مقال بنيوزويك: الرئيس الصيني يُعِد بلاده للحرب
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
نشرت مجلة "نيوزويك" الأميركية مقالا للكاتب الصحفي والمعلق السياسي الصيني جوردون جي تشانغ، يتحدث عن إقالات وحوادث اختفاء وانتحار في صفوف قادة فرع من الجيش الصيني مؤخرا، في حين يرى الكاتب أن له علاقة بتحضيرات يقوم بها الرئيس الصيني شي جين بينغ للدخول في حرب.
وقال تشانغ، وهو مؤلف كتاب "الانهيار القادم للصين"، في مقاله بنيوزويك إن شي جين بينغ أقال القيادة العليا للقوة الصاروخية الصينية المسؤولة عن جميع الرؤوس الحربية النووية الصينية التي يقدر عددها بنحو 400 رأس نووي.
وأوضح أن الرئيس الصيني أقال كلا من قائد القوة الصاروخية، لي يوتشاو، ومفوضها السياسي، شو تشونغ بو، في خطوة وصفها بأنها غير مسبوقة، مضيفا أن القائدين المذكورين مختفيان عن الأنظار منذ إقالتهما.
ووفق المقال فقد اختفى أيضا كل من نائب لي، ويدعى ليو جوانجبين، ونائبه السابق تشانغ تشن تشونغ، وتزامن ذلك مع ورود أنباء تفيد أن قائدا عسكريا آخر يدعى وو غوهوا، وهو نائب آخر لقائد القوة الصاروخية، قد انتحر في مطلع شهر يوليو/ تموز الماضي.
واستنادا إلى تلك الأحداث يقول الكاتب إنه يبدو أن الرئيس الصيني يفكر في استخدام أسلحته الأشد فتكا أو التهديد باستخدامها على الأقل. ويضيف "بعبارة أخرى، يبدو أن الصين تستعد للدخول في حرب."
لماذا يجري "تطهير الجيش"؟
ويشير إلى أن الإقالة المتزامنة لقائدين في أعلى سلم قيادة القوة الصاروخية لم يسبق لها مثيل، كما أن تعيين شخصيات في منصبيهما كانت تشغل مناصب في فروع أخرى بالجيش، يعد أمرا غير مسبوق كذلك.
فقائد القوة الصاروخية الجديد، وانغ هوبين، من البحرية الصينية، أما المفوض الجديد، شو شيشنغ، فهو من القوات الجوية الصينية وفق المقال.
كما يشير تشانغ في مقاله إلى أن بعض المراقبين الأميركيين يعتقدون أن التطهير الشامل في صفوف الجيش يستهدف الفساد المستشري في الرتب العليا في جيش التحرير الشعبي الصيني. فقد وصف الكاتب الصحفي كريس باكلي بصحيفة نيويورك تايمز، على سبيل المثال، الإقالات في الجيش الصيني بأنها "تعديل غير مفهوم يشير إلى شكوك تتعلق بالفساد أو مخالفات أخرى."
لكن تشانغ لا يتفق مع المراقبين الأميركيين في الاستنتاج الذي خلصوا إليه، ويستدل على صحة رأيه بتصريح أدلى به مصدر مُطّلع فضل عدم الكشف عن هويته لصحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" -ومقرها هونغ كونغ- جاء فيه أن "جميع كبار الجنرالات تقريبا كانوا يتمتعون بسمعة طيبة قبل ترقيتهم".
وبحسب المقال فقد دأب الرئيس الصيني طوال فترة حكمه على مدى عقد من الزمن، على التسامح مع كبار الضباط الفاسدين في جيش التحرير الشعبي الصيني ممن يدينون له بالولاء. لذلك فإن الكاتب يستبعد أن يكون الفساد هو السبب وراء ما وصفه بـ"عملية التطهير" التي شهدتها "قوة الصواريخ"، ويرى أن الفساد لا يعدو أن يكون قد استخدم كذريعة مناسبة.
ويقول إن التفسير الأرجح لعملية التطهير تلك يتعلق بأمر آخر، حيث يقوم الرئيس الصيني منذ بداية العام الجاري، بتطهير الجيش من الضباط المعارضين للحرب لأنه يستعد لها.
استعدادات الحرب
ويشير المقال إلى قرائن أخرى تبرهن على أن الرئيس الصيني وحزبه الحاكم عاكفون على التحضيرات للحرب، إذ يقول إن شي جين بينغ كثير الحديث عن الحرب في هذه الأيام، وإن نظامه يستعد لها بوتيرة سريعة.
كما يشير إلى أن الحزب الشيوعي يقوم بأكبر حشد عسكري منذ الحرب العالمية الثانية، ويحاول في الوقت نفسه تحصين البلاد ضد العقوبات، وتخزين الحبوب والسلع الضرورية، وجمع المعلومات عن أميركا للوقوف على أهداف للضربات وعمليات التخريب، كما يعكف على تعبئة المدنيين الصينيين للمعركة.
وحول الدوافع التي تجعل الرئيس الصيني يختار الزّج ببلاده في أتون الحرب، يقول الكاتب في ختام مقاله إن الأوضاع في الصين تتدهور بسرعة، وإن اللوم في ذلك يلقى على رئيسها.
وقد صرّح الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي خلال حضوره حدثا سياسيا في ولاية يوتا الأميركية بأن " الصين في ورطة". ويرى تشانغ أن المخرج الوحيد أمام شي من تلك الورطة هو حشد الشعب الصيني لمواجهة أزمة خارجية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الرئیس الصینی
إقرأ أيضاً:
مقال في الغارديان يناقش أزمة القيادة الفلسطينية.. قضية تخص من؟
نشرت صحيفة الغارديان مقالا للباحثة في السياسة الفلسطينية، دانا الكرد، قالت فيه إنه ومنذ الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة، ركزت أغلب دول العالم على التأثيرات المباشرة للدمار في القطاع. وركزت المناقشة على الهيئات التي ستدير المساعدات، وكيف قد تبدأ إعادة الإعمار، ودور الجهات الفاعلة الدولية وشروط وقف إطلاق النار الهش.
الكرد وهي زميلة غير مقيمة في المركز العربي بواشنطن، قالت إن هذه كلها قضايا مهمة. ولكن هناك شيء مفقود من هذه المناقشة، ومن اتفاق وقف إطلاق النار: الفلسطينيون أنفسهم وحريتهم السياسية.
وتابعت "كما يجب طرح الأسئلة التالية: ماذا سيحدث للحركة الوطنية الفلسطينية في أعقاب هذه الحرب؟ من سيتحدث باسم الفلسطينيين، ويتفاوض على شروط الاتفاقيات المحتملة مع إسرائيل في المستقبل؟ هل عادت الأطر السابقة للتفاوض ذات صلة اليوم؟".
وأضافت أن "الواقع أن الفلسطينيين يشعرون بالارتياح لأن وقف إطلاق النار أُعلن أخيرا، بعد خمسة عشر شهرا من الدمار الذي لا يمكن تصوره والذي يصفه العديد من الخبراء بالإبادة الجماعية. فقد تجاوزت الحرب في نطاقها نكبة عام 1948، التي طُرد فيها نحو 750 ألف فلسطيني من منازلهم".
وهناك مخاوف جدية بشأن شروط وقف إطلاق النار. وكما يشير أحد الباحثين، قد يكون الاتفاق في الواقع "عقد خنق"، مصمم لإيقاف القتال مؤقتا مع تغيير الحقائق على الأرض. والحقيقة أن تزامنه مع إطلاق إسرائيل لعملية الجدار الحديدي، الحملة القمعية على الضفة الغربية، أمر مثير للقلق بشكل خاص. والواقع أن إدارة ترامب الثانية التي تضم أمثال مايك هاكابي، والتي كانت على استعداد لدعم الهيمنة الإسرائيلية الكاملة في الضفة الغربية، تؤكد المخاوف الفلسطينية. ولا يغطي الاتفاق مسألة الحكم الفلسطيني ــ فقد اقترح وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن أن السلطة الفلسطينية، بدعم من الشركاء الدوليين، قد تشرف على الأراضي، ولكن هذا لم يتم التفاوض عليه بعد.
ولكن العديد من الفلسطينيين ينظرون إلى اللحظة الحالية باعتبارها انتصارا على بعض المستويات. فقد تم تهجير سكان غزة بشكل جماعي ولكنهم لم يطردوا. وأصر الفلسطينيون على مطالبهم بالبدء في العودة إلى ما تبقى من منازلهم في شمال القطاع، وحققوا ذلك. فضلا عن ذلك فإن الهوية والقومية الفلسطينية ما زالت حية وبخير، مع توسع الحركة الداعمة للحقوق الفلسطينية على مستوى العالم في نطاقها واعتراف العالم بها على مدى العام الماضي من الحرب. وكل هذه التطورات جديرة بالملاحظة.
وهذا يقودنا إلى الأزمة الرئيسية التي تعصف بالسياسة الفلسطينية الداخلية اليوم: وهي القيادة التي يُنظَر إليها على أنها غائبة أو غير شرعية.
وتتخذ القيادة الفلسطينية حاليا شكلين. فهناك المكتب السياسي لحماس، الذي يتولى رئيسه بالوكالة التفاوض في قطر، والسلطة الفلسطينية التي تديرها فتح في رام الله. ولم يرتق أي منهما إلى مستوى الحدث، ولا يزال من غير الواضح كيف يعتزم أي منهما متابعة المطالبات الوطنية الفلسطينية بعد هذه اللحظة. والواقع أن حقيقة وجود طرفين يدعيان تمثيل الشعب هي أوضح علامة على الركود السياسي الذي يواجهه الفلسطينيون.
منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، سُمح للسلطة الفلسطينية التي تديرها فتح، بدعم من الولايات المتحدة وبالتنسيق مع إسرائيل، بالعمل في أجزاء من الضفة الغربية. وقد ادعت شرعيتها على الساحة الدولية، في حين رفضت في الوقت نفسه إجراء انتخابات أو تحمل المسؤولية أمام الفلسطينيين بأي شكل جاد. وقد همشت فتح مرشحي القيادة البديلة والمعارضة للرئيس الحالي محمود عباس. والأمر المهم هو أن السلطة الفلسطينية لم تتمكن من حماية الفلسطينيين من عنف المستوطنين المتزايد أو غارات الجيش الإسرائيلي. وقد ساعدت السلطة الفلسطينية إسرائيل بشكل صادم في التنسيق الأمني والقيود خلال حرب غزة. ولكن طالما استمرت في دورها في التنسيق الأمني مع إسرائيل، لم يهتم أحد في المجتمع الدولي بأن السلطة الفلسطينية فقدت شرعيتها منذ فترة طويلة بين شعبها.
وفي المقابل، جاءت حماس للسيطرة على غزة بعد فوزها في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في عام 2006. واستولت على السيطرة على قطاع غزة بعد رفض نتائج تلك الانتخابات من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. ومنذ ذلك الحين، لم يجد أحد في المجتمع الدولي ضرورة ملحة لمعالجة حقيقة مفادها أن الأراضي الفلسطينية كانت تحكم بشكل منفصل، أو أن الناس في غزة اضطروا إلى تحمل حصار شديد منذ استيلاء حماس على القطاع. وحتى السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، افترض صناع السياسات أن "التوازن العنيف" بين حماس وإسرائيل سوف يستمر، وأن هذا الوضع الراهن من الحكم المنقسم والقيادة غير المسؤولة وعدم وجود حلول سياسية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني سوف يظل مستداما.
إن الأشهر الخمسة عشر الماضية تظهر أن هذا الوضع لم يكن مستداما أبدا. ونحن نعلم أن الشعب الفلسطيني يصر على أن يحكم نفسه ويدير شؤونه بنفسه، بما في ذلك في غزة على المدى القريب.
ولعل الفصيلين الفلسطينيين الرئيسيين، بعد أن استشعرا هذا الشعور العام، اتفقا بالفعل على تشكيل لجنة فنية لتقديم الخدمات في قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار ـ وإن كان من غير الواضح بعد ما إذا كان هذا الكيان سوف يتم دمجه في الاتفاق.
إذن، ماذا بعد؟ إن أغلبية الفلسطينيين يرفضون فكرة حكم السلطة الفلسطينية لقطاع غزة وحدها. وينظر إلى السلطة الفلسطينية باعتبارها المؤسسة التي أشرفت على تدهور الظروف المعيشية والحركة الوطنية. صحيح أن مؤسسات السلطة الفلسطينية تقدم بعض الخدمات الأساسية، ولكن اتهام عباس والسلطة الفلسطينية بخيانة القضية الفلسطينية يشكل موضوعا مشتركا في الخطاب الفلسطيني.
