عربي21:
2025-04-17@00:26:05 GMT

منظومة إعلام السيسي المضطربة ونظرية خيل الحكومة!!

تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT

"كل الحب والتقدير لشركتنا المتحدة للإعلام ورجالها، وقياداتها، الشركة الأكبر في الوطن العربي، وحصن الإعلام المصري ولو كره الكارهون".. نص موحد نشره على صفحات التواصل إعلاميو وموظفو الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهي الكيان الذي يضم العديد من الصحف والقنوات والمواقع الإخبارية وشركات الإنتاج التلفزيوني والسينمائي.

. الخ، هي باختصار منظومة إعلام السيسي التي حلم بها، وحسد عبد الناصر على امتلاكها من قبله، هي منظومة جديدة ومتنوعة ومتكاملة، تعتمد عليها السلطة الحالية بشكل أساسي بعد فقدانها الأمل في إعلام الدولة التقليدي (قنوات التلفزيون الرسمي والإذاعات والصحف ووكالة الأنباء الرسمية).

هذه المنظومة الجديدة التي بدأ بناؤها منذ العام ٢٠١٦ إما بتأسيس قنوات جديدة؛ مثل شبكة دي إم سي التي أنشأ النظام لها شركة دي ميديا، وكان اللواء عباس كامل -مدير مكتب السيسي حينها، رئيس المخابرات المقال لاحقا- أحد مؤسسيها وفق عقد التأسيس الرسمي، وكان مخططا لها أن تضم عشر قنوات متنوعة بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والرياضي والترفيهي والديني الخ، لكنها لم تكتمل بسبب حالة ارتباك وقصور مالي.. أو بتأسيس شركات أخرى لشراء قنوات قائمة من رجال الأعمال مثل شبكة قنوات الحياة (صاحبها السيد البدوي؛ رجل الأعمال ورئيس حزب الوفد السابق) وشبكة قنوات سي بي سي (وصاحبها رجل الأعمال محمد الأمين الذي عاش غامضا ومات ميتة غامضة بعد حبس غامض)، وشبكة قنوات المحور (وصاحبها رجل الأعمال الدكتور حسن راتب الذي أدخل السجن وخرج بعد قضاء عقوبته)، وشبكة أون تي في (وصاحبها رجل الأعمال نجيب ساويرس) وشبكة قنوات دريم (وصاحبها رجل الأعمال أحمد بهجت)، كما تم الاستيلاء على صحيفة المصري اليوم من رجل الأعمال صلاح دياب، وتم الاستيلاء أيضا على معظم الصحف والمواقع الإخبارية المملوكة لرجال الأعمال، وتم ذلك بمبالغ زهيدة مع تهديدات علنية أو مبطنة لأصحاب تلك القنوات والصحف في حال امتناعهم عن قبول عروض الاستيلاء.

اختيار الإعلاميين والموظفين للعمل في هذه الشركة تم بطريقة عسكرية في البداية، حيث كان يتم استدعاء البعض للعمل وفق مواصفات خاصة، دون أن يتقدم هو بطلب لذلك، ولاحقا يجري عمل فحوص أمنية لمن يعلمون في قنوات وصحف تلك الشركة للتأكد من خلوهم من أمراض الانتماءات السياسية!
لاحقا تم جمع كل الشركات التي أسسها النظام والقنوات والصحف التي استولى عليها تحت مظلة شركة جديدة هي الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والمملوكة لجهاز المخابرات المصري (يستعيضون عن ذلك بمسمى جهة سيادية)، وحتى اختيار الإعلاميين والموظفين للعمل في هذه الشركة تم بطريقة عسكرية في البداية، حيث كان يتم استدعاء البعض للعمل وفق مواصفات خاصة، دون أن يتقدم هو بطلب لذلك، ولاحقا يجري عمل فحوص أمنية لمن يعلمون في قنوات وصحف تلك الشركة للتأكد من خلوهم من أمراض الانتماءات السياسية!

