شددت لِيلي هارفي، باحثة خبيرة في الشؤون الأفريقية،على ضرورة أن تعمل إدارة الرئيس دونالد ترامب الجديدة على تطوير شراكة استراتيجية وديناميكية مع أفريقيا، رغم ازدحام أجندة سياسته الخارجية بالفعل بقضايا حاسمة مثل الحرب في أوكرانيا وطموحات إيران النووية والمنافسة الصينية.

الفشل في التعامل بشكل حاسم مع أفريقيا قد يكون له عواقب وخيمة

وقالت الباحثة في مقالها في مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، إن إهمال أفريقيا وسط هذه التحديات من شأنه أن يعرض المصالح الأمريكية للخطر على المستويين المحلي والدولي.

نمط من الإهمال والمشاركة السطحية

وأشارت الباحثة إلى قضية متكررة في السياسة الخارجية الأمريكية تتمثل في ميلها التاريخي إلى التذبذب بين إهمال أفريقيا والانخراط في تفاعلات سطحية. فقد أعطى الانخراط الأمريكي مع أفريقيا الأولوية في كثير من الأحيان لأهداف ضيقة وقصيرة الأجل بدلاً من تعزيز الشراكات الحقيقية بدءاً من التدخلات العسكرية الأمريكية المبكرة في حروب البربر إلى المبادرات الدبلوماسية الأكثر حداثة.

وأوضحت الكاتبة أن هذا النهج ترك العديد من الدول الأفريقية عالقة في دورات من عدم الاستقرار والتخلف، مما يجعلها عرضة للاستغلال من قبل الجهات الفاعلة الخارجية مثل الصين وروسيا.

My views on possible shifts of the US policy towards africa ????????https://t.co/WwlPeNVmOS

— Carlos Lopes (@LopesInsights) November 13, 2024

خلال فترة ولاية ترامب الأولى، عكست العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا هذا النمط. وتبنت إدارته نهجاً يركز على الأعمال التجارية، وأكد على المبادرات الاقتصادية مثل قانون النمو والفرصة في أفريقيا ومبادرة ازدهارها. في حين كانت هذه الجهود تهدف إلى تعزيز التجارة والاستثمار، فإنها تقوضت بسبب الافتقار إلى المشاركة الدبلوماسية والديمقراطية التكميلية.
على نحو مماثل، فشلت إدارة بايدن، رغم التأكيد على التواصل الدبلوماسي ومبادرات المناخ وتوزيع اللقاحات. ووصفت الكاتبة هذه الجهود بأنها غير متماسكة وسطحية، مما جعل الدول الأفريقية متشككة في نوايا واشنطن. وأدى التأخير في تقديم التمويل المناخي واللقاحات إلى تآكل الثقة، ما أدى إلى تأجيج الشكوك حول صدق مشاركة الولايات المتحدة.

أهمية أفريقيا

وشددت الكاتبة على أن دور إفريقيا في الجغرافيا السياسية العالمية أكثر أهمية من أي وقت مضى. اقتصادياً، تعد القارة موطناً لبعض أسرع الاقتصادات نمواً في العالم وأصغر السكان سناً، حيث يزيد عمر أكثر من 60% من مواطنيها عن 25 عاماً.
تخلق هذه الديناميكية الديموغرافية فرصاً كبيرة للنمو الاقتصادي والابتكار والتنمية. ومع ذلك، فإنها تفرض أيضاً تحديات، وخاصة فيما يتعلق بتلبية احتياجات البنية الأساسية والرعاية الصحية والتعليم. وسوف يتطلب معالجة هذه التحديات استثمارات كبيرة، ويسعى القادة الأفارقة بنشاط إلى إيجاد شركاء لدعم هذه الجهود. 

Trump's regime may prove catastrophic to Africa, as experts predict cuts to US aid, which currently amounts to about $8 billion annually, leaving millions —especially women and children— vulnerable to food insecurity, water scarcity, and the growing influence of authoritarian… pic.twitter.com/987IijGr6n

— Anonymous (@YourAnonCentral) November 10, 2024

وبجانب الاقتصاد، تلعب أفريقيا دوراً مهماً في قضايا الهجرة وتغير المناخ والأمن؛ فهي نقطة عبور للهجرة، مما يؤثر على الاستقرار الإقليمي في أوروبا والشرق الأوسط وخارجهما؛ وضعف أفريقيا في مواجهة تغير المناخ يجعل تقدمها هشاً بطبيعته، مع ارتفاع مخاطر انعدام الأمن الغذائي والنزوح والصراع في المناطق التي تعتمد على الزراعة، وكلها تحديات تتطلب مشاركة أكبر من جانب الولايات المتحدة لضمان التواجد والمنافسة.

