موقع إسرائيلي: عندما يصبح الذعر اليهودي سلاحا مشرعا لحجب الحقيقة
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
انتقدت كاتبة وناشطة يهودية تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليقا على أحداث العنف التي شهدتها مدينة أمستردام، يوم الجمعة قبل الماضي، على هامش مباراة في كرة القدم بين فريقي مكابي تل أبيب وأياكس الهولندي.
واشتعلت شرارة العنف في العاصمة الهولندية عندما رفض مشجعو الفريق الإسرائيلي الوقوف دقيقة حدادا على أرواح ضحايا فيضانات إسبانيا بسبب مواقف الأخيرة المتضامنة مع فلسطين.
وانتقلت الاضطرابات إلى شوارع المدينة، مما أسفر عن إصابة ما بين 20 و30 من مشجعي مكابي تل أبيب إثر تعرضهم لهجوم من مجموعات لبّت، حسب الشرطة، دعوات انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي تعليقه على تلك الأحداث، عمد نتنياهو إلى تشبيه ما جرى في أمستردام في ذلك اليوم بليلة "الكريستال ناخت" -وتعني ليلة الزجاج المهشم- وهو مصطلح يُحيل إلى عمليات نظمها ونفذها النازيون ضد مصالح وبيوت يهودية في ألمانيا يومي 9 و10 نوفمبر/تشرين الثاني 1938. وقال إن النازيين استهدفوا اليهود لمجرد كونهم يهودا.
وكتبت إيم هيلتون -وهي ناشطة يهودية مقيمة في لندن- مقالا في مجلة "972+" الرقمية الإسرائيلية حاولت فيه تفكيك وتحليل تصريح نتنياهو. وانتقدت، في السياق، وسائل الإعلام الغربية البارزة وقادة دوليين لتبنيهم الفوري للرواية التي وصفت الاضطرابات بأنها "أحداث عنف واضحة معادية للسامية".
وقالت إن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ وصفها بأنها "بوغروم" (مذبحة مدبرة)، وهي لفظة تستخدم للإشارة إلى الاعتداءات والمجازر التي تعرض لها اليهود في ظل الإمبراطورية الروسية في القرن الـ19. كما اعتذر الملك الهولندي لهيرتزوغ -بعد يوم من المباراة- قائلا "لقد خذلنا الجالية اليهودية في هولندا خلال الحرب العالمية الثانية، وفي الليلة الماضية فشلنا مرة أخرى".
وأشارت هيلتون -وهي مسؤولة كبيرة في تحالف الشتات اليهودي في بريطانيا، وأحد مؤسسي منظمة يهود بريطانيون ضد الاحتلال- إلى أن باحثين في معاداة السامية والإبادة الجماعية والتاريخ اليهودي كانوا قد حذروا، في أعقاب طوفان الأقصى، من الأساليب التي استُخدمت لاستحضار أحداث مؤلمة في التاريخ اليهودي لتبرير الهجمات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، وقمع من ينتقدها.
وذكرت أن الباحث في مجال معاداة السامية بريندان ماكجيفر أكد بجلاء أن أحداث أمستردام لم تكن مذبحة مدبرة (بوغروم). واعتبرت كاتبة المقال أن انتشار هذا المصطلح وغيره من المصطلحات المشابهة، التي استخدمت عقب اضطرابات الأسبوع الماضي، لم يؤدِّ إلا إلى التشويش على اضطرابات أمستردام، وأنه تكتيك سائد يلجأ إليه اليمين المتطرف لإشاعة الفوضى والخوف لترسيخ رؤيته للعالم.
ووفقا لهيلتون، فإن هذا الاستغلال لهواجس اليهود مثير للقلق، في وقت تتزايد فيه معاداة السامية الحقيقية ويشعر فيه الشعب اليهودي خاصة بالتهديد في جميع أنحاء العالم.
فأي نوع من السياسة ذلك الذي تخدمه تلك الأحداث والخطاب المحيط بها؟ تتساءل الناشطة اليهودية، وتعلق بأن من مصلحة الحكومة الإسرائيلية تكييف العنف على أنه مدفوع فقط بالعنصرية المعادية لليهود، مما يتيح لها إجهاض أي محاولة لربطه بحرب الإبادة الجماعية في غزة، حسب قولها.
