صحيفة التغيير السودانية:
2024-11-18@03:47:09 GMT

مرة أخرى حول طبيعة حرب السودان

تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT

مرة أخرى حول طبيعة حرب السودان

 

مرة أخرى حول طبيعة حرب السودان

د. الشفيع خضر

وصلني عدد من التعليقات على مقالي السابقين تتساءل إن كنت لا أرى سببا آخر للحرب في السودان غير ما جاء في المقالين حول سعي مركز رأس المال العالمي لفرض هيمنته على سيادة البلاد الوطنية.

وبالطبع إجابتي المباشرة هي كلا، رغم أن الدوائر الخارجية لها دور رئيسي إن لم يكن في إشعال الحرب ففي استمرارها وعدم توقفها.

فكما كتبت من قبل، أعتقد أن هناك عدة دول، في النطاقين الإقليمي والعالمي، لا ترغب في توقف حرب السودان وتريدها أن تستمر لبعض الوقت. ودليلي على ذلك عدد من المؤشرات، منها استمرار تدفق الأسلحة بكثافة عبر دول في الإقليم، دون أي نية أو اتجاه وسط الدوائر العالمية ذات القدرة لحظر ذلك، مما يعني تشجيع استمرار القتال، وأن جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الدعم السريع، وكذلك جرائم القصف الجوي بطائرات القوات المسلحة والتي تطال المدنيين، لا تواجه برد الفعل المناسب من مراكز رأس المال العالمي. وأن هذه المراكز ظلت، في عدد من تقاريرها الرسمية، تتحدث عن أراضي السودان الحبلى بالمعادن الثمينة المطلوبة عالميا، ولكن ربما الأهم من ذلك تميزها بالخصوبة ووفرة المياه مما يجعلها من ضمن الحلول التي يعتمدها العالم للتغلب على أزمة الغذاء التي تضربه حاليا والتي ستصل القمة بحلول العام 2050. وذات التقارير توصف السودان بالدولة الفاشلة والتي تحتاج إلى إعادة تشكيل وإبدال، عبر الاستحواذ على أراضيها، ولو بالوكالة، لذلك فإن استمرار الحرب يعني استمرار الفشل مما يدفع بتفتت السودان إلى دويلات يسهل الهيمنة عليها. وأصلا يحتل السودان موقعا رئيسيا في مخطط إعادة تقسيم المنطقة على أساس مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يسعى لاستخدام الفوضى الخلاقة كآلية رئيسية لتنفيذ هذا المشروع وإعادة تقسيم المنطقة، والسودان في مقدمتها، إلى دويلات دينية ومذهبية ضعيفة ومتصارعة. ويعزز من ذلك موقع السودان الجيوسياسي، والذي جعله في مرمى صراعات الموانئ والممرات المائية الدولية والإقليمية، كأمن البحر الأحمر وأمن وادي النيل، وفي متناول تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي وسعي إسرائيل للتمدد إفريقيا. ومن الواضح أن استمرار الحرب واتساع رقعتها مستخدمة التهجير والنزوح القسري، وفي ظل غياب أي خطوات فعالة وملموسة من قبل المركز الرأسمالي الموحد لإيقافها، فيما عدا التصريحات والإدانات والرحلات المكوكية والمناشدات لطرفي القتال بوقف إطلاق النار، والعقوبات ذات التأثير الضعيف، كل ذلك يخدم هذا المخطط.

ظلت المشاحنات والاحتكاكات بين الطرفين، الصريح منها والمستتر، تتفاقم وتتبدى صراعا صريحا حول النفوذ والسلطة، وأخذ كل طرف يسعى للاستقواء بحلفائه

 

لكن كل هذا الحديث عن دور العوامل الخارجية في اندلاع حرب السودان واستمرارها لا ينفي ولا يتناقض مع مجموعة العوامل الداخلية التي كلها تسهم بهذا القدر أو ذاك في استمرار أوار الحرب، ومنها:

لا يمكن اختزال سبب الحرب في الخلاف حول ترتيبات دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية. فقيادة الطرفين رضعتا من ذات الثدي، وصنعتا معا تاريخا مشتركا في دارفور وفي حرب اليمن، وتاريخا آخر أثناء ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 وما صاحبها من أحداث جسام، بدءا بما جرى في 11 و13 أبريل/نيسان 2019 ومرورا بمذبحة فض اعتصام ميدان القيادة العامة في 3 يونيو/حزيران 2019 وانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كما تتشاركان ذات العلاقة الخاصة مع حلفاء خارجيين، في الخليج العربي وفي شرق البحر الأبيض المتوسط. هذه السمات المشتركة، وغيرها كثر، كان من الممكن أن تجعل من الخلاف حول الترتيبات العسكرية أمرا يمكن معالجته بكل بسهولة، خاصة أن مسألة دمج القوات أصلا ليست بذلك التعقيد العصي على الحل. وعلى الرغم من ذلك، ظلت المشاحنات والاحتكاكات بين الطرفين، الصريح منها والمستتر، تتفاقم وتتبدى صراعا صريحا حول النفوذ والسلطة، وأخذ كل طرف يسعى للاستقواء بحلفائه. نشير إلى رفضنا لما ظلت تردده إحدى الدوائر الإقليمية في بدايات الفترة الانتقالية حول ضرورة حل الجيش السوداني باعتباره بؤرة للحركة الإسلامية وبناء جيش جديد أساسه قوات الدعم السريع.

وعلى عكس ما يروج له البعض من أحاديث مفخخة، فإن الحرب لم تندلع بسبب الخلافات حول الاتفاق الإطاري، وإنما اشتعلت لتحرقه ومعه مجمل العملية السياسية بصيغتها قبل الحرب، بل ولتصيب حراك الشارع بالشلل، تمهيدا لحرق ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وعودة تحالف الفساد والاستبداد إلى سدة الحكم، إما عبر عصابات الموت وكتم أنفاس الشعب، أو عبر عملية سياسية جديدة وفق صيغة «لا تستثني أحدا» في إشارة إلى حزب المؤتمر الوطني البائد.

صحيح أن فشل فترات الانتقال السابقة في السودان كان نتيجته انقلابات عسكرية، ولو بعد فترات ديمقراطية قصيرة فاشلة أيضا، ولكن كان واضحا أن الفشل في الفترة الانتقالية الأخيرة سيؤدي إلى نتائج تختلف نوعيا. فمنذ الإطاحة بالبشير والبلاد تعاني من حالة السيولة السياسية بسبب ما أصاب النخب السياسية من تشظ وتوهان وتخوين وعدم الاعتراف المتبادل بينها، وهو وضع ولغت فيه النخب حدا ظل يدفع الفترة الانتقالية بقوة نحو الفشل. وعند اقتران هذا الوضع بالنزاعات القبلية والعرقية الدامية المتفجرة في أنحاء البلاد المختلفة، وبالتوترات الناتجة من وجود عدة جيوش في البلاد، وبالاحتكاكات المتصاعدة بين قيادة الجيش السوداني وقيادة قوات الدعم السريع، فإن فشل الفترة الانتقالية لم يكتف هذه المرة باستدعاء الانقلاب العسكري، وإنما قذف بالبلاد في أتون الحرب المدمرة.

الحديث عن مسببات الحرب ليس ترفا نظريا، أو مجرد تمرين ذهني، وإنما ضرورة لبحث كيفية إيقافها. والصراع على السلطة، أو محاولات النظام البائد للعودة، هي من أسبابها الحقيقية، ولكن لا يمكن اختزال الأمر في هذه العوامل الداخلية وتجاهل أنها أيضا حرب ضد السيادة الوطنية وبهدف تقسيم السودان، كما ناقشنا في مقالينا السابقين. وإذا القوى المدنية تسعى فعلا للتوافق حول رؤية لوقف هذه الحرب، فأعتقد بضرورة انتباهها إلى هذه النقطة.

 

نقلاً عن القدس العربي

الوسومالجيش الدعم السريع السودان تقسيم السودان طبيعة الحرب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السودان تقسيم السودان طبيعة الحرب

إقرأ أيضاً:

اتهامات جديدة لـالدعم السريع بقتل مدنيين في الجزيرة السودانية

قالت تقارير سودانية محلية، السبت، إن 23 مواطنا قتلوا في إحدى قرى ولاية الجزيرة على يد قوات الدعم السريع، في استمرار للاتهامات التي تواجهها المجموعة التي دخلت في حرب مع الجيش منذ أبريل 2023، والتي تنفيها باستمرار.

وذكر بيان لـ"مؤتمر الجزيرة"، وهو كيان مدني تشكل بعد سيطرة قوات الدعم على ولاية الجزيرة وسط السودان، في ديسمبر الماضي، أن قوات الدعم السريع "قتلت 23 مواطناً بقرية اللَعُوتَة الحُجّاج ريفي محلية الكَامِلين بولاية الجزيرة".

وأضاف أن القوات "تحتجز السكان داخل مسجد القرية، فيما تواصلت أعمال السلب والنهب لممتلكات المواطنين طالت الحبوب الغذائية بالمخازن".

وقالت المجموعة المدنية، إن "نحو 5 آلاف شخص قتلوا في ولاية الجزيرة منذ اقتحام قوات الدعم السريع لها منذ ديسمبر العام الماضي، وحتى نوفمبر الجاري".

وطالما تنفي قوات الدعم السريع استهداف المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، وتقول إنها تستهدف مجموعات مسلحة موالية للجيش.

وفي سياق متصل، أعلن الجيش السوداني صد هجوم شنته قوات الدعم السريع، الجمعة، على أطراف مدينة الفاشر.

السودان.. ارتفاع عدد "ضحايا الهلالية" إلى 400 شخص ارتفع عدد القتلى والضحايا في مدينة الهِلالية شرقي ولاية الجزيرة، وسط السودان إلى 400 شخص، بينهم نساء وأطفال، وفقا لما ذكرت منصة "نداء الوسط"، الثلاثاء.

وأوضح بيان للجيش أنه استخدم "سلاح المدفعية والطيران ودمّر ست مركبات قتالية بكامل عتادها، بجانب مقتل ما يزيد عن 80 من عناصر الدعم السريع، وإصابة أكثر من 150 آخرين".

والسبت، تسود مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور حالة من الهدوء الحذر بعد الاشتباكات العنيفة التي دارت الجمعة.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد دان في الأول من نوفمبر الجاري، الهجمات الأخيرة التي شنتها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، داعيا إلى وقف إطلاق النار لحماية المدنيين.

وأصدر غوتيريش بيانا، أعرب فيه عن استيائه الشديد بشأن التقارير التي أفادت بأن "أعدادا كبيرة من المدنيين قُتلوا واحتجزوا وشُردوا، وبأن أعمال العنف الجنسي ارتكبت ضد النساء والفتيات، كما نُهبت المنازل والأسواق وأُحرقت المزارع".

مقالات مشابهة

  • السودان...تجددُ الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في الفاشر
  • الدعم السريع جيش وطني لا جنيدي ولا عطوي
  • «القاهرة الإخبارية»: «الدعم السريع» يواصل ارتكاب أعمال النهب في السودان
  • السودان يختنق بجرائم ميليشيا الدعم السريع.. والملايين يكتوون بنار الحرب
  • وسائل إعلام تكشف علاقة قوات الدعم السريع بالكيان الصهيوني
  • السودان: قوات الدعم السريع تغتال المدرب واللاعب الدولي السابق ياسر الحاج
  • اتهامات جديدة لـالدعم السريع بقتل مدنيين في الجزيرة السودانية
  • الدعم السريع تطلق النار على كوادر طبية بمستشفى بشائر بالخرطوم
  • السفارة في رواندا تعقد مؤتمرا صحفيا حول التطورات في السودان وانتهاكات الدعم السريع