المؤتلف الإنساني.. صناعة عمانية خالصة
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
يحجز نوفمبر فـي الذاكرة الجمعية العمانية مساحة خاصة، تتقصى الذاكرة من خلالها مجموعة من المبادرات والأنشطة العملية، والممارسات الفعلية، والتي حملت فـي مضامينها الكثير مما يصعب حصره فـي مختلف شؤون الحياة العمانية اليومية، والحياة العالمية أيضا، وأهدت حمولتها الإنسانية للإنسانية جمعاء، مستلهمة ذلك من خلال مشروعها الحضاري الكبير الممتد عبر السنين، ومن ضمن الكثير مما أنجز هو مشروع عمان لـ «المؤتلف الإنساني» وهي مبادرة تبنى ووجه بنشر مفهومها، وتعميمها السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – وذلك: «لوضع نهج يعيد التوازن بين الصلاح والوصول إلى اقتراح منهج عمل يقدم للعالم المضطرب ليعينه على النهوض من جديد، واستشراف حياة متوازنة يعيش فـيها الناس على أساس الكرامة والحقوق الأساسية والأمان النفسي»- وفق ما تضمنه مصدر: https://www.
ويقينا؛ أكثر؛ أن تقارب حدثي المناسبتين: (16/11) يوم التسامح العالمي، و(18/11) اليوم الوطني العماني المنبثق منه مشروع المؤتلف الإنساني؛ هو تزامن مقصود، حيث أراد له مؤسسه – رحمة الله عليه – أن يحدث نقلة نوعية فـي الوعي الجمعي العالمي فـي كل ما يخص هذه الثيمة «الإنسانية» وهذا يؤكد أن النهضة العمانية المباركة؛ انطلقت من الثيمة ذاتها، ولا تزال تواصل نهجها القويم وفق المفهوم ذاته، وإذا كان السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – وضع الأسس القويمة والماكنة فـي بعديها الإنساني والمادي متوازيان فـي الانطلاقة والتأثير لتعزيز الدور الذي تقوم به هذه النهضة، فإن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه – يعمل جاهدا على تجديد مسيرة هذه النهضة بما يتطلبه الواقع العماني فـي زمنه الحاضر والمستقبل؛ لكي تواصل النهضة عطاءها الإنساني، سواء على امتداد الجغرافـية العمانية المباركة، أو بما يتأتى لهذه النهضة أن تسهم به فـي المشروع الحضاري العالمي، مساهمة عمانية خالصة، مؤطرة بذات خصوصيتها، ونهجها، وهويتها، بعدما تشعبت الهويات، وتناثرت الخصوصيات عند آخرين فقدوا بوصلة التوجيه، انعكاسا للاضطراب الذي تعيشه الكثير من الأنظمة السياسية دون غيرها، وتجبر شعوبها الحرة على الامتثال وتبني أفكارها الضاربة بالقيم الإنسانية عرض الحائط، فـي مشهد مؤلم حقا، أن تصل الإنسانية خذلان إنسانها إلى هذه الدرجة من التراجع والانزواء، فـي الوقت الذي يفترض أن تتسامى الأنظمة والحكومات على مظانها الخاصة، وتتوجه فـي مشروعاتها إلى كل ما من شأنها أن يرفع من قدر الإنسانية، ويعلي من صوت العدالة والحق والسلام، والتعاون والتكامل بين أمم الأرض.
تقف سلطنة عمان اليوم؛ كما كانت بالأمس، والأمس هنا هذا التاريخ الممتد عبر أزمنته التي أصلت الفعل العماني الداعي إلى الخير والأمان والسلام عبر تعاطيها مع الأمم فـي المشرق والمغرب، وعبر ما أصلته على امتداد جغرافـيتها الممتدة من محافظة مسندم إلى محافظة ظفار؛ وما بينهما من محافظات تستحم بعطاء غير منقطع، مستمدة بركة جهدها من القول المبارك من لدن رسول البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ «لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك» تقف بقيادتها الواعية المجددة لمبادئها وقيمها؛ وهي تنجز الـ (54) عاما من نهضتها المباركة؛ متجلية بإنسانيتها السامية، متخذة مواقفها الثابتة المعلنة وغير المعلنة من مختلف القضايا الإقليمية والدولية، مواقف الحياد، والانتصار للحق والعدالة، ونصرة المظلوم، ونشر سبل السلام، والعمل الدؤوب مع مختلف دول العالم على تعظيم العائد الإنساني فـي مختلف المجالات، معلنة موقفها من كل ما يدور فـي العالم من اضطراب غير مسبوق الذي تتبناه دول لا تزال تعزف على وتر الاستعمار البغيض؛ الذي لا يدع مساحة آمنة لكي تعيش فـيها الشعوب آمنة مستقرة، مؤصلة فـي ذات الوعي الذي يقاتل لنصرة الإنسانية؛ العقلية التقليدية التي كانت سائدة فـي القرون المتقدمة، والقائمة على مفهوم «قطاع الطرق» والحياة للأقوى، ومن لم يكن معي فهو ضدي – حيث شريعة الغاب المظلمة - مستحضرة ذلك الفهم الضعيف الذي ينازع الآخرين فـي أرزاقهم، وأمنهم واستقرارهم، مضربة بعرض الحائط بكل القيم والمبادئ والاتفاقات التي أجمع ووقع عليها المجتمع الدولي؛ إيمانا منه؛ بأهمية أن تعيش الإنسانية فـي أمن واستقرار، وراحة بال، متطلعة إلى بناء مجتمع دولي آمن، يسوده الاستقرار، والبناء والتعمير والتشييد لكل ما يصلح البشرية، ويعلي من قدرها الإنساني، ويحترم ذاتها، ويقدر طموحاتها وآمالها فـي بناء غد أكثر أمنًا واستقرارًا، عما كان عليه فـي زمن وجغرافـية سادها الجهل والظلم، والتي طواها النسيان بين غياهب الغيب.
