أثير- الروائي الأردني جلال برجس

الرواية صورة محسنة عن العالم الذي نعيش فيه، نُقلت من عالم المخيلة الإشكالي إلى أرض الورق، وبالتالي إلى عالم التلقي الساعي إلى ما يضيفه الأدب لروح الإنسان الباحث عن إجابات لأسئلته الكبرى. إنها رؤية مرتبطة بأحلامنا بعالم أقل خرابًا، وأكثر وضوحًا.
صورة محسنة، لكن تفاصيلها ليست خارج نطاق ما يحدث إنسانيًا، حتى لو كتبت بمطروقات وأدوات فنتازية؛ فما من شيء يتخيله العقل البشري، ويكتبه، إلا وقد حدث، أو سيحدث ذات يوم.


الرواية ابنة النّفَس الطويل في القول السردي، والاسترسال به. كل شيء فيها مغرٍ للتعاطي به عند كتابها، ابتداء من ولادة الفكرة في لحظتها المفاجئة، مرورًا بذلك المخطط الذي ليس بالضرورة أن يُرسم في ورقة، بل يمكن للمخيلة أن تكون صاحبة هذه المهة، ومن ثم الانصياع اللذيذ للحظة الكتابة/الولادة حيث تبدأ فيها الشخصيات بشج ذلك الغلاف الذي يحيطها، فتشرع بحركتها في فضاء النص الروائي، إذ يحدث الصراع في فضاء سردي مهمته تمرير المقولة الرئيسية للرواية، وانتهاء بالعبارة الأخيرة التي تعلن نهاية الحكاية، حيث يحمل المتلقي صرخة الروائي التي تقف وراء كل تلك العوالم.
أقرب الروايات إلى نفسي ذلك النوع الذي يمكن للقارئ خلالها، وأثناء القراءة، أن يصنع روايته الخاصة، وهذه مهمة الروائي الذي عليه أن يعي جيدًا سمات البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تعيش فيها شخصيات روايته، ويعيش فيها قارئه. هنالك روايات استلهمت أحداثًا تاريخية، لكن حنكة الروائي أحدثت ذلك التقاطع ما بين زمنين وجعلتهما زمنًا واحدًا، بحيث أصبح العمل قابلًا للتلقي ضمن مجريات لحظة القراءة.
مرت الرواية العربية بعدد من التطورات على مختلف الأصعدة بعضها تجريبية حداثوية، منها ما قوبل بالرفض، ومنها ما تم استيعابه؛ في هذا السياق ظهرت عربيًا العديد من الروايات التي نُصّبت فيها اللغة بطلًا يبقى حاضرًا بدينامايكيته ومرونته في فضاء النص الروائي؛ حيث يتبدى للقارئ الاعتناء الشديد بتلك اللغة التي تحمل على كاهلها مزاجًا مشعرنًا أوقع العديد من القراء والمهتمين بخطأ في التصنيف، بحيث وصفت تلك الروايات بانتهاجها نهجًا شعريًا، وأنها تحتوي على صور شعرية، وإحالات وتكثيف، لكن هنالك فارقًا واضحًا بين الصورة الفنية، والصورة الشعرية؛ إذ إن لكل منهما علاقة مختلفة بالنص التي تولد وتتحرك فيه، ولو أنهما تتمازجان أحيانًا.
وألقى العديد أيضًا على تلك الروايات تسميات ليست مناسبة، بحيث رأوا أن الرواية الفلانية رواية شعرية، من دون الانتباه إلى أن هنالك فرقًا بين النص الشعري، والنص المشعرن؛ فالأول ابن القصيدة بكل نسقها التكثيفي، والصادم، والإحالي، والدلالي. والثاني ابن النص المفتوح، الذي يؤسس لدهشة التلقي، من باب ضخ الأوكسجين في رئتي القارئ، الذي لن يصل إلى المقولة الرئيسية في الرواية إلا بالانتهاء من قراءة آخر كلمة فيها.
فالجملة الشعرية في القصيدة، تأتي مكثفة، وامضة. تبتغي اختصار مساحة كبيرة من القول الذي لا يحتمل الشعر الاسترسال به؛ لأن الأصل في الشعر هو الإيماء حتى يتحقق عنصر الدهشة التي تؤدي بالمتلقي إلى التقاط الانطباع الأول، ثم تشكيل رؤية أرادها الشاعر، وفي بعض الأحيان، تشكيل رؤية المتلقي نفسه، لكن المزاج الشعري في النص الروائي، ممعن بالاسرتسال، أثناء لحظة التداعي الحر، حتى أنه يخال للمتلقي أن هنالك شيئًا من التكرار الذي ما هو إلا نوع من أنواع الإلحاح على التطرق لفكرة معينة لها ارتباطاتها الوثيقة بالحكاية.