نعود إلى قصة البوست الموحد الذي ظهر في توقيت واحد، وبصيغة واحدة من إعلاميي وموظفي الشركة المتحدة، والذي يكيلون فيه المديح لمؤسستهم، ويصفونها بأنها الأكبر في الوطن العربي (متجاوزين شبكة الجزيرة، وشبكة إم بي سي، وشبكة روتانا، وغيرها من الشبكات الإعلامية العربية واسعة الانتشار والتأثير) كما يصفونها بأنها حصن الوطن، وهو مصطلح عسكري ينبئ عمن كتبه ووزعه عليهم. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما السر وراء هذه الحملة الدعائية المفاجئة للشركة المتحدة؟ لعل متابعة بعض التطورات في المجال الإعلامي وربطها، ببعضها يمكننا من التوصل للسر..

الحدث الأبرز المرتبط بملف الإعلام هو إقالة رئيس المخابرات السابق اللواء عباس كامل، وهو المؤسس الأول لهذه المنظومة الإعلامية الجديدة بتكليف من السيسي، فهو (عباس) الذي أنشأ شركة دي ميديا للإعلام، وهو الذي أشرف على إنشاء قنوات جديدة، وهو الذي أشرف على عملية الاستيلاء على القنوات والصحف من رجال الأعمال، وبالمحصلة هو الذي أنشأ هذه الإمبراطورية الإعلامية، وكان ساعده الأيمن هو العقيد أحمد شعبان في توجيه الصحفيين والإعلاميين عبر التواصل المباشر، أو عبر رسائل نصية فيما اصطلح عليها رسائل السامسونج!!

كان الحدث المهم الثاني إذن هو إقالة العقيد أحمد شعبان، دون الإعلان رسميا عن خليفته، ما أوجد حالة من الفوضى، ليأتي الحدث الثالث وهو ظهور اسمي المستشار وزير العدل السابق عمر مروان، والمستشار الإعلامي للسيسي اللواء محسن عبد النبي، كمسئولين جديدين عن الملف الإعلامي، وخاصة إعلام الشركة المتحدة، وليحدث المزيد من التوتر بين الإعلاميين في الشركة، وخاصة الذين ارتبطوا بالعقيد أحمد شعبان، حيث إن من الطبيعي أن يختار المشرف الجديد رجاله، ولا يعتمد على رجال من سبقه. وقد كشفت بعض التسريبات عن الاتجاه للاستغناء عن مذيعين، وإعادة مذيعين اختفوا عن الشاشة مؤخرا في إطار معارك داخلية مكتومة؛ ليس من بينها الخلاف على مستوى أو درجة الحرية الممنوحة للإعلام..

هنا ظهر أيضا تعليق لأحد مقدمي البرامج الحوارية (وهو بالأساس محام وليس إعلاميا)، وقد كتب على صفحته تعليقا أثار الجدل حتى إن البعض اعتبره سبب الحملة التسويقية الأخيرة للشركة المتحدة عبر الاسكربت الموحد، كتب يقول إن مقدمي البرامج الحوارية كانوا من وجهة نظر الدولة (يقصد نظام السيسي) أبطال في 30 يونيو، ثم أصبحوا عبئا بعد ذلك، وبعد أن تم تعريضهم لاختبارات وتجارب واختراعات، ممكنة وغير ممكنة، ومعقولة وغير معقولة لدرجة أنه تم حبس أحدهم بسبب إحدى حلقاته، ولم يستطع زملاؤه إدخال الدواء له في الحجز! كما تم وقف برامج معظمهم (مبالغة منه). ثم تساءل مستنكرا ومستهجنا: هل استطاعت الدولة (يقصد السلطة الحاكمة) توصيل رسالتها للشارع المصري عن طريق المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء كل أربعاء؟

يعكس كلام هذا المحامي (الإعلامي) حالة من الغضب لمن تم أو سيتم الاستغناء عنهم ضمن التغييرات الجديدة، وهو يرى أنه وكل من على شاكلته ساعدوا النظام كثيرا من قبل، وينسى هذا المحامي (الإعلامي) أن بدلاءه ومن على شاكلته سيكونون أكثر تطبيلا، لكنهم وجوه جديدة بعد الاحتراق الكامل للوجوه القديمة، وسيحاول من خلالها النظام إيهام نفسه وإيهام الشعب بحدوث تغيير، رغم أنه سيظل تغييرا في الوجوه والقيود وليس السياسات..

