لجريدة عمان:
2025-03-31@22:58:37 GMT

أمّ النور وبطاطا الظلمات!

تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT

«أنا قابلة وأعرف أنّ الكائن البشري ينمو كالبطاطا فـي الظلمات»، يأتي إلى العالم منذورًا لمصير ما؛ ليعيش، ليحب، ليتعارك ومن ثمّ ليموت. يأتي عاريًا كدودة، ليبحث عن معنى لوجوده.

فـي الحقيقة لم أقرأ من قبل عن حياة «القابلات»، تلك القصص التي تعجُ بذكر الملاقط، حمى النفاس المُهلكة ومواجهة تشوهات الطبيعة، إلا أنّ هنالك من كانت تُفتش عن مشيمات النعاج المقتولة، لتأمل السائل الذي يسبحُ فـيه نسلها، أو تراقب خروج الرؤوس ثم الأذرع اللصيقة بالأكتاف.

تلك المراقبة التي تُولد شرارة الخبرة الأولى.

إنّها قصّة «القابلة» التي تجد مخطوطات خالة أمّها «فـيفا» القابلة أيضًا، فـي الشقة التي ورثتها عنها كما ورثت المهنة، حيث أجرت حوارات مع قابلات ولدن فـي القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين. تصف تلك النصوص الصعوبات التي تواجهها القابلة لمجرد أن امرأة ماخض فاجأها الطلق.

المخطوطات أشبه بدفتر تمارين أسلوبية مليئة بالتناقضات، وربما لهذا السبب لم تنشر، بحسب الرد الذي وصل من دار النشر عام ١٩٨٨.

لقد نُبهت الخالة إلى أنّها مخطوطات مُتنافرة، لكنها أجابت بأنّ العالم بات أكثر انفتاحًا على السرود الفوضوية غير الهيكلية.

عندما دُعي الآيسلنديون لانتخاب أجمل كلمة فـي لغتهم، اختاروا كلمة «قابلة»، الكلمة التي تجمع بين مفردتين أمّ ونور، «أم النور»، هكذا يقتربُ كتاب «الكلمة الأجمل» للآيسلندية أودُرافا آولافسدوتير، ترجمة محمد آيت حنّا، دار الآداب، لواحدة من أخطر التجارب فـي حياة الإنسان: «تجربة أن يُولد، ثمّ أن يعتاد الضوء».

والغريب حقًا أنّ والديّ «القابلة» يعملان فـي دفن الموتى، إذ تزدهر أعمالهما ما دام لا بد للجميع من الموت، فالحياة ليست أكثر من عود ثقاب يتوهج برهة من الزمن وحسب، ولذا فالمهنتان المتضادتان ظاهريًا تختزلان قصّة هذا الكائن الغائص فـي بِرك البدء، والذي ينسى أنّ حياته تقع بين ظلمتين.. النور بينهما قليل.

تقضي القابلات ساعات طوال بالقرب من المواخض، فإن تأخرن تغوص إحداهن فـي قراءة كتاب، فـي الغالب سيكون شعرًا، تقرأ بصوت مرتفع. ذات مرة اشتكى زوج إحداهن لأنّ القابلة قرأت عن ألم الفقد، بينما الكثير من النساء يُواسيهن الشعر، يُذكرهن أنّهن لسن الوحيدات اللاتي يألمن.

يتأخر حضور بعض المواليد لأسابيع، بينما بعضهم يأتي قبل الموعد. آذانهم كحبة البازلاء وشبكة العروق تُغطي جلدهم الرقيق. ترى القابلات أنّهن يلدن فـي أحلامهن وإن لم يكن متزوجات. يقلقن من موت الأمهات فـي رحلة الولادة، فهنالك إحصائية تقول إنّ ٨٣٠ امرأة تموت كل يوم.. يبدو الأمر وكأنّ أربع طائرات تسقط بركّابها كل يوم!

تُعرج فوضى المخطوطات على ذكر الإنسان الذي يضطهد الذين يُخالفونه الرأي مُتناسيًا أنّه جاء إلى العالم بطول ٥٠ سنتيمترًا تقريبًا، فـيغدو قابلًا لأن يرتكب أشر الشرور فـي حق بني جلدته وفـي حق الطبيعة. يقلقُ من الغد، ومن ألا يُحبّ، ومن أن يكون وحيدًا أو غير مفهوم. يتوهم غروره أنّ العصافـير تغني له، لكن الغابات فـي حقيقتها تُواصل نموها وتزدهر مملكة الحيوانات حتى بعد فنائه.

لكي نفهم ضآلة الإنسان، علينا أن نقيس عجزه فهو بحسب الخالة «فـيفا»، يستغرقُ وقتًا أطول من باقي الكائنات لينضج. فبينما تقفُ الحملان فور ولادتها يحتاجُ البشري إلى اثني عشر شهرًا للقيام بخطوات مترنحة، وعامين ليكتسب ١٥ كلمة، وبينما يتمكن من القفز على قدم واحدة تكون النحل والعناكب قد تعلمت رقصاتها الأشد تعقيدًا.

وعندما تطرد الفقمة صغيرها وتنهره بأنيابها، يكتفـي صغير الإنسان بالنوم والرضاعة والإخراج. يتعلم البشري الذهاب إلى البقالة، بينما تُهاجر الطيور من قطب لآخر. «فالإنسان أهشّ من آنية خزف أو من قشرة بيض، فهو لا يُشفى أبدًا من كونه وُلد». نقاط ضعف الإنسان هي عينها نقاط قوته، فهشاشته عن باقي المخلوقات ومزاجه غير القابل للتوقع أبدًا، هو ما دفعه للتطور. وتؤكد الخالة «فـيفا» التي تبتهج بكل ما ضؤل وصغر.. أنّ من سيحظى بالنجاة منّا هم: الذين يحتفظون بروح الطفل، ويستمتعون بالنفخ على بذور الهندباء ويقدرون على الاندهاش.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

«الاتحاد لحقوق الإنسان» تشيد بدور الإمارات للقضاء على الهدر

أبوظبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة عمر بن زايد يهنئ رئيس الدولة ونائبيه والحكام بعيد الفطر المبارك الشيخة فاطمة تهنئ قرينات قادة الدول العربية والإسلامية بعيد الفطر المبارك

أشادت جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان، بالمكانة الريادية المرموقة التي تنتهجها الإمارات في القضاء على الهدر عبر أجندة الاقتصاد الدائري 2031، التي تستهدف تطوير 22 سياسة في مجالات الإنتاج والاستهلاك المستدامين للغذاء، والنقل والتصنيع المستدام، بما يتماشى مع الأجندة الوطنية الخضراء 2030، ومئوية الإمارات 2071.
قالت الجمعية: احتفاءً باليوم الدولي للقضاء على الهدر، الذي يوافق 30 مارس كل عام، فإن سياسة الإمارات للاقتصاد الدائري 2021-2031 تمثل إطاراً شاملاً لتعزيز أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدام التي تقلل من الإجهاد البيئي، وتوظيف أساليب وتقنيات الإنتاج الأنظف في الصناعة، وتعزيز الإنتاج المتجدد، وتبني أساليب تقليل الهدر.
وأضافت: عززت الإمارات جهودها من خلال تشكيل مجلس الإمارات للاقتصاد الدائري، عام 2021، ويتولى الإشراف على إعداد آلية تطبيق سياسة الاقتصاد الدائري بالتنسيق مع الجهات كافة، واعتماد مؤشرات الأداء، وتشجيع مشاريع الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وتعزيز الشراكات الدولية على المستوى العالمي.
وتطرقت الجمعية إلى الاستراتيجية الصناعية في أبوظبي التي تتضمن إعداد إطار تنظيمي جديد للاقتصاد الدائري الهادف لخفض 50% من نسبة نفايات العمليات الصناعية، بما لا يقل عن 40,000 طن سنوياً، لضمان الامتثال بنسبة 100% بحلول عام 2030، وتحقيق امتثال بنسبة 100% في الصناعات البلاستيكية بحلول عام 2025. مشيرةً إلى أن أبوظبي تضم أكثر من 30 مركزاً متطوراً لإعادة التدوير والمعالجة، بما يتجاوز المتوسط العالمي لإعادة استخدام النفايات الصناعية.
وبيّنت أن الدولة أطلقت عام 2022 (خريطة طريق المبادرة الوطنية للحد من فقد وهدر الغذاء «نعمة») التي تهدف إلى الحد من فقد وهدر الغذاء بالدولة بنسبة 50% بحلول عام 2023. وتمكنت المبادرة عام 2024 من تحويل 612 ألف كيلوجرام من الغذاء بعيداً عن مكبات النفايات، وإنقاذ وإعادة توزيع 367.450 كيلوجراماً من الغذاء الفائض، استفاد منها أكثر من 450 ألف شخص.
المبادرات
عدّدت المبادرات الإماراتية، منها «صفر غذاء إلى مكب النفايات» لفصل المواد الغذائية وإعادة توظيفها وإعادتها إلى الطبيعة. موضحةً أن «استراتيجية الحد من الفَقْد والهدر في الغذاء»، بأبوظبي، تشكّل أحد عناصر دعم الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051. وجاء إطلاق «بنك الإمارات للطعام» للمساهمة في الحد من هدر الغذاء وإعادة توزيع الطعام الفائض. وهناك العديد من المبادرات الأخرى المماثلة، منها: «حفظ النعمة» و«وفاء» و«ثلاجة الأسماك» و«الحدائق الكروية».
«تحدي الأثر المستدام»
وأثنت الجمعية على مسابقة «تحدي الأثر المستدام» التي أطلقها الصندوق الوطني للمسؤولية المجتمعية «مجرى» في فبراير 2025 بقيمة 600 ألف درهم؛ لتكريم المشاريع الاستثنائية المعالجة للتحديات الملحة، وترك بصمة على خريطة الأثر المستدام للإمارات.

مقالات مشابهة

  • الإنسان العراقي.. حروب وأزمات مستمرة تدخله مرحلة الانفجار النفسي
  • حسام موافي: قطيعة الوالدين تؤثر على الإنسان دينيا ونفسيا
  • بالأسماء.. الحكومة السورية الجديدة تبصر النور
  • «الاتحاد لحقوق الإنسان» تشيد بدور الإمارات للقضاء على الهدر
  • خبير: لا توجد مواد غذائية تبطئ الشيخوخة
  • «القومي لحقوق الإنسان» يهنئ الرئيس بعيد الفطر
  • لن يقول لك وداعا.. هل يقع الإنسان في حب الروبوت؟
  • قرار بإعادة تعيين مديري إدارات بـ”هيئة الإذاعة والتلفزيون”
  • لنعد إلى إنسانيتنا
  • دواء لمرض نادر يحول دم الإنسان إلى سم للبعوض