مفهوم التضحية ومكانة الشهداء في الإسلام
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
يمانيون – متابعات
تعتبر الشهادة في سبيل الله من أعظم وأرفع مراتب الإيمان، إذ تمثل قمة التضحية بالنفس في سبيل الحق وإعلاء كلمة الله، وتكمن قيمتها في كونها وسيلة لبلوغ الخلود في الجنة ونيل رضوان الله في الآخرة والدفاع عن المستضعفين وحماية الأمة في الدنيا.
الشهادة ليست مجرد انتقال من الحياة الدنيوية إلى الآخرة، بل هي تحول الشهيد إلى نور مشع، يحمل في معانيه القوة والإيمان للأمة بأكملها، ومصدرٌ للعزيمة والثبات للأجيال القادمة.
في هذا التقرير نسلط الضوء على مفهوم الشهادة وفق التوجيهات القرآنية، ويتناول مكانة الشهداء في الإسلام، ودروس العطاء التي يتركها الشهداء لأمتهم..
أهمية الذكرى السنوية للشهيد
الذكرى السنوية للشهيد مناسبةٌ في غاية الأهمية؛ لأنها من المحطات المهمة التي نتزود فيها المزيد من العزم، وقوة الإرادة، والاستعداد للتضحية، ونستذكر فيها قداسة القضية التي ضحى في إطارها الشهداء، كما أنَّ لها أهميةً كبيرة في ما يتعلق باستذكارهم، والاستفادة من سِيَرهم، من أخبارهم، من جهادهم، من تضحيتهم، من أخبارهم، التي هي كلها دورس مهمة ومفيدة، ولا سيما أنَّ منهم الكثير ممن هم على مستوىً عظيم من الإيمان، والوعي، والبصيرة، والالتزام الأخلاقي والإيماني في كل المراحل الماضية.
ثم -أيضًا- ما يستفاد منه في هذه المناسبة بلفت الانتباه بشكلٍ أكثر إلى المسؤولية التي تقع على عاتق الجميع: المجتمع والدولة، تجاه أسر الشهداء، و -أيضًا- ترسيخ مفهوم الشهادة في سبيل الله وفق التقديم القرآني المبارك والعظيم.
في ظل هذه الظروف التي تعيشها أمتنا بشكلٍ عام، والظروف التي يعيشها شعبنا اليمني على وجه الخصوص، نرى الحاجة الملحة لمناسبةٍ كهذه فيما تقدمه لنا -أيضًا- على مستوى إبراز المظلومية، وإظهار حجم ومستوى هذه المظلومية من جانب، وإبراز وإظهار مستوى الصمود، والثبات، وقوة الإرادة، والاستعداد العالي للتضحية، وما يشهد على الإباء والعزة والثبات… إلى غير ذلك.
مفهوم الشهادة ومكانتها في الإسلام
تعريف الشهادة
الشهادة في الإسلام هي تضحية واعية بالنفس وبالمال في سبيل الله، وفي سبيل نصرة الحق الذي أمر به، استجابةً للتوجيهات الإلهية التي تحث على مقارعة الظلم والفساد . هذا التعريف يضع شرطين أساسيين ليكون القتل في سبيل الله شهادة:
الأول: أن تكون الغاية هي نصرة الموقف الحق، وفي إطار القضية العادلة التي ترتبط بتعاليم الإسلام.
الثاني: أن تكون التضحية خالصةً لوجه الله، بعيدًا عن المصالح الشخصية.
وليس ظالمًا، ولا باغيًا، ولا مجرمًا، ولا خائنًا، ولا عميلًا لأعداء الإسلام.
الإنسان إذا اتجه على هذا الأساس الصحيح، واجتمعت هذه الأركان؛ يعتبر شهيدًا في سبيل الله، وقُتِل في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، وهذا يعتبر فوزًا عظيمًا.