ما حدث في أمستردام لا يتعلق في معظمه بمعاداة السامية، بل بتصاعد الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) والعنصرية في أوروبا بشكل سريع
وأضافت أن ذلك هو ما يجعل القادة الإسرائيليين يصرون على تأكيد الفرضية الصهيونية القائلة بأن إسرائيل هي المكان الوحيد الآمن لليهود، وأن المسلمين والعرب يشكلون تهديدا وجوديا لهم أينما ثُقفوا.
وأعربت عن اعتقادها بأنه كلما طال أمد الحرب في غزة، زاد احتمال أن يستمر العداء للإسرائيليين في الخارج في تأجيج العنف، وأن يمتد إلى معاداة السامية بحيث يصبح احتواؤه -بعد ذلك- أصعب.
ومع ذلك، لا يزال جوهر المشكلة مفقودا، وفق هيلتون التي ترى أن ما حدث في أمستردام لا يتعلق في معظمه بمعاداة السامية، بل بتصاعد الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) والعنصرية في أوروبا بشكل سريع.
وقالت إن الحقيقة "البشعة" بعد أقل من قرن من مطاردة وإبادة اليهود من قبل النازيين وحلفائهم هي أن الاهتمام باليهود اليوم يخدم طموحات اليمين المتطرف، الذي يستخدم مخاوفهم "هراوة" ضد المسلمين والعرب والمهاجرين من دول الجنوب.
وأضافت أن على اليهود أن يتذكروا أن اليمين المتطرف ليسوا حلفاءهم، "فحتى لو لم نكن نحن الهدف الحالي لغضبهم، فإن معاداة السامية لطالما أذكت القومية البيضاء وتفوق العرق الأبيض".
استخدام مخاوف اليهود باعتبارهم كبش فداء ضد الأقليات الأخرى لن يؤدي إلا إلى زيادة إحساسهم بعدم الأمن
وخلصت إلى أن استخدام مخاوف اليهود باعتبارهم كبش فداء ضد الأقليات الأخرى لن يؤدي إلا إلى زيادة إحساسهم بعدم الأمن؛ ولذلك عليهم أن يبحثوا بشكل عاجل عن سبل جديدة لضمان سلامتهم بالتضامن مع المجتمعات المهمشة الأخرى وليس بمعارضتها.
وختمت بالقول إن على اليهود مواجهة الحقيقة وهي أنه بعد أكثر من 400 يوم من ارتكاب الجيش الإسرائيلي "الإبادة الجماعية" في قطاع غزة، فإن الدعم الذي تحظى به إسرائيل في أوروبا لا يعدو أن يكون مشروعا سياسيا داعما لليمين المتطرف داخل دولة الاحتلال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات معاداة السامیة
إقرأ أيضاً:
حين يصبح المدعي العام عدوًا.. ماذا يحدث مع كريم خان؟
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والدبلوماسية، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في الثالث عشر من فبراير/ شباط الجاري إدراج المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، على قائمة العقوبات الخاصة بمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC).
تأتي هذه العقوبات استنادًا إلى الأمر التنفيذي الذي وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن فرض قيود على المحكمة الجنائية الدولية. يثير هذا القرار تساؤلات جوهرية حول تأثيره على المحكمة الجنائية الدولية، واستقلالية القضاء الدولي، ومدى احترام الولايات المتحدة مبدأ العدالة الدولية.
تشمل العقوبات الأميركية المفروضة على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، وفريقه عدة جوانب تهدف إلى عرقلة عمل المحكمة والحد من قدرتها على إجراء التحقيقات الدولية.
من بين هذه العقوبات تجميد الأصول المالية، حيث جُمدت جميع الأموال والممتلكات المرتبطة بهم داخل الولايات المتحدة، وأُمرت البنوك الأميركية بعدم التعامل مع أي حسابات أو معاملات تخصهم. كما شُددت الإجراءات عبر حظر التعاملات المالية والمصرفية، مما أدى إلى عزلة مالية خانقة للأفراد المشمولين بالعقوبات، حيث امتنعت المؤسسات المالية عن أي معاملات معهم.
