جباليا والضاحية والنزول عن الجبل
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
لم تكن غزوة أحد غزوة عابرة كغيرها من الغزوات بل بقيت رمزا عظيما وعبرة بليغة ودرسا قاسيا، وبات الناس من يومها فريقين: فريقا ثابتا مرابطا قويّا يستمسك بالجبل، وفريقا يختار النزول عن الجبل.
وما دمنا وصلنا إلى الرمز، فهل الجبل هو رمز القوّة والمنعة والتمكين والبقاء في علوّ القيم من حرية وعزّة وكرامة وسيادة وأنفة وكبرياء الأمم التي تستحق الحياة العزيزة الكريمة، والحياة دون الجبل تعني التخلّي عن كلّ هذا والرضى بالمذلّة والخنوع والتبعية والتخلّف، والرضى أن نكون ذيلا للأمم.
هناك في الأمّة من يقاتل وهناك من يحمي ظهر من يقاتل، هما الحصن الحصين لأمّة تريد أن تنتصر، ولا خيار ثالثا إلاّ النزول والهبوط وبالتالي تمكين الأعداء من الجبل ومن كلّ شيء فينا له اعتبار أو قيمة. يتحدّثون عن التطبيع مثلا، تطبيع مَن على مَن؟ من سيكون أعلى الجبل ومن سيكون أسفله؟ هل ترضى السياسة الامريكيّة في المنطقة وولايتها غير الشرعية أن يكونوا في سفح الجبل مثلا ونتقاسمه معا؟ ونتقاسم قمته وأسفله بروح رياضيّة إنسانيّة جميلة طيّبة بريئة؟ لا يمكن تصور هذا أبدا، المطلوب هو إنزالك عن الجبل أوّلا، ثم من موقعهم في قمّته والسيطرة الكاملة عليه يموضعونك حيث قبلت تحت أقدامهم.
ويقف نتنياهو على الملأ ليعرض صورة الجبل وأين هم وأين نحن، هو يريد أن يهندس الجبل وسنكون نحن الطرق المعبّدة والمسخّرة لخدمتهم ومن أبى فليس له إلا المحرقة والمقبرة. ويعلنون ذلك بخرائطهم وسياساتهم في الضم والقضم والاستيطان واستخدام أعتى أنواع الأسلحة، وهم في تعاليهم السياسي ينظرون إلى عالمنا بمنطق قمّة الجبل ونحن أسفل سافل الجبل. السياسة الأمريكية على سبيل المثال تصرّ منذ سنة على اعتبار ذراعها المنحطّ في الإبادة الجماعية على أنه يمارس الحق في الدفاع عن النفس، ويضعون من الشروط السياسية علينا وعلى لبنان بما يؤكد أنهم يمتلكون الجبل ونحن ليس لنا من الأمر شيء!
وتقف اليوم جباليا والضاحية كرمزين متجدّدين لجبل أُحد، ثلّة من الأحرار تستمسك بالجبل بين من يحارب ومن يحمي ظهر من يحارب. محور المقاومة اليوم هو الجبل، وتنقسم الأمّة اليوم ليس بين من نزل للغنائم قبل انتهاء المعركة ومن ثبت وبقي على البلاء صابرا، ظهرت فئة مقيتة جديدة تنضمّ إلى أعداء الجبل ثقافة وسياسة وإعلاما وقولا وفعلا، لم يكتفوا بالتخلي عن حماية ظهر المقاومة بل ذهبوا بعيدا مع عدوّ المقاومة وطعن ظهرها بكلّ خسّة ونذالة وصهينة.
على مذبح الحريّة وعلى طريقها الأغرّ، ومن معمعان معركة خالدة سيكتب تاريخها بماء من ذهب، تبرز الأيقونة الخالدة، تتجلّى جباليا من غزّة وتجسّد جبل هذه الأمة في هذا العصر بكل عنفوانها العظيم في مقارعة الشرّ العالمي بكلّ بشاعته ونذالته القذرة.
