أدان ولى العهد السعودى الأمير "محمد بن سلمان" الإجراءات التى اتخذتها إسرائيل مؤخرا فى قطاع غزة، ووصفها بأنها إبادة جماعية، وجاء هذا فى أحد أشد الانتقادات العلنية التى وجهها مسؤول سعودي لإسرائيل منذ بداية الحرب. فقد أدان ما قامت به إسرائيل من هجمات على كل من غزة ولبنان، وعلى مواقع إيرانية وذلك خلال كلمته التى ألقاها فى مؤتمر القمة العربية والإسلامية الذى عقد مؤخرا فى الرياض.
فى الوقت نفسه حذر وزير الخارجية السعودى من أن عدم توقف الحرب فى غزة يمثل فشلا للمجتمع الدولي، متهما إسرائيل بالتسبب فى المجاعة بالمنطقة. وجاء تحذيره لكى يكشف الوجه القبيح للمجتمع الدولي الذى التزم الصمت، ولم يحرك ساكنا إزاء جرائم الحرب التى ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، فبدا غير عابئ بما يحدث. ولهذا بادر الأمير " فيصل بن فرحان آل سعود" بكشف المستور قائلا: "لقد فشل المجتمع الدولى فى الإنهاء الفوري للصراع، ووضع حد للعدوان الإسرائيلي".
ولا شك أن الحملة العسكرية التي شنتها إسرائيل على حماس كانت حملة جائرة لتدمير حماس، حيث قتل خلالها أكثر من 43 ألفا وأربعمائة فلسطيني فى غزة. وخلص تقرير صادر من مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من 70% من الضحايا الذين تم التحقق منهم على مدى ستة أشهر فى غزة كانوا من النساء والأطفال. كما أدان القادة فى القمة العربية والإسلامية ما وصفوه بالهجمات الإسرائيلية المستمرة ضد موظفى الأمم المتحدة ومرافقها.
الجدير بالذكر أن الكنيست كان قد أقر فى الشهر الماضى مشروع قانون لحظر وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين " الأونروا" من العمل فى إسرائيل والقدس الشرقية المحتلة متهما المنظمة بالتواطؤ مع حماس. وفى الوقت نفسه أعربت العديد من الدول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عن القلق الشديد بشأن هذه الخطوة التي تحد من قدرة الوكالة على نقل المساعدات إلى قطاع غزة.
أما انعقاد القمة العربية والإسلامية، فلقد جاء على خلفية عودة " دونالد ترامب" إلى البيت الأبيض بعد نجاحه مؤخرا فى الانتخابات الأمريكية. ولا شك أن قادة الخليج يدركون قرب " ترامب" من إسرائيل، ولهذا فهم يريدون منه استخدام نفوذه وشغفه بإبرام الاتفاقات لضمان إنهاء الصراعات فى هذه المنطقة لا سيما وقد صرح " ترامب" قبل جولة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة ــ والتى خرج منها ظافرا ــ بأنه جاء من أجل إنهاء الصراعات المحتدمة فى العالم تتصدرها الصراعات فى الشرق الأوسط.
فى المملكة العربية السعودية ينظر إلى الرئيس " ترامب" بصورة أكثر إيجابية من "جو بايدن"، إلا أن سجله فى الشرق الأوسط سيظل ملتبسا. فالعالم الإسلامي لا ينسى له موقفه من القدس، وهو الموقف الذى أسعد إسرائيل وأغضب العالم الإسلامى وذلك عندما اعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيونى، وكذلك دعمه لإسرائيل فى ضمها لمرتفعات الجولان. كما نجح "ترامب" فى إرساء اتفاقيات " إبراهام فى عام 2020، بموجبها أقامت الإمارات والبحرين والمغرب علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، كما وافقت السودان أيضا على إجراء مماثل. وجاء عنوان افتتاحية إحدى الصحف السعودية الرائدة "عصر جديد من الأمل.. عودة ترامب.. ووعد الاستقرار". ولا شك أن الجميع يأملون أن تكون عودة "ترامب" إلى رئاسة الولايات المتحدة عودة حميدة ينقشع من جرائها الغبار عن المنطقة، ويسود السلام والاستقرار.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
تخوفات من خطر العودة.. داعش يتربص في الصحراء السورية ويسعى للحشد وشن الهجمات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بعد نحو ١٤ عامًا من الصراع المنهك، سقطت حكومة الأسد فى أقل من أسبوعين. وقد جلب الانهيار المفاجئ للنظام شعورًا بالخوف يتزايد فى شمال شرق سوريا، حيث كان تنظيم داعش، يسيطر ذات يوم على مساحات شاسعة من الأراضي.