ثمة فارق فيما يتعلق باللغة بين إحساس الشاعر أثناء كتابة القصيدة، والروائي أثناء كتابة الرواية؛ ففي الأول يكتفي الشاعر بالتقاط صورة تجتمع فيها تفاصيل عديدة تعبر عن عالم شاسع يعاينه ضمن رؤيته الخاصة، وفي الثاني يلتقط الروائي تفاصيل عديدة تؤلف صورة لعالم يحلم به عبر رؤيته لما يرغب بأن يكون العالم عليه.
الرواية فن له طريق غير طريق الشعر وكلاهما طالهما التطور، فقد خضعت مثلها مثل سائر باقي الفنون لتغيرات أوجدها تيار الحداثة، وما بعدها؛ فلمسنا تلك الفوارق بين روايات كلاسيكية وروايات حداثوية؛ إذ انقسم القراء إلى قسمين: واحد يجد نفسه في تلقي الرواية الكلاسيكية بكل شروطها المتعارف عليها، والثاني يجد ذاته في الرواية الحديثة التي يعتني بعضها باللغة، والتي تأخذ بعين الاعتبار توفر المزاج الشعري في صناعة الحدث. من هذا المنطلق يمكنني القول كروائي قادم من الشعر، إنني أميل لتلك الرواية التي تعتني بالأفق واللغة المبنيين على نفس شعري، دون إهمال العناصر الأخرى للرواية، مؤمنًا بمقولة (إرنستو ساباتو) الذي رأى أن ” ليس هناك من رواية عظيمة إن لم تكن في المحصلة شعرا”. وهذا إذ يشير إنما يشير إلى شعرية الفكرة أولًا، ثم إلى حاضنة الفكرة ألا وهي اللغة. لكن طغيان المزاج الشعري على بنية الرواية بشكل فائض، يخلخل تصنيفها، بحيث لا يتحقق عنصر التوازن بين عناصر الرواية، وتدفق اللغة المشعرنة. فأكثر مفاصل الرواية التي تتضح فيها تلك اللغة هي مشاهد التداعي الحر والمنولوج الداخلي؛ إذ تأخذ الشخصية أو السارد في البوح، والاستفاضة به، لكن إذا انسحب هذا على مفاصل الرواية الأخرى- التي تتطلب لغة واصفة في بعض الروايات، وتحليلية في البعض الآخر تضع القارئ في تفاصيل الحدث- تقع الرواية في شرك اختلال توزانها، كما حدث لكثير من الروايات مؤخرًا؛ ففتنة السرد إن لم تأت في العمل الروائي ضمن معايير مضبوطة، تلقي بآثارها السلبية على بنية العمل.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

أخبار التوك شو| أحمد موسى: ناخد بالنا من أبواق الإخوان الساعية لإحداث فتنة بين مصر والسعودية.. وعمرو أديب للزملكاوية: البسوا الجلابية في ماتش الأهلي وشها حلو

نشر موقع "صدى البلد"، خلال الساعات الماضية، مجموعة من الأخبار المهمة من البرامج التليفزيونية، تناولت برامج التوك شو العديد من القضايا والموضوعات، وفيما يلي أبرزها:

إرهاق شغل .. آخر مستجدات الحالة الصحية للكينج محمد منير
طمأن الفنان مصطفى كامل، نقيب المهن الموسيقية، جمهور الفنان الكبير محمد منير، مؤكدًا أن حالته الصحية مستقرة تمامًا، وأنه يعاني فقط من بعض الإرهاق نتيجة نشاطه الفني المستمر.

أحمد غنيم: ضبط عملية دخول المتحف واختفاء مشاهد الانتظار 
قال الدكتور أحمد غنيم، رئيس المتحف المصري الكبير، إننا لم نتوقع الإقبال الكبير على المتحف المصري الكبير، وتم ضبط الأمور التنظيمية ولم يكن هناك أي انتظار في الدخول.

