الخليج الجديد:
2025-02-02@14:51:15 GMT

تراجع العولمة وراء ارتفاع التضخم؟!

تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT

تراجع العولمة وراء ارتفاع التضخم؟!

هل كان تراجع العولمة وراء ارتفاع التضخم؟

تراجع العولمة تزامن مع ارتفاع مستويات التضخم ويبدو أن هذا التزامن ليس صدفة بل يرجع لأسباب مهمة وجوهرية.

تسببت جائحة كورونا والسياسات الشعبوية وإجراءات الحمائية وحرب أوكرانيا بتراجع العولمة مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم!

رفع سعر الفائدة لكبح التضخم ليس الحل الشافي لتحقيق ذلك ما لم يعاد النظر في السياسات الشعبوية، وما لم تتوفر الظروف الكافية لانتهاء حرب أوكرانيا.

أدت جائحة كورونا لتقييد حركة الأفراد وتقليص الأنشطة الاقتصادية والتبادل التجاري وانخفاض توفر المعروض من المنتجات، مما زاد أسعارها وفاقم التضخم.

يعود تراجع العولمة وارتفاع الأسعار وزيادة التضخم إلى تصاعد الشعبوية التي تعادي الانفتاح وتدعم تقييد حرية حركة الأفراد وحرية التجارة بمزيد من إجراءات الحمائية.

تراجع العولمة أحد تداعيات حرب أوكرانيا التي أدت لانكماش العلاقات التجارية والمالية والاقتصادية بين الغرب وروسيا وتقطع الإمدادات الزراعية والغذائية من أوكرانيا وروسيا.

* * *

باستثناء السنوات الأربع أو الخمس الماضية، فإن العولمة كانت في أوج ازدهارها، خلال الأربعين سنة الماضية، حيث إن معظم، إن لم يكن جميع دول العالم، كانت تشارك وتنعم بحرية التجارة وانسياب عناصر الإنتاج من مواد وأفراد واستثمارات دون كثير من العقبات والعراقيل.

كما أن شركات الإنتاج كانت تتنقل وتختار الأماكن والبلدان الأنسب لأنشطتها الاقتصادية، وفقاً للمزايا النسبية لهذه الأماكن والبلدان. وقد أدى هذا الوضع، من دون شك، بحرية التجارة وحركة عناصر الإنتاج ومختلف الأنشطة الاقتصادية، إلى ازدهار كبير لاقتصاديات دول العالم، كما أدى إلى تحسن واضح في الأوضاع المعيشية للدول النامية.

وقد استفاد المستهلك في جميع دول العالم من توفر المنتجات والخيارات من عدة مصادر، ووفقاً لأسعار تنافسية ومعقولة. للأسف هذا الوضع، ومنذ أربع سنوات تقريباً، أخذ في التغير، حيث بدأنا نشهد تراجعاً في مسيرة العولمة، وقد تزامن مع هذا التراجع ارتفاع في مستويات التضخم، حيث حسبما يبدو، فإن هذا التزامن لا يعد من باب الصدفة؛ بل يرجع إلى أسباب مهمة وجوهرية سنحاول التطرق إليها بشيء من التفصيل.

السبب الأول في تراجع العولمة، خلال السنوات القليلة الماضية، هو تفشي جائحة كورونا والتي عمت دول العالم خلال فترة ثلاث سنوات تقريباً من 2020 إلى 2022. وقد عايش العالم تداعيات تلك الجائحة من حيث الحد من حركة الأفراد، سواء داخل البلد الواحد أم عند تنقلهم للسفر من بلد إلى آخر.

وقد ترتب على تقييد حركة الأفراد تقلص كبير في مستوى الأنشطة الاقتصادية وحجم التبادل التجاري، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في مدى توفر المعروض من المنتجات والسلع، انعكس في زيادة أسعارها وارتفاع مستوى التضخم.

وقد فاقم من هذا الوضع أن دولاً عديدة اضطرت إلى إنفاق مبالغ كبيرة لتعويض المؤسسات والأفراد، الذين فقدوا الكثير من أنشطتهم الاقتصادية، بسبب الجائحة، إلا أن إنفاقاً مثل هذه المبالغ الكبيرة، أدى إلى زيادة مهمة في السيولة النقدية، مقابل حجم محدود من البضائع والسلع المتوفرة، ما نتج عنه زيادة إضافية في الأسعار، وتفاقم في موجة التضخم.

