حين أسّس ميشيل عفلق "حزب البعث العربيّ"، نسب إلى "الأمّة العربيّة الواحدة" رسالة وصفها بأنّها خالدة. عقول كثيرة حارت في تفسير معنى تلك الرسالة، ولماذا من بين سائر شعوب الأرض سوف تكون للعرب وحدهم رسالة.
مؤسّس البعث، على عادته، لم يقدّم إجابات واضحة، لكنّه غالباً ما كان يقرن الرسالة تلك بـ "الانقلاب".
وبالفعل، وكما أظهرت عقود ما بعد الاستقلالات العربيّة، لم تكن الرسالة العتيدة سوى الانقلاب العسكريّ الذي أطاح أنظمة مدنيّة في غير بلد عربيّ. والحال أنّه من بين الأحداث اللعينة الكثيرة التي نزلت بالعالم العربيّ، يبقى هذا الانقلاب ألْعَنَها بإطلاق. فهو الذي كانت له اليد الطولى في تأسيس الكوارث والهزائم اللاحقة وفي إشاعة السلوك والوعي الأمنيّين، كما في تدمير المجتمعات المدنيّة وما كان متوافراً من حرّيّات في السياسة والاجتماع والمهن والثقافة والتعبير.
وكان ما ضاعف قوّةَ السمّ في الانقلاب العسكريّ عاملان، داخليّ وخارجيّ. أمّا الداخليّ فهو البُعد الطائفيّ أو الإثنيّ الضامر الذي أقام في كثير من أعمال الاستيلاء العسكريّ على السلطة التي عرفتها بلدان ذات نسيج اجتماعيّ مُهَلهَل. وأمّا الخارجيّ فهو اقترانه بتمدّد سوفياتيّ بدأ في الخمسينات وتعدّى بلدان "الكتلة الاشتراكيّة" التي كانت قد ولدت قبل عقد واحد. هكذا علّم أبناءُ ستالين الأنظمة الانقلابيّة في العالم العربيّ فنوناً وتقنيّات في الرقابة والقمع، وفي مصادرة الحياتين العامّة والخاصّة، فضلاً عن نشر وعي حربيّ سببه أنّ بلدان الكتلة المذكورة لا تملك سوى السلاح سلعةً للتصدير الخارجيّ.
ولئن صحّ أنّ الأنظمة التي أطيحت لم تكن من الصنف الذي يُدافَع عنه دائماً، صحّ أيضاً أنّها لم تكن من الصنف الذي يسدّ باب المستقبل كلّيّاً ويصادر الحياة العامّة على النحو الذي يفعله النظام العسكريّ – الأمنيّ. إلى ذلك فالتركة الكولونياليّة البشعة، التي استمرّ بعضها فاعلاً، ومعها تنافس الدول الكبرى على مناطق النفوذ، تضامنا مع درجة التطوّر الاجتماعيّ في المستعمرات السابقة، ومع ضعف تقاليدها السياسيّة وكهولتها الثقافيّة، بحيث غدا من الصعب (إلاّ في التحليل التآمريّ) ردّ قصور الأنظمة المدنيّة إلى عامل خارجيّ أوحد.
ورغم حصول ما حصل، لا يزال معظم الفكر السياسيّ العربيّ يتعامل مع الانقلاب العسكريّ بكثير من الودّ، إن لم يكن التمجيد، فيما بعضٌ غير قليل من النقد الذي بات يوجَّه إليه يأتي مشوباً باللطف وبقدر من السخاء وتوفير الأعذار.
واليوم إذ تكرّ سبحة الانقلابات العسكريّة مجدّداً في القارّة الأفريقيّة، فينقلب على نظامه عسكر النيجر بعدما انقلب عسكر مالي وبوركينا فاسو، لا تزال أصوات عربيّة كثيرة تُهدي الأفارقة رسالة الانقلاب العسكريّ. وبدل تنبيههم إلى ما حلّ بنا من جرّاء هذا الانقلاب ذاته، ومناشدتهم أن لا يكرّروا تجربتنا المُرّة التي لم نتعافَ من آثارها حتّى اليوم، نرى بعضنا يحتفل، في 2023، بما سبق أن احتفل به انقلابيّونا قبل عشرات السنوات: كسر الخضوع والتبعيّة للغرب، بناء مستقبل وطنيّ مشرق، إحداث استقلال حقيقيّ، تصفية للطبقة الرجعيّة القديمة...، وغير ذلك من شعارات كثيراً ما اختبرها الواقع فتبدّت ترّهات قاتلة. وبدل تحذير الأفارقة من اصطباغ الانقلاب العسكريّ بمقدّمات إثنيّة وجهويّة مستترة، كما بتمدّد روسيّ ترمز إليه، هذه المرّة، ميليشيا فاغنر، إذا بهذا البعض منّا يهلّل لعلامات الأصالة والتحرّر التي تنطوي عليها المغامرات العسكريّة الأخيرة. أمّا الغرق في ثقافة الدم ومستنقعات الثأر والانتقام من رئيس سابق أو من معارضين للانقلاب فهو أيضاً سبب للاستبشار بمستقبل مضيء ينتظر الأفارقة ويحاكي المستقبل المضيء الذي غنمناه!