مكانة الشهداء في القرآن الكريم
الله “سبحانه وتعالى” منح الشهداء -في سبيله- امتيازًا عظيمًا، بحيث تكون شهادتهم عبارةً عن انتقالٍ من هذه الحياة، إلى حياةٍ يعيشون فيها حياةً حقيقيةً بكل مشاعرهم، ويعيشون فيها في ضيافة الله “سبحانه وتعالى”، وبتكريمٍ كبيرٍ من الله “سبحانه وتعالى”، كما قال “جلَّ شأنه” في القرآن الكريم في سورة آل عمران: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” (آل عمران: 169) يبين الله “سبحانه وتعالى” هذه الدرجة العالية، هذه المرتبة العظيمة، هذا الشأن الكبير، هذه الكرامة العظيمة جدًّا التي يمنحها للشهداء، فهم عندما ضحوا بحياتهم في سبيل الله “سبحانه وتعالى” لم يخسروا، ولم يتجهوا في عداد الأموات، فيبقون في حالة موتٍ إلى يوم القيامة؛ إنما أكرمهم الله “سبحانه وتعالى” بأن نقلهم إلى حياةٍ هي أفضل من هذه الحياة في هذه الدنيا، أسعد من هذه الحياة، أهنأ من هذه الحياة، حياة في كرامة وفي رعاية إلهية خاصة، وفي ضيافة الله “سبحانه وتعالى”، وحياة خلُصت من كل كدر، من كل الشوائب، من كل الأحزان، من كل الهموم، من كل المعاناة، حياة سعيدة على أرقى مستوى، فهم كما قال عنهم: {بَلْ أَحْيَاءٌ}، ومعنى هذا: أنها حياة حقيقية بكامل مشاعرهم ووعيهم.
{عِنْدَ رَبِّهِمْ}، في ضيافة الله “سبحانه وتعالى” يحظون بتكريمٍ خاص، وبرعايةٍ خاصة، وبضيافةٍ كريمة عند الله “سبحانه وتعالى”، تفوق كل مستوى من الخيال يمكن أن نتخيله عن مستوى التكريم، والرعاية، والرحمة، والفضل، وعلو الدرجات، والمرتبة الرفيعة، والرعاية العجيبة.
{يُرْزَقُونَ}، يعيشون حياة لهم فيها رزق، ورزق مستمر من الله “سبحانه وتعالى”، ورزق كريم يلائم طبيعة تلك الحياة التي لا نعرف التفاصيل الدقيقة جدًّا عنها، ولكنها مؤكَّدة.
ثم يقول: {فَرِحِينَ}، هم في حالة حياة طيبة، ورزق مستمر، لن يكون عندهم أي أزمة اقتصادية، ولا ظروف صعبة، ولا معاناة بشكلها المادي والمعيشي، كل هذا انتهى، وليس عندهم أي همّ تجاه الرزق والحياة المعيشية التي هم فيها بطبيعة وظروف تلك الحياة التي قد تختلف عن طبيعة وظروف هذه الحياة في الدنيا هنا على الأرض.
{بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}، في ظل عطاء الله المتجدد والمستمر والكريم والعجيب يُفرِحُهم بشكلٍ مستمر، ليست حالات نادرة, حياة الدنيوية بل تتجاوزها عظمةً وخلودًا، فهم ينتقلون إلى حياة حقيقية بكرامة إلهية كاملة، حيث ينعمون برزق الله ويعيشون في ضيافته.
الشهادة فوز عظيم
تعتبر الشهادة في سبيل الله فوزًا كبيرًا، فهي الوسيلة التي يحقق بها الشهيد رضوان الله ويضمن بها دخول الجنة، وهو ما يعبر عنه الله في سورة آل عمران: “وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ” (آل عمران: 157). هذا الفوز يتجاوز مكاسب الدنيا المادية، فالشهيد ينال مغفرة ورحمة من الله، وهي خير من كل ما يمكن للإنسان أن يجمعه في حياته.
عطاء الشهداء وتضحياتهم
التضحية كأساس للثبات والإيمان
الشهادة ليست فقط علامة تضحية بالنفس، بل هي دليل قوي على إيمان عميق واستعداد كامل للثبات في مواجهة الصعاب.
