تصاعد الاستنزاف جغرافيا ونوعا يجعل الإسرائيلي في مربع يصعب عليه أن يبرمج الميدان بتوقيته أو بمسارات مخططه الذي أعلنه منذ بداية الحرب، بل يضيف للمشهد عنصر التخبط الذي يربك حساباته المعنوية والإعلامية ورسائله السياسية التي كان يريد إيصالها محليا ودوليا.
وبقراءة الميدان ينعكس الاستنزاف المتصاعد سلبا على قوة الجيش ومصداقية القيادة السياسية، وبالقياس بمعارك الاستنزاف التاريخية يعتبر رد الفعل الإسرائيلي الحالي للتخلص من الاستنزاف ودفع الهزيمة أحد أهم مكونات انتصار المقاومات، حيث كان يسعى المحتل لتكثيف الضغط على الحاضنة الشعبية وزيادة الترهيب دون دراسة أبعاد تلك الخطوات على صعيد بقاء فكرة الترويض أو تمرير المشهد دوليا.
ينعكس الاستنزاف المتصاعد سلبا على قوة الجيش ومصداقية القيادة السياسية، وبالقياس بمعارك الاستنزاف التاريخية يعتبر رد الفعل الإسرائيلي الحالي للتخلص من الاستنزاف ودفع الهزيمة أحد أهم مكونات انتصار المقاومات
وبذلك نستطيع القول إن إسرائيل تمر الآن بمرحلة انكسار معنوي وسياسي وأمني جراء خطيئة ارتكبتها في التعامل مع غزة والجبهات وحتى استغلال التطورات الدولية، وهذا يعتبر نجاحا متطورا لما أطلقت عليه الجبهات حرب الاستنزاف الطويلة. بالفعل زادت إسرائيل من أهدافها الاستراتيجية واعتمدت على تضخيم إمكاناتها وتعمقت في الميدان، واستخدمت كل القوة دون أن تغلق حسابا واحدا في المنظور الاستراتيجي، ما يعني أن هذا الفشل الذي لحق بها سيدفعها إلى خيارين على الأقل لتجنب البقاء في هذا المربع:
إما وقف الحرب وإعلان الهزيمة؛ وهذا له تداعيات ودفع ثمن مؤجل، وطالما فاز ترامب فإنهم جمدوا هذا الخيار لصالح الآخر، وهو التصعيد وتطبيق مخططات ظنوا أنها ستخرجهم من حالة الاستنزاف أو دفع الثمن، خاصة أن فكرة التحالف الإبراهيمي يعمل عليها نتنياهو ليل نهار، ويطور مبدأ الناتو العربي مع ترامب في إطار تقسيم أمريكي في استخدام الحلفاء، بينما الناتو الغربي ستوكل له مهمة الملف الأوكراني بمال وإمداد وجهد أوروبي، ومن جهة أخرى يطورون فكرة الناتو العربي بالسياق ذاته لإخماد بؤر المواجهة في المنطقة بحجة الحاجة إلى الهدوء والاستقرار؛ من منطلق أن مقاومات الشعوب هذه مضرة بالأنظمة واستقرارها على قاعدة "وجودها بوجود إسرائيل".
سيكون المشهد القادم تصعيديا بامتياز، وفيه هوس التطبيع السريع وتحقيق أي هدف من الأهداف العالقة
وبالتالي، سيكون المشهد القادم تصعيديا بامتياز، وفيه هوس التطبيع السريع وتحقيق أي هدف من الأهداف العالقة.
في هذه الحالة يبدو أن المقاومة كانت تحسب حسابها، لذلك تدرجت في محطات تصعيدها وأبقت في جعبتها ما يناسب كل مرحلة، خاصة أن المشهد بات عابرا للحدود والخطوط الحمراء والسياسات التي كانت يوما محددات.
ما زالت الساعة بتوقيت المقاومة رغم الإبادة وغبار الدمار الذي يريده الإسرائيلي حاجبا لميدان الاستنزاف.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاستنزاف الإسرائيلي غزة ترامب نتنياهو المقاومة إسرائيل مقاومة غزة نتنياهو استنزاف مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
محللون: الانتقادات الإسرائيلية لنتنياهو تعكس شعور الهزيمة في الحرب
القدس المحتلة- حملت الانتقادات التي تشهدها إسرائيل لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على خلفية ما تم تسريبه في تل أبيب من بنود ومعلومات عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، في طياتها كثيرا من الرسائل بشأن تفاقم الصراعات الداخلية، ومستقبل حكومة نتنياهو، وعلاقتها بإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وعكست الانتقادات والهجوم على نتنياهو حالة الصراع الداخلي بالمجتمع الإسرائيلي حيال الفشل في منع الهجوم المفاجئ بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والإخفاق في تحقيق أهداف الحرب على قطاع غزة، والفشل في القضاء على حركة حماس، وتبدد "النصر المطلق" الذي وعد به نتنياهو.
