فيلم ميغالوبولس.. فانتازيا تمزج روما بنيويورك والخيال العلمي بالرومانسية
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
بعد انتظار محفوف بالترقب عاد المخرج الكبير فرانسيس فورد كوبولا وهو في الخامسة والثمانين من العمر محملا بإرث أفلامه ذائعة الصيت مثل العراب بأجزائه الثلاثة والقيامة الآن والمحادثة والجواد الأسود وتاكر وباغسي وغيرها ليقدم لجمهوره العريض فيلمه هذا، الباذخ إنتاجيا والذي قدم فيه خلاصة تجربته بعد أربعة عقود من التفكير والتحضير والإبداع.
الإبهار البصري في هذا الفيلم هو سيد المشاهد والتنوع في بناء وتركيب الصورة وفي بناء الديكور والخدع السينمائية واستخدام أحدث التقنيات الرقمية وصولا إلى الذكاء الاصطناعي وما كل ذلك إلا إسقاط على مدينتين هما روما ونيويورك.
وسبق أن وصف كوبولا الفيلم، الذي كتب نصّه أيضًا، بأنه آخر أفلامه، وقد خطرت له فكرته أثناء إنتاج فيلم "القيامة الآن" وهو هنا لا يتورع عن ملامسة واقع ومستقبل الإمبريالية الأمريكية، وقد صاغه على شكل: "ملحمة رومانية تدور أحداثها في أمريكا الحديثة"، حيث نقل عملية الإطاحة بحكام الإمبراطورية الرومانية، عام 63 قبل الميلاد، إلى المستقبل ومن خلال شخصيات أمريكية لكنها ترتدي الأزياء الرومانية في بعض الأحيان.
هذه الأرضية الدرامية والتاريخية والفانتازية الممزوجة بالخيال العلمي لوحدها تجعل من الصعب السيطرة على مسارات الأحداث ودوافع الشخصيات وبناء السرد السينمائي ولهذا ظل المخرج يتنقل بين أزمنة وأحداث متنوعة معقدة وشديدة الكثافة ما بين شخصياته.
هنا سوف نعود إلى سيزار كاتالينا – الممثل آدم درايفر وهو المعماري الحالم ببناء المدينة الفاضلة الجديدة بتصاميم تتعدى الخيال وهو المسنود بأباطرة المال والأعمال وأولهم وأبرزهم خاله هاميلتون كراسوس – الممثل الكبير جون فويت، فهو الشخصية النزقة الذي يتلاعب بالعقول والمشاعر ويعيش عالمه الخيالي الخاص والذي لا يخلو من مغامرات وجنون وصخب وفوضى وحتى في حياته الخاصة وعلاقته الملتبسة بزوجته المتهم بقتلها وانتهاء بالعلاقة الرومانسية المتشكلة مثل كولاج صوري تلك التي سوف تربطه بابنة عمدة المدينة جوليا – الممثلة ناتالي ايمانويل.
هذا الخليط من الشخصيات تتبعه حاشيات كثيرة ومتشعبة وكل منها يعبر عن نفسه بطريقة ما مختلفة ولهذا عج الفيلم بطبقات أدائية وتعبيرية تكاملت مع كثرة الشخصيات التي بعضها مؤدون وراقصون يملؤون ليل روما – نيويورك صخبا وأجواء مليئة بالمتع الشخصية والفكاهة والتآمر والنزعات الأنانية فيما يعزز كوبولا فيلمه بترصيعه بنجمين مهمين هما جون فويت وداستن هوفمان لكن يجمع أغلب النقاد أن ذلك الترصيع لم يكن ذا جدوى.
على أننا وخلال تلك الرحلة المتشعبة على جميع المستويات ونحن نعيش أجواء روما فيما تتساقط تماثيل نيويورك أو وهي تذوب مثل تماثيل الشمع في مقابل ذوبان واضمحلال أفكار سيزار، النجم اللامع والحاصل على جائزة نوبل وهو يرسم أفكارا تتقدم على زمنه إلا أنها تصطدم بعالم فوضوي من جهة ومنافسة ومناطق نفوذ من جهة أخرى ولكن ذلك لم يسهم كثيرا في رسم مسارات درامية مدهشة وذات جدوى.
