لجريدة عمان:
2024-11-17@20:21:23 GMT

المؤتلف الإنساني.. صناعة عمانية خالصة

تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT

يحجز نوفمبر فـي الذاكرة الجمعية العمانية مساحة خاصة، تتقصى الذاكرة من خلالها مجموعة من المبادرات والأنشطة العملية، والممارسات الفعلية، والتي حملت فـي مضامينها الكثير مما يصعب حصره فـي مختلف شؤون الحياة العمانية اليومية، والحياة العالمية أيضا، وأهدت حمولتها الإنسانية للإنسانية جمعاء، مستلهمة ذلك من خلال مشروعها الحضاري الكبير الممتد عبر السنين، ومن ضمن الكثير مما أنجز هو مشروع عمان لـ «المؤتلف الإنساني» وهي مبادرة تبنى ووجه بنشر مفهومها، وتعميمها السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – وذلك: «لوضع نهج يعيد التوازن بين الصلاح والوصول إلى اقتراح منهج عمل يقدم للعالم المضطرب ليعينه على النهوض من جديد، واستشراف حياة متوازنة يعيش فـيها الناس على أساس الكرامة والحقوق الأساسية والأمان النفسي»- وفق ما تضمنه مصدر: https://www.

omaninfo.om/topics/85/show/287502. ولذلك هي صناعة عمانية خالصة، لا ينازعها عليها أحد، بقدر ما مطالب من هذا الـ «أحد» أن يسهم بما يمليه عليه الواجب الإنساني، والضمير، والقيم السامية الرفـيعة، فالإنسانية بقدر تجزئتها بين مكونات جغرافـية وعرقية، ودينية، ومذهبية، وانتماءات بشرية عديدة – كما هو معروف – إلا أنها عالمية المفهوم، وشمولية المعنى، فالإنسان الذي يعيش فـي أقصى مكان على امتداد الكرة الأرضية؛ انطلاقا من نقطة معينة؛ هو نفسه الذي يعيش فـي أقربها، لا فرق بينهما سوى الانتماء إلى شيء النتوءات التي تم ذكرها أعلاه، ولذلك نرى اليوم؛ كما كان فـي الأمس؛ هذا الالتحام البشري المهيب حول التفافه، وتعاضده وتقاربه من قضية إنسانية ما، بغض النظر عن الأشخاص الذين تعنيهم هذه المسألة أو تلك، وهذا ما يؤسس القناعات بشمولية الهم الإنساني عند جميع الناس، مهما تناءت الجغرافـيات عن بعضها، أو تباينت الشعوب فـي (أعراقها، وفـي أديانها، وفـي ألوانها، وفـي جندرياتها، وفـي مذاهبها وعقائدها) ففـي خاتمة المشهد هي ملتحمة مع بعضها البعض، ويهمها كثيرا أن تتعزز بإنسانيتها التي يهدرها الساسة بأنظمتهم المضطربة؛ لتحقيق مآرب خاصة.

