إلى السيد حسن... لا أحد يريد حربًا أهلية
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
تقول أوساط حزب سياسي مسيحي إن الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله انطلق في حديثه أمس الأول من حادثة الكحالة ليبني عليها فرضية أن ثمة فريقًا من اللبنانيين، وتحديدًا من المسيحيين، يخطّط لحرب أهلية جديدة. فالمسيحيون بمختلف أحزابهم وتياراتهم يعرفون أنهم سيكونون الأكثر تضررًا في أي حرب محتملة، وهم يعرفون أكثر من غيرهم أن ظروف الحرب المزعومة غير متكافئة، وإن كان البعض يغمز من قناة عدم تكافئ بين الأحزاب المسيحية والفلسطينيين في 13 نيسان من العام 1975، وهم يدركون أيضًا أكثر من غيرهم ما كلّفت الحربُ اللبنانيين من ضحايا ودمار وتشريد وهجرة، وهم أكثر الناس تمسّكًا بالسلم الأهلي، وبأن يعاد تأسيس الدولة واستعادة دورها الطبيعي على أسس واضحة وسليمة، وليس على أساس "غالب ومغلوب" في المعادلات والتوازنات القائمة بين منطقين مختلفين في نظرتهما إلى الدولة الواحدة والجامعة والموحِّدة.
وتتابع هذه الأوساط لتستنتج أن ما يجري على أرض الواقع من اهتزازات أمنية متفرقة ليس سوى نتيجة التخبّط السياسي، الذي تعيشه البلاد، ونتيجة تغييب رأس الدولة بامتناع "الفريق الممانع" عن حضور جلسات انتخابية متتالية على مدى اثنتي عشرة جلسة لم ينتج عنها أي مؤشر لانتخاب رئيس وفق شروط لبنانية جامعة، وليس رئيسًا ينتمي إلى هذه الجهة السياسية أو تلك، مع ما يعني أن المطلوب من "حزب الله" أولًا، أن يتخّلى عن شروطه الرئاسية المسبقة إذا كان يريد فعلًا أن يكون للبنان رئيس بمواصفات وطنية جامعة، وذلك نظرًا إلى ما هو مطلوب منه في هذه المرحلة الحسّاسة والدقيقة، بالتوازي مع حكومة فاعلة يواكبها عمل تشريعي إصلاحي، تمهيدًا لوضع البلاد على سكة التعافي. وفي اعتقاد هذه الأوساط أن أي حديث عن أي مغامرة أمنية، ولو من باب التحذير، سيدفع الأمور إلى الأسوأ وسيفاقمها، وذلك خوفًا من أن يصبح ما يتخّوف منه السيد نصرالله، ويشاطره في هذا التخّوف جميع اللبنانيين من دون استثناء، واقعًا مفروضًا بقوة ما لدى البعض من هواجس قد تتحّول إلى كوابيس بفعل تكرار الحديث عنها.
وفي ما يشبه النصيحة، ولو هي بجمل، تتوقف هذه الأوساط عند المسار السياسي الانحداري، الذي سيؤدّي حتمًا إلى دخول أكثر من طابور خامس على خطّ زعزعة العلاقة، التي لا تزال قائمة بين اللبنانيين، ولو أنها لا تزال مربوطة بخيط رفيع من الحرير. فإن أي تأخير في انتخاب رئيس جديد للجمهورية بمواصفات جامعة وموحِدة ستكون له انعكاسات خطيرة على الوضعين الأمني والاقتصادي والاجتماعي، خصوصًا أن جمر الأحداث الأمنية في مخيم "عين الحلوة" لا يزال تحت رماد النوايا، التي يُقال عنها إنها غير صافية، مع تكاثر الحوادث الأمنية الفردية المتنقلة، حيث النزوح السوري الكثيف، من دون استبعاد فرضية عامل التدّخل الإسرائيلي المخابراتي عبر تأجيج ما هو مخفي من خلاف بين اللبنانيين، مع ما يرافقه من تهديدات متواصلة من قبِل قادة العدو بـ "إعادة لبنان إلى العصر الحجري". فتلافي احتمال نشوب أي حرب أهلية، كما ترى هذه الأوساط مندرجاته، لا يكون سوى بالعمل الجدّي لمنع حصول هكذا حرب، ستكون حتمًا كارثية بكل مقاييسها. وهذا العمل الجدّي لا يكون مرحليًا سوى بالسعي الحثيث للخروج من هذا الفراغ القاتل، والذي توازي سلبياته ما قد ينتج عن أي حرب أو فتنة. وهذا السعي يكون بتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية يحمي ظهر الجميع في هذه الأوقات العصيبة والصعبة، ويحمي لبنان من الانزلاق غير الارادي نحو ما يُخطّط له من ضمن سيناريو بدأت ملامحه تظهر في المنطقة، بدءًا من اليمن وصولًا إلى لبنان. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
كيف ترى الأوساط السياسية إسقاط روسيا لمشروع القرار البريطاني حول السودان؟
أسقطت روسيا مساء الاثنين مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف إطلاق النار في السودان، أيده 14 عضوا لكنه واجه فيتو المندوب الروسي ديمتري بوليانسكي، مما استقطب انتقادات شديدة وملاسنات بينه وبين مندوبي الولايات المتحدة ليندا توماس غرينفيلد وبريطانيا باربرا وودوارد.