وفي هذا الصدد يقول الناقد السينمائي بيلغ ايبيري في موقع فولتشر"إن هذا الحلم الأسمى لكوبولا، والذي كان يحاول إطلاقه منذ أربعة عقود، يحمل سُحبًا من التكهنات والتشكيك والجدل. يحمل الفيلم علامات كل السنوات التي قضاها كوبولا في محاولة صنعه، مع عناصر تبدو وكأنها قد تم ترقيعها من فترات مختلفة من مسيرته السينمائية، هنالك القليل من فيلم الأب الروحي هنا، والقليل من فيلم تاكر هناك، وغيرها.
عند مشاهدته، تشعر بخيال شخص بلغ سن الرشد في الخمسينيات، وكيف ينظر للتقدم العلمي والتصميم المبتكر وعجائب عصر الفضاء".
هذا النوع من السخرية المبطنة تجاه آخر أعمال كوبولا تجده حاضرا من خلال العديد من الآراء النقدية ومنه ما نشرته مجلة امباير الشهيرة في القول إنه "فيلم لديه منطقه وإيقاعه ولغته العامية الخاصة. تتحدث الشخصيات بعبارات وكلمات قديمة، تمزج بين شظايا شكسبير وأوفيد ثم الحديث باللاتينية المباشرة. تتحدث بعض الشخصيات بقافية، والبعض الآخر بنثر رفيع المستوى يبدو أنه ربما يجب أن يكون في شكل شعر. في نقطة ما، يؤدي آدم درايفر مونولوج "أن تكون أو لا تكون" بالكامل من هاملت. لماذا؟ لست متأكدًا تمامًا".
ربما كان الحديث عن الحوارات الفيلمية التي بدت وكأنها قادمة من خارج الزمن هو الذي نستنتجه من هذا الرأي بل نستطيع القول إن المخرج قد تعمد تلك الحوارات في سياق رسم شخصيات اغترابية بعيدة في كثير من الأحيان عن الواقع وربما لا تنتمي إليه كما أن الفيلم أغرق كثيرا في مشاهد استعراضية لم تضف كثيرا للأحداث وتذكرك بأحداث أفلام مثل بابيلون للمخرج داميان تشازل، وفيلم ذئب وول ستريت لمارتن سكورسيزي وفيلم حصل مرة في نيويورك للمخرج ترانتينو وفيلم باربي للمخرجة غريتا غيرويج وغيرها.
وربما نذهب بعيدا باتجاه الاقتراب من عوالم كوبولا الأكثر حسية وجمالية فهو هنا يقدم ما يشبه قصيدة سينمائية متشعبة وذات أصوات كورالية متعددة وطبقات صوتية وشخصيات متشابكة لكنها وفي الوقت ذاته تحمل ذلك النسق الشعري المحمل بالبؤس واليأس وتشيد بأولئك الذين يحلمون بالمستقبل المتجرد الخالص الذي يحاول الفكاك من النهايات القاتمة التي تنتظر الأمم في نهايات صعودها كمثل صعود روما ثم انهيارها وتاليا صعود نيويورك التي تغرق في التنابز والصراعات أو المضاربات وشبكات المصالح إلى درجة القول بأن هذا الفيلم يدور حول الأفكار أكثر من الناس؛ فكل شيء فيه يبدو غير واقعي وخيالي وليس بشكل تلقائي أو متدرج بل بشكل متعمد، وكأن الأمر برمته كان يجري داخل رأس صانعه.