إعلانإضافة إلى ذلك، فُرض حظر السفر والدخول إلى الولايات المتحدة، حيث تم إدراج كريم خان وعدد من أعضاء فريقه على قائمة الممنوعين من دخول الأراضي الأميركية، مما صعّب تحركاتهم الدبلوماسية والمهنية.
كما لم تقتصر العقوبات على الأفراد فقط، بل شملت إجراءات قانونية ضد المتعاونين، إذ يمكن ملاحقة أي مواطن أميركي أو مؤسسة أميركية تقدم دعمًا ماديًا أو قانونيًا للمحكمة، حتى لو كان ذلك عبر تقديم الأدلة أو الشهادات.
وعلى المستوى الدبلوماسي، فُرضت قيود صارمة على الاتصال الرسمي بين المسؤولين الأميركيين والمحكمة، مما أثر على التعاون القانوني والدبلوماسي بين الطرفين. كما تم تجميد التحويلات المالية المتعلقة بالمحكمة، مما أعاق قدرتها على تمويل تحقيقاتها وتعزيز استقلاليتها.
ولزيادة الضغوط، اعتُبر تقديم الدعم المالي أو المادي للمحكمة جريمة وفق القوانين الأميركية، مما يعرّض النشطاء والمحامين لخطر المساءلة القانونية في حال دعمهم للمحكمة أو المدعي العام.
لم تقتصر تداعيات هذه العقوبات على المحكمة نفسها، بل أثرت أيضًا على التعاون الدولي في مجال العدالة، حيث بدأت بعض الدول تتوخى الحذر في تقديم المعلومات أو الدعم خوفًا من الملاحقة أو العقوبات الأميركية.
تهدف هذه الإجراءات بمجملها إلى تقويض المحكمة الجنائية الدولية وإضعاف قدرتها على محاسبة المسؤولين عن الجرائم الدولية، مما يشكل تحديًا كبيرًا أمام تحقيق العدالة الدولية وترسيخ مبدأ المساءلة.
ما هي الأسباب المباشرة لفرض العقوبات؟تأتي العقوبات الأميركية على المدعي العام كريم خان في سياق تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في مجموعة من القضايا التي تتعلق بجرائم الحرب في فلسطين. وفي مارس/ آذار 2021، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أن لديها الاختصاص القضائي للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة.
إعلانوفي مايو/ أيار 2024، قامت المحكمة بإصدار مذكرات توقيف ضد عدة شخصيات بارزة، بمن في ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
هذا الإجراء من قبل المحكمة أثار غضب الولايات المتحدة، التي تعتبر إسرائيل حليفًا إستراتيجيًا، مما أدى إلى فرض العقوبات كرد فعل على هذه التحقيقات والمذكرات التي تعتبرها واشنطن محاولة لتقويض تحالفاتها الدولية وتشويه سمعة حلفائها.
هذه العقوبات تمثل جزءًا من سياسة أميركية أوسع لحماية مصالحها، والتأكيد على أن العدالة الدولية يجب ألا تتعارض مع مصالحها الجيوسياسية.
وكونها المرة الأولى التي تصدر فيها المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق قادة إسرائيليين، رغم كثرة الجرائم المرتكبة منذ عام 2002، وحتى يومنا هذا، فقد شكّل ذلك صاعقة وصدمة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء.
فإسرائيل التي لطالما اعتبرت نفسها بمنأى عن المساءلة الدولية، وجدت نفسها أمام استحقاق قانوني غير مسبوق، فيما رأت واشنطن في هذا التطور تهديدًا مباشرًا لهيمنتها على النظام الدولي، خاصة أن المحكمة تحدّت علنًا الإرادة السياسية الأميركية الداعمة لإسرائيل.
لم تكن هذه المرَّة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية. ففي عام 2020، فرضت إدارة الرئيس ترامب آنذاك عقوبات على المدعية العامة السابقة، فاتو بنسودا؛ بسبب تحقيقاتها حول الجرائم الأميركية في أفغانستان. وقد أدانت عدة دول ومنظمات حقوقية هذا الإجراء باعتباره سابقة خطيرة تهدد سيادة القانون الدولي.