صعود الصين وروسيا في إفريقيا وأشارت هارفي إلى النفوذ المتزايد للصين وروسيا في القارة الأفريقية، مسلطةً الضوء على استراتيجياتهما المتميزة في التفاعل والمشاركة. فقد وضعت الصين نفسها كأكبر شريك اقتصادي لإفريقيا، حيث بلغ حجم التجارة السنوية 282 مليار دولار. وطورت بكين البنية التحتية لإفريقيا بشكل كبير، من السكك الحديدية إلى الموانئ، من خلال "مبادرة الحزام والطريق" الطموحة.
وأوضحت الباحثة أن المساعدات المالية الصينية تأتي غالباً بشروط أقل من المساعدات الغربية، مما يجعلها جذابة للغاية للحكومات الأفريقية. لم يعمل هذا النهج على تهميش الشركات الأمريكية فحسب، بل عزز أيضاً رواية الشراكة والامتنان بين الدول الأفريقية، وهو ما يتناقض بشكل حاد مع الموقف الأكثر انتقاداً المرتبط غالباً بالتدخلات الغربية.
من ناحية أخرى، تستخدم روسيا تكتيكات حقبة الحرب الباردة لتوسيع نفوذها من خلال كيانات مثل مجموعة فاغنر (تغير الاسم مؤخراً إلى فيلق أفريقيا)، وتستغل وسائل الإعلام لتأطير نفسها كشريك في التنمية لتقويض النفوذ الغربي. فرصة للقيادة الأمريكية ورغم هذه التحديات، ترى هارفي فرصة كبيرة للولايات المتحدة لإعادة تأكيد نفوذها في أفريقيا. وتزعم أن إدارة ترامب القادمة يمكن أن ترسم مساراً جديداً من خلال تنمية شراكة تتجاوز الدبلوماسية التقليدية. وينبغي أن تركز هذه الشراكة على تكثيف العلاقات الاقتصادية، وموازنة الالتزامات الأمنية، وإحياء جهود التنمية مع تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأوضحت الباحثة أن مثل هذه الاستراتيجية تتطلب من الولايات المتحدة أن تنظر إلى أفريقيا كشريك في الوقت الحاضر وليس كمنطقة ذات إمكانات مستقبلية. إن هذا التحول في المنظور يعني إعطاء الأولوية للسياسات التي تعمل على تمكين الشركات المحلية، ودعم التجارة العادلة، ومعالجة الاحتياجات الملحة للقارة. ويمكن للولايات المتحدة أن تضع نفسها كحليف موثوق به في رحلة التنمية في إفريقيا من خلال تعزيز النمو الاقتصادي الشامل وتوفير الدعم الهادف. مخاطر التقاعس وحذرت الباحثة من أن الفشل في التعامل بشكل حاسم مع أفريقيا قد يكون له عواقب وخيمة على المصالح الأمريكية ونفوذها في القارة، بما يسمح للصين وروسيا بتشكيل مستقبل القارة، وإعادة تعريف معايير التجارة والتنمية العالمية، وتآكل النفوذ الأمريكي.
من هنا، تقول الباحثة، إن المخاطر عالية، ويجب على إدارة ترامب أن تدرك أهمية أفريقيا كلاعب رئيس في العلاقات الدولية، بما يضمن بقاءها قادرة على المنافسة في عالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عودة ترامب الولایات المتحدة مع أفریقیا من خلال

إقرأ أيضاً:

المستقبل الاقتصادى للعلاقات العربية الأمريكية بعد صعود ترامب (٤- ١٠)