الشهداء يقدمون أغلى ما يملكون – حياتهم – دفاعًا عن الحق وإعلاءً لكلمة الله، وهذا ما يعكس إيمانهم القوي وعزمهم الصادق على التمسك بتعاليم الإسلام مهما كانت الظروف, وقد ورد في قوله تعالى: “فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ” (النساء: 74)، تشجيع للمؤمنين على التضحية الدنيوية في سبيل الفوز بالآخرة.
ينبغي أن يصل الإنسان في التزامه الإيماني وفي تربيته الإيمانية إلى مستوى الاستعداد التام للتضحية في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، فهي ذات أهمية كبيرة من هذا المنظار، من هذا الزاوية: من زاوية التربية الإيمانية والالتزام الإيماني. في إطار انتمائك الإيماني، لا يتحقق لك أن تصل إلى المستوى الإيماني المطلوب، إلَّا إذا تحقق هذا في واقعك: أن تصبح على استعدادٍ تامٍ للتضحية بحياتك، بنفسك، بروحك في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، هذا أمرٌ يَلزمك من جوانب كثيرة: على مستوى الالتزام العملي الإيماني؛ لأن هناك التزامات عملية، وهناك -أيضًا- على مستوى الارتقاء الروحي والأخلاقي. الإنسان إذا وصل إلى هذا المستوى الإيماني: إلى مستوى الاستعداد التام، والجهوزية الكاملة للتضحية بحياته في سبيل الله، فهذا يعبِّر عن ارتقاء روحي، وارتقاء أخلاقي، معنى ذلك: أنَّ نفسك قد زكت إلى مستوى جيد فوصلت إلى هذه المرتبة، وأنَّ مكارم الأخلاق العظيمة والكبيرة تجذَّرت في وجدانك، وفي مشاعرك، وفي وعيك، حتى وصلت إلى هذا المستوى من الاستعداد للعطاء والتقدمة والبذل، وهذا يهيئك عمليًا للقيام بمسؤوليات هي من صميم التزاماتك الإيمانية؛ لأن هناك في الالتزام الإيماني مسؤوليات مهمة جدًّا، ولكن قد يرد الناس عنها الخوف من أن يُقتلوا، الخوف من التضحية، التهرب من التضحية.
مثلًا: من المبادئ الإيمانية الأساسية والضرورية التي لا يكتمل الإيمان إلا بها: التحرر من الطاغوت، التحر من سيطرة الطواغيت الظالمين، المجرمين، المستكبرين، الذين يسيطرون على الناس فينحرفون بهم عن تعليمات الله وعن توجيهات الله، ينحرفون بهم عن الحق، وينحرفون بهم عن العدل، ويمارسون الظلم عليهم، والاستعباد لهم، والاستغلال لهم، هؤلاء الطواغيت سواءً تمثلوا بكيانات: دول ظالمة متجبرة، أنظمة متسلطة، أو شخصيات مضلة… أو أيًّا كان شكلهم، لا بدَّ في التحرر من سيطرتهم وهيمنتهم إلى أن نصل إلى ما يؤهلنا إلى ذلك، وهو الاستعداد التام للتضحية؛ لأنهم يستخدمون أسلوب الجبروت والظلم والقمع، والاستهداف للناس في حياتهم، والترويع، وارتكاب الجرائم بحق البشر، وسفك الدماء، كأسلوب للسيطرة على الناس، لإخضاعهم، للهيمنة عليهم، لزرع الخوف في نفوسهم، وحينها تصبح حالة الخوف من الطاغوت حالةً تكبِّل المجتمعات لهم، تقيدها عن الحرية، تقيدها عن الاستقلال والكرامة، تقيدها حتى عن طاعتها لله، فتجعل طاعة أولئك الطغاة والظالمين والمستكبرين والمجرمين فوق طاعة الله “سبحانه وتعالى”.