ويقينا؛ أكثر؛ أن تقارب حدثي المناسبتين: (16/11) يوم التسامح العالمي، و(18/11) اليوم الوطني العماني المنبثق منه مشروع المؤتلف الإنساني؛ هو تزامن مقصود، حيث أراد له مؤسسه – رحمة الله عليه – أن يحدث نقلة نوعية فـي الوعي الجمعي العالمي فـي كل ما يخص هذه الثيمة «الإنسانية» وهذا يؤكد أن النهضة العمانية المباركة؛ انطلقت من الثيمة ذاتها، ولا تزال تواصل نهجها القويم وفق المفهوم ذاته، وإذا كان السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – وضع الأسس القويمة والماكنة فـي بعديها الإنساني والمادي متوازيان فـي الانطلاقة والتأثير لتعزيز الدور الذي تقوم به هذه النهضة، فإن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه – يعمل جاهدا على تجديد مسيرة هذه النهضة بما يتطلبه الواقع العماني فـي زمنه الحاضر والمستقبل؛ لكي تواصل النهضة عطاءها الإنساني، سواء على امتداد الجغرافـية العمانية المباركة، أو بما يتأتى لهذه النهضة أن تسهم به فـي المشروع الحضاري العالمي، مساهمة عمانية خالصة، مؤطرة بذات خصوصيتها، ونهجها، وهويتها، بعدما تشعبت الهويات، وتناثرت الخصوصيات عند آخرين فقدوا بوصلة التوجيه، انعكاسا للاضطراب الذي تعيشه الكثير من الأنظمة السياسية دون غيرها، وتجبر شعوبها الحرة على الامتثال وتبني أفكارها الضاربة بالقيم الإنسانية عرض الحائط، فـي مشهد مؤلم حقا، أن تصل الإنسانية خذلان إنسانها إلى هذه الدرجة من التراجع والانزواء، فـي الوقت الذي يفترض أن تتسامى الأنظمة والحكومات على مظانها الخاصة، وتتوجه فـي مشروعاتها إلى كل ما من شأنها أن يرفع من قدر الإنسانية، ويعلي من صوت العدالة والحق والسلام، والتعاون والتكامل بين أمم الأرض.

تقف سلطنة عمان اليوم؛ كما كانت بالأمس، والأمس هنا هذا التاريخ الممتد عبر أزمنته التي أصلت الفعل العماني الداعي إلى الخير والأمان والسلام عبر تعاطيها مع الأمم فـي المشرق والمغرب، وعبر ما أصلته على امتداد جغرافـيتها الممتدة من محافظة مسندم إلى محافظة ظفار؛ وما بينهما من محافظات تستحم بعطاء غير منقطع، مستمدة بركة جهدها من القول المبارك من لدن رسول البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ «لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك» تقف بقيادتها الواعية المجددة لمبادئها وقيمها؛ وهي تنجز الـ (54) عاما من نهضتها المباركة؛ متجلية بإنسانيتها السامية، متخذة مواقفها الثابتة المعلنة وغير المعلنة من مختلف القضايا الإقليمية والدولية، مواقف الحياد، والانتصار للحق والعدالة، ونصرة المظلوم، ونشر سبل السلام، والعمل الدؤوب مع مختلف دول العالم على تعظيم العائد الإنساني فـي مختلف المجالات، معلنة موقفها من كل ما يدور فـي العالم من اضطراب غير مسبوق الذي تتبناه دول لا تزال تعزف على وتر الاستعمار البغيض؛ الذي لا يدع مساحة آمنة لكي تعيش فـيها الشعوب آمنة مستقرة، مؤصلة فـي ذات الوعي الذي يقاتل لنصرة الإنسانية؛ العقلية التقليدية التي كانت سائدة فـي القرون المتقدمة، والقائمة على مفهوم «قطاع الطرق» والحياة للأقوى، ومن لم يكن معي فهو ضدي – حيث شريعة الغاب المظلمة - مستحضرة ذلك الفهم الضعيف الذي ينازع الآخرين فـي أرزاقهم، وأمنهم واستقرارهم، مضربة بعرض الحائط بكل القيم والمبادئ والاتفاقات التي أجمع ووقع عليها المجتمع الدولي؛ إيمانا منه؛ بأهمية أن تعيش الإنسانية فـي أمن واستقرار، وراحة بال، متطلعة إلى بناء مجتمع دولي آمن، يسوده الاستقرار، والبناء والتعمير والتشييد لكل ما يصلح البشرية، ويعلي من قدرها الإنساني، ويحترم ذاتها، ويقدر طموحاتها وآمالها فـي بناء غد أكثر أمنًا واستقرارًا، عما كان عليه فـي زمن وجغرافـية سادها الجهل والظلم، والتي طواها النسيان بين غياهب الغيب.

