أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونه: "ما حكم نقل الأثاث الموقوف من مسجد إلى آخر؟ فالمسجد الذي نصلي فيه جُدِّد سَجَّادُه ومصابيحُه وغيرُ ذلك، فهل يجوز نقل ما استُغني عنه من هذه الأشياء إلى مسجدٍ آخَر في حاجة إليها؟".

لترد دار الإفتاء موضحة: أنه لا مانع شرعًا من نقل الأشياء الموقوفة على المسجد المذكور من نحو سَجَّاد ومصابيح وغيرها بعد استغناء هذا المسجد عنها إلى مسجد آخَر يكون في حاجة إليها؛ لأن المرادَ من وقفها هو نفعُ المُصَلِّين والتقرُّبُ إلى الله تعالى بما يُعِينُهم على أداء صلاتهم، مع مراعاة ألَّا يتم ذلك إلا بالرجوع إلى الجهة المختصة المسؤولة عن إدارة شؤون المساجد، والالتزام باللوائح والقوانين المنظِّمة لهذا الأمر.

فضل عمارة المساجد
عمارةُ المساجد بكلِّ ما يُنتفع به لعمارتها - كالحصير والسجاد والمصابيح وغير ذلك - مِن أقرب القُرُبات وأَرْجَى الطاعات؛ لِمَا حثَّ عليه الشرع الشريف مِن بناء المساجد وإعمارها، فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ [التوبة: 18].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» أخرجه الإمام ابن ماجه في "سننه".

حكم نقل الأثاث الموقوف من مسجد إلى آخر
عمارةُ المساجد ترتكز في الأصل على ما يُوقَف عليها ويُخَصَّص لها مِن أثاثٍ وأغراضٍ، فتجري عليها أحكام الوقف، ومِن هذه الأحكام أَنَّه لو وُقِفَ على مسجدٍ يصير الموقوفُ لازمًا له وباقيًا فيه ما دام ذلك المسجدُ في حاجة إلى تلك الأشياء الموقوفة عليه، فلا يُباعُ أيُّ شيءٍ من ذلك ولا يُنقَل من المسجد، أما إذا استُغْنِيَ عنها، كنحو سَجَّاد قديم حلَّ محلَّه سَجَّاد آخَر جديد فصار القديم مستغنًى عنه، فإن التصرف في السَّجَّاد القديم ليُفرَش في مسجدٍ آخَر محتاج إليه هو الأَوْلَى؛ تحقيقًا للمصلحة، ولحفظ الانتفاع، شريطةَ تحقُّقِ غَلَبَةِ المصلحة المقصودة مِن الوقف، ومع مراعاة الضوابط التي لا تخرج تلك الأشياء عن كونها وَقْفًا، وهذا قول الإمام القاضي أبي يوسف من الحنفية، وقولٌ أفتى به بعضُ فقهاء المالكية، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

قال الإمام فخر الدين الزَّيْلَعِي الحنفي في "تبيين الحقائق" (3/ 331، ط. الأميرية): [حصيرُ المسجد وحشيشُه إذا استُغْنِيَ عنهما.. عند أبي يوسف: يَنتقل إلى مسجدٍ آخَر] اهـ.

وقال الإمام العَدَوِي المالكي في "حاشيته على شرح الإمام الخَرَشِي لمختصر الإمام ضياء الدين خليل" (7/ 95، ط. دار الفكر) نقلًا عن "المعيار" للإمام أبي العباس الوَنْشَرِيسِي، في بيان حكم التصرُّف فيما وُقِف على مسجدٍ مِن حصيرٍ ونحوه: [وإن نُقلت لمسجدٍ آخَر دون بَيْعٍ -مع غِنى هذا المسجد الذي كانت فيه- لغيره من المساجد مع شدة الحاجة فيجوز على قولٍ أفتى بِهِ بعضُ من تقدَّمنا ممن يُقتدى به علمًا وعملًا، فمَن عمل به صَّح عمله إن شاء الله تعالى، انتهى] اهـ.

وقال الإمام زين الدين المُلَيْبَارِي الشافعي في "فتح المعين" (ص: 414، ط. دار ابن حزم): [وسُئِل شيخنا عما إذا عُمِرَ مسجدٌ بآلاتٍ جُددٍ وبقيت آلاتُه القديمة، فهل يجوز عمارة مسجدٍ آخَر قديمٍ بها؟.. فأجاب بأنه يجوز عمارة مسجدٍ قديمٍ وحادثٍ بها حيث قُطِعَ بعدم احتياجِ ما هي مِنْهُ إليها قَبْل فنائها] اهـ، ثم قال: [ونقل نحو حصير المسجد وقناديله كنقل آلته] اهـ.

وقال الإمام موفق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (8/ 224، ط. دار عالم الكتب): [وما فَضَلَ من حُصُرِ المسجدِ وزَيْتِه ولم يُحتَج إليه، جاز أن يُجعل في مسجدٍ آخَر] اهـ.