وكانت كل من بريطانيا وسيراليون تقدمتا بمشروع قانون يتضمن 15 بندا تهدف إلى وقف الأعمال العدائية على الفور والانخراط في حوار للاتفاق على تهدئة الصراع، والتنفيذ الكامل للالتزامات التي تم التعهد بها لحماية المدنيين، ووقف العنف الجنسي، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق إلى جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى تجنب أي تدخل خارجي يثير الصراع وعدم الاستقرار.
ورحبت الخارجية السودانية بالفيتو الروسي، وقالت -في بيان- إن "حكومة السودان ترحّب باستخدام روسيا الاتحادية حق النقض، وتشيد بالموقف الروسي الذي جاء تعبيرا عن الالتزام بمبادئ العدالة واحترام سيادة الدول والقانون الدولي ودعم استقلال ووحدة السودان ومؤسساته الوطنية".
من اليمين: محمد الطاهر وأمين حسن عمر وعبدالرحمن عبدالله محمد وعبدالمطلب الصديق (الجزيرة+وكالات) جدل مستمرورغم عدم مرور مشروع القرار في مجلس الأمن، فإنه ما زال يثير كثيرا من الجدل بشأن الأهداف التي يرمي إليها، والقوى التي يمكن أن تمارس ضغطا على الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لتنفيذ البنود التي جاءت فيه، خاصة أنه ليس مشروع القرار الأول الذي يصوت عليه مجلس الأمن ويتعلق بالسودان.
فقد قال الأستاذ المساعد في كلية الإعلام بجامعة قطر عبد المطلب صديق إن مشروع القرار ما زال يثير كثيرا من الجدل كونه جاء بعد محاولات بريطانية عديدة، "بدأت منحازة لمليشيا الدعم السريع في البداية، ثم خفّت حدة التماهي مع مصالح الدعم السريع على أمل الحصول على موافقة دولية تعطي بريطانيا وحلفاءها مشروعية في اتخاذ إجراءات أكثر تشددا تجاه الجيش السوداني والحكومة".
وعدّد صديق -في مقابلة مع الجزيرة نت- أسباب الجدل التي أثارها مشروع القرار:
أولا: المشروع جاء دبلوماسيا ومتخفيا، حيث أكد تأييده اتفاق جدة، وهذا لم يكن واردا في القرارات والمواقف السابقة لبريطانيا وحلفائها في الملف السوداني. ثانيا: حمل مشروع القرار إدانة صريحة لقوات الدعم السريع، خاصة في مناطق دارفور والجزيرة، لكن سبب الإدانة يرجع إلى الحرج البالغ الذي وقعت فيه هذه الدول مع تنامي جرائم الدعم السريع. ثالثا: الإدانة أيضا انسحبت على الجيش السوداني، وتغيرت لغة مشروع القرار لتعود إلى سابق عهدها باستخدام مصطلح "طرفي النزاع"، وبالتالي المساواة بين الجيش الحكومي و"مليشيا الدعم السريع". رابعا: كذلك تخفى مشروع القرار تحت غطاء تقديم المساعدات الإنسانية، وهو في الواقع قفزة نحو الوصول إلى تسوية مدنية تحافظ على هيكل الدعم السريع بالوصول إلى اتفاق يضمن مصالح أطراف خارجية في السودان. خامسا: مشروع القرار أُعد على عجل، كأنه يستبق الوصول إلى حل سياسي قبل تورط الدعم السريع في المزيد من الجرائم، مما يحول دون الوصول إلى تسوية مرضية للحلفاء الخارجيين.يذكر أنه منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، اندلعت حرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه سابقا محمد حمدان دقلو (حميدتي).
دخان وحرائق بالخرطوم جراء القتال بين الجيش السوداني والدعم السريع (رويترز) الوقوع في الفخوفي بداية الشهر الحالي، قالت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة -مع تولي بريطانيا رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر- إنه "بعد مرور 19 شهرا منذ اندلاع الحرب (في السودان)، يرتكب الجانبان انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، بما في ذلك اغتصاب النساء والفتيات على نطاق واسع".