ربما أراد إعلاميو "المتحدة" من خلال هذه الحملة التسويقية المفاجئة إثبات أن ولاءهم للشركة أو للمنظومة ذاتها، وليس للعقيد أحمد شعبان، ولأننا بصدد تغييرات شكلية يراد تضخيمها فسوف يكون من بينها كشف العديد من أوجه الفساد المالي داخل هذه المنظومة، وفضح كل من تورطوا فيه، على طريقة "آخر خدمة الغز (العوالم) علقة"، وعلى طريقة خيل الحكومة التي يتم التخلص منها بإطلاق الرصاص عليها حين تصل إلى مرحلة العجز عن الجري.

منذ تم تأسيس هذه المنظومة الإعلامية الجديدة والتي أخذت على عاتقها ترويج (وهْم) الجمهورية الجديدة، كان واضحا أنها منظومة ذات طبيعة خاصة، فلا هي تشبه الإعلام الخاص الذي يصدر عن شركات مساهمة، ولا هي إعلام حزبي مثل ذاك الذي تصدره الأحزاب السياسية، ولا هي إعلام عام مثل التلفزيون الرسمي بقنواته وإذاعاته وشركاته، ومثل المؤسسات الصحفية القومية؛ هذا الوضع الخاص بهدف تجنيبها المساءلة المالية، فليس هناك الجمعية العمومية للمساهمين التي تحاسب إدارات الإعلام الخاص، وليس هناك رقابة للجهاز المركزي للمحاسبات أو هيئة الرقابة الإدارية كما هو الحال بالنسبة للإعلام الحكومي (القومي)، هذه المنظومة الجديدة تتبع بالأساس صندوقا خاصا مملوكا للمخابرات المصرية (صندوق إيجل كابيتال) وهو مثل غيره من صناديق "علي بابا" لا يستطيع أحد خارج الدائرة (السيادية) مساءلته.

بعد 23 يوليو 1952 صنع النظام الجمهوري الجديد إعلامه الخاص بطريقين، أولهما تأسيس صحيفة معبرة عنه هي صحيفة الجمهورية عام 1954، ووكالة أنباء الشرق الأوسط عام 1955، والإذاعة والتلفزيون سنة 1960، والطريقة الثانية هي تأميم المؤسسات الصحفية العريقة القائمة في ذلك الوقت مثل الأهرام وأخبار اليوم وروز اليوسف ودار الهلال.. الخ؛ عام 1960. وما فعله نظام السيسي في تأسيس منظومته الإعلامية هو استنساخ مشوه لتلك التجربة، فالتأميم في الحالة الأولى نقل أصول المؤسسات الإعلامية لملكية الشعب، وجعلها تحت إشراف هيئات شعبية منتخبة بدءا من الاتحاد القومي، ثم الاتحاد الاشتراكي، وصولا إلى مجلس الشورى، وأخضع ميزانياتها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات (وإن كان في تلك الرقابة تساهل خاصة في العقود الأخيرة)، أما التأميم الذي تم للقنوات الإعلامية الخاصة في عهد السيسي، فإنه لم ينقل أصولها للشعب، بل إلى صندوق خاص بمؤسسة عسكرية، ولم يخضعها لرقابة المؤسسات الرقابية كما أسلفنا.

رغم الإنفاق الكبير على هذه المنظومة إلا أن شكوى السيسي منها مستمرة، فهي في نظره لم تقم بدورها المنتظر في التسويق لما يعتبره إنجازات كبرى غير مسبوقة، وهي في نظره لم تستطع الوصول للرأي العام، وهي أيضا لم تستطع منافسة القنوات والصحف التي يعتبرها معادية لنظامه. والحقيقة أنها ستظل في هذا المستوى بل ستنحدر أكثر في الفترة المقبلة، ذلك أن الإعلام لا يزدهر إلا في ظل أجواء الحرية، رغم الإنفاق الكبير على هذه المنظومة إلا أن شكوى السيسي منها مستمرة، فهي في نظره لم تقم بدورها المنتظر في التسويق لما يعتبره إنجازات كبرى غير مسبوقة، وهي في نظره لم تستطع الوصول للرأي العام، وهي أيضا لم تستطع منافسة القنوات والصحف التي يعتبرها معادية لنظامه. والحقيقة أنها ستظل في هذا المستوى بل ستنحدر أكثر في الفترة المقبلة، ذلك أن الإعلام لا يزدهر إلا في ظل أجواء الحريةوهو الأمر المفتقد حاليا، وقد فقد الشعب الثقة بهذا الإعلام التعبوي، والذي يعبر عن السلطة وليس الشعب، واتجه المشاهدون للقنوات الفضائية التي تمتلك قدرا كبيرا من الحرية، سواء كانت قنوات عربية وعالمية معروفة مثل الجزيرة وبي بي سي، والحرة، ودويتشة فيلا، أو قنوات المعارضة المصرية في الخارج، وقد رصدت هذا التحول لدى المشاهدين بعض المؤسسات المختصة مثل إبسوس.

