميت فيما بعد بـ«الشفتشي» مستخدمين قطع من أسلاك الذهب والفضة والنحاس لينسجوا منها أجمل وأدق المشغولات ذات التقنية المعقدة.

وتعتمد تقنية «الشفتشي» كليا على عملية برم الخيوط المعدنية من الفضة والذهب بدقة شديدة لتكوين أشكال تشبه الدانتيل، ونظرًا لما تتطلبه هذه التقنية من وقت ودقة، من الصعب أن تتم إلا يدويًا، وهو ما جعل صناعة هذا النوع من المجوهرات تختفي تقريبًا، باستثناء بعض الورش في حي الحسين والأزهر، التي ما زالت تحاول المحافظة عليها منذ أكثر من قرن من الزمان، وبالتالي لا تزال اليد المحترفة هي التي تنسج خيوطها وتصوغها في أشكال أقرب إلى الدانتيل.

كما أضاف المصريون المهرة إلى هذه المهنة الكثير من التقنيات التي صبغت عليها الروح المصرية القديمة ويأتي السياح من جميع أنحاء العالم ليحصلوا على قطعة فنية جميلة ولا مثيل له.

 وتعود كلمة «الشفتشي» إلى كلمة تركية أصلها (شفت إشي) ومعناها مكشوف لأن الأشكال التي يتم تصنيعها تكون مفرغة، وكان فن الشفتشي مرتبطا بالصاغة بشكل كبير ويتم تصنيع الحُلى والمجوهرات من الذهب والفضة مثل الكردان والأقراط وغيرها من الإكسسوارات التى تتزين بها النساء، وهي من الصناعات التي اندثرت وأوشكت على الاندثار. 

 

التكفيت على النحاس..  ابتكار مصري أصيل

طاولة ومطارق حديدية وخشبية وأزاميل وأقلام حديدية.. لزخرفة النحاس والنقش عليه بالفضة 

 

يعتبر التكفيت على النحاس من الحرف والمهن التي تعاني من تدهورا كبيرًا خلال العصر الحديث،  وهى مهنة الحفر والنقش على النحاس والذى برزت فى أشكال عديدة ومنها السيوف والقطع النحاسية كالمباخر المملوكية وكرسي العشاء وأدوات التجميل والمكاحل، وغيرها من الأدوات النحاسية التى كانت لا تخلو من أى منزل أثناء العصر المملوكي وقد شهد فن التكفيت على النحاس ازدهاراً كبيراً فى تلك الفترة، حتى أن قاهرة المعز أنشأ فيه سوقاً كبيراً سُمى بسوق الكفاتين.

والتكفيت أو النقش على النحاس هو من أبرز الفنون الإسلامية، بل تعتبر جزءًا من الفن الإسلامي الذى يُعد من أروع الفنون التي عرفتها البشرية على الإطلاق، وهى ابتكار مصري أصيل، وفن من فنون زخرفة المعادن اليدوية ولا يوجد أي تدخل تكنولوجي فيها فجميع مراحل صناعة التحف النحاسية يدوياً باستخدام بعض الآلات البسيطة والتي تعتبر بدائية أيضاً لكن لها تأثير كبير لا تقدر التكنولوجيا على تقليدها.

وتبدأ عملية الزخرفة والنقوش بعد اختيار شكل الآنية المطلوب صنعها حيث ترسم النقوش بأقلام نقش فولاذية خاصة بهذه المهنة وبمساعدة المطرقة والسندان ثم تُمسح القطعة جيداً حتى تعود إلى أصلها الطبيعي ثم يتم عزل القطعة التي يراد الحفر عليها بمادة شمعية لا تتأثر بالأحماض، ثم يقوم الفنان بالرسم بواسطة قلم حاد على هذه المادة ويتم تحديد الشكل المطلوب مما يسمح بوصول الحمض إلى جسم المعدن فوق الخدش أو الرسم ثم يقوم بتغطيس الآنية بحمض الآزوت الممدد وتركه لفترة حتى يأخذ الشق حجمه المطلوب وبعد إخراج القطعة من الحمض وغسلها وتنشيفها يتم تركيب خيوط الفضة أو الذهب في هذه الشقوق وذلك بالطرق الخفيف عليه ليأخذ مكانه الصحيح وتسمى هذه الطريقة التطعيم بالفضة أو الذهب.

