جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-17@18:36:10 GMT

الأدب والسنع في المجتمعِ العُماني

تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT

الأدب والسنع في المجتمعِ العُماني

 

 

جابر حسين العُماني **

jaber.alomani14@gmail.com

 

 

يتميز المجتمع العُماني بالتزامه الراسخ بالتقاليد العربية ذات الجذور والقيم والمبادئ الإسلامية، مما يجعله في مصاف المجتمعات المتقدمة من حيث الالتزام بالمنهج العربي والاسلامي الموروث، والذي عرف في الأوساط العُمانية بـ"السنع أوالأدب" الذي يعد جزءًا لا يتجزأ من التراث العُماني العريق الذي توارثه العُمانيون عبر الأجيال، وهو مجموعة من الممارسات السلوكية والاجتماعية التي تهدف إلى  التربية على الاحترام والتقدير والإجلال للآخرين بغض النظر عن خلفياتهم وتوجهاتهم ومعتقداتهم المختلفة، ويتجلى ذلك من خلال أن يعيش الفرد الشعور بالتواضع والكرم والاحتشام وغيرها من قيم التقدير والاحترام  التي تنعكس في  فنون التعامل الإنساني مع الآخر في شتى المجالات الإنسانية والاجتماعية.

ومن تلك الجوانب الموروثة التي تعلمها الإنسان العُماني وحافظ عليها، ولا زال يغرسها في أبنائه الكرام، وهي تعد من التربية على التقاليد والقيم الأصيلة، وهنا نتعرض لذكر خمس منها لنقف على أهم الجوانب التي شكلت الشخصية العُمانية الفريدة، وهي كالاتي:

أولًا: تقاليد الترحيب وحسن الضيافة؛ إذ لا يزال العُمانيون يهتمون بكرم الضيافة ويعتبرونه واجبًا أسريًا واجتماعيًا، فهم يهتمون بإكرام الضيف ودعوته لتناول القهوة وأكل التمر وأنواع الأطعمة والأطباق الشعبية المختلفة، والجلوس مع الضيف بتواضع واجلال، حتى يشعر بأن البيت بيته وهو ليس بالإنسان الغريب بل هو بين أهله وناسه. ثانيًا: تقاليد اللباس الوطني: يحرص العُمانيون على ارتداء الثوب العُماني الموروث الذي يعكس الهوية العُمانية والتراث الخالد لأهل عُمان، كما تتمسك المرأة العُمانية بالثوب الموروث مثل الوقاية "الحجاب" واللباس الساتر، ويعتبر الحفاظ على الثوب التقليدي للمرأة والرجل من ابرز سمات الموروث العُماني الأصيل الذي يرمز إلى الاحتشام والعفة والسداد. ثالثًا: تقاليد الحكمة والحوار: يتميز العُمانيون باختيار الحديث الهادئ وتجنب رفع الصوت أثناء الحوارات والنقاشات المختلفة، لذا عُرفت الشخصية العُمانية بهدوئها وعدم تدخلها فيما لا يعنيها من حيث احترام خصوصيات الآخرين، وهو أمر عظيم يعد من سمات الشخصية العُمانية الذي لا يزال إلى يومنا هذا سمة غالبة عرف بها أهل عُمان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمان أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ". رابعًا: تقاليد الحفاظ على التراث الشعبي: إن من أهم الموارد التي يعتمد عليها الإنسان العُماني في تنشئته هو الحفاظ على تراثه المجيد، فقد عُرفت سلطنة عُمان منذ القدم بقلاعها، وفنونها الشعبية، وحرفها التقليدية، وأكلاتها الشعبية، فما أجملها من تقاليد عُمانية تشعر الفرد العُماني بالفخر لما ورثه من تراث شعبي من آبائه وأجداده الكرام، وكما قيل في المثل الشعبي: "الي ماله أول ماله تالي". خامسًا: تقاليد آداب الاستقبال والمجلس: يحرص الفرد العُماني الأصيل في جلسته وقيامه في مجالس الرجال أن يكون جلوسه وقيامه بشكل لائق يعكس أدبه واحترامه للآخرين بطريقة تُظهر معدنه واحترامه وتقديره لمن حوله بحيث يبرز للجميع أخلاقه وشخصيته العُمانية الفذة التي تربى عليها، متجنبًا الحركات العشوائية التي قد تحرجه وتحرج الجالسين معه، فتراه إذا جلس يجلس ويداه على ركبتيه، وإذا صافح صافح بكلتا يديه ضاغطًا برفق على يد من يصافحه لزيادة الود والاحترام والتقدير.

وقد ورد عن حفيد النبي الأكرم الإمام جعفر بن محمد الصادق قال: "إِنَّ اَلْمُؤْمِنَيْنِ إِذَا اِلْتَقَيَا فَتَصَافَحَا أَدْخَلَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَدَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، وَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى أَشَدِّهِمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ، فَإِذَا أَقْبَلَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا تَحَاتَّتْ عَنْهُمَا اَلذُّنُوبُ كَمَا يَتَحَاتُّ اَلْوَرَقُ مِنَ اَلشَّجَرِ".

