الذكاء الاصطناعى ناقدًا أدبيًا؟
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
فى مقال سابق كتبت عن الذكاء الاصطناعى وإمكانية كتابته المسرحية، وهنا أريد أن أطرح هذا السؤال: هل يمكن للذكاء الاصطناعى أن يعزز فهمنا للأدب بكتابة نقد قيّم للأعمال الأدبية؟
هذا السؤال كان محور نقاش مثير فى جامعة هارفارد الأسبوع الماضي، حيث شاركت كل من الكاتبتين لورا كيبنيس وكلير مسعود فى حوار حول دور الذكاء الاصطناعى فى تحليل الأدب.
تحدثت الناقدة الثقافية والمؤلفة لورا كيبنيس عن تجربتها حين استأجرتها تطبيق ذكاء اصطناعى لتسجيل 12 ساعة من التعليقات على مسرحية روميو وجولييت لتدريب روبوت محادثة ليحاكى أسلوبها. يقدم التطبيق، مقابل رسوم، إمكانية قراءة كتاب كلاسيكى لمؤلفين كبار، وأضافت: «كانت المهمة هى انتاج محاضرة نقدية عن المسرحية تكون ممتعة أكثر من كونها عميقة وأكاديمية. لم تكن هناك معايير فأى شىء أردت التعليق عليه فى المسرحية، مهما كان هامشيًا، كان مقبولًا. كانوا يبحثون عن أصوات تكون فريدة وجذابة للقراء.»
ومع ذلك، لم تكن هذه التجربة خالية من الجدل. ففى حديثها، أوضحت كيبنيس أن التقنية لا يمكن اعتبارها محايدة، بل هى انعكاس للقوى الاجتماعية والسياسية التى تستخدمها. وأكدت أن الذكاء الاصطناعى لا يخلق العلاقات الاجتماعية، بل يعكسها. وأضافت: «إن استخدام هذه الأدوات يثير مخاوف من تأثيرها على المستقبل الثقافى والمجتمعى».
تجربة كيبنيس تمثل جزءًا من حركة أكبر تتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعى فى الأدب. تطبيق «Rebind»، الذى استخدمته لتسجيل تعليقاتها، يتيح للقراء التفاعل مع نصوص الأدب الكلاسيكى وكأنهم يدرسون تحت إشراف كبار الكتاب مثل مارغريت أتوود أو روكسان غاى. على الرغم من أن هذه الأدوات تقدم تجربة تعليمية مختلفة، فإن كلير مسعود، المحاضرة فى مجال السرد الأدبي، انتقدت هذا النهج بقولها أن الروبوتات الأدبية تفتقر إلى الابتكار الحقيقى. وقالت: «أعتقد أن المشكلة تكمن فى أن هذه الأدوات تنتج تفسيرات متشابهة تفتقر إلى العمق.»
كيبنيس، من جانبها، اعتبرت أن الذكاء الاصطناعى قد يوفر تجربة جديدة للقراء، خاصة أولئك الذين لا يتفاعلون عادة مع الأدب الكلاسيكى. بالنسبة لها، لا ينبغى أن نتوقع من هذه التكنولوجيا أن تكون بديلًا مثاليًا للإنسان، بل أن تقدم حافزًا جديدًا للقراءة والتفاعل مع النصوص.
ومع ذلك، تساءل الحضور خلال الجلسة حول قيمة هذا النوع من الأدوات فى المساهمة فى تحسين النظام التعليمي، خاصة فى المناطق المحرومة من هذه التسهيلات. وكان السؤال المهم هو: هل يمكن لهذه التكنولوجيا أن تملأ الفجوة التعليمية أم أنها مجرد وسيلة لتعظيم أرباح الشركات التى تقدمها؟
فى الختام، أظهر النقاش أن الذكاء الاصطناعى فى النقد الأدبى لا يزال فى مرحلة التجريب، ولايمكن الوثوق فى تحليلاته وتبقى هناك تساؤلات عدة حول مدى فعاليته فى إثراء فهم القراء للنصوص الابداعية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي دور الذكاء الاصطناعي مسرحية روميو وجولييت الذکاء الاصطناعى
إقرأ أيضاً:
الأدب والسنع في المجتمعِ العُماني
جابر حسين العُماني **
jaber.alomani14@gmail.com
يتميز المجتمع العُماني بالتزامه الراسخ بالتقاليد العربية ذات الجذور والقيم والمبادئ الإسلامية، مما يجعله في مصاف المجتمعات المتقدمة من حيث الالتزام بالمنهج العربي والاسلامي الموروث، والذي عرف في الأوساط العُمانية بـ"السنع أوالأدب" الذي يعد جزءًا لا يتجزأ من التراث العُماني العريق الذي توارثه العُمانيون عبر الأجيال، وهو مجموعة من الممارسات السلوكية والاجتماعية التي تهدف إلى التربية على الاحترام والتقدير والإجلال للآخرين بغض النظر عن خلفياتهم وتوجهاتهم ومعتقداتهم المختلفة، ويتجلى ذلك من خلال أن يعيش الفرد الشعور بالتواضع والكرم والاحتشام وغيرها من قيم التقدير والاحترام التي تنعكس في فنون التعامل الإنساني مع الآخر في شتى المجالات الإنسانية والاجتماعية.