تناولنا فى المقالات السابقة أن عودة ترامب تعلن عن تبعثر أوراق الإقتصاد العالمى خاصة فى الدول العربية، بسبب السياسات الخاصة المرتبطة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتى انخرطت فى صراعات مدتها 231 عاما من أصل 248 عاما من وجودها، وإستناداً على شعار ترامب «أمريكا أولاً»، فإن توجهاته تعكس هذا الشعار، ففى الولاية السابقة عام 2017 اتسمت السياسات الإقتصادية لترامب بتوجهاتها الداعمة للنمو الاقتصادى المحلى وتعزيز القوة التنافسية، وفى هذه السلسلة من المقالات سوف نتناول تأثير ذلك على الدول العربية بصورة منفردة، وفى هذا المقال سوف نتناول الأثر الاقتصادى على الجانب السورى، الذى يمر بأكبر فوضى فى تاريخه عبر عنها ترامب بأن سوريا فى فوضى، لكنها ليست صديقتنا، وأضاف، لا ينبغى للولايات المتحدة أن يكون لها أى علاقة بما يحدث، هذه ليست معركتنا، لندع الأمور تجرى، دون أن نتدخل، ولكن يجب وضع تعاطف سوريا من إنطلاق عملية «طوفان الأقصى» فى الحسبان، والأخذ فى الاعتبار نجاح سوريا فى حرب عام 2006 عبر حزب الله فى إجهاض ولادة «شرق أوسط جديد»، ما يحدث الآن فى سوريا ما هو إلا تحديد لقواعد جديدة لموازين القوى، تراها مصر بشكل واضح، بعد انتظار أكثر من 400 يوم من حرب ميلاد شرق أوسط جديد، وعمليا تشير كثير من التقارير إلى حاجة الاقتصاد السورى إلى نحو 10 سنوات من أجل العودة إلى مستويات 2011، بعد أن فقد نحو 85% من قيمته خلال 12 عاماً ليصل إلى تسعة مليارات دولار فى 2023 مقابل 67,5 مليار دولار فى 2011، أما الآن فالقيمة تقترب من الصفر، فالنظام السورى دمر الاقتصاد بجعله إحتكاريا محصوراً بعدد من الأفراد، وبذلك تراكمت الأرباح، كما لم يكن هناك سوق اشتراكى ولا سوق حر، كان هناك سوق يمكن تسميته بـ رأسمالية النخبة أو العائلة، وبالتالى لم يكن هناك سياسات مالية أو نقدية بل مجرد اقتصاد حرب يسعى إلى دعم الآلة العسكرية للنظام ضد شعبه، امتزج هذا بدعم بشار الأسد للفساد خاصة الفساد الإدارى الذى استشرى فى النخب السورية والمراكز البحثية والجامعات، عبر تقليد الفاسدين للمناصب، مما نجم عنه ضياع للأمن القومى السورى، وإذا كانت سوريا مع نهاية السنة الثامنة من النزاع السورى، والذى بدأ عام 2011 خسرت إقتصاديا ما يفوق 442 مليار دولار، وهذا الرقم الهائل لا يعبر وحده عن معاناة شعب أصبح 10 مليون منه على الأقل لاجئين، إلا أنه من المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 800 مليار دولار بعد إنهيار نظام بشار والسقوط الإقتصادى لسوريا، وبالتالى نرى أنه من المبكر الحديث عن مستقبل الدولة السورية، ولكن يمكن تحديد سيناريوهات محتملة أبرزها سيناريو استمرار الوضع الراهن مقترنا بفوضى الانقسامات الجغرافية والطائفية، كذلك سيناريو التقسيم الفعلى إلى مناطق نفوذ بين اللاعبين الرئيسيين، وهو ما قد يؤدى إلى تفاقم النزاعات بين الأطراف، خاصة على الحدود والموارد، أيضاً سيناريو التسوية السياسية الشاملة من خلال اتفاقات دولية تقضى بتشكيل حكومة جديدة، وهو سيناريو يتطلب تنازلات كبرى وإصلاحات دستورية كبيرة لإعادة بناء الثقة بين الشعب والحكومة، لكنه يظل الأكثر استدامة، السيناريو الأخير الفوضى الشاملة بانهيار كامل، وفقدان السيطرة، وبروز فصائل جديدة تتقاتل على السيطرة، وهو سيناريو يجعل من سوريا ساحة حرب مفتوحة لجميع الأطراف الدولية، مما سيزيد من التدخلات الأجنبية ويعزز الإرهاب.. وللحديث بقية إن شاء الله.

مقالات مشابهة

  • المستقبل الاقتصادى للعلاقات العربية الأمريكية بعد صعود ترامب (٤- ١٠)
  • هل يعيد ترامب فتح دبلوماسية سرية مع زعيم كوريا الشمالية؟
  • مصر والأردن تشددان على أهمية بدء عملية سياسية بسوريا لا تقصي طرفا
  • بانتظار التعويضات.. أصحاب المصالح ليسوا بخير
  • مدرب كوت ديفوار يتحدث عن امكانيه مواجهة مصر في أمم أفريقيا المقبلة
  • مسؤولون أمريكيون يتحدثون عن مصير قوات بلادهم في سوريا.. هل ستبقى؟
  • خبير عسكري: صفقة الأسرى في غزة ستُنجز خلال فترة بايدن (فيديو)
  • أسوشيتدبرس: ترامب لن يتخلى عن القوات الأمريكية في سوريا
  • ترامب قد لا يستطيع إلغاء حق الجنسية بالولادة.. ولكن
  • البيت الأبيض: إدارة بايدن أعطت أولوية للمشاركة مع الدول الأفريقية منذ قمة 2022