ويذهب مستشار الرئيس السوداني السابق أمين حسن عمر إلى "أن مسودة المشروع البريطاني حتى لو عدلت مرة أخرى لإغراء الحكومة والقوى السياسية بقطعة الجبن في أطراف الفخ، فإنها لا تزال تحمل الهدف ذاته المتمثل في تمرير شرعية ما للمليشيا وكذلك حجز دور رئيسي لقحت (مكونات سياسية سودانية تتشكّل من تجمع المهنيين) في المستقبل السياسي".
وأضاف أمين حسن عمر -في منشور على حسابه في فيسبوك- أن "محاولة بريطانيا التجاوب الجزئي مع رؤية الحكومة السودانية إنما تهدف لإحراج مناصري رؤية الحكومة حتى لا يصوتوا ضد القرار المشبوه، ولكن جوهر المسودة لا يزال يساوي بين الحكومة والمليشيا بالكف عن الخروقات، وبريطانيا لا تزال تحاول أن تحجز للمليشيا مقعدا شرعيا في المستقبل السياسي القريب والبعيد".
ووصل مستشار الرئيس السوداني السابق إلى استنتاج بأن "تأهيل المليشيا كان هدف بريطانيا منذ سنوات، ومهما تغير التعبير والتكتيك، فيظل المقصد ذاته قائما".
روسيا استخدمت الفيتو من أجل إسقاط مشروع قرار متعلق بالحرب في السودان (الفرنسية) أزمة توصيفمشروع القرار الذي عارضته روسيا الاثنين ليس المحاولة الأولى من أجل وقف إطلاق النار في السودان، ولم يكن مجلس الأمن المنبر الأول الذي يشهد هذه المحاولات.
فقد قال المختص في الجغرافيا السياسية عبد الرحمن عبد الله محمد إن مشروع القرار لم يكن سيحظى بوجود فعلي على أرض الواقع، وذلك لأن الأزمة السودانية تم التعامل معها بطرق مختلفة وعبر منابر مختلفة، وتم إصدار كمية من القرارات سواء كانت أممية أو حالية من بريطانيا أو أميركا أو الاتحاد الأوروبي، ولكنها ذهبت أدراج الرياح".
وأضاف محمد -في مقابلة مع الجزيرة نت- "أننا الآن أمام أزمة توصيف للقضية السودانية، فالمجتمع الدولي ما زال مصرا على أن القضية هي أزمة بين الجيش السوداني والدعم السريع، وأن نص البيان فيه نوع من الضبابية حيث يحاول أن يجرّم الجيش والدعم السريع على حد سواء".
وأشار المختص في الجغرافيا السياسية إلى "أن الجيش السوداني لم ينتهك حرمات ولم يتعرض للنساء أو الأطفال، ولم يجند الأطفال، إنما فعل ذلك كله الدعم السريع". ولكن الضغط الإقليمي والمجتمع الدولي يحاولان أن يساويا بين الطرفين، وعجزا عن وضع مصفوفة مطالب تكون موضوعية وتكون موجهة للدعم السريع.
ووصف قوات الدعم السريع بأنها لم تعد لديها هرمية أو قيادة مركزية، لكنها "استحالت إلى مجموعة من العصابات التي لا رادع لها"، و"حتى الجنرال حميدتي نفسه لن تنصاع الجنود لقراراته، لأنها تقاتل من أجل المغنم فقط".
تخفيف المعاناة الإنسانية
لكن هناك وجوها أخرى لمشروع القرار على صعد مختلفة تتعلق بفتح المعابر وإمكانية وصول الهيئات الإغاثية إلى جميع مناطق السودان من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية، وكذلك منع تدخل الأطراف الإقليمية والدولية في الشأن السوداني، ووقف وصول الأسلحة إلى الجهات المتحاربة.
ولذلك يرى الناشط السوداني محمد الطاهر أن مشروع القرار سيكون له تأثير كبير على الصراع في السودان من حيث تخفيف المعاناة الإنسانية في مناطق الصراع، وتقليل العمليات العسكرية وإيقاف إطلاق النار في كثير من المناطق تمهيدا لدخول طرفي النزاع في مفاوضات مباشرة تحت رعاية الوسطاء الدوليين.
وأضاف الطاهر أن الشعب السوداني في أمس الحاجة حاليا لكل أنواع المساعدات، سواء منها ما يتعلق بالغذاء أو الدواء، فأبواب المجاعة بدأت تغرق مناطق كثيرة من مناطق الصراع، والآن تفتك الأمراض والأوبئة بأبناء الشعب السوداني الذين لا يتمكنون حاليا من الحصول على أقل الاحتياجات العلاجية، خاصة الأمراض المزمنة كالملاريا.
وتسببت الحرب في نزوح نحو 11.3 مليون شخص، بينهم 3 ملايين تقريبا إلى خارج السودان، وفق مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون الإنسان التي وصفت الوضع بأنه "كارثة" إنسانية، في حين يواجه نحو 26 مليون شخص انعداما حادا في الأمن الغذائي.