لجريدة عمان:
2025-01-29@16:47:51 GMT

وسائل التواصل والهوية والمواطنة

تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT

أرّقت قضية الأخلاق دولًا كثيرة واجتهدت لتحصين شبابها، ومنها اليابان على سبيل المثال التي أصدرت وثيقة توجيهات جعلت تعلّم العادات الحميدة التي كانت سائدة في اليابان قبل نحو ثلاثة قرون، مادةً أساسيةً في المدارس، عازية قرارها إلى وجود علاقة بين تراجع مستوى الأخلاق لدى طلاب المدارس الابتدائية وبين تزايد معدلات الجريمة بين الأحداث.

ولم تترك الوثيقة شيئًا إلا وتناولته، إذ تتضمن المادة الجديدة التركيز على تعليم الأطفال أدق التفاصيل، مثل طريقة المشي، ومستوى الصوت، ودرجة الانحناء عند التحية التي تزداد وفقًا للمكانة الاجتماعية للشخص الآخر، وصولًا إلى الكلمات التي يجب اختيارها عند مخاطبة الآخرين، كلّ حسب عمره؛ ولا يمكن اعتبار أنّ هذه التفاصيل أمورٌ ثانوية، فهي تمثل أساسيات التعامل بين أفراد المجتمع، وستؤتي ثمارها بعد حين.وقريبًا من اليابان، نشرت وزارة التعليم الصينية خططًا «لتنمية الرجولة» لدى الطلاب الذكور، في أعقاب تحذير من أحد كبار المستشارين السياسيين في الصين من أنّ الأمة تعاني من «أزمة رجولة» وطنية، حيث قدّم المستشار الصيني سي زيفو مقترحًا لتنمية الرجولة في الجيل الصيني الجديد، معتبرًا أنّ معالجة هذه القضية مسألة تتعلق بالأمن القومي الصيني، ومحذرًا من أنّ «تأنيث الأولاد الصينيين يهدد بقاء الصين وتنميتها».

لا يخفى أنّ توجهًا كهذا هو توجه وطني، ردًا على الأفكار والمقترحات الغربية الهدامة التي تريد تمييع الشباب؛ فالمخططون في الصين يعلمون أنّ تدمير أيّ أمة يعتمد اعتمادًا كليًّا على تدمير الأخلاق وتمييع الشباب، فيما نجد أنّ بعض الدول العربية - وشبابها مستهدف - استقبلت الأمر بشبه ترحاب.

في تصوري أنّ وزارة التربية والتعليم العُمانية وُفّقت في استحداث منهج خاص بتعليم الناشئة مفاهيم الهوية والمواطنة ضمن خطتها الدراسية، ابتداء من العام الدراسي الحالي؛ لأنّ المنهج يهدف - حسب بيان الوزارة - إلى تعزيز المحافظة على الهوية الوطنية العُمانية والمبادئ والقيم الإسلامية؛ وما أحوجنا إلى ذلك الآن، وقد شهد العالم تطورات مذهلة وسريعة أصبحت فيه وسائل الاتصالات مؤثرة جدًا، وبيدها أن توجّه الشباب الوجهة التي تريدها، خاصة إذا لم يكونوا محصّنين دينيًّا وأخلاقيًّا ووطنيًّا. ولا يمكن أن نقارن فكر الشباب الحالي بفكر جيلهم السابق عندما كانوا في العمر نفسه، لأنّ المتاح الآن من المعلومات والتواصل والاختراقات، لم يكن ليخطر على خيال الجيل السابق، وهذا بدوره يستدعي أن تواجه الحكومة - أي حكومة في العالم - التحديات مواجهةً عصريةً تتماشى مع التطور الحاصل في العالم.

والمحافظة على الهوية الوطنية والمبادئ والقيم الإسلامية، تتطلب أن تهتم وزارة التربية والتعليم بتخصيص مادة للأخلاق، مهمتُها المحافظة على الجيل الجديد من الانجرار وراء كلِّ ما هو مفسد للأخلاق ومضر بالوطن، فإذا كانت الأوطان تُبنى بالعلم، فإننا نحتاج إلى كثير من الأخلاق الفاضلة، حتى يبقى المجتمع سليمًا معافى من العاهات التي عصفت بالأمم الأخرى، فمن يتابع ردود بعض الشباب على مواقع التواصل، يعلم أيَّ منحدر انحدرنا إليه، لدرجة أن يشك المرء في حقيقة هؤلاء هل هم فعلًا عُمانيون؟ ففي سبيل البحث عن حضور في مواقع التواصل فقد الكثيرون أخلاقهم، وتصوّر البعض أنهم قادة مؤثرون، بالمقاطع التي يصورونها والتي تسيء للوطن ولا تُصلح شيئًا، لأنّ ضررها أكبر من نفعها.

وبما أنّ وسائل الاتصال من الأمور الحديثة، لا بد من دراسة الوضع ووضع الحلول المناسبة قبل أن يستفحل الأمر ويكون العلاج صعبًا، «وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإنْ هم ذهبت أخلاقُهم ذهبوا» كما قال أحمد شوقي؛ فهذه الوسائل أصبحت حقيقة ولا يمكن إغفالها، ولكن يجب التعامل معها بخطط توافقها، وليس أدل على أهميتها الآن من كلام قاله أحد مديري «جوجل» عند افتتاح مكتب الشركة في جنوب شرق آسيا بقوله: «عندما تتعاملون مع الإنترنت، فلا شيء في حياتكم يبقى كما كان. كلّ شيء سيتغيّر ولن تستطيعوا العودة إلى الوراء، فتغير طريقة الحياة تأتي معه تغيرات متنوعة في التواصل الاجتماعي والسلوك والتصرفات الفردية»، وهو كلام صحيح يمكن قياسه إلى الواقع، وكيف تغيرت المجتمعات بعد انطلاق الإنترنت. ولكن يبقى أنّ أسباب الانحدار الأخلاقي كثيرة، إلا أنّ وسائل الاتصالات وما فعلته في تغيير المجتمعات تبقى هي الأبرز. فمن أبرز ما أفرزته هو الكراهية، وذلك نتيجة إحساس البعض بانعدام المسؤولية عند استعمالها، ونشأ من جراء ذلك ما عُرف بـ«الذباب الإلكتروني»، الذي نشط في الهجوم على دول وأشخاص ومجتمعات دينية أو سياسية ومذاهب إسلامية، وتسبب في إثارة الفتن والحقد والبغضاء، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي. وقد نال عُمانَ منها الكثير بسبب مواقفها المشرّفة واستقلال قرارها، وقد يكون قرار وزارة التربية والتعليم بتعليم النشء مفاهيم الوطنية طريقًا صحيحًا لتخليصه من تلك الآفات، وسدًا منيعًا لعدم الانجرار وراء الحرية الزائفة، لأنّ الهجمة على عُمان شرسة، ولن تقف أبدًا، إذ أنها أمام كلِّ موقف تتجدّد، وخير دليل هو ردود فعل البعض من الموقف العُماني من أحداث غزة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

معرض الكتاب يناقش «التحديات والفرص في عصر التحولات الرقمية»

استضافت قاعة «فكر وإبداع» ندوة تحت عنوان «الإعلام والتغير الاجتماعي»، ضمن محور قراءة المستقبل، وذلك في إطار فعاليات رابع أيام معرض القاهرة الدولي للكتاب، وأدار الندوة الكاتب الصحفي أحمد الخطيب، وذلك بحضور الدكتورة هبة شاهين، عميد كلية الإعلام بجامعة عين شمس، والدكتورة أماني إسماعيل، رئيس قسم الإعلام ووكيل كلية العلوم الإنسانية بجامعة هارتفوردشير، والدكتور هبة ربيع، الصحفية والمترجمة، والصحفي محمد هاني، والكاتب الصحفي محمود بسيوني.

