الخليج الجديد:
2024-09-19@23:20:16 GMT

التنافس الاستعماري مجددا

تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT

التنافس الاستعماري مجددا

التنافس الاستعماري مجددا

محاولة بائسة من قبل أوروبا القديمة، لإيقاف عقارب الساعة، باستخدام ما تبقى من نفوذ عسكري، وولاءات وتحالفات محلية.

أضاف انقلاب النيجر الأخير عمقاً استراتيجياً لروسيا في إفريقيا واستسلام فرنسا للانقلاب، يعنى تخليها عن آخر معاقلها في هذه القارة.

تعمل فرنسا على تحشيد الدول الموالية لها، لمواجهة الانقلاب، تحت ذريعة حماية الديمقراطية حتى لو استدعى ذلك استخدام القوة العسكرية.

روسيا رغم عدم إفصاحها عن دعم انقلاب النيجر ترفض بقوة أي تدخل عسكري ضد النيجر ولن تتردد في دعم حلفائها لحرمان فرنسا من أي نصر وتوكيد حضورها الدولي.

معضلة القوى الأوروبية أنها تنافس حليفا قويا هو أمريكا التي تبنت بشكل واضح وعلني، إزاحة الاستعمار القديم وأخذ مكانه، حتى قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها.

* * *

عند كل منعطف، وانتقال من نظام دولي إلى آخر، يستعر التنافس بين الأقطاب الكبرى، ويعمل كل منهم، على اكتساب أوراق أكبر، لتعزيز موقعه. ولا تتردد القوى الكبرى عن استثمار النزاعات الطائفية والصراعات الإثنية، وشنّ الحروب بالوكالة ببلدان العالم الثالث، لصالح مشاريعها.

في منطقتنا، على سبيل المثال، اتفق الفرنسيون والبريطانيون، على تقاسم المشرق العربي، وسوريا الكبرى، فيما بينهم، بعد إسقاط السلطنة العثمانية. لكن ذلك لم يمنع استمرار التنافس بينهما، بعد الحرب العالمية الثانية.

فقد عمل البريطانيون، أثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا، على فتح قنوات مع الزعماء المحليين. وبالمثل تنافس الفرنسيون والبريطانيون في الهيمنة على قناة السويس.

ولا شك أن الثروات ومصادر الطاقة، والممرات والمعابر الاستراتيجية، كانت من أهم عوامل التحريض على التنافس بين هذه القوى. ولم تكن سايكس- بيكو سوى محطة عابرة في هذا التنافس.

ذلك أن القوى التي تنافست على المنطقة، باتت في مرحلة الشيخوخة، وتترنح، بعد خسارتها كثيراً من قوتها العسكرية والاقتصادية، بسبب الاستنزاف الهائل الذي عانته أثناء الحرب العالمية الثانية. وبقيت مشلولة وعاجزة، أمام الصعود الكاسح للاقتصاد الأمريكي، وامتلاك أمريكا والاتحاد السوفييتي لسلاح الرعب النووي.

والواقع أن القوى الأوروبية القديمة، عملت كل ما من شأنه للحفاظ على نفوذها. ولم تتردد عن القيام بانقلابات عسكرية، في بلدان العالم الثالث، ومنه وطننا العربي، متى ما وجدت أن من شأن ذلك صيانة مصالحها.

لكن معضلتها أنها تنافست مع حليف قوي، هو أمريكا التي تبنت بشكل واضح وعلني، إزاحة الاستعمار القديم وأخذ مكانه، حتى قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها.

في سوريا على سبيل المثال، كان التنافس واضحاً بين الاستعمار الأوروبي، والأمريكيين، فقد بدأت سلسلة الانقلابات العسكرية، بعد الاستقلال، منذ عام 1949، حين قاد اللواء حسني الزعيم أول انقلاب، تبين أنه مدعوم من شركات النفط الأمريكية، التي كانت تطمح في الحصول على مواقع لتصدير النفط عبر موانئ المتوسط.

وما هي إلا فترة قصيرة، حتى قام انقلاب آخر، قاده اللواء سامي الحناوي، وتبين أن شركة البترول البريطانية العراقية تقف خلفه، ولم تمض سوى فترة قليلة، حتى قام اللواء أديب الشيشكلي بانقلاب آخر، قيل إنه مدعوم من أمريكا. وقد عكست هذه الانقلابات حدة التنافس الاقتصادي بين الدول الحليفة.

لقد حُسم الوضع في آخر الأمر، لصالح أمريكا، وباتت الأقوى، ضمن الدول الغربية، والمنافس الأوحد للاتحاد السوفييتي. ولذلك يمكن القول، أن الحرب الباردة، التي اشتعلت منذ مطالع الخمسينيات كانت بين الروس والأمريكيين، ولم يكن دور أوروبا القديمة في تلك الحرب، سوى دور التابع المطيع للسياسة الأمريكية.

ورغم التسليم بأن التاريخ لا يعيد نفسه، بمعنى أن أحداثه لا يمكن استنساخها، كونها خاضعة لقانون الحركة والتعاقب، فإن ما يجري الآن، من أحداث في القارة السمراء، وبشكل خاص في السودان والنيجر، هو في جوانب كثيرة منها، استعادة لمناخات الحرب الباردة، التي اشتعلت منذ مطالع الخمسينيات، حتى سقوط حائط برلين في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.

ولعل التعبير الأكثر دقة لها، أنها محاولة بائسة من قبل أوروبا القديمة، لإيقاف عقارب الساعة، باستخدام ما تبقى من نفوذ عسكري، وولاءات وتحالفات محلية.