يجادل السيسي ورجاله أن الإعلام كان قويا، ومحل ثقة المواطنين أيام عبد الناصر والسادات رغم غياب الحريات، والحقيقة أن كلا الرئيسين السابقين كان يمتلك مشروعا، وكان لكل من هذين المشروعين رجاله في الإعلام المقتنعون به، والمدافعون بإخلاص عنه. كان لعبد الناصر برنامج تنموي واستقلالي اشتراكي، وكان للسادات مشروع انفتاحي، بخلاف أنه صاحب نصر أكتوبر، وصاحب مشروع السلام (بغض النظر عن تقييمنا له)، بينما لا يوجد للسيسي مشروع واضح، سوى بناء أكبر عاصمة إدارية تحوي أكبر برج في أفريقيا، وأكبر مسجد وأكبر كنيسة، وأعلى ساري علم. وقد طبل إعلامه لهذه المشاريع بما فيه الكفاية، لكن هذا الإعلام وقف عاجزا عن تبرير سياسة النظام في التخلي عن جزيرتين، والفشل في إدارة ملف سد النهضة، والتسبب في أزمة المديونية الخارجية وانهيار قيمة الجنيه، وارتفاع الأسعار، وتراجع دور مصر الإقليمي والعالمي.. الخ.

ستظل منظومة إعلام المتحدة ومعها باقي الإعلام المصري (باستثناءات قليلة) في حالة فشل متزايد، وعلى الأرجح سيتصرف النظام بحماقة مع هذا الفشل (الذي هو سببه)، حيث سيجد في التخلص من الإعلام الرسمي فرصة لجمع مليارات الدولارات من بيع الأصول التي يمتلكها هذا الإعلام، والذي تركه النظام يموت ببطء، كما أنه قد يعرض بعض المؤسسات الإعلامية التابعة للشركة المتحدة نفسها للبيع أيضا بعد تيقنه من فشلها وتحقيقها المزيد من الخسائر، بل قد يستغني عن المنظومة كلها، ليؤسس منظومة جديدة مع هذا الطاقم الجديد المكلف بالملف الإعلامي.. لننتظر ونتابع.

x.com/kotbelaraby

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإعلام المصري السيسي مصر السيسي الإعلام مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرکة المتحدة هذه المنظومة أحمد شعبان لم تستطع

إقرأ أيضاً:

الدب الأمريكي الذي قد يقتل صاحبه!

يتحدث التراث الإنساني عن «الدبة التي قتلت صاحبها»، و«الرواية التي قتلت صاحبها»، و«القصيدة التي قتلت صاحبها»، وكلها تعبيرات تؤكد أن الغباء يقود أحيانًا صاحبه المغرور إلى اتخاذ قرارات متهورة تؤدي إلى إلحاق الأذى به، وبمن يحبه ويدافع عنه، وقد يصل الأمر إلى حد القضاء عليه.

الآن يمكن أن نسحب هذه الأمثال والعبارات على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وعد عند أداء اليمين الدستورية أمام الكونجرس بإعادة أمريكا -التي يحبها بالتأكيد- عظيمة مجددًا، ثم ما لبث أن أصدر سلسلة من الأوامر التنفيذية التي يؤكد مراقبون كثر أنها قد تؤدى في النهاية إلى تفكك الولايات المتحدة وغروب شمس الإمبراطورية الأمريكية.

من الوعود الكثيرة التي قطعها ترامب على نفسه، وتهمنا في هذا المقال، وعده بأن يجعل بلاده «عاصمة العالم» للذكاء الاصطناعي. ثم سرعان ما تحول إلى دب هائج ضرب هذه الصناعة في مقتل ومنح منافسيه من دول العالم الأخرى خاصة الصين فرصة للتفوق عليه، عندما رفع بشكل تعسفي، يبدو غير مدروس، التعريفات الجمركية على كل دول العالم تقريبا.