وتتم زخرفة النحاس أو النقش عليه بالفضة وهى صنعة لا يعرف سرها إلا القليل وتدعى مهنة «الألتونجية» وهى كلمة تركية مركبة من «ألتون» ومعناها النحاس ومن «جى» علامة النسبة التركية للمهنة، وتتطلب عملية النقش على النحاس من الحرفى مهارة عالية بالخط والرسم الدقيق الذى يتم بأدوات يدوية دون استخدام التقنية المتطورة بل بمجموعة بسيطة من الأدوات التى هى عبارة عن طاولة ومطارق حديدية متعددة الأحجام ومطارق خشبية ومجموعة من الأزاميل والأقلام الحديدية، فبتلك الأدوات البسيطة خلفت الحضارة الإسلامية تراثاً ثرياً من المقتنيات المملوكية والتى تزين العديد من المتاحف العالمية بالأوانى النحاسية المطعمة بالذهب والفضة، كما لعبت الزخرفة العربية دوراً كبيراً فى الفن الإسلامى بحيث غطى على الفنون الأخرى.

وتوارث المصريون مهنة التكفيت على النحاس من الجدود إلى الأبناء والأحفاد إلا أن عدد الحرفيين والفنانين بدأ فى الانقراض بسبب الظروف المعيشية، وأن عدد الفنانين المهرة هربوا من المهنة ومتاعبها، كما أن بعض الفنانين لم يقوموا بتوريث أبنائهم مهنة الجدود، ما جعل المهنة تفقد الكثير من أسرارها عبر مرور الزمن.

الخراطة على الأخشاب.. فن وحرفة ومهارة

تعتبر الخراطة على الأخشاب من الحرف اليدوية والتي تعتمد بالأساس على دقة ومهارة صانعيها، فالخراطين قديمًا كان لهم بصمة خاصة فيما يقومون بعمله من مهنة تحتاج إلى الدقة والذوق والحرفة والمهارة، ولهذا كان يطلق على القطع النادرة بالغة الدقة والحرفية بأنها فريدة ولا يوجد مثيل لها، وقد شهدت أحياء القاهرة في النصف الأول من القرن التاسع عشر عددًا كبيرًا من الخراطين، وكانوا متواجدين بحي باب الشعرية،  ويشتهرون بدقة الصنع فكان لا يوجد مشرابية أو شباك في أي حي من أحياء المحروسة إلا وكانت من صنع يديهم.

وكان العاملون في مجال الخراطة من أمهر صناع مدينة القاهرة وكانت صناعتهم من أكثر الصناعات تقدمًا، شهدت تلك الفترة تطورًا في أشكال العمارة والبناء وبالتالي أثرت بشكل كبير على صناعة عمل المشربيات والتفنن فيها، ولكن المهنة قد أخذت في الزوال والاندثار، وحلت محلهما الصنعة على الطراز الغربي.

 

التنجيد مهنة تواجه الاندثار 

يبدأ مع «الطنجة» لنشر القطن على الحصيرة.. والقوس والمدقة والكشتبان والإبرة والعصا أدوات لا يستغني عنها المنجد

 

 

تعتبر الندافة أو التنجيد من الصناعات والمهن التي بدأت تواجه الاندثار نظرًا لانتشار الصناعات الحديثة، وتختص مهنة أو حرفة التنجيد بأعمال القطن الذي يستعمله المنجد كحشوة داخل الأقمشة ليصنع منها اللحاف والمراتب والمخدة.

وكان المنجد يستخدم الأدوات البسيطة وهي ما يُطلق عليها "الطنجة" حيث كان يقوم بنشر القطن على الحصيرة ويبدأ في ضربه بالمضرب حتى يتحول القطن إلى اللون الأبيض وتزيد كثافته، ثم يستعمل القماش الأبيض والخيط ليقوم بصنع جهاز العروس من مراتب ومخدات وألحفة الغطاء، كما كان يشتهر كل "نداف" بقدراته على رسم وعمل أشكال وزخارف ورسومات خاصة به، تزين المراتب والألحفة ومفارش العروس. 

