أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن المؤتمر الذي تعقده كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر بعنوان: " الدعوة الإسلامية والحوار الحضاري رؤية واقعية استشرافية "، مؤتمر مهم أحسنت الكلية في اختيار موضوعه، لافتًا إلى أن عنوان المؤتمر السابق لكلية كان: " نحو شراكة أزهرية في صناعة وعي فكري آمن رؤية واقعية استشرافية "؛ والقاسم المشترك بين المؤتمرين هو الحرصُ على تحديد آفاق الرؤية التي تضع عينا بصيرة على الواقع بهمومه وقضاياه وتضع العين الثانية على استشراف المستقبل لترمق ملامحه من بعيد، والنفوس شغوفة بما يكون في المستقبل تسترق السمع، تتحسس صورته التي ربما لا يمهلها الأجل لتراها رأي عين.


ودعا رئيس جامعة الأزهر خلال كلمته بالمؤتمر اليوم الأحد إلى ضرورة أن يَعْمَلَ الإنسانُ في يومِه لما يُسْعِدُهُ في غده، مستشهدًا بمقولة سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"، وأن التخطيط للمستقبل والسعي لما يحقق تقدم العباد والبلاد لتُتِمَّ الأجيالُ القادمةُ ما بدأته وتعبت فيه الأجيالُ المعاصرة لهو من أهم وسائل القوة والنجاح والتقدم والازدهار، وقد سبقتنا الأمم بإتقانها هذا التخطيطَ وإحسانِها رؤيةَ آفاق المستقبل التي تقوم على أسس قوية وأعمدة راسخة تؤسس للبناء عليها في المستقبل.

وفي حديثه عن الحور الحضاري، بيَّن رئيس جامعة الأزهر أن موقع الحوار من الدعوة الإسلامية كموقع الرأس من الجسد، ولا يصلح الجسد إلا بالرأس، وتاريخ الحوار موغلٌ في القدم، يعود إلى بَدْءِ خلق الإنسان، حين خلق الله تعالى سيدنا آدم عليه السلام وأمر الملائكة بالسجود له وأمر إبليس بالسجود له، فدار حوار بين الله جل جلاله وبين الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، كما جرى الحوار بينه سبحانه وبين إبليسَ أشقى خلقه، وبينه سبحانه وبين سيدِنا آدمَ وذريتِه الذين كرَّمَهُم الله جل وعلا وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا، وقص الذكر الحكيم هذه الحواراتِ في كثير من سور الكتاب العزيز، ولو شاء سبحانه لأمرهم جميعا فأتمروا، ونهاهم جميعا فانتهُوا، ولكنه جل وعلا يعلمنا أن نلزم الحوار سبيلا مع الأخيار والأشرار، لتتضح الحجة، ويَمِيزَ الحقُّ والباطل، ليحيا من حَيَّ عن بينة ويَهْلِكَ من هلك عن بينة. وهكذا يعلمنا الذكر الحكيم حتى لا نَغْفُلَ عن هذه الوسيلة الإقناعية.

وأوضح فضيلته أنه بالحوار قامت السماوات والأرض فلم يقهرهما خالق القوى والقدر على طاعة أمره حين خلقهما، ولو قهرهما لخضعتا وذلتا، بل خيرهما وحاورهما وسجل ذلك في محكم التنزيل العزيز فقال سبحانه: " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ( فصلت 11). مضيفًا فضيلته أن الحوار هو منطق العقول الراشدة التي تسعى إلى الوصول إلى الصواب والسداد، في أناة وحيدة وإنصاف، بعيدا عن التشويش والضجيج الذي يملأ الأفق ويسد المسامع ويعصف بالحق.