هذا يستدعي أن نكون على مستوى عالٍ من التجلد، من العزة، من الاستعداد للتضحية، من الإباء، القيم التي ترتبط بالشهادة، مثل: قيمة العزة والإباء، قيم عظيمة، والمبادئ التي ترتبط بالشهادة مبادئ عظيمة، وفي مقدمتها: التحرر من هيمنة الطغاة والمستكبرين.
عطاء لا ينقطع
الشهادة في سبيل الله أرقى تعبير، وأكبر دلالة على مصداقية الإنسان في انتمائه: في انتمائه الإيماني، في انتمائه الأخلاقي، في انتمائه إلى المبادئ الإلهية، عندما يصل إلى مستوى الاستعداد للتضحية في سبيل الله.
إذا كنا مجتمعًا معطاءً، إذا كنا أمةً تقدِّم التضحيات، معنى ذلك: أننا سنكون أمةً عزيزة، أبيةً للضيم، أمةً تمتلك الشجاعة، وتمتلك الحرية، وتمتلك قوة الإرادة، تمتلك العزم الذي لا بدَّ منه في مواجهة تحدياتٍ كهذه، معنى ذلك: أننا سنحضر في الميدان في كل مجال: في الميدان السياسي، الميدان العسكري، الميدان الاقتصادي، ونحن نحمل طاقةً كبيرة، ونحمل استعدادًا عاليًا للعمل، للأداء، للتضحية، فسنكون على أعلى مستوى من البذل، من العمل، من الجهد، من الجرأة، من الشجاعة، من الإقدام، وسنعمل -كما قلنا في البداية- ما يجب أن نعمله، هناك الكثير مما يجب أن تعمله الأمة، وستترسخ في واقع حياتنا كل هذه القيم: العزة قيمة إيمانية عظيمة جدًّا، وتليق بالإنسان، والله أكرم الإنسان عندما أراد له أن يكون عزيزًا، أكرم عباده المؤمنين عندما قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: من الآية8]، لا يمكن أن نكون أمةً عزيزةً، تتجسد العزة في مواقفها وفي مسيرة حياتها، إلَّا إذا كنا في جرأتنا وإقدامنا على مستوى الاستعداد العالي للتضحية وللشهادة في سبيل الله، وتحركنا لمواجهة التحديات والأخطار والأعداء، مهما كانت إمكاناتهم، ومهما كان جبروتهم، ومهما كانت الوسائل التي بأيديهم.
تضحيات الشهداء كدروس للأمة
عطاء الشهداء لا يتوقف بوفاتهم، بل يستمر إرثهم المعنوي في دعم معنويات الأمة وتعزيز روح التضحية, دماء الشهداء تروي شجرة الإيمان وتبعث الأمل والثقة في نفوس المسلمين، حيث تصبح تضحياتهم بمثابة درس حي يدعو للصبر والثبات.
إن استشهادهم يعيد بناء الأمة ويحيي الروح الجماعية فيها، ويجعل من قيم التضحية والإخلاص أساسًا لبقاء القيم الإسلامية. يقول الله تعالى: “وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا” (النساء: 74)، فهذه الآية تعد بأن يكون جزاء المجاهد في سبيل الله عظيمًا، سواء انتصر أم استشهد.
تضحية الشهداء تمثل درسًا حيًا للأمة، تذكرهم بأهمية العزة والكرامة، وتعلمهم أن حياة المؤمن لا تكتمل إلا بالتضحية لأجل المبادئ السامية. إن الشهداء يجسدون أسمى معاني الفداء، وتستفيد الأمة من عطاءاتهم في استنباط قيم الشجاعة والصمود، وهو ما يزيد الأمة قوة وصلابة أمام التحديات.
ثمار الشهادة:
الشهادة كقيمة أخلاقية وإنسانية
الشهادة هي في جوهرها قيمة أخلاقية وإنسانية عظيمة، تمثل أسمى درجات الإيمان والشجاعة في سبيل الله. هذه القيمة تعبر عن استعداد المؤمن للتضحية بنفسه من أجل قضية عادلة، وتجعل الشهداء مثالًا يُحتذى به في قمة الأخلاق والتفاني. ومن خلال الشهادة، يضع الشهيد نفسه في أعلى مراتب العطاء، فالشهادة لا تُعطي فقط للمؤمن حياة خالدة، بل تجعل من تضحياته إرثًا خالدًا يساهم في بناء مجتمع قوي قائم على القيم الإيمانية والإنسانية.