وفى حين فقدت الجماعة كل ما كانت تسميه ذات يوم خلافتها تقريبًا، فإن تهديدها لم يتبدد. بل على العكس من ذلك، نفذ تنظيم داعش ما يقرب من ٧٠٠ هجوم فى سوريا منذ يناير وفقا لحسابات تشارلز ليستر، مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب فى معهد الشرق الأوسط، مما يضعه على مسار مضاعفة معدل العام الماضى إلى ثلاثة أمثاله.
كما ارتفعت تعقيدات وقوة هجمات داعش هذا العام، فضلًا عن انتشارها الجغرافي. وبالإضافة إلى حملة داعش التى استمرت شهورًا من الهجمات على صناعة النفط فى سوريا، عادت شبكة الابتزاز سيئة السمعة التى أنشأها التنظيم أيضًا، مما منحه تمويلًا متجددًا ويشير إلى مستوى من الاستخبارات المحلية يدعو إلى القلق.
٩٠٠ جندي أمريكيلقد أنفقت الولايات المتحدة ما يقرب من عقد من الزمان فى مكافحة تنظيم داعش فى سوريا والعراق المجاور، مع وجود ٩٠٠ جندى أمريكى متمركزين فى سوريا يركزون على هذه المهمة. وفى هذه اللحظة الحرجة فى تاريخ سوريا، هناك حاجة إلى خطوات عاجلة لضمان عدم ضياع التقدم.
إن مكافحة تنظيم داعش ليست بالأمر السهل، وهى تتطلب مجموعة معقدة من الاستجابات المترابطة، وليس مجرد العمل العسكري. ففى نهاية المطاف، كان تنظيم داعش دائمًا أحد أعراض الفوضى التى أحدثتها الحرب الأهلية فى سوريا وليس سببًا لها. وهو يعتمد على عدم الاستقرار والمعاناة الإنسانية والمظالم المحلية لتغذية روايته، ودفع عمليات التجنيد وتبرير أفعاله. ولمنع تنظيم داعش من ملء الفراغات التى خلفها سقوط الرئيس بشار الأسد، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها استخدام كل أداة متاحة لمحاربة عودته.
لقد تخلت قوات نظام الأسد، التى كانت تحاول صد رغبة تنظيم داعش فى التوسع، عن مواقعها فى جميع أنحاء وسط سوريا. وقد سعى مسلحو ما يسمى بالمعارضة السورية بالفعل إلى ملء بعض هذه المساحة، لكن أعدادهم ضئيلة وقدرتهم على تنسيق حملة صحراوية معقدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية محدودة فى أفضل الأحوال.
رد فعل أمريكيجاء أول رد فعل أمريكي على هذا الفراغ المفاجئ يوم الأحد الماضي، عندما ضربت الطائرات الأمريكية أكثر من ٧٥ هدفًا لداعش فى جميع أنحاء وسط سوريا. وسوف يحتاج الجيش الأمريكى إلى البقاء يقظًا فى الأسابيع المقبلة، وعلى استعداد لضرب داعش حيث يسعى إلى حشد الموارد أو إعادة التجمع أو شن الهجمات.
لا يزال جزء كبير من سوريا عبارة عن تشابك من الميليشيات الفصائلية، ولكل منها مجموعة خاصة من الدوافع. على مدى السنوات الثمانى الماضية، دخلت الولايات المتحدة فى شراكة مع قوات سوريا الديمقراطية، وهو تحالف بقيادة الأكراد مهد الطريق لسقوط تنظيم داعش فى الرقة فى عام ٢٠١٧.