إن عمان اليوم؛ أكثر رؤية استشرافـية لما سوف تؤول إليه نتائج الأحداث، ولما سوف تكون عليه الأحوال، ومآلات الأمور، لقناعاتها الراسخة؛ والتي كانت محل اختبار تواصل طوال مسيرتها المباركة؛ بأن شعوب العالم لن تكون فـي مأمن من تردي أوضاعها الإنسانية وفق المعطيات الحالية، للبشرية، وفـي مقدمته سلوكيات الكثير من الأنظمة السياسية المتعالية بغطرستها المادية الصرفة، فالمادة؛ على أهميتها؛ لا يمكن أن تؤسس واقعا إنسانيا رحبا فـي ظل تنافس غير متكافئ بين القوى الفاعلة على المسرح الدولي، إلا بالعودة إلى القيم الإنسانية الحاكمة، والضابطة لمختلف الممارسات والسلوكيات التي تجسر العلاقات بين مختلف الأطراف، وبدون هذه القيم ستظل الإنسانية ترزح تحت وطأة وقسوة كل التفاعلات التي لا تحتكم على قيم إنسانية خالصة؛ يؤمن بأهمية تطبيقها المجتمع الدولي بشعوبه المنحازة إلى إنسانيتها، والذي أقرها عبر منظماته ومؤسساته الداعمة، واستشرافات سلطنة عمان فـي هذا الاتجاه يتضح من خلال مواقفها الداعمة لمختلف القضايا الإنسانية، وفـي مقدمتها دعم ومساندة الشعب الفلسطيني الممتحن فـي قضيته المنتهكة حقوقها على أرضه، بواسطة الآلة الصهيوأمريكية التي تقدم الدعم الكامل والشامل للكيان الغاصب، والذي بدوره يصب جام غضبه وجبروت أسلحته المدمرة، والمخالفة للقوانين والأعراف الدولية، على شعب أعزل؛ لا حول له ولا قوة، وهو إن دافع؛ فإنه يدافع عن حقه المشروع فـي وطنه بما تجود به قدراته العسكرية، وإمكانياته الفنية المحدودة، وعسى أن تكون مباركة بفضل الله عز وجل.

إن تأصيل الحوار بين الشعوب لا يقوم على ترجيح كفة القوة الطاغية فـي كل مشروعاتها الاستعمارية، والمنتهكة لحقوق الإنسان، وللعدالة الإنسانية، والتوافق معها فـي كل اتجاهاتها وانتهاكاتها، وإنما يقوم على مجاهدة الباطل – مهما علا جبروته – وإلزامه بالتوقف عند حد معين، وبالتالي فمهما تطاولت هذه القوى باستعار واستعراض قوتها العسكرية والمادية فلن تدوم، وهذا ما تخبرنا به أحداث التاريخ ومجرياته على الأرض، ولذا يبقى للشعوب الحرة كلمة الفصل فـي خواتيم المعارك، مهما كلفها ذلك من دفع فاتورة قاسية إزاء مواقفها الرافضة للظلم والطغيان والذي وإن طالت مدته، فسوف يأتي اليوم الذي يسلم عهدته ويستسلم لمبادئ الحق والعدالة الإنسانية، فالأجيال ليست مستعمرة بأفكار متسلسلة منذ عهد الاستعمار إلى عهد الاستعمار، ولا بد أن تكون لها كلمة حق تعلنها فـي زمن ولحظة فارقة؛ وإن طال انتظاره، فكما للظلم زمن مستقطع من حياة الشعوب، كذلك للعدل زمن ملتحم أبدا، وهذا ما تأمل تحقيقه كافة الشعوب على اختلاف تبايناتها ومواقفها، وإيمانها بقضاياها التي لن تموت، وإن توارت الأجساد، وفق مفهوم الحياة والموت الساري على كل إنسان.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

“الاتحاد” لحقوق الإنسان: الإمارات تعيش حالة عميقة من التسامح الإنساني

 

أكدت جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان أن دولة الإمارات العربية المتحدةتعيش حالةعميقةمن التسامح الإنساني، بقيادتها الرشيدة وكافة فئات المجتمع، وقد نجحت في حجز موقعها بالمركز الأول عالمياً فيمؤشر “التسامح مع الأجانب”، وفقًاً لتقرير تنافسية المواهب العالمية، الصادر عن معهدإنسياد لعام 2023.
وقالت، بمناسبة اليوم الدولي للتسامح، الذي يصادف 16نوفمبر من كل عام: إن استحداث وزارة للتسامح في فبراير 2016، واعتماد مجلس الوزراء، البرنامج الوطني للتسامح، في يونيو 2016، وإعلان2019 عاماً للتسامح في الدولة، كلها تعدّ من المبادرات العملية لروح التسامح التي يتمتّع بها الوطن امتداداً لنهج زايد الخير.
وأشادت بما أطلقته الإمارات من الجوائز لتعزيز ثقافة التسامح والسلام،منهاجائزة زايد للأخوة الإنسانية، وجائزة محمد بن راشد للتسامح، وجائزة محمد بن راشد آل مكتوم للسلام العالمي، والتي تهدف جميعها إلى تكريم الأفراد والمؤسسات الذين يجسدون قيم الأخوة الإنسانية، وتكريم الفئات والجهات التي لها إسهامات متميزة في حفظ السلام وتكريس قيم التسامح العالمي.
وذكرت أن الإمارات عززت سياساتها لتحقيق التعايش السلمي والتنمية المستدامة، بإصدار مرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2023 في شأن مكافحة التمييز والكراهية والتطرّف، مشيرةً في الإطار ذاته إلى إنشاء المعهد الدوليللتسامح في دبي، عام 2017، كأول معهد للتسامح في العالم العربي، وفي يوليو 2015 تم إطلاق مركزصواب، بمبادرة إماراتية – أمريكيةلدعم جهود التحالف الدولي في الحرب ضد التطرف والإرهاب، وأيضاً تم افتتاح مركز التميز الدولي لمكافحة التطرف العنيف (هداية)في ديسمبر 2012، وتعتبر استضافة الإمارات لهذا المركز، تجسيداً لنبذ العنف وتعزيز مبدأ التسامح.
وأثنت على الجهود الإماراتية في تعزيز ثقافة السلام والتسامح، والتي تُـوّجت في الرابع من فبراير 2019، بتوقيع وإطلاق “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”، في لقاء جمع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، وذلك خلال استضافة أبوظبي، المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية، بتنظيم مجلس حكماء المسلمين، وبرعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله”، وفي اليوم نفسه، أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الاحتفالبـ”اليوم الدولي للأخوة الإنسانية”.


مقالات مشابهة

  • "أجيال السينمائي" ينطلق برسالة مؤثرة حول دور السينما في تعزيز التفاهم الإنساني
  • مهرجان أجيال 2024 ينطلق برسالة دعم لفلسطين وتعزيز التفاهم الإنساني من خلال السينما
  • الصليب الأحمر يناشد المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لإنقاذ الوضع الإنساني في غزة
  • كل الشواهد تؤكد: هل تشهد أوروبا فى ٢٠٢٦ منافسة «مصرية» خالصة بين صلاح ومرموش؟
  • مسؤولة أمريكية تزور الجزائر ومصر لتعزيز التعاون الإنساني ومكافحة الاتجار بالبشر
  • مسؤولة أميركية تزور الجزائر ومصر لبحث التعاون الإنساني في المنطقة
  • “الاتحاد” لحقوق الإنسان: الإمارات تعيش حالة عميقة من التسامح الإنساني
  • مسؤول في “البنتاغون”: اليمن أصبح يمتلك تكنولوجيا صناعة الصواريخ الباليستية التي تستحوذ عليها الدول المتقدمة فقط
  • هيئة إغاثة فلسطينية لـ«البوابة نيوز»: الوضع الإنساني بغزة «كارثي» والاحتلال يكذب