الأمر المؤكد بعد أن بدأ ترامب حربه التجارية مع العالم، أن هذه الحرب ستكون الولايات المتحدة أكثر المتضررين منها، خاصة على صعيد صناعة الذكاء الاصطناعي التي سيكون عليها من الآن فصاعدًا مواجهة منافسة شرسة مع مثيلتها في الصين ودول أخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه حاليا على كل المهتمين بتطوير برامج الذكاء الاصطناعي هو: كيف ستؤثر التعريفات الجمركية «الترامبية» على هذه البرامج التي ما زالت في طور الحضانة التكنولوجية، إذا أخذنا في الاعتبار أنها بدأت في الظهور منذ 3 أعوام فقط وتحديدا في عام 2022 عندما أطلقت شركة «اوبن آي» برنامج «شات جي بي تي» الذي فتح الباب أمام منافسين كثر في جميع أنحاء العالم لتطوير برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي التي حققت زيادة هائلة في الانتشار والاستخدام العالمي من جانب الشركات والمستخدمين الأفراد. وهنا تشير التقديرات إلى أن عدد مستخدمي أدوات الذكاء الاصطناعي حول العالم قد تجاوز 314 مليون مستخدم في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي 378 مليون مستخدم هذا العام. وحسب أحدث التقارير، تجاوز عدد مستخدمي تطبيقات شات جي بي تي النشطين أسبوعيًا 400 مليون مستخدم في فبراير الماضي.

ورغم تراجع ترامب المفاجئ كالعادة وإصداره أمرًا جديدًا الأسبوع الماضي بإلغاء الرسوم الجمركية التي كان قد فرضها على أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والهواتف الذكية، وشاشات العرض المسطحة، ومحركات الأقراص، وأشباه الموصلات القوية المعروفة باسم وحدات معالجة الرسومات، والتي تعد من العناصر الضرورية لمشروعات الذكاء الاصطناعي، ورغم ترحيب شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، مثل آبل وديل، بهذا القرار؛ نظرًا لاعتمادها الكبير على المكونات المستوردة من الصين ودول أخرى، فإن قرارات ترامب التي عرفت بقرارات يوم الجمعة تم التراجع عنها بعد يوم واحد، بإعلان وزير التجارة «هوارد لوتنيك» أمس الأول «أن الرسوم الأمريكية على رقائق أشباه الموصلات والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والتي أعفاها البيت الأبيض في وقت متأخر من يوم الجمعة، ما زالت قيد التنفيذ، وسيتم تحديدها في غضون شهر أو شهرين».

يتجاهل ترامب وإدارته الجمهورية حقيقة قد تعصف بصناعة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وهي أن الرسوم الجمركية الجديدة ستؤدي دون شك إلى زيادة كلفة إنشاء مراكز البيانات والمعلومات التي تشكل حجر الزاوية في تطوير ونشر برامج الذكاء الاصطناعي، وذلك بسبب أن المواد المطلوبة لتأسيس هذه المراكز مثل مواد البناء ومولدات الطاقة الاحتياطية ومعدات تبريد الخوادم الضخمة ما زالت تخضع للرسوم التي فرضها ترامب على الواردات الصينية.

من التناقضات الملفتة للنظر في سياسة ترامب نحو الذكاء الاصطناعي أنها تريد أن تحافظ على مكانة الولايات المتحدة «كعاصمة للذكاء الاصطناعي في العالم». ووفقًا لأقوال ترامب، فإن «على الولايات المتحدة أن تبقى في الصدارة للحفاظ على اقتصادها وأمنها القومي»، في الوقت نفسه سارع ترامب فور توليه منصبه إلى تقليص قواعد الذكاء الاصطناعي التي كان قد أصدرها الرئيس السابق جو بايدن، بأمر تنفيذي في أكتوبر 2023 لتنظيم مجال الذكاء الاصطناعي، وتحقيق التوازن بين الابتكار وحماية الأمن القومي ومصالح المستهلكين، وضمان استخدام مسؤول للتكنولوجيا مع حماية الحقوق المدنية ومنع إساءة الاستخدام، مثل الاستخدامات التي قد تنتهك الحقوق الدستورية أو تسهم في نشر الأسلحة النووية. وقد ألزم هذا الأمر الشركات العاملة في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة بالتعاون مع الحكومة الفيدرالية، خاصةً عند تطوير تقنيات قد تشكل تهديدًا للأمن القومي أو الصحة العامة أو الاقتصاد. وتضمن هذا الأمر تقديم نتائج اختبارات الأمان وتفاصيل حول آليات تطبيقها، بالإضافة إلى توجيه الوكالات الفيدرالية لوضع معايير تنظيمية للمخاطر المرتبطة بهذه التقنيات.