وأكد أن الحوار الحضاري هو الحوار الصادق الذي يتغيا الحق والعدل والإنصاف، وليس فيه " حق الفيتو " الذي يغلب فيه صوت الفرد أصوات الجماعة، وكما قالوا "رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها"، حق الفيتو الذي تستحل به الدولة العظمى القوية دماء الدول المستضعفة وتستبيح قتل رجالها ونسائها وأطفالها كما يحدث اليوم في غزة في حرب ضروس استشهد فيها أكثرُ من أربعين ألفِ شهيد، منهم أكثرُ من عشرة آلاف طفل لا تتجازو أعمارهم سن العاشرة، فضلا عن النساء والعجائز.

وتابع أن هذا يحدث منذ سنة كاملة من الإبادة الجماعية التي تقوم بها آلة الدمار الصهيوني على مرأى ومسمع من العالم الذي ما دام تغنى بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأقام البرلمانات الدولية وتفاخر باعتمادها على حرية الرأي والحوار الحضاري واحترام العهود والمواثيق الدولية إلى آخر هذه العبارات الطنانة التي لا وجود لها عند التعامل مع المسلمين.


وأضاف أن لغة الحوار هي لغةُ العقل والمنطق، ولغةَ الحرب هي لغةُ السلاح والدمار، فيا عقلاء العالم: لماذا تركنا لغة السلام إلى لغةِ السلاح، ومنطقِ السلاح، ودمارِالسلاح، وإزهاقِ الأنفس والأرواح ؟ 
فهل يمكن أن نجتمع على كلمة سواء توقف هذا الدمار ؟ هل يمكن أن تصمت أصوات المدافع وتنطق أصوات الحوار الراشد بالدعوة إلى الاحتكام إلى العقل والمنطق والحكمة والسلام ؟

وقال رئيس جامعة: "إنني على يقين أن أمتنا الإسلامية إذا اتحدت واجتمعت كلمتُها فإن وَحدتها جديرةٌ بأن تُذْهِبَ " حق الفيتو " إلى غير رجعة، وتَرْكُمَه في مزبلة التاريخ ؛ لأنه حقٌّ قام على الظلم والجَور والعدوان، وليس له مثقالُ ذرة من وصف الحق الذي يحمل اسمه، فهو حق أُرِيدَبه باطل، وظلمٌ ينبغي حَذْفُهُ من جميع المواثيق الدولية، بل هو رِجْس ونَجَسٌ لا يغسل أدرانَه ماء البحر !!

وفي ختام كلمته، أعرب عن تقدير جامعة الأزهر لهذه الجهودَ المخلصة التي يقوم بها فضيلة الإمام الأكبر الأستاذُ الدكتور أحمد الطيب شيخُ الأزهر الشريفِ حفظه الله تعالى في ملف مهم جد، ملفِّ " الحوار الإسلامي الإسلامي " الذي يسعى إلى جمع كلمة الأمة الإسلامية، وَلَمِّشملِها، ووحدةِ صفها ؛ حتى تكونَ لها رايةٌ مرفوعة، وكلمةٌ مسموعة، وتستردَ عافيتها وعزتها وكرامتها وتغسلَ عن وجهها المشرقِ وجسدِها النظيف أدرانَالفُرقة والتشتُّتِ والضَّعْفِ، وتعودَ أمةً واحدة كما أمر الله جل وعلا في قوله: " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ " ( الأنبياء 92)، نقولُ لأشقائنا في العالم الإسلامي: أطفئوا نار الخلاف والشقاق والنزاع، وتذكروا أننا جميعا أمةٌ واحدة، وأن السهم الذي يصيب به أحدُنا أخاه يرتد في صدره ويصيبُه هو.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: كلية الدعوة الإسلامية سلامة داود رئيس جامعة الأزهر جامعة الأزهر الدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر الدعوة الاسلامية التقدم والازدهار رئيس جامعة الازهر رئیس جامعة الأزهر الدعوة الإسلامیة

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة الأزهر يشهد احتفالية كلية اللغة العربية بإيتاي البارود بتجديد اعتمادها.. صور

شهد الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر، الاحتفالية التي نظمتها كلية اللغة العربية بإيتاي البارود؛ بمناسبة تجديد اعتمادها من هيئة ضمان الجودة والاعتماد التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، بحضور الدكتور يوسف عبد الوهاب عميد الكلية، والدكتور محمد البهلول وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب.