ومن الأهمية بمكان أن ندرك حقيقة مفادها أن حماس، على الرغم من الاستهجان الدولي وتصنيفها من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها كمنظمة إرهابية، اكتسبت بعض الشرعية بين الفلسطينيين منذ بدء الحرب. وتُظهِر استطلاعات الرأي العام المزيد من الدعم للمنظمة اليوم مقارنة بما كانت عليه قبل هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ومن المرجح أن يكون ذلك نتيجة لتأثير "التجمع حول العلم" الذي خلفته الحرب ــ إذ يعتقد 27% من الفلسطينيين الذين شملهم الاستطلاع في أيلول/ سبتمبر 2023 أن حماس هي "الأكثر استحقاقا لتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني"، مقارنة بنحو 43% في أيلول/ سبتمبر2024. ومع ذلك، لا يعتقد ثلث الفلسطينيين في أحدث استطلاع للرأي أن أيا من الطرفين يستحق القيادة. كما تريد أغلبية الفلسطينيين أن يدخل الطرفان في حكومة وحدة وطنية باعتبارها خيارهم الأول للتغيير السياسي بعد الحرب. وفكرة العودة إلى الحكم المنقسم، حيث تدير منظمة واحدة غزة والأخرى الضفة الغربية، تثير غضب كثيرين ممن يعطون الأولوية لوحدة فلسطين.
وأخيرا، من المهم أن نلاحظ أن قِلة قليلة من الفلسطينيين يوافقون على التدخل الخارجي. وهذا يتعارض مع الخطط التي طرحتها الإمارات، على سبيل المثال، والتي بموجبها تقوم القوات العربية المتحالفة مع إسرائيل "بتأمين" غزة بعد وقف إطلاق النار.
ولا توجد إجابات سهلة هنا. ولكن من الواضح أن الفلسطينيين سئموا الوضع الراهن الحالي، وأن أي محاولة لإعادة صياغة هياكل القيادة والحكم الحالية سوف تفتقر إلى الشرعية في نظرهم.
ومن المدهش أن أكثر من عام من الحرب لم يوضح حقيقة بسيطة: وهي أن الحل لهذا الصراع لا يمكن التوصل إليه بدون الشعب الفلسطيني. وعلاوة على ذلك، فإن توقع مواجهة الفلسطينيين لتهديدات وجودية لحياتهم وهويتهم ــ من خلال المجاعة والقصف والقمع وهجمات المستوطنين وغير ذلك ــ دون أي رد فعل هو مجرد تصديق للخيال. وإذا لم تكن هناك حلول سياسية، فإن العمل المسلح سوف يزداد حتما. وهذا هو ما شهدناه بالفعل في الضفة الغربية، وكما زعم بلينكن في وقت سابق من هذا الشهر: "لقد جندت حماس عددا من المسلحين الجدد يكاد يكون مساويا لعدد من خسرتهم". وينبغي أن يكون من المزعج للغاية للجميع أن الظروف التي سبقت هذه الحرب قد ساءت.
ولكي تكون أي حلول مستدامة، فلابد وأن يشارك فيها المجتمع الفلسطيني. وهذا يعني السماح للفلسطينيين باختيار قيادتهم، حتى يصبح كل من يتفاوض نيابة عنهم يتمتع بالشرعية في نظرهم. وهذا يعني أيضا السماح للفلسطينيين بالمساحة اللازمة للتفاوض داخليا، من دون أعمال انتقامية أو اغتيالات، من أجل التوصل إلى سبل للتقدم إلى ما هو أبعد من الثنائية بين فتح وحماس. وهذا يعني أيضا أن المجتمع الدولي لابد وأن يأخذ الحلول الجريئة والإبداعية على محمل الجد، بدلا من تجاهل أي مظاهر للحرية السياسية الفلسطينية.
ولا شيء أقل من هذا من شأنه أن يحل الأزمة المباشرة المتمثلة في المعاناة والدمار في غزة ــ ولا شيء أقل من هذا من شأنه أن يحقق السلام الطويل الأمد.