عيدنا الوطني بين نهضتنا الحديثة والمتجددة
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
لا شك أن الاحتفال اليوم الثامن عشر من نوفمبر، بذكرى عيدنا الوطني الرابع والخمسين، يجسّد النهضة العمانية التي عمّت كل أرجاء بلادنا، وتزداد حراكًا ونشاطًا في مسيرتها المتجددة، التي يقودها جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- لتواكب كل ما من شأنه رفعة هذا الوطن العزيز ورقي شعبه، وهذه المسيرة -كما أشرنا- تتسم بالتوازن بين التطلع لكل ماهو جديد في هذا العصر من علوم ووسائل، وبين التمسك بالهوية الوطنية وقيم المواطنة الثابتة.
وقد أكد جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ وفقه الله ـ في خطابه في العيد الوطني الخمسين على هذا التوجه الذي سارت عليه نهضتنا الحديثة والمتجددة، وقال جلالته في خطابه: إنها تمكنت من بناءِ نهضةٍ عصريةٍ جعلت الإنسان محور اهتمامها، وقد شَكّلَ إرثُنَا التاريخي العريق، ودورُنَا الحضاري والإنساني الأساسَ المتين لإرساء عملية التنميةِ التي شملتْ كافةَ ربوعِ السلطنةِ على اتساعِ رُقعَتِها الجغرافيةِ لتصلَ منجزاتُها لكلِّ أسرةٍ ولكلِّ مواطنٍ حيثُما كانَ على هذه الأرضِ الطيبة ورسّخَتْ قواعدَ دولةِ المؤسساتِ والقانون، التي سيكونُ العملُ على استكمالِها وتمكينِها، من ملامح ِالمرحلةِ القادمةِ بإذن ِالله. وسنواصلُ استلهامَ جوهرِ المبادئِ والقيمِ ذاتـِها، في إرساءِ مرحلةٍ جديدةٍ، تسيرُ فيها بلادُنا العزيزةُ -بعون ِالله- بخطىً واثقةٍ نحوَ المكانةِ المرموقةِ، التي نصبو إليها جميعًا مكرّسينَ كافةَ مواردِنا، وإمكانياتِنا؛ للوصولِ إليها، وسنحافظُ على مصالحِنا الوطنيةِ باعتبارِها أهمَّ ثوابتِ المرحلةِ القادمةِ التي حددتْ مساراتِها وأهدافـَها «رؤيةُ عُمان 2040» سعيًا إلى إحداثِ تحولاتٍ نوعيةٍ في كافة مجالاتِ الحياةِ، مجسدةً الإرادةَ الوطنيةَ الجامعة». فدعوة النهضة العمانية هي دعوة إلى التفاعل مع العصر والدعوة إلى استلهام التراث واستيعابه لا تعني العودة إليه بالمعنى الزمني، وإنما تعني الأخذ بنمط حضاري يمدنا بالقوة والمعرفة وقادر على تحقيق تطلعات الأمة وطموحاتها.. فالعودة إلى الماضي لا تعني الهروب من مسؤوليات الحاضر وتحدياته.. وإنما هي عملية واعية لتحقيق الوجود؛ لأن التاريخ هو الذي يمتطي صهوة الحاضر وعدته، وأن المجموعة البشرية التي تنفصل عن تاريخها، فإنها تقوم بعملية بتر قسري لشعورها النفسي والثقافي والاجتماعي وسيفضي هذا البتر إلى الاستلاب والاغتراب الحضاري. والتوازن الذي حققته النهضة العمانية كان أكثر اتساقا مع الذات، وأقوى ارتباطا مع الواقع؛ لأن هذه المعادلة العقلانية المتوازنة جمعت بين الثوابت والمتغيرات.