فالتنجيد مهنة يدوية شعبية التراثية التي تجمع بين حرفية الصنعة، وابداعات صاحبها في إضافة شيئًا من فكره على المنتج الذي يقوم به لذلك نرى أن الحرفة قد ارتبطت بأشخاص احترفوا وتميزوا واكتسبوا شهرتهم من إتقانهم الصنعة، وتتميز أعمالهم بتفصيلات وزخرفات ومنمنات يبدعون فيها.

وتتكون عدة المنجد من القوس وهو الأداة الأساسية في حرفة الندافة بالإضافة إلى ملحقات يمكن اعتبارها من الضروريات لا يمكن الاستغناء عنها مثل المدقة والكشتبان والإبرة بأنواعها والعصا الخشبية الطويلة.

ومهنة المنجد هي من المهن التي تم توارثها عبر الأجيال إلا أنها تعاني في الفترة الأخيرة طريقها إلى الاندثار نظرًا لانتشار المراتب الإسفنجية والمخدات الفايبر والألحفة والبطاطين التي تستخدم في الغطاء، كما أن الأيدي المهارة التي كانت تتفنن في صنع الزخارف والرسومات على الألحفة أيضًا فقدت بريقها نظرًا لعدم إقبال الصنايعية على هذه المهنة لأنها لم تعد قادرة على توفير العائد المادي الوفير، غير أن مهنة المنجد أو النداف تتطلب مجهودا بدنيا وجسديا غير ما يتعرض له المنجد من أمراض صدرية نتيجة الغبار الذي يخرج من القطن ويتنفسه، ما يتسبب له في مشاكل صحية. 

 

الحصير.. ينافس السجاد والموكيت في الصعيد والمناطق الشعبية

السلال تصنع من سعف النخيل لحفظ اللوازم المنزلية

 

صناعة الحصير من الحرف التراثية والتي باتت في طي النسيان إلا في بعض القري البعيدة في صعيد مصر، والتي حلت محلها السجاد والموكيت المصنوع بالماكينات، والتي كانت تصنع من ألياف النخيل والتي كان يخرج منها أحسن أنواع الحصر. 

فكانت صناعة الحصر من الصناعات التي عرفتها مصر منذ الحضارة المصرية القديمة، وكانت تستعمل في تغطية أرض المنزل، وكانت من المهن والحرف الرائجة والشائعة في مصر المحروسة، فكان لا يمكن الاستغناء عنها لاسيما في المنازل المبلطة أو ذات الأرضية الرخامية، أو حتى الأرضية الترابية، وقديما كان الطلب على الحصير واقتناؤه يدل على أهمية تلك الحرفة لسكان القاهرة، وكانت الحصر تصنع من أعشاب السمار، وأجود السمار ما يؤخذ من الجهات القريبة من بحيرات النطرون، وقبل استخدام السمار، كان يجفف في الشمس لمدة شهر أو شهرين، ثم ينضجونه لمدة عشرين يومًا، وبعد ذلك يصبح أملس مستديرًا مرنًا، ويصبغ بالألوان الأسود والأصفر والأحمر، ويستخدم أيضًا وهو بعد مبلل لصناعة الحصر، وغالبًا ما يقوم الصناع برسم أشكال أو رسومات على الحصر، وعادة ما تكون مريحة جدًا للعين، ويسمى هذا النوع من الحصر «حصر سمر»، ولم يقتصر صنع الحصر على مادة السمار، بل كانت هناك أنواع أخرى من الحصر أكثر شيوعًا، فكانت تصنع من سعف النخيل والبوص.

وإلى جانب الحصر كانت هناك السلال التي كانت تصنع من سعف النخيل وكانت السلال تستخدم فى حفظ اللوازم المنزلية، وكان الحصريون يقومون أيضًا بصناعة القفف والمكانس والمذبات، وذلك من أجل تنمية مصدر رزقهم، فعلى الرغم من كل هذا وهذه النماذج من الحرف والصناعات اليدوية والتي تظل دليلًا على عظمة الحضارة المصرية، بل وتدل على أن الإبداع البشري لا يعرف حدودًا،  إن تراثنا الغني يلهمنا ويدفعنا نحو المستقبل ويذكرنا دائمًا بقوة ماضينا، وأن استمرارية هذه الحرف اليدوية حتى يومنا هذا تؤكد على قدرتها على التكيف والبقاء في عالم متغير.

