سامح فايز يكتب: الحرب الثقافية (3)
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
الغالبية المؤثرة فى تناول ملف الإسلام السياسى تركز حديثها فى منطقة ثابتة ومعروفة؛ العمل المسلح والنظام العسكرى للجماعات الدينية المتطرفة.
ومع الوضع فى الاعتبار أهمية تلك المسألة للأجيال الحالية والمقبلة حتى لا ننسى الدم الذى أحدثه تيار الإسلام السياسى، فإننا يجب أن ننتبه إلى أن تلك التنظيمات طالها التطور فى آليات العمل، والتأثر بسطوة تكنولوجيا المعلومات، وأصبحت المخاطر التى تأتى من خلفها أكبر من فكرة إطلاق الرصاص وتفجير العبوات الناسفة!
بالعودة إلى التاريخ وبدايات تأسيس جماعة الإخوان الإرهابية سنجد من اللافت للانتباه فى مسألة النظام الخاص (الجناح العسكرى لتنظيم الإخوان) أن أحد أهم المسئولين عنه فى حياة «حسن البنا»، «صالح عشماوى»، هو نفسه رئيس تحرير جرائد ومجلات الإخوان حتى وفاته فى الثمانينات.
الجرائد والمجلات وطباعة الكتب من أهم الأقسام داخل تنظيم الإخوان المحاطة بالسرية الشديدة، واهتم بها حسن البنا منذ بدايات تأسيس الجماعة، ومنذ اللحظة الأولى للتأسيس ظهر حجم الدور الكبير للإعلام فى توجيه دفة المعارك لصالح المنتصر، الدور الذى أصبح السلاح الأهم والأكبر فى حروب الجيل الرابع والخامس والسادس التى نعيشها اليوم.
أهمية ذلك الدور سنعرفها لاحقاً مع سطوة التكنولوجيا، عندما يصبح فى يد كل منا هاتف خلوى ذكى (Smart Phone) يراقب كل نفس نتنفسه، ويبيع بيانات المستخدمين لمن يدفع أكثر، لدرجة أنك تفاجأ فى بعض الأحيان بمنصة فيس بوك وهى تعرض عليك إعلانات لأشياء لم تخرج من حيز تفكيرك العقلى بعد، أو ربما تحدثت فيها عبر الهاتف مع صديق مقرب منذ لحظات.
«حسن البنا» كان يسعى منذ اللحظة الأولى لاختراق أى وسيط يستطيع من خلاله مخاطبة الشباب وطلاب المدارس والجامعات، فالطالب يحمل طبيعة فى تلك السن تتسم بالتمرد والإقبال على الحياة والفضول فى اكتشاف كل جديد دون حساب للمخاطر.
استخدم «حسن البنا» فى ذلك السبيل «فرق الكشافة» والتى من خلالها يستطيع الشباب أن يُخرجوا الطاقة الكبيرة بداخلهم. وفى نفس الوقت يتمكن التنظيم من اختيار النوعيات الأفضل والتى يمكن توظيفها فى تشكيلات النظام المسلح.
لم يتوقف «حسن البنا» عند فرق الكشافة فقط، بل استطاع توظيف شركات صناعة الكتب والمطابع والتى من خلالها يستطيع التحكم فى كل كلمة مقروءة من الممكن أن تصل للشباب ويفرض عليها الطابع الثقافى الذى يخدم التنظيم وأفكاره.
المسألة التى تبدو معقدة أمامك هى فى غاية البساطة شريطة المداومة والاستمرارية فى تنفيذ أهدافها خلال السنوات المتعاقبة دون توقف، حتى تتحول بكل بساطة إلى أداة تستطيع التحكم بها فى الوقت الذى تظن فيه أن كل ما حدث كان باختيارك الحر، برغبتك الكاملة، لكن الحقيقة أيها القارئ العزيز أن العالم من حولنا تعيش فيه المئات من أجهزة الاستخبارات التى لا تتوقف عن دراسة سلوكياتك حتى تعرف كيفية التحكم فيك، والتنبؤ بخطواتك المقبلة والسيطرة عليها.