وتعالت الأصوات بالساحة السياسية الإسرائيلية التي اتهمت رئيس الوزراء بالهزيمة، معتبرة أنه تعمد إطالة أمد الحرب، وهو ما كبّد إسرائيل مزيدا من الخسائر، مع رفض نتنياهو خطة الرئيس الأميركي جو بايدن في مايو/أيار 2024 لصفقة التبادل التي هي مماثلة لبنود الاتفاق المتبلور بهذه المرحلة، والذي قبله بضغط من فريق ترامب.
المحللون في إسرائيل يرون أن نتنياهو (يمين) خضع لضغط من فريق ترامب وقبل اتفاقا كان يرفضه سابقا (الجزيرة) صراعات داخليةتتجاوز الانتقادات لنتنياهو، بحسب قراءات المحللين، السجال الداخلي بالمجتمع الإسرائيلي، للتصدع في معسكر اليمين وائتلاف حكومة نتنياهو الذي كان يرى بالحرب التي استبعد منها معسكر المعارضة معركته من أجل تحقيق مشروعه الاستيطاني في كل فلسطين التاريخية.
وأمام الصراعات داخل أحزاب اليمين المشاركة في الحكومة، تذهب قراءات المحللين إلى القول بوجود صعوبات تواجه استمرار ائتلاف الحكومة الحالية، الأمر الذي يضع نتنياهو أمام سيناريوهات وخيارات صعبة بكل ما يتعلق بمستقبله السياسي.
وبحسب سيناريوهات المحللين، قد يلجأ نتنياهو إلى تشكيل حكومة بديلة مع أحزاب المعارضة، وذلك بهدف تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، ليظهر للمجتمع الإسرائيلي بأنه لا يتحمل بمفرده مسؤولية ما حدث.
إعلانفي هذه الحالة ليس مستبعدا أن يضطر رئيس الوزراء إلى التوجه إلى الخيار الأخير، وهو تفكيك حكومة اليمين المتطرف والتوجه إلى انتخابات مبكرة للكنيست. وذلك يعني، حسب تقديرات المحللين، أن كل الخيارات تعكس صعوبة الوضع الذي يوجد به نتنياهو.
الباحث بالشأن الإسرائيلي أمير مخول: الهجوم على نتنياهو وانتقاده يعكس شعور إسرائيل بالهزيمة وانتكاسة المشروع الاستيطاني (الجزيرة) حرب عبثيةوفي قراءة للانتقادات الداخلية التي توجه إلى نتنياهو، يرى الباحث بالشأن الإسرائيلي أمير مخول أن ذلك يعكس الإدراك الإسرائيلي أن نصف العام الأخير من القتال في قطاع غزة كان بمنزلة حرب عبثية دون أي أهداف واضحة، عدا عن الإبادة الجماعية للفلسطينيين.
وأوضح مخول، الباحث في "مركز التقدم العربي للسياسات"، للجزيرة نت، أن الهجوم الإسرائيلي الداخلي على نتنياهو يشير إلى أن "النصر المطلق" الذي وعد به تبخر وتراجع وما عاد له أي وجود، وهذه الانتقادات تدخل في سياق مرحلة تأسيس لجنة تحقيق رسمية بشأن الخسائر والإخفاقات لإسرائيل، وكذلك بقاء حركة حماس بالحكم في غزة.
وتعكس هذه الانتقادات، بحسب مخول، التقديرات الإسرائيلية بأن نتنياهو ضلّل المجتمع الإسرائيلي وأنه لا يريد القضاء على حماس بل إضعافها، وذلك من أجل عدم خلق أي بدائل لها في غزة، وكذلك استبعاد وجود كيان موحد في القطاع يؤسس لوحدة مع الضفة الغربية، بغية تجنب إقامة دولة فلسطينية بحسب القرارات الدولية.
شعور بالهزيمة
وأشار المتحدث نفسه إلى أن الهجوم على نتنياهو وانتقاده يعكس شعور إسرائيل بالهزيمة وانتكاسة المشروع الاستيطاني سواء في شمال القطاع أو في جنوب لبنان، وهي انتكاسة تفقد إسرائيل عمقها الإستراتيجي وتعزز المقولة إن "إسرائيل هزمت".