إنّ الرسالة الوحيدة التي تستحقّ الاحترام هي بالضبط ما يعاكس رسالة عفلق الشهيرة، أي أن نقول، نحن العرب، لسوانا: تعلّموا ممّا حلّ بنا حين استولت علينا أوهام كبرى كان أهمّها وهم امتلاكنا رسالة محمولة على جناح القوّة والعنف. وكم سيكون مفيداً أن يقال كلام كهذا لسبعين مليون أفريقيّ في البلدان الثلاثة، النيجر ومالي وبوركينا فاسو، يُساقون راهناً من أوضاع سيّئة لكنْ قابلة للتغيير والإصلاح التدريجيّين إلى أوضاع مطلقة السوء ومطلقة الانسداد في الوقت عينه.
الشرق الأوسط
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حزب البعث النيجر النيجر أفريقيا الوطن العربي حزب البعث مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة صحافة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانقلاب العسکری ة التی
إقرأ أيضاً:
واتساب يكشف عن ميزة جديدة لترتيب فوضى الجروبات
يعد واتساب WhatsApp، واحدا من أكثر تطبيقات المراسلة شعبية في العالم، لكن في بعض الأحيان تصبح المحادثات الجماعية فوضوية بعض الشيء، عندما يقوم الأعضاء بالرد على نفس الرسالة مما يجعل من الصعب متابعة المحادثة عندما يكون هناك الكثير من الردود.
لكن هذه الفوضي قد تنتهي قريبا، حيث كشف موقع Wabetainfo، المتخصص في تتبع تحديثات واتساب القادمة، عن ميزة جديدة في إصدار بيتا من واتساب لنظام أندرويد التي تهدف إلى معالجة هذه المشكلة المستمرة.
يكشف التقرير ميزة جديدة تسمى "ردود الرسائل المترابطة" تهدف إلى تقديم خيار عرض جميع الردود على رسالة معينة في مؤشر ترابط منفصل.
حاليا، يمكن للمستخدمين الرد على الرسائل في واتساب لنظام أندرويد أو آيفون عن طريق تمرير رسالة إلى اليسار أو الضغط عليها والاحتفاظ بها واختيار الرد، ليظهر ردهم بشكل مرتبط مع الرسالة الأصلية في نفس المحادثة، ولكن الميزدة الجديدة ستتيح للمستخدمين عرض جميع الردود على نفس الرسالة في شاشة واحدة مرتبة، مما يسهل متابعة المحادثة.
من المتوقع أن يتم إصدار هذه الميزة في تحديث مستقبلي للمحادثات الفردية والمحادثات الجماعية والمجتمعات والقنوات على واتساب.
ويمكن للمستخدمين الرد على الرسائل عن طريق سحبها لليسار أو النقر مطولا على االرسالة واختيار الرد، ليظهر ردهم بشكل مرتبط مع الرسالة الأصلية في نفس المحادثة.
ستجمع هذه الميزة الجديدة جميع الردود ذات الصلة مباشرة تحت الرسالة الأصلية، مما يجعل من الأسهل بكثير تتبع المحادثات والمناقشات المستمرة دون تشويش الردود المفككة المنتشرة في جميع أنحاء الدردشة.
الميزة الجديدة ستتمكن المستخدمين من عرض جميع الردود على شاشة واحدة بشكل مرتب، بدلا من الاضطرار إلى التمرير إلى ما لا نهاية في الدردشة.
يبدو أن هذا التحديث بمثابة إضافة مفيدة خاصة للمجموعات الكبيرة، حيث يصعب أحيانا تتبع المحادثات عندما يتفاعل العديد من الأشخاص حول نفس الموضوع.
هذة الميزة متاحة حاليا في النسخة التجريبيية من تطبيق واتساب على نظام أندرويد، ومن المتوقع أن يتم طرحها في الإصدار المستقر عالميا في المستقبل القريب.