اختيار عناوين الندوات المهمة

افتتح الصحفي محمد هاني الندوة بتوجيه الشكر إلى الهيئة المصرية العامة للكتاب على اختيار عناوين الندوات المهمة، مشيرا إلى أن موضوع الإعلام والتغير الاجتماعي هو عنوان شديد الأهمية ويشمل العديد من التفاصيل التي يصعب حصرها في ندوة واحدة.

ولفت إلى أن التغيرات الاجتماعية التي حدثت في مصر خلال الخمسة عشر عاما الماضية قد تكون ذات تأثير أكبر بكثير من التغيرات التي حدثت في فترات سابقة لنفس الفترة الزمنية، مشيرا إلى أن الإعلام كان جزءا من هذا التغيير، حيث تأثر بشكل كبير بهذه المتغيرات، كما أن الإعلام ذاته له دور كبير في التأثير على المجتمع.

وأضاف أن السؤال المحوري هنا هو «هل كان تأثير الإعلام إيجابيًا أم سلبيًا»، موضحا أن الإعلام يعاني من ارتباك واضح في تحديد الهوية في الفترة الأخيرة، حيث يوجد جزء إيجابي على مستوى الأدوات التكنولوجية المستخدمة في الإعلام، ولكن في المقابل، هناك جزء سلبي يتمثل في الارتباك الذي يعاني منه الإعلام في محتواه وفي الرسالة التي يحاول نقلها للمجتمع.

وأكد أن أسوأ ما يحدث في الإعلام هو «التثلّم» أو «التمثل بالأدنى»، حيث تشير هذه الظاهرة إلى أن المجتمعات، في أوقات التغيير العاصف أو الارتباك، تبدأ في تقليد أو تمثل الأسوأ بدلًا من الأساليب المثلى، مضيفا أن هذه الظاهرة تتجسد بوضوح في وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت اليوم الوسيط الإعلامي الرئيسي، مؤكدا أن السوشيال ميديا في هذه الحالة تقود الإعلام بشكل أكبر مما يمكن تخيله، وهذا يشكل تهديدًا للإعلام التقليدي ويسهم في تراجع مستوى الرسالة الإعلامية بشكل عام.

فيما قالت دكتورة أماني إسماعيل إنه يجب علينا النظر إلى داخلنا لنفهم الأخطاء التي ارتكبناها ونسعى لتصحيحها، مشيرة إلى أن قضية التغير الاجتماعي ليست مسؤولية الإعلام فقط، بل هي مسؤولية مشتركة بين جميع مؤسسات المجتمع، بما في ذلك الأسرة والمدرسة والجامعة، مضيفة أن التغيرات التي نشهدها اليوم على صعيد السلوكيات والاعتداءات على المدرسين والنساء والأطفال هي جزء من صورة أكبر تتطلب تحليلًا عميقًا.

وأكدت أن الإعلام يتأثر ويتأثر به، وأنه لا يمكن فحص هذه القضية بشكل منفصل عن باقي قطاعات المجتمع، فالتغيير الاجتماعي هو نتاج تفاعل مختلف الجوانب الثقافية والتعليمية والدينية والاقتصادية، لذلك يجب أن تكون هناك حلول بعيدة المدى يتم اتخاذها على مستوى الدولة والمجتمع المدني.

من جانبها، قالت دكتورة هبة شاهين إن التغيرات الكبيرة التي يشهدها المجتمع كل يوم تجعلنا نلهث وراء محاكاتها، مشيرة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن الهدف الأساسي من الثورة التكنولوجية، بل هي جزء من هذا التحول الذي تغيرت فيه حياتنا بشكل جذري.