ويعانق لبنان غزّة عناق حب وعشق وقت الشدّة، ويستعدّ بروحه أن يدفع كل ما بوسعه من ثمن، يدخل المعركة بكلّ تفاصيلها ويضع نفسه وكلّ مكوّناته الجميلة تحت آلة الدمار العالمية الساحقة، عن علم ومعرفة يضحّي وينسج مع غزّة الحكاية، يرى حجم الهلاك والدمار الذي أعاد الكرّة تلو الأخرى على رمز عزّة غزّة، على جباليا، حيث هناك تركت الأمّة الجبل ونزلت حيث وديان اللمم وحثالة البشر، ولم يبق على الجبل إلا ثلّة من الكرام.
ماذا سيكتب التاريخ عن جباليا والضاحية والعراق واليمن؟ وماذا سيكتب عن عواصم اللمم؟ أناس عظام دفعوا الأرواح والدماء وآثروا الدمار وبأس كلّ ما في عالم الشرّ من فتك وقتل وضرر، وأناس لم تتحرّك لهم إرادة ولا تنفّسوا نفسا في وجه مستعمر لإيصال لقمة أو شربة أو جرعة دواء لمن لاكت أجسادهم صواريخ الدمار وبقوا على قيد حياة.
وماذا سيكتب التاريخ عن العرب اللمم الذين انحازوا للمجزرة ودعموا القاتل بكل ما أوتوا من مكر وسياسة ومال وولاء ومنذلة؟ يجلس الواحد على أريكة عريضة أمام شاشة ومذيع متفلسف يشرّق ويغرّب في السياسة وعلم الاجتماع والأخلاق والدين والفرق والمذاهب، يلوي أعناق العلوم والمعرفة التي في رأسه ويشيح بوجهها عن مناطق العزّة والألم، قد عطّل من حياته قيما عظيمة بها تسمو الأمم، لا عزّة ولا حريّة ولا كرامة ولا سيادة ولا حتى القدرة على رؤية من يجسّدون هذه القيم. لو علّموه فقط قراءة المشهد كما هو لرأى بزوغ الفجر ونفوذ النهار على الليل ولكان المشهد واضحا وضوح الشمس رابعة النهار، ولكنّهم علّموه أن يكون حاطب ليل لا يعرف كيف يلتقط الحطب.
قالت جباليا: أيتها الضاحية أنت لنا مفخرة، أنت الجبل، طبت وطاب من فيك من خير وإشراقة نصر وعزّ وتمكين سنحفظها في قلوبنا كنوزا ومأثرة.
وقالت الضاحية الجنوبيّة لجباليا: بل أنت الجبل، لك الله غزة وجباليا وكل ما فيك من عظمة مزهرة، فأنت خير من أحيا أمّة وأعاد لها روحها وشق لها طريقا للحرية والرفعة وتحقيق ذاتها بكلّ عنفوان وجدارة ومقدرة وأمل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه لبنان المقاومة غزة لبنان غزة المقاومة مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
بالفيديو.. مناشدات لإعمار المدارس في الجنوب اللبناني
جنوب لبنان- للمرة الأولى منذ إعلان اتفاق وقف القتال بين إسرائيل وحزب الله، يقصد المدرس علي حمدان مجمع المحقق الميسي الأكاديمي الفني في بلدته ميس الجبل قضاء مرجعيون، ليراه بحالة يرثى لها، فالمجمع الكبير الذي اعتاد زيارته يوميا، وكان يدرّس في صفوفه تلامذة من البلدة ومن خارجها، أصبح ركاما بفعل الغارات الإسرائيلية.
تغيرت كل المعالم بفعل التدمير، أصبح الملعب الشتوي رمادا وهبطت عليه الطوابق العلوية، أما الملعب الصيفي فأصبح خرابا بعد تلقيه كل العصف الناجم عن الانفجار، وركاما ممزوجا بدفاتر مدرسية ومقاعد لتلامذة مضى على نزوحهم قرابة عام و5 أشهر.