إن عمان اليوم؛ أكثر رؤية استشرافـية لما سوف تؤول إليه نتائج الأحداث، ولما سوف تكون عليه الأحوال، ومآلات الأمور، لقناعاتها الراسخة؛ والتي كانت محل اختبار تواصل طوال مسيرتها المباركة؛ بأن شعوب العالم لن تكون فـي مأمن من تردي أوضاعها الإنسانية وفق المعطيات الحالية، للبشرية، وفـي مقدمته سلوكيات الكثير من الأنظمة السياسية المتعالية بغطرستها المادية الصرفة، فالمادة؛ على أهميتها؛ لا يمكن أن تؤسس واقعا إنسانيا رحبا فـي ظل تنافس غير متكافئ بين القوى الفاعلة على المسرح الدولي، إلا بالعودة إلى القيم الإنسانية الحاكمة، والضابطة لمختلف الممارسات والسلوكيات التي تجسر العلاقات بين مختلف الأطراف، وبدون هذه القيم ستظل الإنسانية ترزح تحت وطأة وقسوة كل التفاعلات التي لا تحتكم على قيم إنسانية خالصة؛ يؤمن بأهمية تطبيقها المجتمع الدولي بشعوبه المنحازة إلى إنسانيتها، والذي أقرها عبر منظماته ومؤسساته الداعمة، واستشرافات سلطنة عمان فـي هذا الاتجاه يتضح من خلال مواقفها الداعمة لمختلف القضايا الإنسانية، وفـي مقدمتها دعم ومساندة الشعب الفلسطيني الممتحن فـي قضيته المنتهكة حقوقها على أرضه، بواسطة الآلة الصهيوأمريكية التي تقدم الدعم الكامل والشامل للكيان الغاصب، والذي بدوره يصب جام غضبه وجبروت أسلحته المدمرة، والمخالفة للقوانين والأعراف الدولية، على شعب أعزل؛ لا حول له ولا قوة، وهو إن دافع؛ فإنه يدافع عن حقه المشروع فـي وطنه بما تجود به قدراته العسكرية، وإمكانياته الفنية المحدودة، وعسى أن تكون مباركة بفضل الله عز وجل.
إن تأصيل الحوار بين الشعوب لا يقوم على ترجيح كفة القوة الطاغية فـي كل مشروعاتها الاستعمارية، والمنتهكة لحقوق الإنسان، وللعدالة الإنسانية، والتوافق معها فـي كل اتجاهاتها وانتهاكاتها، وإنما يقوم على مجاهدة الباطل – مهما علا جبروته – وإلزامه بالتوقف عند حد معين، وبالتالي فمهما تطاولت هذه القوى باستعار واستعراض قوتها العسكرية والمادية فلن تدوم، وهذا ما تخبرنا به أحداث التاريخ ومجرياته على الأرض، ولذا يبقى للشعوب الحرة كلمة الفصل فـي خواتيم المعارك، مهما كلفها ذلك من دفع فاتورة قاسية إزاء مواقفها الرافضة للظلم والطغيان والذي وإن طالت مدته، فسوف يأتي اليوم الذي يسلم عهدته ويستسلم لمبادئ الحق والعدالة الإنسانية، فالأجيال ليست مستعمرة بأفكار متسلسلة منذ عهد الاستعمار إلى عهد الاستعمار، ولا بد أن تكون لها كلمة حق تعلنها فـي زمن ولحظة فارقة؛ وإن طال انتظاره، فكما للظلم زمن مستقطع من حياة الشعوب، كذلك للعدل زمن ملتحم أبدا، وهذا ما تأمل تحقيقه كافة الشعوب على اختلاف تبايناتها ومواقفها، وإيمانها بقضاياها التي لن تموت، وإن توارت الأجساد، وفق مفهوم الحياة والموت الساري على كل إنسان.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تقرير :مع اشتداد الحصار الإنساني .. سكان غزة يكافحون لإيجاد كسرة خبز
النصيرات (الاراضي الفلسطينية) "أ ف ب": في قطاع غزة المحاصر والمدمر جراء الحرب المستمرة منذ أكثر من 18 شهرا، أصبح الطحين عملة نادرة تتشارك العائلات الكميات القليلة المتوافرة منه للاستمرار فيما الجوع يتربص بها.