جاء ترامب وألغى في فبراير الماضي بجرة قلم كل ذلك بزعم أن الخطوات التنظيمية التي وضعتها إدارة بايدن تعيق تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتضع عوائق أمام الشركات الأمريكية، وتجعلها في موقع تنافسي ضعيف مقارنةً بالدول الأخرى، ليعود بنفسه إلى سياسة وضع عوائق أشد.

من الواضح أن الرسوم الجمركية الصارمة التي فرضها ترامب على الصين، التي بلغت حتى الآن 145%، قد تصب في صالح الصين، وتضعف صناعة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وتساعد التنين الصيني في نهاية المطاف على منافسة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة وأن الصين تعد موردًا رئيسيًا لمكونات مراكز البيانات، التي لم يلغ ترامب الرسوم المفروضة عليها.

لقد استبق ترامب الأحداث وتدخل بعنف في مسيرة صناعة وليدة ما زالت في بداياتها، ولم تُحقق بعد أرباحًا كبيرة. صحيح أن شركات التقنية العملاقة ضخت استثمارات مليارية في برامج طويلة المدى لتطوير وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي وبناء مراكز البيانات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ولكنها تبقى استثمارات بدون عوائد سريعة. ويكفي أن نشير هنا إلى أن «جوجل» أعلنت عن خطط لاستثمار 75 مليار دولار، وأعلنت شركة «مايكروسوفت» عزمها إنفاق 80 مليار دولار هذا العام، بالإضافة الى إعلان شركة «اوبن آي» و«شركة أوراكل»، استثمار ما يصل إلى 500 مليار دولار، في بناء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي خلال فترة ولاية ترامب. هذه الأموال الطائلة والاستثمارات الهائلة تحتاج إلى تبني سياسة الانفتاح على العالم وليس سياسة ترامب التي تغلق الباب أمام الشركات الأمريكية للحصول على ما تريده من العالم، ويتحول ترامب الى دب يقتل صناعة الذكاء الاصطناعي. إذا أردت أن تصبح بلادك عظيمة مرة أخرى يجب أن تحترم العالم المحيط بك أولا، وألا تشن حروبا من المؤكد أنك سوف تخسرها في مواجهة الجميع، وإذا أردت أن تطاع، يا عزيزي ترامب، فإن عليك كما يقول العرب «أن تأمر بالمستطاع».

مقالات مشابهة

  • Egypt aura| مشروع تخرج طلبة إعلام القاهرة لتعزيز العلامة التجارية للدولة المصرية
  • إعلام العدو: مؤسسة هند رجب تقدم طلبا لاعتقال ساعر الذي يزور بريطانيا
  • محافظ المنيا يوقع بروتوكول تعاون مع الشركة المصرية المتحدة لدعم منظومة النقل بـ 15 أتوبيسًا لحين استكمال منظومة الاستبدال
  • إعلام الأزهر يناقش رسالة دكتوراه للباحث محمد حجاج
  • “الوطني الاتحادي” يتبنى عدداً من التوصيات بشأن سياسة الحكومة في تعزيز دور الإعلام الحكومي
  • الدب الأمريكي الذي قد يقتل صاحبه!
  • دعم منظومة الأمن الغذائي وكفاءة الأداء.. إطلاق الشركة الوطنية لإمدادات الحبوب «سابل»
  • ملتقى يناقش سياسة الحكومة في تعزيز الإعلام الحكومي
  • الحكومة الأردنية تعلن إحباط مخططات تستهدف الأمن الوطني.. تعود لعام 2021
  • توجيه رئاسي.. الحكومة تصيغ مستقبل الإعلام والدراما في 10 سنوات