عمرو أديب للزملكاوية: البسوا الجلابية في ماتش الأهلي وشها حلو
قال الإعلامي عمرو أديب أنا قلت لهم لما دخلت الاستوديو اللي هيضحك، هضربه بالعصاية دي، هذه ثقافتي، ومن حقي أن أستمتع بها بطريقتي، إحنا بتوع الهاند ميد، هو شغل مكن، شايف النعومة والجمال.

احترس عند الزيارة .. محظورات وآداب دخول المتحف المصري الكبير
كشف الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، عن المحظورات خلال زيارة المتحف المصري الكبير، قائلاً: "الفلاش ممنوع، ولكن التصوير بالموبايل مسموح في كل القاعات ما عدا قاعة واحدة التي بها مقتنيات توت عنخ آمون".

لميس الحديدي عن مباراة السوبر لـ الأهلي والزمالك: ماتش الهروب من المأزق
علقت الإعلامية لميس الحديدي على مباراة القمة بين الأهلي والزمالك التي تقام غدا في استاد محمد بن زايد بالعاصمة الامارتية أبو ظبي قائلة: "غدًا سوبر الأهلي والزمالك من أبو ظبي، مين اللي هيكسب؟ لو سألتموني هقول الأهلي يكسب على الورق، لكن ده ديربي يعني 90 دقيقة في الملعب، وعاوزين نشوف كورة حلوة هجومية مش دفاعية".

الوطنية للانتخابات: 8 مرشحين من محافظات الوجه القبلي تواجدوا في الكويت لمتابعة التصويت
كشف المستشار أحمد بنداري، المدير التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، أن نحو 50 مقرًا انتخابيًا تم الانتهاء من التصويت فيها حتى الآن، ولازالت بقية المقار تستقبل المصوتين، نظرًا لاختلاف التوقيتات بين الدول، مؤكدًا أن آخر مقر سيُغلق في الثالثة صباحًا، تمهيدًا لبدء عملية الفرز لرصد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح.

أحمد موسى عن الإغلاق الحكومي بأمريكا: طوابير أمام بنوك الطعام هناك للحصول على الغذاء
أكد الإعلامي أحمد موسى، أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من أطول إغلاق حكومي في تاريخها.

العلاقة وجودية.. أحمد موسى: ناخد بالنا من أبواق الإخوان الساعية لإحداث فتنة بين مصر والسعودية
حذر الإعلامي أحمد موسى، من محاولات الإخوان إحداث فتنة بين مصر والسعودية.

أحمد موسى: مصر مش بتبيع أرضها ده استثمار.. والمتر في العلمين يعدي الـ100 ألف جنيه
علق الإعلامي أحمد موسى،  على الشراكة الاستثمارية بين مصر وقطر لتطوير منطقة علم الروم في مطروح.

إشادات واسعة من السائحين بعظمة المتحف المصري الكبير
عرض الإعلامي أحمد موسى، تقرير يرصد إشادات واسعة من السائحين بالمتحف المصري الكبير.

طباعة شارك مصطفى كامل نقيب المهن الموسيقية محمد منير أحمد غنيم الأهلي أحمد موسى الإخوان

مقالات مشابهة

  • أخبار التوك شو| أحمد موسى: ناخد بالنا من أبواق الإخوان الساعية لإحداث فتنة بين مصر والسعودية.. وعمرو أديب للزملكاوية: البسوا الجلابية في ماتش الأهلي وشها حلو
  • حصيلة إيرادات فيلم فيها إيه يعني في شباك التذاكر
  • العلاقة وجودية.. أحمد موسى: ناخد بالنا من أبواق الإخوان الساعية لإحداث فتنة بين مصر والسعودية
  • انتحار أم اغتيال؟.. الروايات الأربعة لوفاة سعاد حسني في لندن "فيديو"
  • كتّاب وباحثون: الروايات التاريخية تكشف أن الحكاية البشرية واحدة
  • بفنون وأمسيات شعرية وورش حكى ثقافة البحر الأحمر تحتفل بالمتحف المصري الكبير
  • اختتام فعاليات مؤتمر الرواية الأردنية الحادي عشر ” دورة الروائي يحيى القيسي ” في مكتبة جامعة اليرموك
  • هل تؤثر صحة الأمعاء على جودة النوم؟.. علماء يجيبون
  • فن مسقط 2025... يعيد صياغة جمال السرد عبر الفنون التشكيلية
  • “الطيران المدني”: اضطرابات المطارات الأمريكية قد تؤثر على حركة الطيران الأردني