ومن تلك الجوانب الموروثة التي تعلمها الإنسان العُماني وحافظ عليها، ولا زال يغرسها في أبنائه الكرام، وهي تعد من التربية على التقاليد والقيم الأصيلة، وهنا نتعرض لذكر خمس منها لنقف على أهم الجوانب التي شكلت الشخصية العُمانية الفريدة، وهي كالاتي:
أولًا: تقاليد الترحيب وحسن الضيافة؛ إذ لا يزال العُمانيون يهتمون بكرم الضيافة ويعتبرونه واجبًا أسريًا واجتماعيًا، فهم يهتمون بإكرام الضيف ودعوته لتناول القهوة وأكل التمر وأنواع الأطعمة والأطباق الشعبية المختلفة، والجلوس مع الضيف بتواضع واجلال، حتى يشعر بأن البيت بيته وهو ليس بالإنسان الغريب بل هو بين أهله وناسه. ثانيًا: تقاليد اللباس الوطني: يحرص العُمانيون على ارتداء الثوب العُماني الموروث الذي يعكس الهوية العُمانية والتراث الخالد لأهل عُمان، كما تتمسك المرأة العُمانية بالثوب الموروث مثل الوقاية "الحجاب" واللباس الساتر، ويعتبر الحفاظ على الثوب التقليدي للمرأة والرجل من ابرز سمات الموروث العُماني الأصيل الذي يرمز إلى الاحتشام والعفة والسداد. ثالثًا: تقاليد الحكمة والحوار: يتميز العُمانيون باختيار الحديث الهادئ وتجنب رفع الصوت أثناء الحوارات والنقاشات المختلفة، لذا عُرفت الشخصية العُمانية بهدوئها وعدم تدخلها فيما لا يعنيها من حيث احترام خصوصيات الآخرين، وهو أمر عظيم يعد من سمات الشخصية العُمانية الذي لا يزال إلى يومنا هذا سمة غالبة عرف بها أهل عُمان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمان أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ". رابعًا: تقاليد الحفاظ على التراث الشعبي: إن من أهم الموارد التي يعتمد عليها الإنسان العُماني في تنشئته هو الحفاظ على تراثه المجيد، فقد عُرفت سلطنة عُمان منذ القدم بقلاعها، وفنونها الشعبية، وحرفها التقليدية، وأكلاتها الشعبية، فما أجملها من تقاليد عُمانية تشعر الفرد العُماني بالفخر لما ورثه من تراث شعبي من آبائه وأجداده الكرام، وكما قيل في المثل الشعبي: "الي ماله أول ماله تالي". خامسًا: تقاليد آداب الاستقبال والمجلس: يحرص الفرد العُماني الأصيل في جلسته وقيامه في مجالس الرجال أن يكون جلوسه وقيامه بشكل لائق يعكس أدبه واحترامه للآخرين بطريقة تُظهر معدنه واحترامه وتقديره لمن حوله بحيث يبرز للجميع أخلاقه وشخصيته العُمانية الفذة التي تربى عليها، متجنبًا الحركات العشوائية التي قد تحرجه وتحرج الجالسين معه، فتراه إذا جلس يجلس ويداه على ركبتيه، وإذا صافح صافح بكلتا يديه ضاغطًا برفق على يد من يصافحه لزيادة الود والاحترام والتقدير.وقد ورد عن حفيد النبي الأكرم الإمام جعفر بن محمد الصادق قال: "إِنَّ اَلْمُؤْمِنَيْنِ إِذَا اِلْتَقَيَا فَتَصَافَحَا أَدْخَلَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَدَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، وَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى أَشَدِّهِمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ، فَإِذَا أَقْبَلَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا تَحَاتَّتْ عَنْهُمَا اَلذُّنُوبُ كَمَا يَتَحَاتُّ اَلْوَرَقُ مِنَ اَلشَّجَرِ".
وأخيرًا.. ونحن نعيش الأيام النوفمبرية المباركة بمناسبة العيد الوطني الرابع والخمسين يجدر بنا جميعاً أن نحافظ على هذه التقاليد المتمثلة في الإرث العُماني الأصيل المستمد من هويتنا الإسلامية المباركة، وقيم ديننا الحنيف، فهو أمانة عظيمة بين أيدينا، يجب الحفاظ عليها بالتمسك بالتقاليد والقيم الأصيلة التي تعكس ما جبلت عليه الشخصية العُمانية من سمو أخلاقها ودماثتها وحسن استقبالها وتعاملها مع الآخرين.
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
رابط مختصر