ومن جهة أخرى هنالك ما يعرف بمؤامرات البلاط أو مؤامرات ذوي النفوذ والقوة الرأسمالية في مدينة غارقة في الثراء وهي نيويورك ولهذا لا تستغرب استغراق كوبولا في تتبع شخصية ملفتة للنظر وهي واو بلاتينيوم - تؤدي الدور الممثلة أوبري بلازا، وهي صحفية متخصصة بقطاع المال والأعمال وهي الجميلة العازمة على جمع الثروة والسلطة في يد واحدة ومقبلة على كل التحديات ولهذا وهي في طريقها للوصول إلى هدفها ذاك فإنها تبدأ كعشيقة سيزار، لكنها سرعان ما تتزوج عمه، هاملتون كراسوس - يقوم بالدور الممثل الكبيرجون فويت، أغنى رجل في المدينة.
الملفت للنظر ما قاله الناقد برايان تاليركو في موقع روجر ايبيرت الشهير: " لاشك أن فيلم كوبولا الأحدث بكل روعته الجنونية لا يعني أن كل مُشاهد سوف يحبه ويتفاعل معه، إنه باختصار نوع من الجنون السينمائي وفي الوقت نفسه نوع من التجوال في أحلام أحد أهم صناع الأفلام في كل العصور وهو المخرج كوبولا".
ربما تكون هذه الكلمة هي أبلغ ما يمكن أن نختتم به عن هذا الفيلم المتشعب الغارق في الخيال العلمي والمتشرب بتجارب كوبولا وكأنها بانوراما شاملة عما انطبع في عقله وخياله ولهذا كرس له تلك الأموال الطائلة التي زادت على 140 مليون دولار لغرض إنتاجه بنفسه ومن ماله الخاص.
...
سيناريو وإخراج/ فرانسيس فورد كوبولا
تمثيل/ آدم درايفر، ناتالي ايمانويل، جون فويت، شيا لابيوف، لورنس فيسبورن، داستن هوفمان
مدير التصوير / كيهاي مالامار
موسيقى/ اوزفالدو كوليجوف
الكلفة التقريبية 130 مليون دولار- شباك التذاكر 13 مليون دولار.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. إنتر المتراجع ضيفًا على برشلونة المتوهج
البلاد- جدة
يستضيف فريق برشلونة الإسباني نظيره إنتر ميلان الإيطالي الليلة، في ذهاب الدور نصف النهائي من دوري أبطال أوروبا.
يدخل إنتر ميلان المواجهة مهددًا بموسم صفري، بسبب نتائجه السلبية في الآونة الأخيرة، بعدما كان مرشحًا لتحقيق ثلاثية وتكراره إنجاز العام 2010.
جاءت مواجهة برشلونة الشاقة في أسوأ توقيت لإنتر الذي خسر مبارياته الثلاث الأخيرة في مختلف المسابقات، دون أن يسجل أي هدف، منذ بلوغه دور الأربعة للمسابقة القارية على حساب العملاق البافاري بايرن ميونيخ الألماني (4-3 بمجموع المبارتين).
منحت هذه الهزائم الثلاث، وخصوصًا خسارتيه في الدوري مطارده المباشر نابولي الصدارة بفارق 3 نقاط مع تبقي 4 مراحل، فيما أخرجته الخسارة المدوية أمام جاره ميلان (0-3) في إياب نصف النهائي مسابقة الكأس المحلية.
ويبدو فريق المدرب سيموني إنزاغي مرهقًا، ويفتقر إلى الأفكار الهجومية، حيث خسر مباراة الأحد على أرضه أمام روما 0-1 أمام جماهير “جوزيبي مياتسا” المُنهكة، والتي كانت مختلفة تمامًا عن الأجواء الصاخبة التي صاحبت فوزه المثير على بايرن ميونيخ قبل أسبوعين.
آخر مرة خسر فيها إنتر 3 مباريات متتالية دون تسجيل أي هدف، كانت في عام 2012 خلال الفترة المحبطة بقيادة مدربه كلاوديو رانييري.
وكانت آخر خسارة لإنتر أمام روما في أكتوبر 2022، وبعد 3 أيام من تلك الهزيمة، فاز إنتر على برشلونة 1-0 في طريقه إلى المباراة النهائية في ذلك الموسم في إسطنبول، التي خسرها أمام مانشستر سيتي.