والنجاح الباهر الذي حققته الحضارة العربية الإسلامية في أوج ازدهارها قبل قرون، كان العامل الأول في هذه المكانة العالمية والانتشار العظيم لمنهجها العلمي والقيمي هو توازنها الدقيق بين معايير القيم ونوازع الابتكار والتفوق، وبين ما يتم أخذه من الآخر وما يتم تركه وإهماله، وقد عمدت إلى الوسطية والاعتدال والتوازن، ولذلك عمد الإسلام إلى إقامة مفهوم كامل للحضارة بطريقة متوازنة قوامه الحركة المادية والمعنوية، وفي نفس الوقت الإحاطة بالقيم والأخلاق، واتسمت هذه الحضارة بالسماحة والإنسانية والعالمية، واستخلصت كل ما كان في تراث الأمم والحضارات القديمة، فصهرت الجوانب الصالحة منه في بوتقتها، واحتفظت بخصوصيتها وتراثها الأصيل كسياج من المؤثرات غير الذاتية، وهذه كلها معطيات إيجابية شددت عليها النهضة العمانية الحديثة، واعتبرت أن التوازن والتدرج المحسوب سمة من سمات التقدم الإيجابي بعيدًا عن حرق المراحل أو القفز على الواقع وثوابته.
فالثوابت، كما يقول المفكر العربي أنور الجندي «إطار والمتغيرات حركة داخلة، وهذا يعني وحدة الأصل وتعدد الصور، فمثلًا الكون في صورته العامة وإطاره الواسع ثابت لكنه ـ بقدرته سبحانه ـ دائب الحركة بين ليل ونهار، شمس وقمر، صيف وشتاء وهكذا فترابط الثبات بالحركة في منهج المعرفة الإسلامي قانون أصيل شأنه شأن قانون التكامل والوسطية والتوازن، وهذا الثبات ليس بمثابة الجمود أو التوقف، لكنه بمثابة علامة الطريق التي تحول دون الوقوع في التيه، وفي مجال الفكر يكون هذا الإطار عاصمًا من التخلف أو الانحراف، وهو معين على تنوع المضامين الفكرية داخلًا عصرًا بعد عصر، فلا تزال الأمة قادرة على حمل رسالتها، وحماية أمانتها، فإذا ذهب الثبات تحطم الإطار وفقد الرباط الذي يجمع بين الأمس والغد، هذا الإطار الثابت يتمثل في مجموعة القيم التي يقوم عليها بناء الأمة والذي تستمده من عقائدها وأخلاقها وذاتيتها وطوابعها المتفردة». وينبغي من هذه المنطلقات أن تكون للنهضة صلتها بالماضي من منطلق الاستلهام لا التجاوز أو القفز على مضامينه النيّرة التي يمكن أن تجسد تطلعات الأمم في استخراج الكثير من العبر والإضافات التي أنجزها الأسلاف، وكانت خير معين لهم في نهضتهم السالفة، وما حققوه من إنجازات، وهذا ما يدفعنا إلى ضرورة التمييز بين غاية النهضة ومضمونها، وما يقتضيه من الالتحام بالآخر وبين منابع النهضة وحسها التاريخي، أي مرتكزات قوتها الأساسية، وهو الجانب المتعلق بالهوية والتراث.