وأخيرًا.. ونحن نعيش الأيام النوفمبرية المباركة بمناسبة العيد الوطني الرابع والخمسين يجدر بنا جميعاً أن نحافظ على هذه التقاليد المتمثلة في الإرث العُماني الأصيل المستمد من هويتنا الإسلامية المباركة، وقيم ديننا الحنيف، فهو أمانة عظيمة بين أيدينا، يجب الحفاظ عليها بالتمسك بالتقاليد والقيم الأصيلة التي تعكس ما جبلت عليه الشخصية العُمانية من سمو أخلاقها ودماثتها وحسن استقبالها وتعاملها مع الآخرين.

** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

القمر الصناعي العُماني.. انطلاقة علمية واقتصادية واعدة

أظهرت وسائلُ الإعلام مشاهدَ إطلاق سلطنة عُمان صاروخا يحمل أول قمر صناعي مسجّل باسمها؛ ليكون بمثابة القفزة التقنية في مسار التطوّر التقني وتعزيز موقع سلطنة عُمان في نطاق الفضاء والتنافس العالمي فيه. يأتي هذا المشروع الفريد من نوعه الذي أطلقته شركة «عدسة عُمان» ليستعرض الطموح العُماني الرامي إلى تحقيق الرؤى العلمية والتقنية بوسائلها المتقدمة، وليقود عُمان إلى مصاف الدول الساعية إلى تعزيز وجودها في الفضاء واستغلاله لخدمة مشروعات التنمية المستدامة، وليُعبّر عن الرؤية الوطنية المتطلعة نحو تحقيق إنجازات كبيرة في عالم الفضاء وأنظمة الاستشعار عن بُعد، وسبق هذه الخطوة توجّه سلطنة عُمان عبر جهازها الاستثماري في الاستثمار في شركة «Space X» الأمريكية التي يملكها الملياردير الأمريكي «أيلون ماسك» تأكيدا على وجود الإرادة العُمانية القوية في مواكبة التقدم العلمي وتفعيله في نطاق الاستثمار والبناء الاقتصادي والعلمي. قبل أن نتناول القراءة العلمية والاقتصادية لهذا المشروع العُماني؛ فنحن بحاجة إلى تعريف موجز بهذا هذا القمر الصناعي العُماني الذي يحمل الاسم «OL-1»، وتحديد ملامحه العلمية والتقنية بوظائفها العامة؛ إذ يمتلك هذا القمر الصناعي تقنيات رقمية متعددة تجمع بين الذكاء الاصطناعي وأنظمة الاستشعار المتطوّرة، وليعمل بمنزلة المنظومة الرقمية الذكية القادرة على جمع البيانات والصور وتحليلها في الوقت الفعلي والمباشر دون الحاجة إلى التدخل البشري نظرا إلى ارتباطه بأجهزة استشعار متقدمة وذكية تعمل على تصوير تفاصيل دقيقة للمظاهر الطبيعية والبنية التحتية لعموم المساحات الجغرافية في سلطنة عُمان.

بجانب ما يمكن أن تضيفه هذه الخطوة من تقدم عُماني في مجال علوم الفضاء؛ فإنها تعكس أيضا القدرات العُمانية في الاستفادة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي بشكل متقدّم يتجاوز الأطر الوظيفية المألوفة؛ حيث تستطيع أجهزة الاستشعار المتصلة بالقمر الصناعي من جمع البيانات، ويأتي بعده دور أنظمة الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات بشكل أسرع وأكثر فعالية من النماذج التقليدية. يسهم حضور مثل هذه التقنيات المتقدمة في تقديم حلول مستدامة للتحديات البيئية والاقتصادية عبر توفير معلومات دقيقة تُسهم في اتخاذ قرارات استراتيجية مبنية على أسس علمية واقعية.

يتجاوز الطموح الذي يظهره هذا المشروع المظاهر التقليدية العلمية الفارغة من الغايات الوطنية المتعددة؛ فنجده يعكس الرؤية العُمانية الاستراتيجية المتعلقة برفد قدرتها على مراقبة مواردها الطبيعية وإدارة مشروعاتها التنموية، وفي مراقبة التغيرات المناخية والبيئية، ورصد الظواهر الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف، واتخاذ قرارات عملية استباقية للتقليل من تأثيراتها السلبية؛ فسيسهم تفعيل هذه الأنظمة التقنية في حماية البيئة وضمان استدامة الموارد الطبيعية الذي سيتلاءم بدوره مع «رؤية عُمان 2040» التي تضع التنمية المستدامة في صُلب أولوياتها.

كذلك يُمثّل هذا القمر الصناعي أداة فعّالة لدعم مشروعات التخطيط العمراني في السلطنة عن طريق توفير بيانات دقيقة تتعلق بالبنية التحتية وتوزيع المناطق الحضرية، ويُمكن للجهات المختصة التخطيط بشكل أفضل للمشروعات المستقبلية وتطوير المدن بما يواكب احتياجات السكان المتزايدة، ويمكن أن يساهم في رصد الأراضي الزراعية وتقويم مستويات خصوبتها مما يساعد في تحسين الإنتاج الزراعي ورفع معدلات استدامة الأمن الغذائي العُماني ورفع درجات الاكتفاء الذاتي؛ ليبرز هذا المشروع أبعادا علمية واقتصادية كبيرة.