التصدي للعدو وحماية الأمة.. يأتي على يد الشهداء وتضحياتهم
الشهادة في سبيل الله تمثل الدرع الذي يحمي الأمة ويعزز مكانتها أمام أعدائها. المؤمنون الذين يضحون بأنفسهم من أجل حماية أمتهم وتحريرها من الظلم ينالون بذلك أعلى درجات الإخلاص والتضحية. وقد ورد في القرآن الكريم تشجيع على مقاومة الأعداء والوقوف ضد الظلم، كما في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (الأنفال: 45)، فالآية تحث المؤمنين على الثبات وتذكر الله في مواجهة العدو، مما يعكس عظمة الصمود والشجاعة في سبيل الله.
اليوم المعركة هي معركة الأمة كلُّ الأمة، والاستهداف ليس جديدًا في واقع هذه الأمة؛ وإنما هو وفق مراحل مستمرة، ونحن في مرحلة مهمة وحساسة، ووجدنا أن ثمرة مفهوم الشهادة في سبيل الله وفق المفهوم الصحيح، التقديم الصحيح، أثمر نصرًا في واقع هذه الأمة، وأصبحت نماذجه قائمة في الساحة وحاضرة في الساحة بكل نجاحٍ ملموسٍ وواضح. التجربة في فلسطين تجربة الجهاد والاستشهاد أثمرت نصرًا، حريةً، عزةً، كرامةً، ما نراه في قطاع غزة هو نموذج حي، يشهد لصحة وإيجابية وأهمية وضرورة هذا المفهوم، عندما يقدَّم بشكل صحيح كيف يصنع في واقع الأمة متغيرات مهمة وإيجابية، يصنع الحرية بإرادة الله “سبحانه وتعالى”، والكرامة والعزة والاستقلال، يصنع النصر.
عندما نجد النموذج في لبنان أمامنا متجسدًا ومنذ سنوات عديدة، منذ بداية انطلاقة المقاومة الإسلامية في لبنان، ثم ما صنعته من انتصارات كبيرة في عام 2000 وفي عام 2006، وما منَّ الله به -أيضًا- من انتصارات لاحقة في لبنان وسوريا وغيرها، وكذلك ما تقدمه المقاومة الإسلامية في لبنان اليوم من ثبات وتضحيات عظيمة رغم استشهاد قادتها و في المقدمة أمين الأمة و شهيدها السيد حسن نصر الله وكذلك الثبات الاسطوري للمقاومة الفلسطينية رغم همجية العدو وحجم التضحيات و الدمار في قطاع غزة ما تزال ثابته منذ أكثر من عام, كما نجد ما قبل ذلك نموذجًا عظيمًا وكبيرًا متمثلًا بالثورة الإسلامية في إيران، حررت إيران الإسلام من هيمنة أمريكا، ومن نفوذ إسرائيل، ومن الأداة التي كان يعتمد عليها الأمريكيون والإسرائيليون في السيطرة على الشعب الإيراني المسلم، متمثلةً بالنظام الملكي و(الشاه) آنذاك، ثم فتحت المجال أمام الجمهورية الإسلامية لتكون نموذجًا ورائدًا كبيرًا في الساحة الإسلامية، في الحرية والاستقلال، والتصدي للهيمنة الأمريكية، والتصدي للعدو الإسرائيلي.
النموذج القائم في سوريا والعراق، والنموذج القائم والمتجسد في التضحيات الكبيرة وفي العزم الذي لا يلين الذي يقدمه شعب البحرين، نماذج تاريخية كثيرة في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، وفي مختلف المراحل لأمتنا.
