رئيس جامعة الأزهر: الحوار الحضاري ليس فيه "حق الفيتو" الذي يستحل دماء الدول المستضعفة
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن المؤتمر الذي تعقده كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر بعنوان: " الدعوة الإسلامية والحوار الحضاري رؤية واقعية استشرافية"، أحسنت الكلية في اختيار موضوعه، لافتًا إلى أن عنوان المؤتمر السابق كان: "نحو شراكة أزهرية في صناعة وعي فكري آمن رؤية واقعية استشرافية"؛ والقاسم المشترك بين المؤتمرين هو الحرصُ على تحديد آفاق الرؤية التي تضع عينا بصيرة على الواقع بهمومه وقضاياه وتضع العين الثانية على استشراف المستقبل لترمق ملامحه من بعيد، والنفوس شغوفة بما يكون في المستقبل تسترق السمع، تتحسس صورته التي ربما لا يمهلها الأجل لتراها رأي عين.
ودعا رئيس جامعة الأزهر خلال كلمته بالمؤتمر اليوم الأحد إلى ضرورة أن يَعْمَلَ الإنسانُ في يومِه لما يُسْعِدُهُ في غده، مستشهدًا بمقولة سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"، وأن التخطيط للمستقبل والسعي لما يحقق تقدم العباد والبلاد لتُتِمَّ الأجيالُ القادمةُ ما بدأته وتعبت فيه الأجيالُ المعاصرة لهو من أهم وسائل القوة والنجاح والتقدم والازدهار، وقد سبقتنا الأمم بإتقانها هذا التخطيطَ وإحسانِها رؤيةَ آفاق المستقبل التي تقوم على أسس قوية وأعمدة راسخة تؤسس للبناء عليها في المستقبل .
وفي حديثه عن الحور الحضاري، بيَّن رئيس جامعة الأزهر أن موقع الحوار من الدعوة الإسلامية كموقع الرأس من الجسد، ولا يصلح الجسد إلا بالرأس، وتاريخ الحوار موغلٌ في القدم، يعود إلى بَدْءِ خلق الإنسان، حين خلق الله تعالى سيدنا آدم عليه السلام وأمر الملائكة بالسجود له وأمر إبليس بالسجود له، فدار حوار بين الله جل جلاله وبين الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، كما جرى الحوار بينه سبحانه وبين إبليسَ أشقى خلقه، وبينه سبحانه وبين سيدِنا آدمَ وذريتِه الذين كرَّمَهُم الله جل وعلا وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا، وقص الذكر الحكيم هذه الحواراتِ في كثير من سور الكتاب العزيز، ولو شاء سبحانه لأمرهم جميعا فأتمروا، ونهاهم جميعا فانتهُوا، ولكنه جل وعلا يعلمنا أن نلزم الحوار سبيلا مع الأخيار والأشرار، لتتضح الحجة، ويَمِيزَ الحقُّ والباطل، ليحيا من حَيَّ عن بينة ويَهْلِكَ من هلك عن بينة . وهكذا يعلمنا الذكر الحكيم حتى لا نَغْفُلَ عن هذه الوسيلة الإقناعية.
بالحوار قامت السماوات والأرضوأوضح أنه بالحوار قامت السماوات والأرض فلم يقهرهما خالق القوى والقدر على طاعة أمره حين خلقهما، ولو قهرهما لخضعتا وذلتا، بل خيرهما وحاورهما وسجل ذلك في محكم التنزيل العزيز فقال سبحانه : " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ( فصلت 11) . مضيفًا فضيلته أن الحوار هو منطق العقول الراشدة التي تسعى إلى الوصول إلى الصواب والسداد، في أناة وحيدة وإنصاف، بعيدا عن التشويش والضجيج الذي يملأ الأفق ويسد المسامع ويعصف بالحق.
وأكد أن الحوار الحضاري هو الحوار الصادق الذي يتغيا الحق والعدل والإنصاف، وليس فيه " حق الفيتو " الذي يغلب فيه صوت الفرد أصوات الجماعة، وكما قالوا "رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها"، حق الفيتو الذي تستحل به الدولة العظمى القوية دماء الدول المستضعفة وتستبيح قتل رجالها ونسائها وأطفالها كما يحدث اليوم في غزة في حرب ضروس استشهد فيها أكثرُ من أربعين ألفِ شهيد، منهم أكثرُ من عشرة آلاف طفل لا تتجازو أعمارهم سن العاشرة، فضلا عن النساء والعجائز.
وتابع فضيلته أن هذا يحدث منذ سنة كاملة من الإبادة الجماعية التي تقوم بها آلة الدمار الصهيوني على مرأى ومسمع من العالم الذي طالما تغنى بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأقام البرلمانات الدولية وتفاخر باعتمادها على حرية الرأي والحوار الحضاري واحترام العهود والمواثيق الدولية إلى آخر هذه العبارات الطنانة التي لا وجود لها عند التعامل مع المسلمين.
وأضاف أن لغة الحوار هي لغةُ العقل والمنطق، ولغةَ الحرب هي لغةُ السلاح والدمار، فيا عقلاء العالم : لماذا تركنا لغة السلام إلى لغةِ السلاح، ومنطقِ السلاح، ودمارِالسلاح، وإزهاقِ الأنفس والأرواح ؟
فهل يمكن أن نجتمع على كلمة سواء توقف هذا الدمار ؟ هل يمكن أن تصمت أصوات المدافع وتنطق أصوات الحوار الراشد بالدعوة إلى الاحتكام إلى العقل والمنطق والحكمة والسلام ؟
وقال رئيس جامعة: "إنني على يقين أن أمتنا الإسلامية إذا اتحدت واجتمعت كلمتُها فإن وَحدتها جديرةٌ بأن تُذْهِبَ " حق الفيتو " إلى غير رجعة، وتَرْكُمَه في مزبلة التاريخ ؛ لأنه حقٌّ قام على الظلم والجَور والعدوان، وليس له مثقالُ ذرة من وصف الحق الذي يحمل اسمه، فهو حق أُرِيدَبه باطل، وظلمٌ ينبغي حَذْفُهُ من جميع المواثيق الدولية، بل هو رِجْس ونَجَسٌ لا يغسل أدرانَه ماء البحر !!
وفي ختام كلمته، أعرب فضيلته عن تقدير جامعة الأزهر لهذه الجهودَ المخلصة التي يقوم بها فضيلة الإمام الأكبر الأستاذُ الدكتور أحمد الطيب شيخُ الأزهر الشريفِ حفظه الله تعالى في ملف مهم جد، ملفِّ " الحوار الإسلامي الإسلامي " الذي يسعى إلى جمع كلمة الأمة الإسلامية، وَلَمِّشملِها، ووحدةِ صفها ؛ حتى تكونَ لها رايةٌ مرفوعة، وكلمةٌ مسموعة، وتستردَ عافيتها وعزتها وكرامتها وتغسلَ عن وجهها المشرقِ وجسدِها النظيف أدرانَالفُرقة والتشتُّتِ والضَّعْفِ، وتعودَ أمةً واحدة كما أمر الله جل وعلا في قوله : " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ " ( الأنبياء 92)، نقولُ لأشقائنا في العالم الإسلامي : أطفئوا نار الخلاف والشقاق والنزاع، وتذكروا أننا جميعا أمةٌ واحدة، وأن السهم الذي يصيب به أحدُنا أخاه يرتد في صدره ويصيبُه هو.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحوار الحضاري حق الفيتو جامعة الأزهر سلامة داود الدعوة الإسلامية شراكة أزهرية وعي فكري آمن رئیس جامعة الأزهر الحوار الحضاری حق الفیتو
إقرأ أيضاً:
نائب رئيس جامعة الأزهر يشيد بجهود الدولة في توطين صناعة الدواء
أشاد الدكتور محمد فكري خضر، نائب رئيس جامعة الأزهر لفرع البنات، بجهود الدولة المصرية بقيادة فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، نحو الاهتمام بالصحة العامة للمواطنين في مختلف محافظات الجمهورية.
شيخ الأزهر يستقبل وزير السياحة والآثار السابق مفتي الجمهورية ضيف شرف مؤتمر كلية طب الأسنان جامعة الأزهرجاء ذلك خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الدولي الأول الذي تنظمه كلية طب الأسنان بنين جامعة الأزهر بالقاهرة، تحت عنوان: (ماض عريق وحاضر رائد ومستقبل مشرق) برئاسة الدكتور وائل المهندس، عميد الكلية رئيس المؤتمر، والدكتور معتز الخواص، سكرتير عام المؤتمر، والدكتور أيمن حجاب مقرر عام المؤتمر.
ورحَّب نائب رئيس الجامعة لفرع البنات بالحضور جميعًا في المؤتمر من داخل جمهورية مصر العربية ومن مختلف أنحاء العالم.
ونقل للحضور تحيات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، وفضيلة الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس الجامعة، والدكتور محمود صديق، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث.
وعبر نائب رئيس الجامعة عن سعادته بهذا التجمع العلمي الكبير، الذي يُعد ثمرة لجهود مخلصة تهدف إلى تعزيز البحث العلمي وتطوير مهنة طب الأسنان، وتحقيق التواصل بين الخبراء والباحثين من مختلف أنحاء العالم، موضحًا أن تخصص طب الأسنان ليس مجرد مهنة، بل رسالة إنسانية تهدف إلى تحسين جودة حياة الناس، لافتًا أن هذا المؤتمر يعكس إيمان جامعة الأزهر العميق بأهمية البحث العلمي والتطور المهني المستمر الذي يدعونا جميعًا للبقاء على اطلاع دائم بكل ما هو جديد وحديث.