السبب الثاني في تراجع العولمة والذي بدوره أدى إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم، هو في الواقع سبب سياسي يرجع إلى تصاعد الشعبوية التي تعادي الانفتاح، وتدعو إلى تقييد حرية حركة الأفراد وحرية التجارة، من خلال وضع مزيد من الإجراءات الحمائية.

وقد استغل بعض السياسيين ما ترتب على العولمة من انتقال بعض الأنشطة الاقتصادية من أماكنها التقليدية إلى أماكن وبلدان جديدة أكثر تنافسية، وفقاً لقوانين المزايا النسبية. إلا أن ما ترتب على ذلك هو هجرة بعض المؤسسات والوظائف إلى أماكن وبلدان جديدة، وبالتالي خسارة البلدان التقليدية من هذه المؤسسات والوظائف.

وفي الواقع، فإن خسارة البلدان التقليدية يرجع إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج لديها، كما أن من خسر وظائفهم في هذه البلدان، هم في الغالب الأقل تعليماً وأصحاب المؤهلات المتواضعة إلى حد ما.

السياسة الشعبوية استغلت هذا الجانب لتحقيق مكاسب انتخابية، من خلال محاربة العولمة وعدم تشجيع مؤسساتها على الانتقال إلى العمل في أماكن خارج بلدانهم، بالإضافة إلى زيادة الإنفاق على الدعم والإعانات للصناعات والمنتجات المحلية، ورفع الرسوم والضرائب الجمركية على المنتجات المستوردة، ما أدى إلى زيادة الأسعار على المستهلك المحلي، الذي كان من خلال العولمة يحصل على المنتجات من عدة مصادر وبأسعأر أقل. وبالطبع فإن هذا الوضع زاد من حدة موجة التضخم.

السبب الثالث والأخير في تراجع العولمة، هو المتمثل في تداعيات حرب أوكرانيا. وكما نعلم فإن هذه الحرب قد أدت أولاً إلى انكماش في العلاقات التجارية والمالية والاقتصادية بشكل عام بين الدول الغربية وروسيا.

كما أدت إلى تقطع في الإمدادات من المواد الزراعية والغذائية القادمة من أوكرانيا وروسيا، والتي تمثل أحد أهم مصادر المنتجات الغذائية مثل الحبوب وغيرها، ما أدى إلى عدم ضمان توفرها بشكل دائم، ما انعكس في زيادة أسعارها في السوق العالمي، وأسهم في ارتفاع مستويات التضخم.

إضافة إلى ذلك فإن التوتر الذي يسود العالم نتيجة لهذه الحرب، يمثل بدون شك سبباً في أضعاف الثقة، التي كانت سائدة خلال فترة أوج العولمة، ما جعل كثيراً من الدول تعمل على التقليل من الاعتماد على الخارج، وتدعم وتطور من قدراتها المحلية وإن كان ذاك على حساب الكلفة، ما انعكس في شكل ارتفاع تكاليف الإنتاج، وبالتالي زيادة الأسعار وتفاقم التضخم.

طبعاً حالياً يمكننا القول إن السبب الأول في تراجع العولمة، والمتمثل في تداعيات جائحة كورونا، لم يعد قائماً إلا أن السببين الأخيرين والمتعلقين بالسياسات الشعبوية وحرب أوكرانيا لا يزالان يؤثران بشكل واضح ومتزايد في وضع العولمة، ومن خلالها على مستوى الأسعار والتضخم.

لذلك فإن استخدام سعر الفائدة للقضاء على التضخم، لا يبدو بأنه الحل الشافي لتحقيق هذا الهدف، ما لم يعاد النظر في السياسات الشعبوية، وما لم تتوفر الظروف الكافية لانتهاء حرب أوكرانيا.

خلاصة القول إن تراجع العولمة خلال السنوات القليلة الماضية للأسباب التي تم ذكرناها، كانت حسبما يبدو وراء ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم، وعندما تنتفي هذه الأسباب نهائياً، فإن العولمة يمكن أن تعود بنفس الوتيرة السابقة إن لم يكن أكبر في تحقيق مزيد من حرية حركة الأفراد والتجارة والاستثمار، ما يتيح للمستهلك في مختلف دول العالم خيارات الحصول على البضائع والمنتجات من عدة مصادر وبأسعار تنافسية، مثلما كان عليه الوضع قبل نشوب الظروف التي أدت إلى تراجع العولمة.

*د. جاسم المناعي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي سابقا.

