وسائل التواصل والهوية والمواطنة
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
أرّقت قضية الأخلاق دولًا كثيرة واجتهدت لتحصين شبابها، ومنها اليابان على سبيل المثال التي أصدرت وثيقة توجيهات جعلت تعلّم العادات الحميدة التي كانت سائدة في اليابان قبل نحو ثلاثة قرون، مادةً أساسيةً في المدارس، عازية قرارها إلى وجود علاقة بين تراجع مستوى الأخلاق لدى طلاب المدارس الابتدائية وبين تزايد معدلات الجريمة بين الأحداث.
لا يخفى أنّ توجهًا كهذا هو توجه وطني، ردًا على الأفكار والمقترحات الغربية الهدامة التي تريد تمييع الشباب؛ فالمخططون في الصين يعلمون أنّ تدمير أيّ أمة يعتمد اعتمادًا كليًّا على تدمير الأخلاق وتمييع الشباب، فيما نجد أنّ بعض الدول العربية - وشبابها مستهدف - استقبلت الأمر بشبه ترحاب.
في تصوري أنّ وزارة التربية والتعليم العُمانية وُفّقت في استحداث منهج خاص بتعليم الناشئة مفاهيم الهوية والمواطنة ضمن خطتها الدراسية، ابتداء من العام الدراسي الحالي؛ لأنّ المنهج يهدف - حسب بيان الوزارة - إلى تعزيز المحافظة على الهوية الوطنية العُمانية والمبادئ والقيم الإسلامية؛ وما أحوجنا إلى ذلك الآن، وقد شهد العالم تطورات مذهلة وسريعة أصبحت فيه وسائل الاتصالات مؤثرة جدًا، وبيدها أن توجّه الشباب الوجهة التي تريدها، خاصة إذا لم يكونوا محصّنين دينيًّا وأخلاقيًّا ووطنيًّا. ولا يمكن أن نقارن فكر الشباب الحالي بفكر جيلهم السابق عندما كانوا في العمر نفسه، لأنّ المتاح الآن من المعلومات والتواصل والاختراقات، لم يكن ليخطر على خيال الجيل السابق، وهذا بدوره يستدعي أن تواجه الحكومة - أي حكومة في العالم - التحديات مواجهةً عصريةً تتماشى مع التطور الحاصل في العالم.
والمحافظة على الهوية الوطنية والمبادئ والقيم الإسلامية، تتطلب أن تهتم وزارة التربية والتعليم بتخصيص مادة للأخلاق، مهمتُها المحافظة على الجيل الجديد من الانجرار وراء كلِّ ما هو مفسد للأخلاق ومضر بالوطن، فإذا كانت الأوطان تُبنى بالعلم، فإننا نحتاج إلى كثير من الأخلاق الفاضلة، حتى يبقى المجتمع سليمًا معافى من العاهات التي عصفت بالأمم الأخرى، فمن يتابع ردود بعض الشباب على مواقع التواصل، يعلم أيَّ منحدر انحدرنا إليه، لدرجة أن يشك المرء في حقيقة هؤلاء هل هم فعلًا عُمانيون؟ ففي سبيل البحث عن حضور في مواقع التواصل فقد الكثيرون أخلاقهم، وتصوّر البعض أنهم قادة مؤثرون، بالمقاطع التي يصورونها والتي تسيء للوطن ولا تُصلح شيئًا، لأنّ ضررها أكبر من نفعها.
وبما أنّ وسائل الاتصال من الأمور الحديثة، لا بد من دراسة الوضع ووضع الحلول المناسبة قبل أن يستفحل الأمر ويكون العلاج صعبًا، «وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإنْ هم ذهبت أخلاقُهم ذهبوا» كما قال أحمد شوقي؛ فهذه الوسائل أصبحت حقيقة ولا يمكن إغفالها، ولكن يجب التعامل معها بخطط توافقها، وليس أدل على أهميتها الآن من كلام قاله أحد مديري «جوجل» عند افتتاح مكتب الشركة في جنوب شرق آسيا بقوله: «عندما تتعاملون مع الإنترنت، فلا شيء في حياتكم يبقى كما كان. كلّ شيء سيتغيّر ولن تستطيعوا العودة إلى الوراء، فتغير طريقة الحياة تأتي معه تغيرات متنوعة في التواصل الاجتماعي والسلوك والتصرفات الفردية»، وهو كلام صحيح يمكن قياسه إلى الواقع، وكيف تغيرت المجتمعات بعد انطلاق الإنترنت. ولكن يبقى أنّ أسباب الانحدار الأخلاقي كثيرة، إلا أنّ وسائل الاتصالات وما فعلته في تغيير المجتمعات تبقى هي الأبرز. فمن أبرز ما أفرزته هو الكراهية، وذلك نتيجة إحساس البعض بانعدام المسؤولية عند استعمالها، ونشأ من جراء ذلك ما عُرف بـ«الذباب الإلكتروني»، الذي نشط في الهجوم على دول وأشخاص ومجتمعات دينية أو سياسية ومذاهب إسلامية، وتسبب في إثارة الفتن والحقد والبغضاء، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي. وقد نال عُمانَ منها الكثير بسبب مواقفها المشرّفة واستقلال قرارها، وقد يكون قرار وزارة التربية والتعليم بتعليم النشء مفاهيم الوطنية طريقًا صحيحًا لتخليصه من تلك الآفات، وسدًا منيعًا لعدم الانجرار وراء الحرية الزائفة، لأنّ الهجمة على عُمان شرسة، ولن تقف أبدًا، إذ أنها أمام كلِّ موقف تتجدّد، وخير دليل هو ردود فعل البعض من الموقف العُماني من أحداث غزة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
حبس معلم كويتي 5 سنوات لتحريض طالب على الفسق والفجور عبر وسائل التواصل
خاص
قضت محكمة الجنايات في الكويت بحبس معلم كويتي لمدة 5 سنوات مع الشغل والنفاذ، بعد إدانته بتحريض أحد طلابه على الفسق والفجور.
وكانت النيابة العامة قد أمرت بحبس المعلم احتياطيًا،بعد إدانته بتحريض أحد طلابه على الفسق والفجور عبر إرسال عبارات وصور وتسجيلات مرئية مخلة بالآداب عبر أحد برامج التواصل الاجتماعي.
وأكدت النيابة أن المعلم استخدم الشبكة المعلوماتية لتمرير محتوى فاحش بهدف تحريض الطالب على سلوكيات غير لائقة.
يأتي هذا الحكم في وقت تسعى فيه السلطات الكويتية إلى تعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع، خصوصًا في المؤسسات التعليمية، وسط استياء واسع من التصرفات التي تضر بالنشء وتخالف المبادئ التربوية.