عُمان.. سردية التاريخ والمجد
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
كل عيد وطني تعيشه عُمان هو لحظة ممتدة من التاريخ نحو المستقبل، من ذلك التاريخ الغائر فـي الأزمنة عندما كان إنسان عُمان الأول يخط أبجديات وجوده على هذه الأرض المباركة ويحفر بإزميله الحضاري على صخورها الشاهقة، وإلى الغد الذي ترسم عُمان تفاصيله المشرقة فـي هذه اللحظات حتى يبقى مجدها موصولا أوله بآخره، وآخره لا يأتي أبدا ما دام ثمة نبض على هذه الأرض وما دام الإنسان قادرا على إضافة نقطة فـي سطور التاريخ.
تحتفل عُمان اليوم بعيدها الوطني فـي يوم يرمز إلى كل منجزاتها ومساهماتها عبر التاريخ الطويل، فلا يمكن أن يجسد العيد الوطني، فـي أي دولة من الدول وفـي أي وقت من الأوقات، حدثا واحدا مهما كان محوريا ومهما كان عظيما، ولكنه لحظة رمزية تحاول أن تختزل فـي مكانتها وفـي احتفاء الناس بها تاريخَ الدولة ومنجزها الحضاري.. وهذا هو الشعور الجمعي الذي يعيشه العمانيون اليوم وهم يحتفون بالعيد الوطني، فهم يستعيدون تاريخا طويلا من المنجزات والمساهمات التي بنت عُمان عبر قرون طويلة كيانا حضاريا فاعلا ومؤثرا فـي سيرورة الأحداث، وما زال ذلك الدأب للفعل الحضاري راسخا فـي جيناتهم ولا يحركهم إلا نحو المجد والسؤدد، متكئين على ماضٍ ملهم وحاضر مستقر وآمن ومستقبل يُرسم بريشة الطموح والأمل، الأمل الذي لا يسير دون العمل الجاد والمخلص.
لم تكن عُمان فـي يوم من الأيام أرضا تهادن الزمن ولم ترضَ بأن تكون مجرد شاهد على تحولات التاريخ، بل صنعت لنفسها مكانة مرموقة بين الأمم والشعوب، وارتبطت على الدوام بالقيادة والريادة منذ أن كانت موانئها تستقبل البحّارة من أصقاع الأرض، وسفائنها تشق عباب المحيطات تحمل خيوط التواصل الحضاري، وتُعلّم العالم معنى الانفتاح والاحترام المتبادل وتقبل الآخر.
وفـي هذا اليوم الذي يعانق فـيه العمانيون تاريخهم المجيد يُدركون يقينا أن هذه اللحظة، رغم عمقها التاريخي، ليست مجرد احتفال عابر، بل هي عهدٌ متجدد مع الوطن.. عهدٌ بأن تظل هذه الأرض المعطاء تُزرع بقيم العمل والإخلاص والأمانة، والعزيمة أن تظل المسيرة مستمرة وأشرعتها تعانق السماء، وعهد مع القائد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله، أن يبقى طموح العمانيين إلى حيث المكانة العالية التي ينشدها لهذا الوطن العظيم.
وفـي هذه اللحظة التي ترفرف فـيها أعلام عُمان خفاقة على الجبال والسهول يشعر العمانيون بذلك الفرح الممتد منذ عصور التأسيس لرسوخ استقلال بلدهم بقرارها السياسي ومسارها فـي فهم القضايا العربية والعالمية، وبفهم عميق لمعنى الرخاء والاستقرار، الرخاء الذي لا يورث الاتكال والكسل ولكن الذي يشعل مسارات البناء والتعمير.
وعُمان التي تسير على ذلك النهج الممتد منذ قرون طويلة تحقق اليوم، بفضل قيادتها الحكيمة، منجزات استثنائية فـي كل مسارات البناء وتعلم الأجيال الناشئة أن ما تركه الأجداد هو مسؤولية أخلاقية كبيرة لا بد أن نحملها على أعناقنا من أجل أن يستمر المسير الطويل، وأن المحافظة على المكانة المرموقة لعُمان هي التزام حضاري نابع من حب أزلي للوطن الراسخ فـي الوجدان.