ويصف حمدان المشهد بالمأساوي، وفي جولة له مع الجزيرة نت في أرجاء المبنى المدمر، يبدي أسفه للحال الذي وصل إليه، مع كل ما يحمله من ذكريات وتفاصيل عاشها سنوات طويلة مع الكوادر التعليمية والتلامذة الذين مروا على هذا الصرح التربوي.
ويؤكد حمدان أنه كان مقصدا لتلامذة البلدة والقرى المجاورة، خاصة أنه يختصر عليهم عناء قصد المدن البعيدة للدراسة والتكاليف المادية الإضافية. وإلى جانب المدرسة في هذا المبنى، كان هناك المعهد الفني الذي يدرس مختلف الاختصاصات مثل التمريض والمحاسبة والكهرباء.
وعن تدمير هذا المجمع، يقول "تاريخيا تعاني ميس الجبل من الاعتداءات منذ عام 1948، ونحن نواجه عدوانا همجيا من العدو الإسرائيلي، وهذا المبنى تضرر جدا نتيجة هذه الاعتداءات، ومن الضروري إعادة الصروح التربوية المدمرة لضمان عودة الناس إلى المنطقة، فهناك مقومات أساسية لصمود الأهالي في القرى وعلى رأسها المدارس والمستشفيات".
صرح تربوي آخر تم تدميره في ميس الجبل وهو ثانوية المربي محمد فلحة الرسمية، المبنى الضخم الذي يضم 42 صفا، كان مقصدا للكثير من طلاب المنطقة، وكانت نتائجه مميزة في امتحانات الشهادتين المتوسطة والثانوية.
يوضح مدير الثانوية فرج بدران للجزيرة نت الأهمية الإستراتيجية للمنشآت التربوية في جنوب لبنان وخاصة في منطقة الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، "حيث إن هذه المنطقة بعيدة عن العاصمة وعن مدن مراكز الأقضية، ووجود هذه المؤسسات فيها ساعد التلامذة على الوصول إلى مستويات مميزة من التعلم بفضل الكوادر التربوية والإدارية".
إعلانويقول بدران إن هذه الكوادر بذلت جهودا جبارة قبل الحرب وخلالها، ولم تبخل أبدا بإعطاء التلامذة كل الاهتمام خلال فترة نزوحهم عبر تقنية التعلم عن بعد، ورغم مرارة النزوح وسوء الإنترنت، فإن الطلاب قدموا نتائج مميزة، وسجلت ثانوية المربي محمد فلحة نجاحا بنسبة 100% في امتحانات شهادة الثانوية الرسمية.
ويبدي أسفه وحزنه الشديدين لتدمير الثانوية، ويؤكد أن ذلك لن يمنع المدرسين من متابعة مسيرتهم، فقد اتخذت الإدارة القرار بمتابعة التعليم عن بعد في العام الدراسي الحالي رغم كل الصعوبات والتكاليف الإضافية التي تترتب عن هذه التقنية، "فإنه لا خيار آخر في الوقت الحالي، والمهم أن تستمر مسيرة التعليم".
وشدد بدران على ضرورة أن تتضافر جهود الجميع بدءا من الحكومة، ومرورا بوزارة التربية والبلدية في ميس الجبل والبلديات في بقية القرى والفعاليات السياسية، للمساهمة في إعادة الناس إلى القرى والمدن من خلال عودة التعلم الحضوري، وعلى ضرورة العمل على تأمين مبنى أو أماكن بديلة لاستقبال التلاميذ في العام الدراسي 2025-2026.
وأكد "لا يمكننا أن نقاوم تربويا إلا إذا كان لدينا تعليم حضوري في المنطقة، وذلك لا يكون إلا بوجود صروح تربوية ولو مؤقتة، ريثما يعاد إعمار المباني التي تدمرت".
