إدارة بايدن والسعودية: الصين وإيران وانتخابات 2024

ما الذي تريده إدارة بايدن والدبلوماسية الأميركية من كبح توجه السعودية نحو الانفتاح على المنطقة؟

بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في مارس من هذا العام مباشرةً، تكثفت الزيارات الأميركية إلى السعودية.

يسعى الأميركيون لتحصيل مكاسب سياسية في المنطقة لم يستطيعوا الحصول عليها في الميدان باستخدام سياسات العقوبات والحصار الاقتصادي.

عودة قوية للدبلوماسية الأميركية بالمنطقة لكبح توجه دول المنطقة نحو تطبيع علاقاتها، والذهاب إلى الاستقرار والسلام بينها بدون رعاية أميركية.

التسويات يصنعها الأقوياء، فيما يبقى الضعفاء تحت تأثير ضغط الصقور على يمينهم فيخشون الانتقاد، ويخشون تأثيره في قاعدتهم الشعبية وحظوظهم الانتخابية كحال إدارة بايدن.

بما أن انخراط أميركا عسكرياً متعذر بساحات المواجهة منذ حربي العراق وأفغانستان، تحاول أميركا كبح توجه السعودية نحو تسويات تحقق مكاسب سياسية إقليمية من إيران.

* * *

في حديثه الأخير، صعّد قائد حركة أنصار الله في اليمن، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، لهجته، قائلاً إن السعوديين سيواجهون "مشكلةً كبيرةً"، في حال بقائهم "مرتهنين لواشنطن ومتوجّهين ضمن إملاءاتهم".

وتابع: "لا يتصوّر السعودي أنّ بلدنا سيبقى مدمراً ومحاصراً، وشعبنا سيجوع ويعاني.. في حين ينأى بنفسه عن التبعات والالتزامات، نتيجة عدوانه الظالم على شعبنا لثماني سنوات من العدوان والحصار"، وقال إنّ على الرياض ألا تتصوّر أيضاً بعد فشلها في الحرب العسكرية أنّ بإمكانها الانتقال إلى الخطة (ب) في استمرار الحصار والتجويع وحرمان شعبنا من ثروته".

مباشرةً بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في آذار/مارس من هذا العام، تكثفت الزيارات الأميركية إلى السعودية، وكان آخرها زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الذي أشار إلى أن زيارته تضمنت بندين: اليمن، والتطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، وأشاد بـ"فوائد الهدنة في اليمن التي صمدت على مدى الأشهر الـ16 الماضية"، ورحب "بالجهود الجارية التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب".

بالرغم من مرور فترة من الجفاء بين إدارة بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، نجد أنَّ هناك عودة قوية للدبلوماسية الأميركية في المنطقة لفرملة اندفاعة دول المنطقة نحو تطبيع العلاقات فيما بينها، والذهاب إلى الاستقرار والسلام بينها من دون رعاية أميركية، فما الذي تريده إدارة بايدن من كبح الاندفاعة السعودية الانفتاحية في المنطقة؟

بدايةً، لا بدّ من الإشارة إلى أنَّ هناك تأثيراً وتفاعلاً بين السياسات الداخلية والخارجية الأميركية تحكم تصرف الإدارات الأميركية المتعاقبة. وعلى الرغم من أن الناخبين الأميركيين لا يصوّتون بتأثير السياسات الخارجية، فإنَّ قرارات السياسة الخارجية ترتبط باللوبيات المختلفة في واشنطن وبعض الناخبين من اليمين، ويمكن استخدامها في اتهامات الأحزاب لبعضها البعض خلال حملات الانتخابات.

كبح الانفتاح السعودي في المنطقة

يسعى الأميركيون لتحصيل مكاسب سياسية في المنطقة لم يستطيعوا الحصول عليها في الميدان، وذلك عبر استخدام سياسات العقوبات والحصار الاقتصادي. وبناء عليه، وبما أن انخراط الجيش الأميركي عسكرياً متعذر في ساحات المواجهة منذ حربي العراق وأفغانستان، تحاول الولايات المتحدة أن تفرمل اندفاعة السعودية التسووية لتحصيل مكاسب سياسية من إيران في ملفات المنطقة المتعددة، أهمها اليمن وسوريا ولبنان، وذلك عبر الدفع إلى المطالبة بمزيد من التنازلات في ملفات المنطقة في مقابل تلك التسويات.

تحجيم النفوذ الصيني

منذ إعلان مبادرة "الطريق والحزام" الصينية عام 2013، تتطلع دول الخليج إلى أن تكون جزءاً من تلك المبادرة، ما يؤمّن لها منافع اقتصادية وتجارية، ويساهم في رؤيتها التنموية المستقبلية.

في كانون الأول/ديسمبر 2022، زار الزعيم الصيني شي جين بينغ السعودية، والتقى الملك سلمان وولي العهد. وخلال الزيارة، تمّ توقيع العديد من الصفقات التجارية ورفْع العلاقة رسمياً بين الصين والسعودية إلى مرتبة "شراكة استراتيجية شاملة"، وهي أعلى مستوى في الترتيب الرسمي الصيني للعلاقات مع الدول الأخرى.

وبعد رعاية الصين للتفاهم السعودي الإيراني، برزت الصين كلاعب مرحب به لضمان الاستقرار والسلام في المنطقة، وعبّر العديد من المعلّقين الأميركيين عن أن الصين تؤدي دوراً بناءً في منطقة الشرق الأوسط لم تستطع الولايات المتحدة أن تؤديه، ونبّهوا إدارة بايدن إلى إمكانية أن تحلّ الصين مكان الولايات المتحدة كمهيمن على المنطقة في ظل انشغال الإدارة الأميركية باحتواء الصين في محيطها ومحاربة روسيا في أوكرانيا.

التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"

من يراقب مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري عام 2024، يعرف أن الاتجاه يذهب إلى جولة انتخابية جديدة بين كل من بايدن وترامب في حال لم تطرأ أمور خارج الحسبان.

يحسب لترامب في "إسرائيل" أنه استطاع أن يحقق لها الكثير من المكاسب، وأهمها اتفاقيات التطبيع التي استثمرها في الداخل الأميركي لكسب تأييد اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، والأهم لكسب تأييد الكنائس الإنجيلية واليمين المسيحي الذي يؤمن "بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وإقامة دولتها"، انطلاقاً من إيمانه الديني بأنَّ "إقامة مملكة إسرائيل سوف تؤدي إلى ظهور المسيح مرة أخرى"، كما تقول النبوءات التي يؤمنون بها.

وبالمثل، يريد بايدن أن يحقق إنجازاً تاريخياً يحسب له في التاريخ الأميركي، وهو أنه استطاع أن يحقق اتفاق تطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، فيحسب له انتصار يستثمره أيضاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

في النتيجة، ما زالت منطقة الشرق الأوسط في مرحلة شدّ وجذب، إذ يريد كل طرف أن يحقق مكاسب ويكسب أوراقاً يستخدمها لفرض تنازلات على الطرف الآخر حين يحين أوان التسويات. يضاف إلى ذلك وجود إدارة أميركية ضعيفة تخشى تأثير التسويات المرتقبة في حظوظ بايدن الانتخابية، فتماطل في التوصل إلى اتفاق مع إيران، وتضغط على حلفائها لفرملة اندفاعتهم التصالحية في المنطقة.

واقعياً، يشهد تاريخ العلاقات الدولية أنَّ التسويات يصنعها الأقوياء، فيما يبقى الضعفاء تحت تأثير ضغط الصقور على يمينهم، فيخشون الانتقاد، ويخشون تأثيره في قاعدتهم الشعبية وحظوظهم الانتخابية، وهي حال إدارة بايدن في الولايات المتحدة.

*د. ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية

المصدر | الميادين نت

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السعودية أميركا الصين إيران إدارة بايدن الدبلوماسية الأميركية التطبيع إسرائيل بن سلمان التسويات الولایات المتحدة إدارة بایدن فی المنطقة

إقرأ أيضاً:

مصر والسعودية تختتمان مناورات “السهم الخارق 2024” المشتركة

القاهرة (زمان التركية)ــ أعلن الجيش المصري، انتهاء التدريب المشترك المصري السعودي “السهم الخارق 2024” بنجاح، وذلك بعد تعاون استمر لمدة شهر بين القوات المسلحة المصرية والسعودية.

تم إجراء التدريب بالمنطقة العسكرية الجنوبية بمصر ومسرح عمليات الأسطول الجنوبي بالبحر الأحمر، بمشاركة مراقبين من عدد من الدول الحليفة والصديقة.

وقالت القوات المسلحة المصرية في بيانها إن مناورات “السهم الخارق 2024” أكدت عمق التعاون الاستراتيجي بين مصر والسعودية، وتعزيز جاهزية وكفاءة العمليات المشتركة لقواتهما المسلحة.

وشهدت المرحلة النهائية من التدريبات “قفزة الصداقة” الرمزية التي شارك فيها جنود مظليون مصريون وسعوديون.

نفذت القوات البرية ووحدات العمليات الخاصة والقوات الجوية المساندة عملية محاكاة لاقتحام وتحييد معقل للإرهابيين، وأظهرت دقة ومهارة استثنائية في سيناريوهات إطلاق النار الحية الثابتة والديناميكية.

وتعاونت وحدات من القوات البحرية والجوية في محاكاة لهجوم على جزيرة ساحلية. وقام جنود المظلات بالقفز من الجو لتأمين مواقع رأس الجسر بينما نفذت القوات الخاصة البحرية غارات على طول ساحل الجزيرة.

ووتضمنت الأنشطة الإضافية التدريب على عمليات الزيارة والبحث، وتدريبات الحرب المضادة للغواصات، وتدريبات إطلاق المدفعية الحية ضد الأهداف السطحية، مما يدل على الدقة المتفوقة والكفاءة التشغيلية.

حضر الحفل الختامي الفريق الركن فهد بن سعود الجهني رئيس أركان القوات البرية الملكية السعودية، واللواء الركن وليد حمودة عواد مساعد وزير الدفاع قائد المنطقة العسكرية الجنوبية، وكبار القادة العسكريين من البلدين.

Tags: الحرب المضادة للغواصاتالسهم الخارق 2024فهد بن سعود الجهنيمناورات سعودية مصرية

مقالات مشابهة

  • بلينكن: إدارة بايدن ستدعم أوكرانيا حتى آخر يوم
  • جيديا تقود ثورة التكنولوجيا المالية في المنطقة بعد عامين على إطلاق خدمة SoftPos في السعودية
  • السفيرة الأميركية في العراق: هل تسعى واشنطن حقًا لخفض التصعيد؟
  • رقم قياسي جديد في عيد الشكر: كيف تستعد إدارة أمن النقل الأميركية لموسم السفر المزدحم؟
  • كيف تهدد حرب غزة علاقات إسرائيل مع الأردن والإمارات والسعودية ؟
  • بعد عودة ترامب.. كيف ستتعامل الصين مع متغيرات السياسة الأميركية؟
  • مصر والسعودية تختتمان مناورات “السهم الخارق 2024” المشتركة
  • أمير الباحة يستقبل مدير شركة الاتصالات السعودية بالمنطقة
  • غرفة المدينة المنورة تستضيف الاجتماع الـ 132 لمجلس إدارة اتحاد الغرف السعودية
  • الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية.. لماذا تخشى أميركا "تحالف الرعب"؟