إن كل ذكرى من العزة، وإن كل ذكرى للنصر هي مرتبطة بهذا المفهوم العظيم، وهذا كافٍ في أن ندرك مدى أهميته، ومدى قيمته، ومدى ما يترتب عليه في واقع هذه الحياة.
وبما أننا اليوم في معركة بهذا الحجم، وتحدٍ بهذا المستوى، فنحن معنيون كأمةٍ إسلامية أن نرسخ هذا المفهوم؛ لأنه مفهومٌ -كما قلنا- يصنع النصر، وإذا امتد في أوساط الأمة، وتعزز في واقع الأمة، فإنه يهب الأمة من العزم وقوة الإرادة والتحرك الفاعل ما تحتاج إليه في هذه المرحلة.
النصر يأتي على يد الشهداء الذين يضحون بأرواحهم، حيث تثمر تضحياتهم في تحقيق الانتصارات للأمة وتعزيز ثباتها أمام التحديات.
لقد أثبتت التجارب التاريخية للأمة الإسلامية أن الشهادة كانت دائمًا سببًا لانتصارات كبرى، حيث قدّم الشهداء أرواحهم ليصنعوا مجد الأمة وليحققوا لها العزة والاستقلال, وقد تجلى ذلك في قول الله تعالى: “إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ” (آل عمران: 160). هذه الآية تعبر عن الحقيقة الإلهية للنصر، حيث لا يملك أحد هزيمة من ينصره الله، والشهداء هم من اختارهم الله لدخول جنته والانتصار في الدنيا والآخرة.
واجب الأمة تجاه الشهداء:
تعزيز روح التضحية بين الأجيال
واجب الأمة تجاه شهدائها لا يتوقف عند إحياء ذكراهم، بل يتعدى ذلك إلى تعزيز روح التضحية في نفوس الأجيال المقبلة, يجب أن يُزرع في نفوس الشباب حب التضحية لأجل الله واستعدادهم لبذل أرواحهم في سبيل القيم والمبادئ النبيلة. فالحفاظ على إرث الشهداء يتمثل في إحياء هذا العطاء الخالد في قلوب المسلمين، ليصبحوا على أتم الاستعداد للذود عن حياض الأمة وقيمها.
ويأتي ذلك في إطار قوله تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ” (الأنفال: 60)، فالآية تحث المسلمين على الاستعداد الدائم وتربية النفوس على الجهاد والصبر.
الاعتناء بأسر الشهداء
تقتضي مسؤولية الأمة نحو الشهداء الاعتناء بأسرهم، ومواساتهم والوقوف إلى جانبهم، لأنهم فقدوا أحب الناس إليهم من أجل رفعة الأمة, وهذا الوفاء لا يقل أهمية عن التضحية ذاتها، إذ يجسد تقدير المجتمع لذوي الشهداء ولتضحياتهم. ينبغي أن يكون لكل أسرة شهيد مكانة خاصة في المجتمع، وأن يكون هناك نظام كامل من الدعم والرعاية لهم، تعبيرًا عن تقدير الأمة لعطاء ذويهم وتكريمًا لما قدموه في سبيل الله.
ختامًا، يتبين لنا أن الشهادة ليست مجرد تضحيات عابرة، بل هي قمة العطاء في سبيل الله, هذا العطاء الخالد يزرع في الأمة الثبات، والعزيمة، والقوة لمواجهة كل الصعاب، ويحصنها من هيمنة الأعداء, من الطواغيت و المنافقين, كما أن عطاء الشهداء يخلق إرثًا من الإيمان والشجاعة يحافظ على بقاء الأمة، ويدفع بها نحو النصر.
أن واجبنا تجاه الشهداء في إحياء ذكراهم، وتعزيز روح التضحية في نفوس الأجيال، وتكريم أسرهم تقديرًا لما قدموه.