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: العولمة الشعبوية كورونا التضخم السيولة النقدية التبادل التجاري حرب أوكرانيا سعر الفائدة الأنشطة الاقتصادیة جائحة کورونا حرب أوکرانیا دول العالم هذا الوضع من خلال

إقرأ أيضاً:

ارتفاع أسعار الذهب بعد قرار الفيدرالي الأمريكي بتثبيت سعر الفائدة

ارتفعت أسعار الذهب اليوم الخميس مع تقييم المستثمرين لآفاق السياسة النقدية في الولايات المتحدة، وسط حالة من عدم اليقين في ظل سياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وبحلول الساعة 10:35 بتوقيت موسكو، ارتفعت العقود الآجلة للذهب لشهر أبريل المقبل (Comex) بنسبة 0.40% إلى 2804.60 دولار للأونصة.

فيما صعدت العقود الفورية للمعدن الأصفر بنسبة 0.29% إلى 2767.46 دولار للأونصة، بحسب ما أظهرته التداولات.

ويوم أمس قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في أول اجتماع له عام 2025 الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند نطاق يتراوح بين 4.25% و4.5%.

وأفاد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بأن الفيدرالي لن يتسرعوا في خفض أسعار الفائدة، وأشار إلى أن الفيدرالي سيوقف التيسير النقدي لرؤية المزيد من التقدم في مكافحة التضخم.

 

وكان قد قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في أول اجتماع له عام 2025، الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند نطاق يتراوح بين 4.25% و4.5%، في قرار جاء مخالفا لرغبة الرئيس دونالد ترامب.

وأشار بيان لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية (FOMC) إلى أن القرار بالإبقاء على سعر الفائدة جاء بعد ثلاثة تخفيضات متتالية منذ سبتمبر 2024، بلغ مجموعها نقطة مئوية كاملة.

وأوضح البيان أن اللجنة اتخذت هذا القرار وسط مشهد اقتصادي وسياسي محفوف بالتحديات، مع تطلع البنك المركزي إلى تقييم تأثير التخفيضات السابقة على الاقتصاد.

وأظهر البيان نظرة أكثر تفاؤلا بشأن سوق العمل، حيث أشار إلى أن "معدل البطالة استقر عند مستوى منخفض في الأشهر الأخيرة، وظلت ظروف سوق العمل قوية" ومع ذلك، أقر البيان بأن "التضخم لا يزال مرتفعا بعض الشيء"، متجاهلا إشارة سابقة في بيان ديسمبر 2024 التي أشارت إلى أن التضخم أحرز تقدما نحو هدف البنك المركزي البالغ 2%.

وانخفض التضخم بشكل حاد عن ذروته التي بلغها في منتصف 2022، لكنه لا يزال أعلى من هدف البنك المركزي البالغ 2%. وأظهر المقياس المفضل للبنك المركزي لقياس الأسعار ارتفاع التضخم الشامل إلى 2.4% في نوفمبر 2024، وهو الأعلى منذ يوليو، بينما بقي التضخم الأساسي (باستثناء الغذاء والطاقة) عند 2.8%.

وأكد البيان أن الاقتصاد الأمريكي "واصل التوسع بوتيرة قوية"، مع استمرار إنفاق المستهلكين في الأداء الجيد خلال عام 2024. ويقدر الاحتياطي الفيدرالي أن الناتج المحلي الإجمالي ينمو بوتيرة سنوية تبلغ 2.3% في الربع الرابع من العام.

مقالات مشابهة

  • ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية بإيران.. التضخم يواصل الضغط
  • ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين في تركيا أكثر من 5%
  • التضخم في إسطنبول لشهر يناير
  • «الوزراء»: 7 أسباب وراء زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5% خلال 3 أشهر
  • ترامب سيفرض رسوماً جمركية على كندا والمكسيك والصين
  • ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية على نفط كندا والمكسيك.. هل سيكبح التضخم أم يرفع الأسعار؟
  • مدير مكتبة الإسكندرية: الإحصاءات تكشف ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية والفقر والحروب أهم أسبابها
  • معهد "إيفو" يتوقع ارتفاع معدل التضخم في ألمانيا لأكثر من 2%
  • الأمن الغذائي في ليبيا مهدد مع تصاعد الأسعار واستمرار عدم الاستقرار الاقتصادي
  • ارتفاع أسعار الذهب بعد قرار الفيدرالي الأمريكي بتثبيت سعر الفائدة