بهذا المعنى يمكن أن نقرأ العيد الوطني عند عتبات صباحه الأولى، ونتأمل فـي تلك السردية العظيمة التي خط حروبها أبناء هذا الوطن لنعرف أن القصة لم تنته بعد وأن علينا جميعا أن نسهم فـي إكمالها فالمسير الطويل ما زال مستمرا وذروة المجد ما زالت فـي الأمام وعلى كل عماني أن يكتب فـي تلك السردية سطره.. وليختر كل منا ماذا يكتب فـي ذلك السطر الذي سيكون تاريخه الخالد.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
(الحرية والتغيير).. إلى مزبلة التاريخ
(الحرية والتغيير).. إلى مــــــــــــــزبلة التاريخ
بعد عامين للحرب.. مشهد سياسي جديد
تقرير_ محمد جمال قندول- الكرامة
مع صبيحة فجر اليوم الثلاثاء، تطوي حرب الكرامة عامين، قدم فيهما الجيش والقوات المساندة دروساً في الشجاعة والتضحية، حيث استطاعت القوات المسلحة تحرير ولايات الجزيرة وسنار وأخيرًا العاصمة الخرطوم، فيما تبقت جيوب قليلة من المتمردين في كردفان و4 ولايات بدارفور.
وسياسيًا، أسهمت حرب الكرامة في تشكيل مشهد جديد عماده قوى وطنية ساندت الجيش في معركته الوجودية. وبالمقابل، مضى مشروع قوى الحرية والتغيير إلى زوال، وذلك جراء مساندتها للميليشيا الإجرامية كظهير سياسي.
عملاء الداخل
وأسهمت قوى ما يعرف بالاتفاق الإطاري في تأجيج نيران الحرب ودعم الميليشيا سياسيًا قبيل اندلاعها بأشهر قليلة، إذ زينوا للمتمرد حميدتي إمكانية استلامه للسلطة، غير أنّ للبلاد جيش كانت كلمته العليا، حيث أحبط أكبر مؤامرة في تاريخ البلاد الحديث.
مجموعة (المجلس المركزي) بعد اندلاع الحرب، شكلت تحالفًا باسم (تقـــدم)، وكان قد وقع اتفاقًا مع الميليشيا مطلع يناير 2024، وهو ما جلب لها سخط ورفض شعبي واسع.
ويقول الخبير والمحلل السياسي د. عمار العركي لـ(الكرامة): إنّه وبعد مرور عامين على الحرب، يمرّ وطننا الحبيب بمنعطف تاريخي حاسم، حيث نطوي عامين كاملين على اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، تلك الحرب الوجودية المصيرية التي فُرضت على بلادنا بفعل تمرد ميليشيا الدعم السريع، وبتخطيط وتمويل من قوى خارجية تتقدمها دولة الإمارات، وسند من عملاء الداخل ممن باعوا ضمائرهم بثمن بخس.
وأضاف العركي أنه في خلال هذين العامين، خاض الجيش – بصلابة وشجاعة – معركة البقاء، التي لم تكن عسكرية فحسب، بل سياسية، وأخلاقية، وإعلامية بامتياز. ومنذ اللحظة الأولى، أدركت القيادة العامة للجيش، أن المعركة لا تحسم فقط في ميادين القتال، بل في دهاليز السياسة وتحالفات الإقليم والقرارات الدولية.
وأضاف العركي أنّ الساحة السياسية شهدت مع بداية التمرد اضطراب، حيث استغلت الميليشيا واجهات سياسية ومدنية مأجورة لترويج سردية زائفة حول “صراع السلطة”، في محاولة لتمييع الحقيقة، وتحويل الميليشيا من عصابة متمردة إلى طرف سياسي.