وأضافت أن التكنولوجيا ليست خيرا خالصا ولا شرا خالصا، فهي قدمت العديد من المزايا على صعيد الاتصال والمشاركة، لكنها في المقابل تسببت في انعزال الأفراد وزيادة الفردية، حيث أصبح كل فرد في الأسرة يفضل النظر إلى هاتفه الخاص بدلاً من التواصل الاجتماعي داخل الأسرة الواحدة، مؤكدة أن وسائل التواصل الاجتماعي قد ألغت فكرة التلفزيون الجماعي الذي كان يجمع أفراد الأسرة في وقت واحد لمتابعة برامج مشتركة، موضحة أن التنبؤ بالمستقبل في ظل هذه الثورة التكنولوجية أصبح أمرًا صعبًا، لأننا في مرحلة غير مسبوقة من التغيير.

أما دكتورة هبة ربيع فقد تناولت قضية المواطن الصحفي، وأوضحت أن ظهور وسائل الاتصال الجديدة ساعد الأفراد على إنتاج محتوى إعلامي، لكن هذا لا يعني أن الشخص يصبح صحفيًا محترفًا، مشيرة إلى أن الصحفي المحترف يجب أن يخضع لمعايير مهنية صارمة، بينما أصبح العديد من الأفراد على وسائل التواصل الاجتماعي ينشرون محتوى غير دقيق أو مضلل لمجرد جذب الانتباه، موضحا أن الصحافة تحتاج إلى أن تتحقق من الحقائق قبل نشرها، كما أكدت أن الدور الأساسي لوسائل الإعلام اليوم هو توعية الجمهور بضرورة عدم تصديق أي محتوى إلا بعد التحقق من مصادره.

أما الكاتب الصحفي محمود بسيوني، فقد تحدث عن الفرق بين الصحفي المهني الذي ينتمي إلى نقابة الصحفيين ويتبع المعايير الإعلامية، وبين البلوجر الذي ينشر محتوى غير مهني، موضحا أن هناك ظاهرة خطيرة تحدث حاليا حيث أصبح بعض الشخصيات على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل البلوجرز الذين ينشرون محتوى تافهًا، يمثلون قدوة للشباب، وهو أمر مؤسف.

وأشار إلى أن هذه الظاهرة تتسبب في تغيير مفهوم القدوة، حيث أصبحت بعض الشخصيات على منصات مثل «تيك توك» قدوة للشباب بدلاً من الصحفيين المحترفين، مضيفا أن هذا النوع من الإعلام يتسبب في تعفن الأدمغة، بحسب ما أشار إليه بعض الباحثين في جامعة أكسفورد، نتيجة للمحتوى الهابط والمضلل الذي يؤثر سلبًا على الأجيال الجديدة.

وفي ختام الندوة، أكد أحمد الخطيب أن الإعلام في منطقة الشرق الأوسط يواجه تحديات كبيرة، فالإعلام يعمل في منطقة مضطربة جدًا سياسيًا واجتماعيًا، ما يجعل العمل الإعلامي في هذه المنطقة محاطًا بالكثير من القيود والمخاطر، مشيرا إلى أن كل نظام حاكم في المنطقة له طرقه الخاصة في التعامل مع الإعلام، ما يجعل الإعلام في النهاية هو الذي يتحمل تبعات هذه الاضطرابات السياسية.

مقالات مشابهة

  • ساعتان يوميا على تيك توك كفيلة بخلق مشاكل نفسية خطيرة
  • خبراء يرسمون «خريطة أجيال وسائل التواصل» في معرض الكتاب
  • بلوقر تعلن اعتزالها وسائل التواصل الاجتماعي وندمها على محتواها
  • عالم أزهري يوضح طريقة تربية الأبناء في ظل انتشار وسائل السوشيال ميديا
  • خبراء يرسمون "خريطة أجيال وسائل التواصل" في معرض الكتاب|صور
  • خبراء يرسمون «خريطة أجيال وسائل التواصل» في معرض الكتاب 2025
  • تركيا.. اعتقال سيدة وجهت شتائم للرئيس
  • عبد العزيز المطيري: وسائل التواصل الاجتماعي منصة لنشر الترفيه وإسعاد الجمهور
  • معرض الكتاب يناقش «التحديات والفرص في عصر التحولات الرقمية»
  • وسائل “التباعد” الاجتماعي