ذلك لا يعني إقرار من قبلنا، أن فرنسا وبريطانيا قد فقدتا حضورهما في القارة السوداء. فقد بقيت الكثير من المستعمرات في حيازتهما، رغم منطق الإزاحة الذي اعتمدته الإدارة الأمريكية منذ عهد الرئيس روزفلت.

النهوض العسكري والسياسي الذي تحقق لروسيا، في ظل قيادة الرئيس بوتين، والصعود الاقتصادي الكاسح للصين أعاد مجدداً تشكيل العالم بالقارات القديمة، ومن ضمنه القارة السمراء، حيث بنت روسيا والصين تحالفات قوية في عدد من دولها، من ضمنها الجزائر ومالي وبوركينا فاسو.

لقد جاء انقلاب النيجر الأخير ليضيف عمقاً استراتيجياً لروسيا في إفريقيا. إن استسلام فرنسا للانقلاب، يعنى تخليها عن آخر معاقلها في هذه القارة، ولذلك تعمل على تحشيد الدول الموالية لها، لمواجهة الانقلاب، تحت ذريعة حماية الديمقراطية حتى لو استدعى ذلك استخدام القوة العسكرية.

لكن الأمر لا يبدو سهل المنال، فروسيا رغم عدم إفصاحها عن دعم الانقلابيين، ترفض بقوة أي تدخل عسكري، ضد النيجر، ولن تتردد عن دعم حلفائها لحرمان الفرنسيين من تحقيق أي نصر، ولتؤكد حضورها السياسي القوى في الساحة الدولية.

*د. يوسف مكي كاتب وأكاديمي سعودي

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: روسيا أمريكا فرنسا أفريقيا تنافس النظام الدولي انقلاب النيجر الحرب العالمیة الثانیة

إقرأ أيضاً:

فيضانات مدمرة وانهيارات أرضية وعواصف.. العاصفة «بوريس» تهدد أوروبا

شهدت القارة العجوز الأيام الماضية، مجموعة عنيفة من التقلبات المناخية الغير مسبوقة على الإطلاق، إذ اجتاحت العاصفة بوريس عدة دول أوروبية، تقع شرق ووسط القارة، وتسببت في مقتل ما لا يقل عن 24 شخصا حتى الآن، ونتج عنها فيضانات مدمرة وانهيارات أرضية، وذلك حسبما نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية.

العاصفة بوريس تضرب شمال إيطاليا

وضربت العاصفة الاستوائية بوريس، منطقتي إميليا ورومانيا، التي تقع شمال البلاد، وأعلنت الحكومة الإيطالية حالة الطوارئ والتأهب القصوى في البلاد، وحثت المواطنين على ترك منازلهم واللجوء إلى الأماكن الأمنة.

وقال جادر داردي رئيس بلدية موديليانا خلال مداخلة هاتفية لقناة «سكاي تي جي 24»: «إن الوضع أسوء مما كان عليه عام 2023».

كما نشرت بلدية بريسجيلا عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي، «موجة مفاجئة وكبيرة تصل من موديليانا، تمر عبر قرية مارزينو، ودعت المواطنين في المناطق المتضررة إلى إخلاء منازلهم»، وأضافت أنه سيتم إيواء النازحين في أحدى المدارس.

حجم الخسائر

تسببت العاصفة في إغلاق الشوارع والميادين العامة، وانقطاع التيار الكهربائي عن المنازل، وغمرت المياه البيوت، وتوقفت حركة المواصلات، وتسببت في العدد من الخساءر المادية والبشرية، بالإضافة إلى الانهيارات الأرضية.

تحذيرات مسبقة

وأصدرَت الحكومة الإيطالية تحذيرات مسبقة، حيث نشرت وسائل إعلام محلية إيطالية، بأن البلاد تستعد لموجة من الطقس السيئ، وأعلنت حالة التأهب في كل من مناطق، إميليا و رومانيا وماركي ولاتسيو.

وأشار العلماء إلى أنَّ هطول الأمطار الغزيرة وحدوث الفيضانات أصبح أمر شائع وأكثر شدة على نحو مرتفع بسبب تدمير المناخ الناتج عن أنشطة الإنسان الخاطئة. 

مقالات مشابهة

  • البحث عن المدنية عبر فوهة البندقية
  • تحذير من خروج جدري القردة عن السيطرة في أفريقيا
  • فيضانات مدمرة وانهيارات أرضية وعواصف.. العاصفة «بوريس» تهدد أوروبا
  • في خريف عمره بايدن يريد حلا لمشكلة السودان المستعصية التي أعيت الطبيب المداويا
  • عادل الباز: شفيع.. شفيع ياراجل!!
  • توم بيرييلو: القوى التي لا تريد ذهاب الجيش للمفاوضات تتبع لحزب المؤتمر الوطني
  • السودان يحترق والقوى الأجنبية تستفيد.. ما المكاسب التي تجنيها الإمارات من الأزمة؟
  • شولتس وماكرون في القائمة: من هم القادة الأوروبيون الأقل شعبية في القارة العجوز؟
  • مؤشرات بداية الحرب العالمية الثالثة والمعركة الفاصلة بين الإستخلاف الثانى للأمة والإستكبار العالمى الخامس’ الإمبريالى – الصهيونى ‘
  • تحالف مدني سوداني يجدد الدعوة لتسليم البشير ورفاقه لـ«الجنائية الدولية» ،، «القوى المدنية المتحدة» تدعو لوقف الحرب وتنفي علاقتها بـ«الدعم السريع»