وسوّغ مخول مضمون وجوهر هزيمة إسرائيل بتعويل اليمين الإسرائيلي المتطرف على ترامب لتحقيق مشروعه، حيث إن المعلومات المسربة من اتفاق وقف إطلاق النار توحي بانتكاسة حلم اليمين الاستيطاني مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وهو ما تكرر في المشهد اللبناني، فالقوات الإسرائيلية أيضا ستنسحب من جنوب لبنان.
إعلانويعتقد الباحث بالشأن الإسرائيلي أن التسريبات حول الاتفاق المتبلور تشير إلى أن قرارات ترامب لا تسير بحسب أجندة نتنياهو وسياساته، ومن ثم فليس من المستبعد أن تكون نهاية حقبة نتنياهو بالذات خلال ولاية ترامب الذي تتناغم إدارته مع طرح وأجندة رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت الذي قد يغير المعادلة بدخول معترك الحياة السياسية مجددا.
وعن تداعيات الانتقادات على مستقبل نتنياهو، يقول مخول "في بداية الحرب كان الشرخ المجتمعي الإسرائيلي بين كتلة نتنياهو والكتلة المناهضة له، لكن في هذه المرحلة انتقل الصراع إلى الائتلاف وداخل كتلته التي ما عادت متماسكة وتشهد صراعات داخلية، سواء على خلفية وقف الحرب والاستيطان في غزة وجنوب لبنان وكذلك ضم الضفة وتجنيد الحريديم".
المحلل السياسي طه إغبارية: ما حدث من وجهة نظر المجتمع الإسرائيلي كان زلزالا (الجزيرة) ضربات متلاحقةالطرح ذاته تبنّاه المحلل السياسي طه إغبارية الذي يعتقد أن الانتقادات تعكس حقيقة فشل وإخفاق نتنياهو الذي رفض بالأمس ما يقبل به اليوم، وذلك تحت طائلة الضغط الأميركي، حيث بات واضحا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي خضع لما يطلبه ترامب بهذه المرحلة، وكذلك لمطالبه وسياساته في المراحل المقبلة.
وأوضح إغبارية -للجزيرة نت- أن الهجوم على نتنياهو وانتقاده يصبّ باتجاه أن الرأي العام الإسرائيلي كان يريد إنهاء الحرب والوصول إلى صفقة تبادل في مرحلة مبكرة، وذلك لتجنب إسرائيل المزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية والإستراتيجية.
ويرى المحلل السياسي أن هذه الانتقادات تعكس إجماعا بإسرائيل أنها منذ طوفان الأقصى تلقت ضربات متلاحقة من المقاومة الفلسطينية، وتظهر في هذه المرحلة مأزومة وخاضعة لإملاءات ترامب، وتلقت هزيمة مدوية ترغمها على قبول الصفقة واتفاق وقف إطلاق النار المتبلور الذي يأتي في ظل تصاعد ضربات المقاومة للجيش الإسرائيلي في شمال قطاع غزة.
إعلان
مرحلة جديدة
ويرى طه إغبارية أن تصاعد وتيرة الانتقادات يؤسس لمرحلة جديدة من شأنها أن تفضي إلى تفكك الحكومة الحالية إن لم يتراجع رئيس الوزراء عن اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، وسط تعاظم التيار بالمجتمع الإسرائيلي الذي يطالب بمحاكمة نتنياهو جراء الإخفاق بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتداعيات هذا الإخفاق بالبعد الإستراتيجي على إسرائيل.
ولفت إلى أن إسرائيل، التي خاضت حربا هي الأطول في تاريخها، تلقت ضربات قوية وكارثية على الصعيد الاقتصادي والأمني والعسكري، إذ إن هذه الانتقادات ستضع كل الإخفاقات على الطاولة لمحاسبة ومحاكمة كل من كان في منصب قيادي عند وقوع الهجوم المفاجئ في يوم "السبت الأسود".
وحيال ذلك، يرى إغبارية أن الحكومة الحالية بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة مع التسريبات الإسرائيلية بشأن اتفاق وقف إطلاق النار، فما حدث من وجهة نظر المجتمع الإسرائيلي كان زلزالا، بحيث كان بالإمكان وقف الحرب بمرحلة مبكرة وتجنب الهزيمة والخسائر العسكرية الاقتصادية التي ستكون لها تداعيات على مستقبل إسرائيل.