في كل شهادة نبض جديد لقلب الأمة، وفي كل تضحية تفتح أبواب العزة والكرامة، تحقيقًا لوعود الله لعباده المؤمنين بالنصر والثبات.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشهادة فی سبیل الله مستوى الاستعداد سبحانه وتعالى من هذه الحیاة روح التضحیة فی الإسلام الشهداء فی فی انتمائه إلى مستوى على مستوى ف ی س ب یل آل عمران فی لبنان فی واقع أن یکون فی نفوس عظیم ا
إقرأ أيضاً:
دماء الشهداء.. وقدوم الصادق 3
قال الله سبحانه وتعالى (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) “الأحزاب، 23”
تأسس حزب الله في لبنان لمقاومة أهداف كيان الاحتلال الإسرائيلي لنصرة القضية المركزية (القدس) وتحرير فلسطين. ولحماية لبنان، وغيرها من الأهداف الإسلامية.
وأهم محطات المواجهة والانتصار للحزب ضد العدوان الإسرائيلي التي جاهد وقاتل فيها هي: الحرب الدفاعية في العام 2000م لتحرير الشريط الحدودي للبنان المحتل، وتغلب على العدوان في حرب تموز 2006م. وألحق بالعدوان خسائر عظيمة منذ إسناده غزة في الثامن من اكتوبر 2023م في معركة طوفان الأقصى، صد وأفشل مخططات العدوان القاضية للسيطرة على لبنان.
وقبل تلك المحطات التاريخية من المواجهات العسكرية مع الكيان الإسرائيلي المؤقت كانت هناك مواجهات مع الأعداء الأمريكيين في العام 1982م، واستمرت المواجهات في فترات معينة في الثمانينات ومنها على سبيل المثال لا الحصر في منتصف التسعينات مع الكيان الغاصب. واتسمت الفترة من العام 1982م وحتى اللحظة بالدفاع عن لبنان ومنع العدو إملاء شروطه وتنفيذ أهدافه.
واجه الحزب منذ نشأته صراعات وأزمات سياسية مع أذناب العدوان في الداخل والخارج وتصدى لها بحكمة ويقظة سياسية وأمنية وعسكرية.
تطور إسناد الحزب غزة إلى مواجهة مباشرة مع العدوان الإسرائيلي دفاعا عن لبنان واستمرارا في إسناد غزة ودعم فلسطين ونصرة القضية المركزية/ القدس.
وحتى ندرك قوة حزب الله وحصانته من العدو علينا أن نؤمن بأهمية التوكل على الله والثقة به والعقيدة الصحيحة في الجهاد في سبيل الله لنصرة القضية العادلة .. ومتى ما كانت هذه العوامل حاضرة، فإنه مهما كان فارق القوة والإمكانات شاسعا فلا تجدي عند المواجهة أن يحسم العدو نصر.
حزب الله بإمكاناته المتواضعة وموقعه الصغير وفي دولة بمساحة صغيرة قد واجهته حروب ومؤامرات وأزمات ومخططات مستمرة وغير منقطعة منذ تأسيسه وذلك من قبل كيان محتل متاخم له على الحدود اللبنانية من الجنوب.
سلاح الإيمان بالله ورسوله وطاعة أوليائه، وعقيدة الحزب الجهادية قد سحقت وبددت فتن ومؤامرات كيان الاحتلال الإسرائيلي المؤقت والمدعوم من منظومة الشر العالمية والمدعوم سياسيا من النظام الأممي العالمي والمدعومة من الأنظمة العربية الصهيونية.
ووقوف الحزب بثبات طيلة تلك الفترة إنما يعبر عن صدق رجال الحزب في الجهاد في سبيل الله، ويعبر عن التهيئ والاستعداد للقتال والمواجهة مع العدو في أية لحظة دفاعا عن لبنان وسيادته وللحفاظ على تماسك وحدته الداخلية، ودفاعا عن أمنه القومي وأمن دول المنطقة.