تواجه قوات سوريا الديمقراطية الآن لحظة وجودية محتملة. لقد استولى الجيش الوطنى السوري، وهو مجموعة ميليشيا منافسة مدعومة من تركيا، على بلدات استراتيجية من قوات سوريا الديمقراطية، وقد يكون الآن فى مرمى بصره مدينة كوبانى الكردية الرمزية. تم التوصل إلى وقف إطلاق النار بوساطة الولايات المتحدة بين هذين الفصيلين المتحاربين منذ أسبوع، لكنه هش.
اعتبارًا من يوم الجمعة الماضى، تظهر سيطرة قوات سوريا الديمقراطية الهشة على أراضيها علامات التعثر. انحدرت الاحتجاجات ضد قوات سوريا الديمقراطية فى الرقة ودير الزور إلى العنف والفوضى، مع تقارير عن إطلاق قوات سوريا الديمقراطية النار على المدنيين.
تعاون مهم للغايةيجب على الولايات المتحدة أن تتعاون بشكل مكثف مع قوات سوريا الديمقراطية لتثبيط التصعيد. سيتطلب هذا مراقبة عسكرية والمزيد من الدبلوماسية. كانت زيارة وزير الخارجية أنتونى بلينكن إلى أنقرة قبل بضعة أيام خطوة مهمة، ذلك أن تركيا تحمل العديد من المفاتيح فى هذا الصراع.
هذا الوضع - على الرغم من أنه مثير للقلق - يقدم أيضًا فرصًا جديدة للولايات المتحدة فى حربها ضد تنظيم داعش. لقد كانت القبائل والميليشيات العربية فى دير الزور تقاتل تنظيم داعش منذ عقد من الزمان، حيث إن جذورها تكمن فى المعارضة المسلحة المناهضة للأسد فى سوريا. وعلى افتراض أن الولايات المتحدة لن ترغب فى نشر قوات إضافية فى سوريا، فقد يكون هناك مجال للتعاون وشراكات جديدة.
فى خضم كل هذا التغيير وعدم اليقين تكمن أزمة المعتقلين فى شمال شرق سوريا، حيث يقبع عشرات الآلاف من سجناء داعش الذكور والنساء والأطفال المرتبطين بهم فى مرافق الاحتجاز التى تديرها قوات سوريا الديمقراطية.
يجب إعادة هؤلاء المعتقلين إلى مواطنهم الأصلية، ومحاكمتهم عند الاقتضاء على الجرائم التى ارتكبوها أثناء ارتباطهم بتنظيم الدولة الإسلامية. لكن العديد من الأطفال فى المخيمات يستحقون فرصة لحياة جديدة.
قد يفتح سقوط النظام مسارات جديدة لإعادة الأجانب المحتجزين فى هذه المخيمات أيضًا. لقد قام الأسد بتطبيع العلاقات مع العديد من البلدان فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهى البلدان التى ينتمى إليها جزء كبير من المعتقلين فى سجون ومخيمات قوات سوريا الديمقراطية.
إن تنظيم العودة بين جهة فاعلة غير حكومية لا يعترف بها الأسد وهذه الدول كان مستحيلًا أثناء بقائه فى السلطة. وحاليًا، يمكن تعزيز الجهود التى بذلتها وزارة الخارجية الأمريكية لسنوات لدفع أجندة الإعادة إلى الوطن.
فى نهاية المطاف، لا يوجد حل سريع لمشكلة داعش. ولكن إذا لم يتم اتخاذ بعض هذه الخطوات على الأقل، فقد يتفكك حلفاء أمريكا فى سوريا فى نهاية المطاف بسبب الانقسام الداخلى والهجمات الخارجية، مما يجبر الولايات المتحدة على الانسحاب العسكرى المتسرع. ومع عودة داعش إلى الظهور بالفعل واستعدادها لتلقى دفعة كبيرة، فإن رحيل الولايات المتحدة سيكون كارثيًا.
تأتى هذه التطورات الخطيرة لمستقبل سوريا فى لحظة قد تتغير فيها السياسة الخارجية الأمريكية فى المنطقة بين عشية وضحاها. لقد صرح الرئيس المنتخب دونالد ترامب بالفعل بأن الولايات المتحدة يجب ألا يكون لها "أى علاقة" بمستقبل سوريا. ولكن عدم القيام بأى شيء من شأنه أن يعطى الدولة الإسلامية فرصة للظهور مرة أخرى.