ومما يلزم التنبيه عليه في هذه المسألة أن القول بجواز نقل الأثاث الموقوف على مسجدٍ ما بعد استغناء هذا المسجد عنه، إلى مسجدٍ آخَر يكون في حاجة إليه -منوط بما تقرره الجهة المختصة المسؤولة عن إدارة شؤون المساجد، والمتمثلة في وزارة الأوقاف أو مَن تحدده في هذا الشأن؛ لأن مِن المقرر شرعًا أن لولي الأمر دون غيره حقَّ التصرف بما يعود بالنفع العامِّ على البلاد والعباد.

الخلاصة
بناءً على ذلك وفي السؤال: فإنه لا مانع شرعًا من نقل الأشياء الموقوفة على المسجد المذكور من نحو سَجَّاد ومصابيح وغيرها بعد استغناء هذا المسجد عنها -إلى مسجد آخَر يكون في حاجة إليها؛ لأن المرادَ من وقفها هو نفعُ المُصَلِّين والتقرُّبُ إلى الله تعالى بما يُعِينُهم على أداء صلاتهم، مع مراعاة ألَّا يتم ذلك إلا بالرجوع إلى الجهة المختصة المسؤولة عن إدارة شئون المساجد، والالتزام باللوائح والقوانين المنظِّمة لهذا الأمر.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: حكم نقل الأثاث الموقوف من مسجد إلى آخر هذا المسجد ن المساجد إلى مسجد فی حاجة

إقرأ أيضاً:

«الإفتاء» توضح حكم المسح على الطرف الصناعي.. هل يصح الوضوء به؟

البتر الجراحي يمثل تحديًا كبيرًا للمصابين، حيث يؤثر بشكل كبير على حياتهم اليومية وعلى أدائهم للعبادات. ومن أبرز التساؤلات التي تواجه هؤلاء الأشخاص هي كيفية أداء الوضوء بعد البتر، وهل يجوز المسح على الطرف الصناعي أم لا؟

حكم المسح على الطرف الصناعي

وحول حكم المسح على الطرف الصناعي، قال الدكتور عطية لاشين عضو لجنة الفتوى في الأزهر الشريف، إنّ هناك حالاتان فيما يتعلق بالوضوء أثناء وجود طرف صناعي، الأولى حال تركيب الطرف الصناعي مع بقاء جزء من عضو الطهارة، فيجب نزعه وغسل الطرف المتبقي إن أمكن بلا مشقة أو ضرر، فإن شق عليه نزعه أو كان يلحقه ضرر يمسح عليه كالجبيرة.

وتابع أنّ الحالة الثانية هي حال تركيب الطرف الصناعي وقد قطع جميع الطرف محل الفرض في الطهارة بأن قطعت مثلا يده من فوق المرفق أو رجله من فوق الكعبين فقد زال محل الفرض بأكمله ولا يجب عليه غسل ولا مسح للطرف الصناعي ولا ما تحته.

المسح على الجبيرة

وحول حكم المسح على الجبيرة ذكرت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي، أنّ المسح على الجبيرة مشروع في الدين، وحكم المسح على الجبيرة الوجوب في الوضوء والغسل بدلًا من غسل العضو المريض أو مسحه.

ولفتت الدار إلى أنّه حال عدم وجود المياه يصحّ للشخص أن يتيمَّم للعضو المريض ولسائر جسده، وحال وجود الماء فإمَّا أن يمسح على العضو المريض إذا كان الماء لا يضرّه، فإن كان الماء يضره فيعصب المكان المجروح ويمسح على العصبة، ويتوضأ لباقي الأعضاء أو يغتسل لباقي الأعضاء إذا كان جنبًا.

وأكدت الدار أنّ فقهاء المذاهب نصوا على مشروعية المسح على الجبائر في حالة العُذْر نِيَابَةً عن الغسل أو المسح الأصلي في الوضوء أو الغسل أو التيمم، وأنَّ المسح عليها كالغسل لما تحتها.

واستدلوا على ذلك بما جاء عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال: «كُسِر زندي يوم أحد فسقط اللواء من يدي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اجْعَلُوهَا فِي يسَاره فَإِنَّهُ صَاحب لِوَائِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة)، فقلت: يا رسول الله ما أصنع بالجبائر؟ فقال: (امْسَح عَلَيْهَا) أخرجه عبد الرزاق في (المصنف) وابن ماجه في (السنن) والبيهقي في (السنن الكبرى)».

مقالات مشابهة

  • «الإفتاء» توضح حكم المسح على الطرف الصناعي.. هل يصح الوضوء به؟
  • "جددنا مسجد الحي فما حكم نقل الأثاث الموقوف إلى مسجد آخر؟"
  • «الإفتاء» توضح حكم نقل الأثاث الموقوف من مسجد إلى آخر
  • حكم الخروج من المسجد بعد الأذان وفضل التبكير في الذهاب
  • أوقاف أسوان تتفتح مسجد البياض في إدفو
  • فضل يوم الجمعة.. «الإفتاء» توضح أحب الأعمال وأقربها إلى الله
  • خريطة افتتاحات المساجد في 13 محافظة اليوم.. اعرفها
  • ما حكم سداد ورثة الكفيل الدَّين المؤجل على الميت؟.. «الإفتاء» توضح
  • هل يجوز للزوجة الوقوف بجوار زوجها في صلاة الجماعة بالمنزل؟.. الإفتاء توضح