 

المراكب التقليدية.. حرفة ارتوت من مياه النيل

تُعدّ صناعة المراكب التقليدية في رشيد أحد الفنون العريقة التي تجسد روح التاريخ وتروي حكايات الأجيال المتعاقبة. كيف لا، وهي الحرفة التي ارتوت من مياه النيل وارتبطت بعبق ثقافة مصر القديمة؟ في كل قطعة خشب تُستخدم، تجد صدى لأصوات الأجداد وهم يبدعون في تشكيل المراكب لتكون شرايين الحياة في النهر الخالد.

فمدينة رشيد  التي شهدت أمجاد الماضي وازدهار التجارة عبر العصور، كانت ولا تزال مركزًا رئيسيًا لصناعة المراكب، هذه الحرفة التي تعتمد على الأخشاب المحلية، مثل خشب السنط والجازورين، تطلبت من الحرفيين مهارة ودقة فائقة، إذ إن كل مركب هو بمثابة عمل فني فريد، وبإمعان النظر في هذه الصناعة، نجد أنها ليست مجرد عملية تقنية، بل هي تجسيد للتراث الثقافي، فالحرفيون الذين يكرّسون حياتهم لهذه المهنة يورّثونها للأجيال القادمة، حاملين معهم تاريخًا من الحرفة والإبداع. 

وللأسف في وقتنا الحالي، تراجعت بعض الحرف التقليدية أمام التطور التكنولوجي، يبقى صدى صناعة المراكب في رشيد رمزًا للأصالة والتمسك بالجذور.

 

الحرف التراثية.. جوهر الثقافة ومرآة تعكس عظمة التاريخ المصري

تمثل الحرف التراثية جوهر الثقافة المصرية، فنحن أمام إرث ثقافي يُعتبر بمثابة مرآة تعكس عظمة التاريخ المصري. كما ذكر المؤرخ جمال حمدان: "إن مصر ليست مجرد مكان جغرافي، بل هي كيان حضاري، أمة تعيش في التاريخ"، هذه الكلمات تفتح لنا أبواب التأمل في مدى تأثير هذا التراث على الهوية المصرية وعلى روح الإبداع التي لا تنضب.

كما يشكل الحفاظ على هذه الفنون والحرف مسئولية جماعية تضمن أن يبقى هذا الإرث حيًا ومتجددًا، ليواصل إلهام الأجيال القادمة وتذكيرهم بعمق الحضارة المصرية وعراقتها، ويمكن من خلال فتح المجال للحديث عن تلك الصناعات والحرف اليدوية والتي تميز الحضارة المصرية عن غيرها من الحضارات فنحن ندعو الجميع للمساهمة في حماية هذا الإرث الحضاري والثقافي، إذ إن الحرف والصناعات اليدوية تحتل مكانة خاصة في قلب الثقافة المصرية، وفي النهاية، يظل الأمل باباً مفتوحاً أمامنا من أجل إحياء هذه الفنون التى تقاوم الزمن في عالم يتسارع نحو الحداثة.

 

 

فن التلى

مقالات مشابهة

  • أسطوات مصر|هبة النيل والحرفيين والصناع.. رحلة عبر التاريخ مع تراث يتحدى الزمن.. كنوز بشرية حية صنعت الموروث الثقافي فى أشكال خالدة
  • جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية تعلن فتح باب القبول للدكتوراه والماجستير والدبلوم العالي
  • فاتن حمامة.. سيدة الشاشة العربية التي لم يطوِها الغياب
  • طروب: دمج الموسيقى التركية مع الأغاني العربية أثرت في مسيرتي الفنية
  • ‏حنين حسين تُشعل الساحة الموسيقية بأغنيتها الجديدة "ممكن أعيش"
  • الملحن مدين يشارك في ثلاث أغنيات جديدة مع تامر عاشور وأحمد سعد
  • لأول مرة.. رنا سماحة تكشف سبب انفصالها عن الملحن سامر أبو طالب
  • البروفيسورة بدرة الغامدي: تسجيل محاضرتي في "جينيس" يعكس تطور البحث العلمي بالمملكة
  • شادن أبو العسل: مهرجان المسرح العربي يمثل فرصة حقيقية لممارسة الحرية الفنية
  • مندوب المملكة لدى الجامعة العربية يستقبل رئيس البرلمان العربي لمناقشة سبل تعزيز العمل العربي المشترك