قوة الحزب هي من قوة الله، فمساره الجهادي في مقاومة قوى الشر الصهيونية. وهو مسار القادة الشهداء رضوان الله عليهم الذين باعوا أنفسهم دفاعا عن الحق .. هو مسار جهادي للوفاء بدماء من قضى نحبه في الجهاد في سبيل نصرة القضية / القدس وتحريرها. هذا المسار هو الدافع العقائدي المحرك لقيادة الحزب وعناصره وعلى ذات الخط الجهادي للعترة الطاهرة أهل البيت عليهم السلام الذي يأبى بشكل تام الرضوخ للباطل وأئمته. هذا المسعى هو خط الله في سبيل نصرة الحق وتحرير القدس، وفلسطين.
وقيادات وجنود وجميع أفراد الحزب متماسكة متعاضدة على قاعدة الإيمان العقائدي الموجه جهاديا لمقاومة الوجود الإسرائيلي الصهيوني في المنطقة ومن منطلق الاعتبارات الجغرافية والسقوف السياسية الخاضعة أو المتغيرة وفقا لظروف كل مرحلة.
وتشكل القوة الإيمانية العقائدية للحزب ومراعاته السقف السياسي في نظام الدولة اللبنانية الذي يرى فيه مصلحة الشعب اللبناني وأمنه وسيادته واستقلاله تشكل تلك المنطلقات العقائدية والسياسية المنعة والعزة والقوة في توجهه القتالي والميداني والسياسي التي بها استطاع أن يتصدى ويحبط وينتصر ضد اعتداءات العدوان الإسرائيلي ومن ورائه قوى الشر العالمية الغربية ومن تحت الستار صهاينة العرب وعلى رأسهم السعودية.
ومبدأ الحزب لا يميل عن إيمانه العقائدي الثوري بنهج ثورة الحسين عليه السلام الكربلائية .. لا ينحرف توجهه العملي الجهادي عن أهداف الثورة الإسلامية وثورة المسيرة القرآنية .. وأهداف الثورات الإسلامية التاريخية والمعاصرة واحدة، ولا يمكن أن تتجزأ، فمسعاها غاية واحدة وهي جعل الأماكن المقدسة تحت ولاية التقوى لما فيه الخير والسلام والأمن والهدى للناس ..
هذا المسعى كان خيار الأنبياء والرسل عليهم السلام، وما زال هو المسعى والهدف الجامع لأهداف المقاومة الإسلامية في المنطقة. ورجال الله في حزب الله وفي كافة محور القدس والجهاد والمقاومة يجاهدون تحت قيادة ربانية واحدة للوصول إلى نهاية هذا المسعى. وهم بإذن الله بشجاعتهم وبإيمانهم وجرأتهم ووضوحهم سيصلون.
رجال المقاومة الإسلامية في لبنان هم جزء من رجال المحور. وهم على مبدأ المنع والضد لأولياء الشيطان .. هم على مبدأ الولاء والطاعة لأولياء الله القادة الشرفاء .. رجال حزب الله هم على الطاعة لأمناء الحزب القادة الشهداء العظماء رضوان الله عليهم.
رجال حزب الله صدقوا بالثبات والصمود. وهم يصدقون الأن في مواقفهم وأدوارهم ومسئولياتهم الجهادية.
وإن كانت هناك اتفاقية مع العدوان الإسرائيلي لإيقاف اطلاق النار، فلا يعني ذلك التخلي عن المواجهة والوقوف ضد العدوان. فرجال المقاومة والحزب مازالا وسيظلا داعمين ومساندين لغزة ولفلسطين حتى نصرة القضية المركزية / القدس. فقد قدمت المقاومة في لبنان خيرة قادتها ومجاهديها في إسنادها ونصرتها المظلومين في غزة وفلسطين. وستظل على هذا المبدأ الإيماني الإسنادي وبأشكال مختلفة وبالظروف المناسبة، ودافعت وستظل تدافع عن لبنان وشعبه.
وبهذا المبدأ الجهادي، فقد عاهدت المقاومة باسم مجاهديها وفرسانها كل الدماء الزاكية والأرواح الطاهرة بأن تكمل طريق المقاومة بعزيمة أكبر. وتعاهد المقاومة بأن تستمر في الوقوف إلى جانب المظلومين والمستضعفين والمجاهدين في فلسطين والأحرار في العالم.