كما مارست تلك الواجهات ضغوطاً عبر الإعلام الخارجي والمنظمات الدولية لتشويه صورة الجيش والدولة، مستفيدة من إمكانيات مالية وإعلامية سخية قدمتها أبوظبي، ومواقف ملتبسة من بعض الدول الغربية، وهو ما تمخض عنه مواجهة الحكومة السودانية لعزلة إقليمية ودولية شبه كاملة، وضغوطاً مكثفة لمنح الميليشيا شرعية سياسية، إلّا أن ثبات الموقف السيادي، ورفض أي تسويات مع الخارجين على القانون، أعطى رسالة واضحة بأن الجيش لا يساوم على وحدة الوطن وهيبة الدولة.
معركة الوعي
وفي سؤالنا عن محصلة المشهد السياسي بعد عامين من حرب السودان، أجاب الصحفي والمحلل السياسي د. إبراهيم شقلاوي بقوله إنّ المشهد السياسي في السودان برز كمشهد معقد ومفتوح على احتمالات عدة، لكنه أيضًا مشهد ينطوي على فرصة تاريخية لإعادة التأسيس وفقا لقيم أهل السودان. ويضيف: فالحرب رغم قسوتها، عرّت الواقع السياسي، وأظهرت الحاجة العاجلة لمشروع وطني جامع يعالج الاختلالات البنيوية التي ظلت مرافقة للدولة السودانية منذ الاستقلال، والتي تعمقت مؤخرًا خلال السنوات التي أعقبت العام 2019، جراء بروز الصراعات السياسية الصفرية بين الأحزاب السياسية السودانية.
وأضاف شقلاوي أنّ الأزمة تجاوزت كونها مجرد صراع بين قوى سياسية على السلطة، حيث اتخذت طريق الاستيلاء عليها بواسطة روافع إقليمية ودولية بدعم داخلي من بعض الأحزاب، ليتحول إلى معركة من أجل بقاء الدولة نفسها، واستعادة معناها ووظيفتها في حياة المواطن السوداني. وأكد شقلاوي على أن الانقسامات التي تعمقت خلال الفترة التي سبقت الحرب، كشفت هشاشة البنية السياسية والاجتماعية، وهو ما يستدعي برأيه، إعادة التفكير في الأولويات الوطنية على أسس جديدة.
ويرى شقلاوي أنّ الحاجة باتت ماسة لمشروع وطني متكامل، لا يقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل يشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويُشرك كافة مكونات الشعب السوداني في بنائه، دون إقصاء أو تمييز، والدخول لهذا المشروع عبر بوابة العدالة القانونية، فالسودان لن ينهض من تحت رماد الحرب إلّا إذا اتفق السودانيون على مشروع وطني يعبّر عنهم جميعًا ويعيد إليهم الثقة في الدولة.
كما شدد شقلاوي على أهمية أن يعمل السودانيون بوعي ومسؤولية على وحدة الصف الوطني، ورتق النسيج الاجتماعي الذي تمزق بفعل سنوات من الصراع والخطابات الإقصائية. وقال ان تجاوز خطاب الكراهية والتماسك الداخلي هو الأساس لأي نهضة مرتقبة، وأن معالجة جراح الحرب لن يتم إلّا عبر المصارحة والمصالحة، والعدالة، والعمل الجماعي الصادق.
وفيما يتصل بالمرحلة الانتقالية المقبلة، أشار شقلاوي إلى أنّ الوثيقة الدستورية المعدلة للعام 2025 والتي أقرت فترة انتقالية تمتد لـ1.180 يومًا، تضع أمام السودانيين تحديًا وفرصة في آنٍ معًا.
وقال: إنّ هذه المرحلة تتطلب تشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة، تحت قيادة الجيش في جانبها السيادي بعيدًا عن المحاصصات السياسية الحزبية، لتكون قادرة على قيادة البلاد بثقة نحو الاستقرار واستعادة الأمن والسلام، وترميم مؤسسات الدولة، وتهيئة المناخ لإجراء انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية.
واختتم شقلاوي حديثه بالتأكيد على أنّ معركة السودان الحقيقية لم تعد فقط في الميدان العسكري، بل في معركة الوعي، والإرادة، وبناء مشروع وطني يُعيد للدولة السودانية سيادتها وقيمتها، وللمواطن السوداني كرامته وأمنه واستقراره.
إنضم لقناة النيلين على واتساب