تجلس فلسطينيات على الأرض ويخلطن بتأن كميات الطحين القليلة.
وتقول أم محمد عيسى، وهي متطوعة تساعد في صنع الخبز بما توافر من موارد "لأن المعابر مغلقة، لم يعد هناك غاز، ولا طحين، ولا حتى حطب يدخل إلى القطاع".
منذ الثاني من مارس، تمنع إسرائيل بشكل تام إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المنكوب، متهمةً حركة حماس بالاستيلاء على هذه الإمدادات التي كانت تصل أثناء الهدنة المبرمة في 19 من يناير.
وقد استأنفت إسرائيل في منتصف مارس عملياتها العسكرية في القطاع.
وتحذر الأمم المتحدة من أزمة إنسانية متفاقمة في القطاع جراء توقف المساعدات لسكانه البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة.
وتفتقر المنظمات الإنسانية العاملة في غزة إلى السلع الأساسية من غذاء ودواء.
وتقول أم محمد عيسى إن المتطوعين لجأوا إلى حرق قطع الكرتون لإعداد خبز الصاج.
وتؤكد "ستحل المجاعة. سنصل إلى مرحلة لا نستطيع فيها إطعام أطفالنا". وسبق لمنظمات إغاثة دولية أن حذرت من مجاعة وشيكة خلال الحرب المتواصلة منذ 18 شهرا.
"الخبز ثمين جدا"
حتى نهاية مارس، كان سكان القطاع يقفون في طوابير كل صباح أمام مخابز قليلة كانت لا تزال تعمل، على أمل الحصول على بعض الخبز.
لكن، بدأت الأفران الواحدة تلو الأخرى توقف عملها مع نفاد مكونات الخبز الأساسية من طحين وماء وملح وخميرة.
حتى المخابز الصناعية الكبيرة الأساسية لعمليات برنامج الأغذية العالمي، أغلقت أبوابها بسبب نقص الطحين والوقود اللازم لتشغيل المولدات.
وقالت منظمة "المطبخ المركزي العالمي" الخيرية الأربعاء إن الأزمة الإنسانية تتفاقم يوما بعد يوم. وكتبت عبر منصة اكس "الخبز ثمين جدا، وغالبًا ما يحل محل وجبات الطعام العادية حيث توقف الطهي".
ومخبز هذه المنظمة الخيرية هو الوحيد الذي لا يزال يعمل في قطاع غزة وينتج 87 ألف رغيف في اليوم.
يقول رب العائلة بكر ديب البالغ 35 عاماً من بيت لاهيا في شمال القطاع "بنيت فرناً من الطين لأخبز فيه الخبز وأبيعه". وعلى غرار معظم سكان القطاع نزح ديب بسبب الحرب، وهو الآن في مدينة غزة.
لكنه يقول "هناك نقص حاد في الطحين الآن" مضيفا "هذا فاقم أزمة الخبز أكثر".
"مليء بالديدان"
توقف بيع الطعام في بسطات على جوانب الطرق فيما الأسعار في ارتفاع مستمر يجعل غالبية السكان غير قادرين على شراء السلع.
ظنت فداء أبو عميرة أنها عقدت صفقة رابحة عندما اشترت كيسا كبيرا من الطحين في مقابل مئة دولار في مخيم الشاطئ للاجئين في شمال القطاع.
لكنها تقول بحسرة "ليتني لم أشتره. كان مليئاً بالعفن والديدان. وكان طعم الخبز مقززاً". قبل الحرب، كان الكيس نفسه، زنة 25 كيلوغراماً، يُباع بأقل من 11 دولارا.
تقول تسنيم أبو مطر من مدينة غزة "نحن نموت حرفياً من الجوع". وأضافت، وهي تبلغ من العمر 50 عاماً "نحسب ونقيس كل ما يأكله أطفالنا، ونقسم الخبز ليكفي لأيام" مؤكدة "يكفي! فقد وصلت القلوب الحناجر".
ويبحث أشخاص بين الأنقاض عما يسدّ جوعهم، بينما يسير آخرون مسافة كيلومترات إلى نقاط توزيع المساعدات أملاً في الحصول على القوت لعائلاتهم.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن أكثر من 250 مركز إيواء في غزة افتقر الشهر الماضي إلى الطعام الكافي أو لم يتوافر لديه أي طعام على الإطلاق.
وتتهم حماس التي أشعل هجومها غير المسبوق في 7 أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل فتيل الحرب، الدولة العبرية باستخدام التجويع كسلاح في الحرب.
وقد طوّر سكان غزة قدرتهم على الصمود خلال هذه الحرب وعلى مر مواجهات سابقة مع إسرائيل، لكنهم يقولون في مقابلاتهم مع فرانس برس، إنهم غالبا ما يشعرون بأن هذه الطرق المبتكرة للتكيّف تعيدهم قرونا إلى الوراء.