فى تلك اللحظة ستجد أن الدول المعادية لن تحتاج إلى طائرات وأسلحة ثقيلة لخوض حرب مع الخصم، بل يكفى فقط أن تتحكم فى عقول شعوب تلك المناطق!
المتابع للقضايا الفارقة فى تاريخ الإخوان سيجد أن الكتب والأفكار كانت محوراً أساسياً فى تلك القضايا، أهمها قضية «سلسبيل» المتهم فيها أهم قادة الإخوان، فى المقدمة منم نائب المرشد «خيرت الشاطر»، ونُسبت القضية إلى شركة «سلسبيل» التى أسسها «الشاطر» للعمل فى مجال الحاسبات ونظم المعلومات.
والأهم فى تلك القضية أن الشركة تأسست عام 1992، وهى فترة لم يكن مجال الحاسبات قد انتشر بالشكل الذى يشجع على الاستثمار فيه، لكن الحسبة للمشغل لتلك التنظيمات ليست الاستثمار المادى، إنما الاستثمار فى المستقبل الذى سيحاربون الدول من خلاله لاحقاً!
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الحرب الثقافية حسن البنا الجماعات الدينية المتطرفة حسن البنا فى تلک
إقرأ أيضاً:
ذكرى ميلاد سفير القرآن الشيخ محمود علي البنا
في السابع عشر من ديسمبر، تحلّ ذكرى ميلاد أحد أبرز أعلام تلاوة القرآن الكريم في مصر والعالم الإسلامي، الشيخ محمود علي البنا، الذي وُلد عام 1926 في قرية شبرا باص بمحافظة المنوفية.
النشأة وحفظ القرآن: حفظ الشيخ البنا القرآن الكريم في كُتّاب القرية على يد الشيخ موسى المنطاش، وأتمّ حفظه وهو في الحادية عشرة من عمره.
الانتقال إلى القاهرة وبداية الشهرة: في عام 1945، انتقل الشيخ البنا إلى القاهرة، حيث درس علوم المقامات على يد الشيخ درويش الحريري. وفي عام 1948، التحق بالإذاعة المصرية، وكانت أولى تلاواته على الهواء من سورة هود.
ألقابه ومكانته: لُقّب الشيخ البنا بـ"سفير القرآن" و"الطفل المعجزة"، نظرًا لقدراته الفائقة في تقليد كبار المشايخ مثل الشيخ محمد رفعت، مما أكسب صوته حلاوة وعذوبة مميزة.
مسيرته في المساجد:
اختير قارئًا لمسجد عين الحياة في ختام الأربعينيات، ثم لمسجد الإمام الرفاعي في الخمسينيات. وفي عام 1959، انتقل للقراءة بالجامع الأحمدي في طنطا، وظل به حتى عام 1980، حيث تولى القراءة بمسجد الإمام الحسين حتى وفاته.
إسهاماته وتسجيلاته: ترك الشيخ البنا للإذاعة ثروة هائلة من التسجيلات، بما في ذلك المصحف المرتل الذي سجله عام 1967، والمصحف المجود في الإذاعة المصرية، بالإضافة إلى المصاحف المرتلة التي سجلها لإذاعات السعودية والإمارات.
رحلاته الدولية: زار الشيخ البنا العديد من دول العالم، وقرأ القرآن في الحرمين الشريفين والحرم القدسي، بالإضافة إلى دول أوروبية مثل ألمانيا والنمسا، مما أكسبه لقب "سفير القرآن".
وفاته وتكريمه:
توفي الشيخ محمود علي البنا في 20 يوليو 1985، ودُفن في ضريحه الملحق بمسجده في قريته شبرا باص. وفي عام 1990، منحه الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وسام العلوم والفنون تقديرًا لإسهاماته في خدمة القرآن الكريم.
إرثه المستمر:
ما زال صوت الشيخ البنا العذب يتردد في قلوب محبيه، وتُعد تلاواته مصدر إلهام وخشوع للمستمعين في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
في ذكرى ميلاده، نتذكر هذا القارئ الفذ ونسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته.