مرة أخرى حول طبيعة حرب السودان
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
مرة أخرى حول طبيعة حرب السودان
د. الشفيع خضر
وصلني عدد من التعليقات على مقالي السابقين تتساءل إن كنت لا أرى سببا آخر للحرب في السودان غير ما جاء في المقالين حول سعي مركز رأس المال العالمي لفرض هيمنته على سيادة البلاد الوطنية.
وبالطبع إجابتي المباشرة هي كلا، رغم أن الدوائر الخارجية لها دور رئيسي إن لم يكن في إشعال الحرب ففي استمرارها وعدم توقفها.
ظلت المشاحنات والاحتكاكات بين الطرفين، الصريح منها والمستتر، تتفاقم وتتبدى صراعا صريحا حول النفوذ والسلطة، وأخذ كل طرف يسعى للاستقواء بحلفائه
لكن كل هذا الحديث عن دور العوامل الخارجية في اندلاع حرب السودان واستمرارها لا ينفي ولا يتناقض مع مجموعة العوامل الداخلية التي كلها تسهم بهذا القدر أو ذاك في استمرار أوار الحرب، ومنها:
لا يمكن اختزال سبب الحرب في الخلاف حول ترتيبات دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية. فقيادة الطرفين رضعتا من ذات الثدي، وصنعتا معا تاريخا مشتركا في دارفور وفي حرب اليمن، وتاريخا آخر أثناء ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 وما صاحبها من أحداث جسام، بدءا بما جرى في 11 و13 أبريل/نيسان 2019 ومرورا بمذبحة فض اعتصام ميدان القيادة العامة في 3 يونيو/حزيران 2019 وانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كما تتشاركان ذات العلاقة الخاصة مع حلفاء خارجيين، في الخليج العربي وفي شرق البحر الأبيض المتوسط. هذه السمات المشتركة، وغيرها كثر، كان من الممكن أن تجعل من الخلاف حول الترتيبات العسكرية أمرا يمكن معالجته بكل بسهولة، خاصة أن مسألة دمج القوات أصلا ليست بذلك التعقيد العصي على الحل. وعلى الرغم من ذلك، ظلت المشاحنات والاحتكاكات بين الطرفين، الصريح منها والمستتر، تتفاقم وتتبدى صراعا صريحا حول النفوذ والسلطة، وأخذ كل طرف يسعى للاستقواء بحلفائه. نشير إلى رفضنا لما ظلت تردده إحدى الدوائر الإقليمية في بدايات الفترة الانتقالية حول ضرورة حل الجيش السوداني باعتباره بؤرة للحركة الإسلامية وبناء جيش جديد أساسه قوات الدعم السريع.
وعلى عكس ما يروج له البعض من أحاديث مفخخة، فإن الحرب لم تندلع بسبب الخلافات حول الاتفاق الإطاري، وإنما اشتعلت لتحرقه ومعه مجمل العملية السياسية بصيغتها قبل الحرب، بل ولتصيب حراك الشارع بالشلل، تمهيدا لحرق ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وعودة تحالف الفساد والاستبداد إلى سدة الحكم، إما عبر عصابات الموت وكتم أنفاس الشعب، أو عبر عملية سياسية جديدة وفق صيغة «لا تستثني أحدا» في إشارة إلى حزب المؤتمر الوطني البائد.
صحيح أن فشل فترات الانتقال السابقة في السودان كان نتيجته انقلابات عسكرية، ولو بعد فترات ديمقراطية قصيرة فاشلة أيضا، ولكن كان واضحا أن الفشل في الفترة الانتقالية الأخيرة سيؤدي إلى نتائج تختلف نوعيا. فمنذ الإطاحة بالبشير والبلاد تعاني من حالة السيولة السياسية بسبب ما أصاب النخب السياسية من تشظ وتوهان وتخوين وعدم الاعتراف المتبادل بينها، وهو وضع ولغت فيه النخب حدا ظل يدفع الفترة الانتقالية بقوة نحو الفشل. وعند اقتران هذا الوضع بالنزاعات القبلية والعرقية الدامية المتفجرة في أنحاء البلاد المختلفة، وبالتوترات الناتجة من وجود عدة جيوش في البلاد، وبالاحتكاكات المتصاعدة بين قيادة الجيش السوداني وقيادة قوات الدعم السريع، فإن فشل الفترة الانتقالية لم يكتف هذه المرة باستدعاء الانقلاب العسكري، وإنما قذف بالبلاد في أتون الحرب المدمرة.
الحديث عن مسببات الحرب ليس ترفا نظريا، أو مجرد تمرين ذهني، وإنما ضرورة لبحث كيفية إيقافها. والصراع على السلطة، أو محاولات النظام البائد للعودة، هي من أسبابها الحقيقية، ولكن لا يمكن اختزال الأمر في هذه العوامل الداخلية وتجاهل أنها أيضا حرب ضد السيادة الوطنية وبهدف تقسيم السودان، كما ناقشنا في مقالينا السابقين. وإذا القوى المدنية تسعى فعلا للتوافق حول رؤية لوقف هذه الحرب، فأعتقد بضرورة انتباهها إلى هذه النقطة.
نقلاً عن القدس العربي
الوسومالجيش الدعم السريع السودان تقسيم السودان طبيعة الحربالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السودان تقسيم السودان طبيعة الحرب
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع توقع اتفاقا لإنشاء حكومة موازية في السودان وسط تقدم الجيش ميدانيا
وقعت قوات الدعم السريع السودانية، يوم الأحد، اتفاقا مع جماعات سياسية ومسلحة متحالفة معها، في خطوة يعتقد أنها تمهد الطريق لتشكيل حكومة موازية.
جاء ذلك في وقت يواصل فيه الجيش السوداني تقدمه ميدانيا على حساب الجماعات المسلحة المنافسة، حيث سيطر مؤخرا على منطقة القطينة شمال ولاية النيل الأبيض بعد معارك مع قوات الدعم السريع التي كانت تسيطر على المدينة لأكثر من 15 شهرا.
وجرت مراسم التوقيع خلف أبواب مغلقة في العاصمة الكينية نيروبي، وذلك بعد أيام من انتقادات شديدة وجهتها وزارة الخارجية السودانية، التي أدانت الاجتماع السابق الذي انعقد في مبنى حكومي كيني وحظي بتغطية إعلامية واسعة.
وأكد الموقعون على الاتفاق عزمهم تشكيل حكومة "سلام ووحدة"، رغم المخاوف التي عبّرت عنها جماعات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي، والتي اتهمت قوات الدعم السريع بارتكاب فظائع، وصلت حدّ وصفها بجرائم إبادة جماعية، منذ اندلاع الحرب في نيسان/ أبريل 2023.
وقد أسفرت الحرب المستمرة في السودان عن مقتل أكثر من 24 ألف شخص، ونزوح أكثر من 14 مليونًا، أي ما يعادل 30% من إجمالي السكان، وفق تقديرات الأمم المتحدة. كما اضطر نحو 3.2 مليون سوداني للفرار إلى دول الجوار.
وكشفت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي أن مكتبها لحقوق الإنسان وثّق خلال عام 2024 وحده مقتل أكثر من 4,200 مدني، مع ترجيح أن يكون العدد الفعلي أعلى بكثير.
Relatedنجاة راكب واحد من أصل 21 في حادثة تحطم طائرة جنوب السودانتصعيد دموي في السودان: أكثر من 200 قتيل في هجوم لقوات الدعم السريع خلال ثلاثة أيامحرب السودان: 12 مليون نازح وبنيةٌ صحية منهارة واستهدافٌ ممنهج للمستشفيات والأطباءوتشير المعطيات الميدانية إلى تقلّص نفوذ قوات الدعم السريع في عدة مناطق رئيسية، بما في ذلك العاصمة الخرطوم وضواحيها، حيث فقدت السيطرة على منطقة الخرطوم الكبرى، بالإضافة إلى مدينتي أم درمان والخرطوم بحري، ما يعكس تحوّلًا في موازين القوى على الأرض.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية تصعيد دموي في السودان: أكثر من 200 قتيل في هجوم لقوات الدعم السريع خلال ثلاثة أيام حرب السودان: 12 مليون نازح وبنيةٌ صحية منهارة واستهدافٌ ممنهج للمستشفيات والأطباء السودان: أكثر من 60 قتيلا في هجوم لقوات الدعم السريع على سوق شعبي في أم درمان قوات الدعم السريع - السودانحكومةجمهورية السودانالخرطومحقوق الإنسانكينيا