هل تؤثر هذه العقوبات على عمل المحكمة الجنائية الدولية؟تؤثر العقوبات الأميركية على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، بشكل كبير على عمل المحكمة.
أولًا، تقلل من قدرتها على التحقيق في الجرائم الدولية، حيث تعتمد المحكمة على التعاون الدولي لتمويل تحقيقاتها وجمع الأدلة. إعلانتحليلات منظمة مثل "الاتحاد الدولي للمحامين" (IBA) أظهرت أن فرض العقوبات على مسؤولي المحكمة يقلل من الاستعداد لتقديم الدعم المالي أو اللوجيستي، مما يؤدي إلى تقليص نطاق التحقيقات.
ثانيًا، تردع هذه العقوبات الدول والمؤسسات عن التعاون مع المحكمة، كما يذكر تقرير من "هيومن رايتس ووتش" الذي يشير إلى أن الدول الصغيرة خاصة قد تخشى من الانتقام الأميركي، مما يقلل من قدرة المحكمة على تأمين الدعم والشهادات اللازمة.بالإضافة إلى ذلك، تشوه سمعة المحكمة الجنائية الدولية؛ ففرض العقوبات يمكن أن ينقل رسالة عن عدم الحيادية، مما يوفر للأنظمة المتهمة بجرائم حرب ذريعة لرفض التعاون، كما أكدت دراسة قامت بها "جامعة كولومبيا" حول آثار السياسات الدولية على العدالة الانتقالية.
أخيرًا، تهدد العقوبات استقلالية المحكمة، حيث يمكن أن تكون وسيلة للضغط غير المباشر لتقليل التحقيقات في قضايا حساسة، مما يضعف نزاهتها واستقلاليتها، كما يتضح من نقاشات أكاديمية حول الدور السياسي في القضاء الدولي من قبل "جامعة ليدن" في هولندا. جميع هذه العوامل تجتمع لتشكل تهديدًا لفاعلية وشرعية المحكمة الجنائية الدولية على المستوى العالمي.
كيف تعزز المواقف الدولية عمل المحكمة الجنائية الدولية رغم العقوبات الأميركية؟أثارت العقوبات المفروضة على كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، استنكارًا واسعًا من مجموعة واسعة من الجهات الدولية.
الاتحاد الأوروبي أعرب عن قلقه العميق، مشيرًا إلى أن هذه العقوبات تشكل تهديدًا خطيرًا لسيادة القانون الدولي، وأكد على أهمية الحفاظ على استقلال المحكمة لضمان قضاء عادل.
من جهتها، أكدت الأمم المتحدة في بياناتها أن المحكمة يجب أن تعمل بحرية دون تدخل سياسي، مؤكدة على أهمية تحقيق العدالة دون تأثيرات خارجية.
بالإضافة إلى ذلك، رفعت منظمات حقوقية – مثل هيومن رايتس ووتش وأمنيستي إنترناشيونال- صوتها ضد هذه العقوبات، ووصفتها بأنها هجوم غير مبرر على العدالة الدولية.
إعلانوقد أعربت جمعية الدول الأميركية (OAS) عن مخاوفها بشأن التأثيرات السلبية على النظام القانوني الدولي، مؤكدة على ضرورة احترام السيادة القضائية للمحكمة. كذلك، نددت جامعة الدول العربية بالعقوبات، مؤكدة على أهمية تعزيز القضاء الدولي كعامل للسلام والاستقرار.
هذه المواقف الدولية التي تدعم عمل المحكمة الجنائية الدولية ورغم أهميتها، يجب ألا تقتصر على الكلام فحسب بل ممارسة ضغط دبلوماسي على الولايات المتحدة لإعادة النظر في سياستها، وفي دعم مالي وتقني للمحكمة، وفي تعزيز التعاون الدولي معها لتنفيذ تحقيقاتها.
الأبعاد القانونية والدبلوماسيةمن الناحية القانونية، تتعارض العقوبات الأميركية على المحكمة الجنائية الدولية مع مبادئ أساسية في القانون الدولي العام، والتي تؤكد على احترام سيادة الدول واستقلال المؤسسات القضائية الدولية.