وبيَّن نائب رئيس الجامعة أنه انطلاقًا من رسالة الطب فإن هناك قولًا مأثورًا يقول: إن (الطب بلا إنسانية كالصلاة بلا وضوء) مؤكدًا أن هذا المؤتمر ليس فقط فرصة لاستعراض أحدث ما توصل إليه العلم في مجالات طب الأسنان، بل هو أيضًا منصة لتعزيز التعاون بين الجامعات والمؤسسات العلمية محليًّا ودوليًّا، نهدف من خلاله لتمكين أطباء الأسنان من الشباب، وتعزيز مهاراتهم ومعارفهم، بما ينعكس إيجابيًّا على مجتمعاتنا، مضيفًا أن المؤتمر ليس مجرد مناسبة علمية عابرة، بل فرصة حقيقية لالتقاء العقول، وتلاقح الأفكار، وابتكار الحلول.
لحظة تاريخيةوبيَّن أننا اليوم أمام لحظة تاريخية تؤكد التزام كلية طب الأسنان بجامعة الأزهر بمواكبة التطور العلمي المستمر، وسعيها الحثيث إلى الريادة في التعليم والبحث وخدمة المجتمع، واستعرض فضيلته رؤية جامعة الأزهر في تحقيق التميز من خلال الجمع بين الأصالة والحداثة، بين إرثنا العلمي العريق وقيمنا الراسخة وأحدث ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا؛ ولهذا جاء شعار مؤتمرنا معبرًا بصدق عن رسالتنا السامية، التي نطمح من خلالها إلى بناء جيل جديد من أطباء الأسنان، يمتلكون العلم والكفاءة، ويتمسكون بالقيم الأخلاقية والإنسانية.
وأكد نائب رئيس الجامعة على أهمية خلق بيئة تفاعلية ومثمرة تتيح أمام الجميع فرصًا للتعلم والتطور والتي من شأنها أن تسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية التي نقدمها لمرضانا، وليس هذا فحسب بل يعد فرصة ذهبية لتبادل الخبرات،
وأوضح أن بناء شبكات مهنية قوية يعتبر من أهم أهداف هذا الحدث؛ حيث يمكنكم التفاعل مع رواد المجال واستكشاف فرص التعاون وتبادل الأفكار التي تسهم في نمو وتطور مهنتنا، وإتاحة الفرصة للتبادل العلمي والمعرفي والتطوير المهني؛ وكذا التواصل والتعاون بين المهنيين الأكاديميين، والصناعيين لفتح آفاق جديدة للتعاون و تسليط الضوء على أحدث التطورات التكنولوجية في مجال طب الأسنان وكيفية تطبيقها لتحسين ممارساتنا، وبين أن مشاركتكم في هذا المؤتمر ليست فقط إضافة علمية قيمة، بل هي دعم لرؤيتنا المشتركة نحو النهوض بمهنة طب الأسنان، وتعزيز دورها في خدمة المجتمع وتخفيف معاناة المرضى.
ووجه نائب رئيس الجامعة الشكر الجزيل لمعالي نائب رئيس الوزراء الدكتور خالد عبد الغفار؛ لنشاطه الكبير واهتمامه بإنشاء مصانع لخامات وأدوات طب الأسنان، وهذا الحديث ليس منا ببعيد حيث افتتاح مصنع لغرسات الأسنان، وكذلك ايضًا أشكره على اهتمامه وتشجيعه للأساتذة في هذا المجال، وأشاد بالجهود العلمية التي نتج عنها كتاب الدكتور إبراهيم القلا، أستاذ طب الأسنان، لاستصدار كتابه: (حقوق الانسان الصحية)، وكتاب: (أخلاقيات طب الأسنان) وهما يقدمان المبادئ الأساسية للقيم الأخلاقية وتطبيقاتها والعلاقة بين المبادئ الأخلاقية وإتقان العمل ومبادئ البحث العلمي وحقوق الإنسان.
كما أشاد نائب رئيس الجامعة لفرع البنات بدعم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف حفظه الله، لهذا المؤتمر، مؤكدًا أنه يعكس رؤيته العميقة لدور العلم في بناء المجتمعات وخدمة الإنسانية، وفى هذا رسالة واضحة من فضيلته تؤكد على أهمية الدور الذي يلعبه الأزهر الشريف في توجيه العالم الإسلامي نحو العلم والمعرفة، وفي بناء جسور التعاون الدولي لخدمة الإنسانية جمعاء، واستثمار العلم في خدمة القيم الإنسانية، وتعزيز مكانة مصر كقلب العالم الإسلامي وموطن العلم والمعرفة.
وأوضح نائب رئيس الجامعة أن التحديات التي نواجهها في مجال طب الأسنان تتطلب منا التعاون والعمل المشترك، ولهذا فإن هذا المؤتمر يمثل فرصة ثمينة لتعزيز بناء جسور التعاون بيننا، ونأمل أن يكون هذا اللقاء مثمرًا ومليئًا بالتجارب القيمة والنقاشات البناءة، وأن تعودوا إلى ممارساتكم محملين بأفكار جديدة وأساليب مبتكرة لتحسين صحة الفم والأسنان لمرضانا.