فعندما انطلقت النهضة العمانية الحديثة في عُمان رسمت الملامح الأساسية لهذا التحرك نحو المستقبل بظلال الحاضر، ووازنت بين ما يجب أخذه وما يجب تركه، بين الأخذ بتكنولوجيا العصر والعناية برصيد التراث، مع التفاعل مع الحضارات الإنسانية وفق المصالح المشتركة، وبين الاستمساك بالخصوصية والهوية الذاتية، والأهم أن تكون المصلحة العامة، هي المعايير في تنفيذ كل السياسات التي تنفذها الجهات المعنية، بتطبيق الخطط والبرامج، فهذه المنجزات هي ملك لعمان كلها، والأمانة والإخلاص، تتطلب الحفاظ على الإنجازات التي تحققت في كل المجالات والمسارات، بما فيها المنجزات التي تحققت في نهضتها عُمان الحديثة، أو التي تحققت وستتحقق في نهضتها المتجددة، وأن تكون التطبيقات لهذه المهام الموكلة لجهات الاختصاص في غاية الدقة والأمانة، وأن تكون عُمان هي الهدف والمسعى لكل إنجاز تحقق ويتحقق على هذه أرضها الطيبة. فتحية للقائد العظيم في هذا اليوم الوطني المجيد، وتحية للشعب العماني محور هذه النهضة ومحركها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: النهضة العمانیة التفاعل مع أن تکون
إقرأ أيضاً:
برنامج "تطوير" من "فالي" يستكمل رحلة إلهام وتمكين الكفاءات العمانية
مسقط- الرؤية
أطلقت فالي النسخة الثانية من برنامجها للمسؤولية الاجتماعية "تطوير"، والذي يهدف إلى إعداد جيل طموح وواعٍ علمياً وعمليا، إذ من المقرر أن ينظم البرنامج عددا من الجلسات واللقاءات الملهمة خلال العام، لصقل مهارات الكوادر الوطنية وتوسيع مداركهم لقيادة دفة المستقبل.
وافتُتحت النسخة الثانية من البرنامج بجلسة قدّمها المدرب ياسر بن بدر الحزيمي، أحد المتخصصين البارزين في مجالات القيادة والتطوير الذاتي في المنطقة، وصاحب خبرة تمتد لأكثر من عشرين عامًا في تصميم وتقديم البرامج التدريبية.
ويعُرف الحزيمي بحضوره الإعلامي الواسع حيث حقق رقماً قياسيًا ضمن موسوعة جينيس لأكثر حلقات البودكاست مشاهدةً عالميًا، كما أثرى المكتبة العربية بعدد من الإصدارات التي تناولت مفاهيم الوعي الذاتي، وتطوير المهارات، وبناء الاتجاهات القيادية، مقدّمًا من خلالها محتوى يعكس واقع الشباب العربي وطموحاته.
وأقيمت الجلسات في كل من مسقط وصحار، بمشاركة ما يزيد عن 500 من طلبة مؤسسات التعليم العالي والكوادر الشابة من مختلف التخصصات. وفي أجواء تفاعلية ملهمة، انطلق المشاركون لاستكشاف آفاق التفكير الإبداعي، وأساليب القيادة المرنة، واستراتيجيات النجاح المستدام، مكتسبين رؤى جديدة لمواجهة تحديات الحياة والعمل بثقة وإصرار، ولم تكن الجلسات مجرد مصدر للمعرفة، بل كانت منصة حيوية حفزت الشباب على اكتشاف ذاتهم، وتعزيز ثقتهم بقدراتهم، ورسم مسار واضح لهم لتحقيق تطلعاتهم للمستقبل.
وقال عبد الله السعدي رئيس الشؤون الإدارية والمؤسسية في فالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "نُدرك أن تنمية الكفاءات الوطنية تبدأ بإيجاد الفرص التي تُسهم في تطوير مهاراتهم وتعزيز جاهزيتهم للمستقبل، ويأتي برنامج تطوير ليترجم هذا التوجّه، إذ نحرص من خلاله على تقديم محتوى نوعي يُواكب تطلعات شبابنا، ويدعم مشاركتهم الفاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ونحن نؤمن أن الاستثمار في الطاقات الوطنية هو مساهمة مباشرة في بناء جيل قادر على قيادة التحوّل نحو اقتصاد مستدام."
ويُعدّ برنامج "تطوير" امتدادًا لالتزام فالي بدعم المبادرات التي تُسهم في إعداد كفاءات وطنية شابة قادرة على المشاركة الإيجابية في خدمة المجتمع. ومع استمراره، تتوسع دائرة أثره بما يواكب التوجهات الوطنية، ويُعزّز دور الشركة في إيجاد بيئة تُشجع على التعلم المستمر، وتدعم بناء قدرات تواكب متطلبات عُمان اليوم وغدًا.