وفي هذا السياق، ينص ميثاق الأمم المتحدة على عدم جواز استخدام القوة الاقتصادية أو أي شكل آخر من أشكال الضغط للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، مما يجعل فرض العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية عملًا يتنافى مع هذه المبادئ.
إضافةً إلى ذلك، يعد مبدأ استقلال القضاء الدولي جزءًا من القانون الدولي العرفي، كما أنه منصوص عليه في المعاهدات الدولية، بما في ذلك نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يكرّس في مواده: (4، 40، و42) استقلال المحكمة وقضاتها ومدعيها العام عن أي تدخل سياسي أو ضغوط خارجية تعيق أداء مهامهم.
وبالتالي، فإن أي محاولة للتأثير على عمل المحكمة من خلال العقوبات أو التهديدات يمكن أن تُعتبر انتهاكًا لمبدأ استقلال القضاء الدولي وتقويضًا لمنظومة العدالة الجنائية العالمية.
علاوة على ذلك، قد تمثل هذه التدخلات إخلالًا بحقوق دولية أساسية، من بينها حق الوصول إلى العدالة الدولية، الذي يُعد من الركائز الجوهرية لضمان عدم إفلات مرتكبي الجرائم الدولية من المساءلة، كما تكرّسه معاهدات واتفاقيات دولية متعددة.
إعلانومن هنا، فإن العقوبات الأميركية لا تؤثر فقط على المحكمة الجنائية الدولية، بل تمتد آثارها إلى الضحايا والمجتمعات المتضررة، مما يعيق مسار العدالة الدولية، ويضعف الثقة في النظام القانوني العالمي.
من الناحية الدبلوماسية، تظهر هذه العقوبات تناقضًا واضحًا في سياسات الولايات المتحدة. واشنطن تؤكد دائمًا على أهمية حقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكاتها، خصوصًا في تقاريرها السنوية، كما تظهر في إعلاناتها المتعددة مثل "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" الذي تدعمه الولايات المتحدة.
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بجرائم مزعومة ترتكب من قبل حلفائها أو قواتها، تتبنى سياسة مناهضة للتحقيقات الدولية، مما يشكل تناقضًا واضحًا يمكن أن يضعف من مصداقيتها في دعم العدالة الدولية.
هذا السلوك يمكن أن يكون مثالًا على ما يُعرف بـ "السياسة الخارجية المزدوجة"، حيث تتناقض المبادئ المعلنة علنًا مع الممارسات الفعلية. هذا التناقض قد يؤثر سلبًا على قدرة الولايات المتحدة على تعزيز التزاماتها الدولية، ورفع قضايا حقوق الإنسان في المنظمات الدولية.
لا يعد فرض العقوبات الأميركية على المحكمة الجنائية الدولية قدرًا محتومًا، بل هو تحدٍّ يمكن التغلب عليه بإستراتيجيات متنوعة. من بين هذه الإستراتيجيات، يمكن إغراق المحاكم الدولية، ولا سيما المحكمة الجنائية الدولية، بالدعاوى المتعلقة بجرائم الحرب وأعمال الإبادة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لإبراز تعارض هذه العقوبات مع القانون الدولي وضرورة محاسبة المسؤولين.
كما يمكن توسيع هذا النهج ليشمل المحاكم الوطنية ذات الولاية العالمية، عبر رفع دعاوى تحرك تحقيقات أو محاكمات محلية حول الجرائم ذاتها، مما يضعف شرعية العقوبات ويظهر تناقضها مع الالتزامات الدولية.
ولتعزيز صمود المحكمة في مواجهة الضغوط، يمكن تفعيل التعاون الدولي عبر تقديم الدعم المالي والمؤسسي لها.
إعلانورغم التحديات، يبقى الإصرار على دعم العدالة الدولية راسخًا، إذ كما للظلم أنصار، فإن للحق أنصارًا يحملون العزيمة الراسخة والإرادة الصلبة، مؤمنين بأنه ما ضاع حق وراءه مطالب، لتظل العدالة صوتًا مسموعًا وقوة فاعلة في وجه كل الضغوط.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline