لجريدة عمان:
2024-11-17@18:41:19 GMT

عيدنا الوطني بين نهضتنا الحديثة والمتجددة

تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT

لا شك أن الاحتفال اليوم الثامن عشر من نوفمبر، بذكرى عيدنا الوطني الرابع والخمسين، يجسّد النهضة العمانية التي عمّت كل أرجاء بلادنا، وتزداد حراكًا ونشاطًا في مسيرتها المتجددة، التي يقودها جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- لتواكب كل ما من شأنه رفعة هذا الوطن العزيز ورقي شعبه، وهذه المسيرة -كما أشرنا- تتسم بالتوازن بين التطلع لكل ماهو جديد في هذا العصر من علوم ووسائل، وبين التمسك بالهوية الوطنية وقيم المواطنة الثابتة.

وقد أكدت النهضة الحديثة والمتجددة على أهمية التفاعل مع العصر مع الحفاظ على الإرث التاريخي الذي يعد الرصيد الإيجابي الذي نعتز به بلادنا، لكونه الاستمداد المعنوي لحركة النهضة ومعطياتها الحديثة، وهذا التوازن القويم هو أساس نجاح التوجهات النهضوية العمانية وتماسكها في مواجهة التحديات والتغيرات، التي جرت وستجري في عالم اليوم، من تقلبات عصفت بأمم وشعوب كثيرة، أخذت المنهج الأحادي الشمولي، ونبذت القيم، فكان مصيرها متحف التاريخ. فمنهجية التوازن بين التفاعل مع العصر والحفاظ على القيم والثوابت والإرث التاريخي جعلت النهوض العماني، يمشي في تدرج محسوب وسير مرسوم بلا منغصات أو انحدارات تقّوض ما تم إنجازه واستلهامه من التقدم والتحضر، ليضاف إلى هذا البناء التماسك القومي، ولذلك فإن النهضة العمانية، لم تعرف الثنائيات المتناقضة كما وجدت بعض الأمم كالتناقض بين الأصالة والمعاصرة.. بين القديم والحديث.. بين الثابت والمتغير.. بين التراث والعصر، هذا الالتئام عزز هذه النهضة، وأعطاها مداها واتساعها وقوى بنيانها لتكون أكثر استيعابًا لمنجزات الحضارة وفي نفس الوقت أقدر استلهامًا لقيم التراث وخاصة التراث الحي في وجدان الأمة.

وقد أكد جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ وفقه الله ـ في خطابه في العيد الوطني الخمسين على هذا التوجه الذي سارت عليه نهضتنا الحديثة والمتجددة، وقال جلالته في خطابه: إنها تمكنت من بناءِ نهضةٍ عصريةٍ جعلت الإنسان محور اهتمامها، وقد شَكّلَ إرثُنَا التاريخي العريق، ودورُنَا الحضاري والإنساني الأساسَ المتين لإرساء عملية التنميةِ التي شملتْ كافةَ ربوعِ السلطنةِ على اتساعِ رُقعَتِها الجغرافيةِ لتصلَ منجزاتُها لكلِّ أسرةٍ ولكلِّ مواطنٍ حيثُما كانَ على هذه الأرضِ الطيبة ورسّخَتْ قواعدَ دولةِ المؤسساتِ والقانون، التي سيكونُ العملُ على استكمالِها وتمكينِها، من ملامح ِالمرحلةِ القادمةِ بإذن ِالله. وسنواصلُ استلهامَ جوهرِ المبادئِ والقيمِ ذاتـِها، في إرساءِ مرحلةٍ جديدةٍ، تسيرُ فيها بلادُنا العزيزةُ -بعون ِالله- بخطىً واثقةٍ نحوَ المكانةِ المرموقةِ، التي نصبو إليها جميعًا مكرّسينَ كافةَ مواردِنا، وإمكانياتِنا؛ للوصولِ إليها، وسنحافظُ على مصالحِنا الوطنيةِ باعتبارِها أهمَّ ثوابتِ المرحلةِ القادمةِ التي حددتْ مساراتِها وأهدافـَها «رؤيةُ عُمان 2040» سعيًا إلى إحداثِ تحولاتٍ نوعيةٍ في كافة مجالاتِ الحياةِ، مجسدةً الإرادةَ الوطنيةَ الجامعة». فدعوة النهضة العمانية هي دعوة إلى التفاعل مع العصر والدعوة إلى استلهام التراث واستيعابه لا تعني العودة إليه بالمعنى الزمني، وإنما تعني الأخذ بنمط حضاري يمدنا بالقوة والمعرفة وقادر على تحقيق تطلعات الأمة وطموحاتها.. فالعودة إلى الماضي لا تعني الهروب من مسؤوليات الحاضر وتحدياته.. وإنما هي عملية واعية لتحقيق الوجود؛ لأن التاريخ هو الذي يمتطي صهوة الحاضر وعدته، وأن المجموعة البشرية التي تنفصل عن تاريخها، فإنها تقوم بعملية بتر قسري لشعورها النفسي والثقافي والاجتماعي وسيفضي هذا البتر إلى الاستلاب والاغتراب الحضاري. والتوازن الذي حققته النهضة العمانية كان أكثر اتساقا مع الذات، وأقوى ارتباطا مع الواقع؛ لأن هذه المعادلة العقلانية المتوازنة جمعت بين الثوابت والمتغيرات.

والنجاح الباهر الذي حققته الحضارة العربية الإسلامية في أوج ازدهارها قبل قرون، كان العامل الأول في هذه المكانة العالمية والانتشار العظيم لمنهجها العلمي والقيمي هو توازنها الدقيق بين معايير القيم ونوازع الابتكار والتفوق، وبين ما يتم أخذه من الآخر وما يتم تركه وإهماله، وقد عمدت إلى الوسطية والاعتدال والتوازن، ولذلك عمد الإسلام إلى إقامة مفهوم كامل للحضارة بطريقة متوازنة قوامه الحركة المادية والمعنوية، وفي نفس الوقت الإحاطة بالقيم والأخلاق، واتسمت هذه الحضارة بالسماحة والإنسانية والعالمية، واستخلصت كل ما كان في تراث الأمم والحضارات القديمة، فصهرت الجوانب الصالحة منه في بوتقتها، واحتفظت بخصوصيتها وتراثها الأصيل كسياج من المؤثرات غير الذاتية، وهذه كلها معطيات إيجابية شددت عليها النهضة العمانية الحديثة، واعتبرت أن التوازن والتدرج المحسوب سمة من سمات التقدم الإيجابي بعيدًا عن حرق المراحل أو القفز على الواقع وثوابته.

فالثوابت، كما يقول المفكر العربي أنور الجندي «إطار والمتغيرات حركة داخلة، وهذا يعني وحدة الأصل وتعدد الصور، فمثلًا الكون في صورته العامة وإطاره الواسع ثابت لكنه ـ بقدرته سبحانه ـ دائب الحركة بين ليل ونهار، شمس وقمر، صيف وشتاء وهكذا فترابط الثبات بالحركة في منهج المعرفة الإسلامي قانون أصيل شأنه شأن قانون التكامل والوسطية والتوازن، وهذا الثبات ليس بمثابة الجمود أو التوقف، لكنه بمثابة علامة الطريق التي تحول دون الوقوع في التيه، وفي مجال الفكر يكون هذا الإطار عاصمًا من التخلف أو الانحراف، وهو معين على تنوع المضامين الفكرية داخلًا عصرًا بعد عصر، فلا تزال الأمة قادرة على حمل رسالتها، وحماية أمانتها، فإذا ذهب الثبات تحطم الإطار وفقد الرباط الذي يجمع بين الأمس والغد، هذا الإطار الثابت يتمثل في مجموعة القيم التي يقوم عليها بناء الأمة والذي تستمده من عقائدها وأخلاقها وذاتيتها وطوابعها المتفردة». وينبغي من هذه المنطلقات أن تكون للنهضة صلتها بالماضي من منطلق الاستلهام لا التجاوز أو القفز على مضامينه النيّرة التي يمكن أن تجسد تطلعات الأمم في استخراج الكثير من العبر والإضافات التي أنجزها الأسلاف، وكانت خير معين لهم في نهضتهم السالفة، وما حققوه من إنجازات، وهذا ما يدفعنا إلى ضرورة التمييز بين غاية النهضة ومضمونها، وما يقتضيه من الالتحام بالآخر وبين منابع النهضة وحسها التاريخي، أي مرتكزات قوتها الأساسية، وهو الجانب المتعلق بالهوية والتراث.

فعندما انطلقت النهضة العمانية الحديثة في عُمان رسمت الملامح الأساسية لهذا التحرك نحو المستقبل بظلال الحاضر، ووازنت بين ما يجب أخذه وما يجب تركه، بين الأخذ بتكنولوجيا العصر والعناية برصيد التراث، مع التفاعل مع الحضارات الإنسانية وفق المصالح المشتركة، وبين الاستمساك بالخصوصية والهوية الذاتية، والأهم أن تكون المصلحة العامة، هي المعايير في تنفيذ كل السياسات التي تنفذها الجهات المعنية، بتطبيق الخطط والبرامج، فهذه المنجزات هي ملك لعمان كلها، والأمانة والإخلاص، تتطلب الحفاظ على الإنجازات التي تحققت في كل المجالات والمسارات، بما فيها المنجزات التي تحققت في نهضتها عُمان الحديثة، أو التي تحققت وستتحقق في نهضتها المتجددة، وأن تكون التطبيقات لهذه المهام الموكلة لجهات الاختصاص في غاية الدقة والأمانة، وأن تكون عُمان هي الهدف والمسعى لكل إنجاز تحقق ويتحقق على هذه أرضها الطيبة. فتحية للقائد العظيم في هذا اليوم الوطني المجيد، وتحية للشعب العماني محور هذه النهضة ومحركها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النهضة العمانیة التفاعل مع أن تکون

إقرأ أيضاً:

لتدريب الطلاب.. رئيس جامعة سوهاج يبحث التعاون مع شركة متخصصة في الزراعة الحديثة

استقبل الدكتور حسان النعماني رئيس جامعة سوهاج، وفد شركه نيو هوب New hope العالمية وهي احدي الشركات الزراعية الصينية الموجودة على أرض مصر، وذلك لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك في مجالات التدريب والبحث العلمي.

وحضر اللقاء، جن اي تساي مدير عام الشركة، وهان مدير  مبيعات الشركة، ايهاب وشافعي مساعد مدير مبيعات شركه نيو هوب بني سويف، والدكتور زينهم شيخون وكيل كلية الزراعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة.

واكد "النعماني"، ان الجامعة تسعي بصفة مستمرة الي تعزيز التعاون المشترك مع كافة الدول في المجالات العلمية والبحثية بهدف خدمة العملية التعليمية بالجامعة، واثراء البحث العلمي.

وثمن العلاقات الاستراتيجية التى تجمع بين مصر والصين، موضحاً أنه برغم تنوع زيارات الوفود الاجنبية لجامعة سوهاج، إلا أن هذه الزيارة هى الأولى من نوعها فى هذا التخصص وهو التخصص الزراعي.

وقال "النعماني" ان اللقاء تناول، بحث أوجه التعاون المشترك بين الجامعة والشركة من خلال توقيع بروتوكول تعاون بعد اتخاذ كافة الإجراءات المتبعة.

واوضح أن التعاون سيركز على إعداد كوادر متخصصه لتعليم وتدريب طلاب كلية الزراعة بالشركة، وهو ما سيعكس الجهد الكبير المبذول في ربط الجانب النظري بالواقع الميداني، الي جانب تعزيز مهارات الطلاب وتجعلهم أكثر استعداداً لدخول سوق العمل.

محافظ سوهاج يستقبل رئيس اللجنة العليا للمصالحات بالأزهر الشريف جامعة سوهاج تنظم دورة الاستراتيجية والأمن القومي لكافة منسوبيها جامعة سوهاج

وأضاف الدكتور زينهم شيخون انه تم خلال اللقاء مناقشة تنظيم زيارات ميدانية للطلاب بالشركة للتعرف على طرق التصنيع المختلفة بها، موضحاً ان مجموعة شركات نيو هوب New Hope عملها الرئيسي هو الزراعة الحديثة وتربية الحيوانات وصناعة الأغذية.

وتركز على الأعمال التجارية الزراعية والصناعات الغذائية الحديثة، وتأسست في عام 1982 وهي تمتلك أكبر قدرة على إنتاج الأعلاف في الصين والعالم.

مقالات مشابهة

  • "الإحصائي الخليجي" يسلط الضوء على المنجزات العمانية لتعزيز التنمية المستدامة
  • عُمان تتلألأ في عيدها الوطني
  • تكريم المشروعات الطلابية في التقنيات الجغرافية الحديثة
  • لتدريب الطلاب.. رئيس جامعة سوهاج يبحث التعاون مع شركة متخصصة في الزراعة الحديثة
  • بعثةُ الحج العمانية تستعرض مؤشرات ونتائج النظام الإلكتروني لتسجيل الحجاج
  • «عدسة عمان»: إطلاق كوكبة من الأقمار الصناعية العمانية خلال السنوات الـ5 القادمة
  • أصحاب المصانع العمانية يؤكدون على ضرورة التحول إلى الإنتاج الذكي لتعزيز كفاءة الأعمال
  • "كوب 29".. المملكة تستعرض جهودها في مجال الطاقة الذرية والمتجددة
  • لقجع: التشريع الجمركي الذي نقوم به يخدم الإقتصاد الوطني ولا يخضع لمقاربات خدمة مصالح الأشخاص