في نطاق البحث العلمي والابتكار، يعزز هذا المشروع مسارات التعاون الدولي خصوصا مع شركات التقنية العالمية المتخصصة في علوم الفضاء؛ ليعكس الطموح العُماني والتزامه بتبني أحدث التقنيات والاستفادة من الخبرات العالمية لتطوير الكفاءات الوطنية، وسيوفّر هذا التعاون فرصَ تبادلِ الخبرات والمعرفة وأدواتها؛ ليرفد الكفاءات العُمانية ويرفع من قدراتها على إدارة مشروعات الفضاء وتشغيلها. في الجانب الاقتصادي، وفق التجارب العالمية في إطلاق الأقمار الصناعية والنشاطات الفضائية؛ فإن هذا المشروع يمكن أن يسهم في رفد الاقتصاد الوطني واستدامته عبر عدة منطلقات منها تطوير صناعات جديدة وفتح مجالات استثمارية في قطاع الفضاء والتقنيات المتقدمة، و يمكن لهذه التطورات أن تقود إلى توفير فرص عمل جديدة غير معهودة سابقا مثل الصناعات الإلكترونية الدقيقة المعنية بأنظمة الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي وغيرها من التخصصات العلمية؛ فنأخذ مثلا ما نشرته الحكومة البريطانية في موقعها الرسمي أن نشاطات الفضاء ومحطاتها في المملكة المتحدة قادت إلى إيجاد فرص عمل جديدة في مناطق مثل اسكتلندا.

من الممكن أن تظهر بعض الآراء التي لا ترى ضرورة لهذه النشاطات، ولا ترى فيها ملامحَ اقتصادية واستثمارية مجدية، ولكن الإحصاءات الواقعية من تجارب بعض الدول أكدت واقعية البعد الاستثماري والمردود الاقتصادي في قطاع الفضاء؛ فنجد -مثلا- شركة «Rocket Lab» الأمريكية تؤكد حدوث زيادة في إيراداتها بنسبة تصل إلى 55٪ في ربعها الثالث لعام 2024م، وبلغت ما يقرب من 104.81 مليون دولار كما يُشير موقع «Investopedia». كذلك تظهر هذه الملامح المتعلقة بجدوى الاستثمار في مشروعات الفضاء في دول أخرى مثل الهند التي تعمل على تصنيع أقمار صناعية صغيرة بتكاليف معقولة تقودها إلى التمكّن من الاستحواذ على حصة كبيرة من سوق إطلاق الأقمار الصناعية الذي يُتوقع أن تصل إلى 14.54 مليار دولار بحلول عام 2031م استنادا إلى ما نشره موقع «رويترز». تقودنا مثل هذه النماذج -التي لا أظن أنها كانت غائبة عن صنّاع القرار المعنيين بمشروعات الفضاء العُمانية- أننا لابد من تجاوز الأنماط التقليدية في نشاطاتنا الاقتصادية، وأن علينا أن نواكب التقدم العلمي ونتعلم من تجارب الدول الأخرى في تحويل المنظومات العلمية إلى مخرجات اقتصادية واعدة تحقق الاستدامة المطلوبة، ولا أجد في حاضرنا أفضل من مثل هذه النطاقات العلمية التي نحتاج أن نلمَّ بها ونفعّلها في اقتصاداتنا؛ فبجانب ما سبق أن ركّزنا على أهمية الاستثمار فيه مثل الهيدروجين الأخضر والذكاء الاصطناعي؛ فإن مشروعات الفضاء تأتي في مرتبة عالية، وسيعزز النجاح فيها مسيرة اقتصادنا الرقمي.

مقالات مشابهة

  • العيد الوطني الـ54.. احتفاء بالهوية العُمانية والإنجازات الوطنية
  • الازرق: الاعلام من الاسلحة التي تعول عليها الدولة في الوقت الراهن
  • ” عندما يكون الفن القوة التي تتحكم في التعايش السلمي ونبذ الاعراف البالية “فصلية “
  • الجمعية البريطانية العُمانية تنظم "ملتقى الذكاء الاصطناعي"
  • القمر الصناعي العُماني.. انطلاقة علمية واقتصادية واعدة
  • مزور: النفايات التي ننتجها غير كافية للصناعة و العالم كيضارب عليها
  • ندوة تناقش دور الموروث العربي في ربط الثقافات العالمية
  • مسؤول في “البنتاغون”: اليمن أصبح يمتلك تكنولوجيا صناعة الصواريخ الباليستية التي تستحوذ عليها الدول المتقدمة فقط
  • وصول قاتل الضابطين السعوديين ‘‘العروصي’’ إلى صنعاء.. والكشف عن الشخصية التي تمكنت من تهريبه