وحال بلدة بليدا قضاء مرجعيون ليس بأفضل من حال جارتها ميس الجبل، فالدمار هنا سيد المكان، حيث جرى تدمير أكثر من 90% من البلدة، وكان للمدارس حصة منه، بين الركام يتنقل حيدر غازي ليصل إلى دكانه حيث يتفقد ما تبقى منه، ويؤكد للجزيرة نت أنه لم تبقَ أي مدرسة في بليدا فالاحتلال دمرها جميعها.
ويشدد غازي على أهمية عودة المدارس لتعود الحياة إلى القرى، ويطالب الدولة بالقيام بواجبها في إعادة بنائها، ويقول "إذا لم تقم الدولة بإعمار المدارس، فمن سيعمرها؟ يجب عليها أن تتحرك لتدعم التعليم والأطفال الذين أُرغموا على الابتعاد عن صفوفهم، حيث إن التعلم عبر الإنترنت لا يكفي".
إعلانأما بلدة عيتا الشعب قضاء بنت جبيل، والتي تقدّر التقارير أنها الأكثر دمارا في الجنوب اللبناني، فمعهدها الفني، الذي كان مؤلفا من 4 طوابق والذي يبعد 200 متر عن الحدود اللبنانية الفلسطينية، غدا اليوم رمادا بفعل التفجير الإسرائيلي.
ويشير مدير المعهد شربل إبراهيم -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن المعهد كان يستقبل طلابا من عشرات القرى المجاورة، وكان يخفف على الأهالي مصاريف التنقل إلى صور أو صيدا للدراسة، وكانت نتائجه مميزة، خاصة أنه يقدم العديد من التخصصات المهمة، حيث كان الطالب من عيتا الشعب أو من الضهيرة أو البستان يتعلم في المعهد مهنة ويحصل على شهادة ويستثمرها في العمل داخل بلدته وفي مجتمعه.
ويدعو إبراهيم المعنيين إلى ضرورة بذل الجهود لإعادة بناء المعهد، نظرا لأهميته لأبناء القرى الحدودية، ويؤكد أن "إعادته للعمل مع كافة الصروح التربوية في منطقة الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة ستكون رسالة للاحتلال بأن أصحاب الأرض لن يتركوها وثابتون فيها".
خلص التقرير الذي أعده البنك الدولي، بالتعاون مع المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان لتقييم الأضرار والاحتياجات الناجمة عن الحرب الأخيرة ما بين 2023 و2024، إلى أن الحرب أدت إلى أضرار قُدرت بحوالي 151 مليون دولار في قطاع التعليم، شملت التالي:
تدمير 59 مؤسسة تعليمية بالكامل. تضرر 299 مؤسسة جزئيا، حيث سُجلت معظم الأضرار في المدارس الخاصة، فدُمرت 34 مدرسة بالكامل، وتضررت 173 أخرى جزئيا.من جانبه، لفت عدنان الأمين مستشار وزيرة التربية والتعليم العالي في لبنان -في حديث للجزيرة نت- إلى أن إعادة إعمار المدارس مرتبطة بخطة الحكومة لإعادة الإعمار الشامل، لأنها تملك الخطة والدراسات اللازمة، كما أن الإعمار مرتبط بالتمويل وهو بعهدتها، "فحتى الساعة ما زالت الصورة ضبابية بهذا الشأن".
ووفقا له، فإن موضوع المدارس هو أولوية لدى الحكومة، و"من الضروري إعادة المؤسسات التربوية المدمرة خاصة في القرى الحدودية، لأن تلاميذها لم يفقدوا مدارسهم فقط بل منازلهم أيضا، ومنهم من التحق بمدارس حيث هم موجودون حاليا".
إعلانوأكد أن هناك تلامذة لم يتلقوا تعليمهم منذ فترة و"هذا أمر بحاجة لمعالجة جذرية، خاصة من لديهم شهادات رسمية فينبغي تأمين الدعم اللازم لهم من أجل تعويض ما خسروه خلال فترة الحرب والنزوح لأن التعلم حق للجميع".