ورحب الدكتور سلامة جمعة داود، بالحضور، مقدمًا التهنئة بتجديد اعتماد الكلية، معبرًا عن سعادته وهو يشاهد هذا الإنجاز الكبير «تجديد الاعتماد» يتحقق في الكلية التي قضي فيها عمرًا طويلًا بين أسرتها، مؤكدًا أنه يفتخر بكل ركن وكل حجر وكل شجرة فيها.

واستعرض رئيس الجامعة، الإنجازات التي تحققت في جامعة الأزهر التي بلغ عدد كلياتها 100 كلية و18 معهدًا، وجارٍ افتتاح كليات جديدة العام القادم.

ووجه رئيس الجامعة، الشكر والتقدير لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف؛ لجهوده المخلصة في دعم مسيرة الأزهر الشريف جامعًا وجامعةً.

وثمن رئيس الجامعة ما يقوم به فضيلة الإمام الأكبر من جهود عالمية لجمع شمل الأمة|، وكان آخرها مؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي لوحدة الأمة الذي عقد في مملكة البحرين نهاية شهر فبراير الماضي، والذي يهدف إلى أن تكون لنا كلمة مسموعة وراية مرفوعة.

واستطرد: بجانب ذلك أنشأ فضيلة الإمام الأكبر مرصد الأزهر العالمي الذي يعمل ب 14 لغة على مواجهة التطرف، إضافة إلى وحدة لم الشمل التي عملت على لم شمل 200 ألف أسرة، وأيضًا أكاديمية الأزهر لتدريب الأئمة والدعاة من مختلف أنحاء العالم التي تعمل على تدريب وتأهيل أئمة العالم وفق المنهج الأزهري القائم على الوسطية والاعتدال؛ انطلاقًا من الحديث الشريف: «لأن يهدي الله بك رجلًا خيرًا لك من الدنيا وما فيها».

وفي ختام الاحتفالية، كرَّم رئيس الجامعة، الشخصيات التي أسهمت في دعم مسيرة الجودة في كلية اللغة العربية بإيتاي البارود، وتم منحهم درع الكلية.

كما كرَّم سامي مراد مسعود رئيس مجلس مدينة إيتاي البارود، ومنحه درع جامعة الأزهر، واصفًا إياه بالزميل العزيز في رحلة كفاح توجت بالحصول على جائزة التميز الحكومي كأفضل رئيس قطاع، وقت أن كان رئيسًا لقطاع المعاهد الأزهرية، وكان هو رئيسًا لمجلس ومدينة الفيوم.

جاء ذلك بحضور الدكتور منصور أبو العذب رئيس الإدارة المركزية لمنطقة البحيرة الأزهرية، والدكتور سامي خضر مدير إدارة أوقاف إيتاي البارود.

مقالات مشابهة

  • دعاء الصائم عند الإفطار .. اغتنم الدعوة التي لا ترد
  • رئيس جامعة الأزهر: الهداية روح جديدة للإنسان والضال ميت متحرك
  • ملتقى الأزهر للقضايا الإسلامية: كف الأذى أدنى حقوق الجار والكرم أعلاها.. صور
  • رئيس جامعة الأزهر يشهد احتفالية كلية اللغة العربية بإيتاي البارود بتجديد اعتمادها.. صور
  • درس التراويح بالجامع الأزهر: قيام الليل من أعظم العبادات التي تقرب العبد من ربه
  • رئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالي يبحثان في جامعة حلب الصعوبات التي تواجهها
  • شوقي علام: عالمية الدعوة الإسلامية تقتضي دعم السلام والأمن العالمي
  • رئيس جامعة الأزهر: تلاوة القرآن تجلي القلوب من الغفلة والصدأ
  • رئيس جامعة الأزهر: هذا الأمر يزيل الصدأ من القلوب
  • رئيس جامعة الأزهر الأسبق: الغيبة تفسد المجتمعات وتهدم العلاقات الإنسانية