وكان برشلونة خصم إنتر في نصف النهائي قبل 15 عامًا، عندما كان الأخير بإشراف المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو وحقق الثلاثية بعدما تفوق على روما بقيادة رانييري وقتها في الدوري، قبل أن يحقق التتويج بلقب المسابقة القارية العريقة.
يوم راحة أقل
حصل إنتر أيضًا على يوم راحة أقل بعد تأجيل مباراته مع روما إلى الأحد بدلاً من السبت، ما منح المدافع الفرنسي بنجامان بافار وقتًا أقل للتعافي من التواء في الكاحل تعرض له في الدقيقة 13 من مواجهة روما.
وما يزيد صعوبة مهمة إنتر، حامل اللقب 3 مرات، أن برشلونة يعيش حالة من النشوة، بعد تتويجه بلقب كأس الملك بفوزه على غريمه التقليدي ريال مدريد 3-2 بعد التمديد السبت، في ثالث هزيمة يلحقها بالنادي الملكي هذا الموسم في مختلف المسابقات.
ويأمل إنزاغي أن يكون مهاجم الفرنسي ماركوس تورام متاحاً، حيث لم يقدم بدلاؤه أي أداء يُذكر، إلى جانب القائد الدولي الأرجنتيني لاوتارو مارتينيز الذي بدا منهكًا ومحبطًا.
وكان مارتينيز عنصرًا أساسيًا في وصول إنتر إلى نصف النهائي، حيث حسمت أهدافه مكانه في المراكز الثمانية الأولى في دوري المجموعة الموحدة، ثم قاد فريقه إلى دور الأربعة.
سجل اللاعب البالغ من العمر 27 عامًا 7 أهداف في 5 مباريات بدوري أبطال أوروبا منذ بداية العام، أي نصف إجمالي أهدافه في تلك الفترة.
سجل في مباراتي الذهاب والإياب ضد بايرن ميونيخ، وظل في حالة رائعة حتى بعد أدائه المميز ضد بطل ألمانيا قبل أسبوعين، عندما بدا إنتر في قمة مستواه.
لكن إنتر يسعى جاهدًا الآن لإنقاذ ما بدا وكأنه موسم أحلام، لكنه قد يتحول بسرعة إلى كابوس.
برشلونة وحلم الرباعية
من جهته، يدخل برشلونة المواجهة بمعنويات عالية، عقب تتويجه بلقب مسابقة كأس الملك على حساب غريمه التقليدي ريال مدريد، هو الثاني له في موسمه الأول بقيادة مدربه الألماني هانزي فليك بعد الأول على حساب النادي الملكي أيضا في مسابقة كأس السوبر المحلية مطلع العام الحالي في مدينة جدة السعودية.
وسيحاول النادي الكاتالوني استغلال عامل الأرض لمواصلة مشواره في المسابقة، التي توج بلقبها للمرة الخامسة الأخيرة قبل 10 أعوام، وسعيه لتحقيق الرباعية؛ كونه يتصدر الليغا بفارق 4 نقاط عن ريال مدريد قبل 5 مراحل من نهاية الموسم.
ويدرك برشلونة جيدًا أن مهمته لن تكون سهلة في مواجهة إنتر، الذي أطاح العملاق البافاري من ربع النهائي، كما أنه يعي جيدًا أن بطل إيطاليا يختلف كليًا عن بوروسيا دورتموند الألماني، وصيف المسابقة الموسم الماضي، الذي عانى النادي الكاتالوني أمامه في ربع النهائي رغم فوزه الكبير عليه 4-0 ذهابًا، حيث خسر 1-3 إيابًا.
ويخوض فليك المباراة في غياب هدافه الدولي البولندي روبرت ليفاندوفسكي بسبب الإصابة، لكنه يملك أسلحة هجومية فتاكة بقيادة صانع الألعاب بيدري، والجناحين لامين جمال والبرازيلي رافينيا.