في عالم تتشابك فيه مفاهيم الحرية والإبداع، يتساءل كثيرون عن العلاقة بينهما، هل الحرية المطلقة هي مفتاح الإبداع الحقيقي، أم أن الالتزام والمسؤولية هما ما يصقلان هذا الإبداع ليصبح نافعًا وجميلًا؟ يتناول دكتورعلي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق هذه القضية بشمولية وفهم عميق.

 

الإبداع يحتاج للحرية.

. ولكن أي حرية؟
يرى جمعة أن الإبداع لا ينشأ في بيئة مليئة بالقيود التي تقتل روح الابتكار، لكنه أيضًا لا يزدهر في بيئة تفلتت من كل معايير الالتزام والمسؤولية. الحرية الحقيقية، كما يوضح، هي تلك التي تقترن بالمسؤولية، وتدفع صاحبها إلى خلق شيء نافع وجميل يرتبط بقضية أسمى مثل عمارة الأرض وخدمة البشرية.

 

التفلت ليس إبداعًا
يؤكد جمعة أن هناك فرقًا جوهريًا بين الإبداع والتفلت، التفلت هو حرية دون قيود، خالية من الالتزام والمسؤولية، وهو ما ينتج عنه سلوكيات تشوه صورة الإبداع الحقيقي، فعندما يستخدم شخص الشعر أو الرسم للإساءة إلى القيم أو نشر الفوضى، فهذا ليس إبداعًا، بل هو تخريب متخفٍ تحت مظلة الحرية.

 

الحرية ضد الإرهاب الفكري
يشدد جمعة على أن الحرية ليست إرهابًا فكريًا يمارس تحت شعار الإبداع، الأشخاص الذين ينادون بالحرية، لكنهم يضيقون ذرعًا بآراء الآخرين ويصفون مخالفيهم بالتخلف والظلامية، يسقطون في تناقض واضح، هذا التناقض يجعل الجماهير تشعر بعدم صدقهم، ويدفعهم إلى الاشمئزاز من طريقة خطابهم وألفاظهم السوقية.

 

الالتزام.. وجه الحرية الآخر
يجسد الالتزام الوجه الحقيقي للحرية، حيث تتحول إلى قيمة سامية تُنتج إبداعًا حقيقيًا يرتقي بالمجتمع، أما التفلت، فهو انفلات عن هذه القيم، وبالتالي ينحرف عن مسار الإبداع ليصبح عديم الجدوى.

 


الإبداع الحقيقي، كما يراه دكتور علي جمعة، هو رحلة مليئة بالمعاناة والعمل الجاد لإنتاج شيء جميل ونافع، ولا يمكن لهذه الرحلة أن تكتمل دون حرية مسؤولة وملتزمة بالقيم التي تساهم في تحقيق الخير للإنسانية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: حرية الابداع جمعة الحرية

إقرأ أيضاً:

حقائب ظهر..

تتأسس حقائب الظهر من المفهوم الواسع للمسؤولية، ومن الوعي بالالتزام، ومن اليقين بأهمية الأمانة والصدق؛ وحتى من الرضا بالقضاء والقدر، وإن كان كل ذلك؛ ليس شرطا؛ أن يتماهى إلى الرضا لكثير من المواقف، حيث يذهب الفهم هنا إلى الجبر، وإلى الإلزام، وإلى قبول الأمر على مضض، حيث لا خيار آخر متاح، لأن التنصل على كثير من الالتزامات والواجبات يعد نقيصة فـي حق الفرد الذي يعيش فـي المجتمع.

ندرك أن كل ما نتحمله تجاه الآخر، وتجاه أنفسنا هو حمولة مضنية بها ثقل غير منكور، ومع ذلك نرى أنه لا خيار لنا فـي قبول الأمر أو رفضه، فالحقيقة المتخفـية وراء الستائر «الهواجس الذاتية» هي التي تجعلنا نرضخ لحقيبة الظهر هذه، ونتأبطها؛ ولكن؛ على ظهورنا، ونعيش حالة من التأفف المتخمر بين الأنفس، فالإفصاح عن ذلك قد يجر وراءه الكثير من العناء النفسي، فنلزم الصمت للتخفـيف من أعباء حقيبة الظهر، ومن يخرج عن قناعة الصمت، فذلك قد بلغ ما بلغ من الألم، وعدم التحمل.

فمنذ صباحات الباكر إلى مساءات اليوم تتعدد هذه الحمولات التي تنوء من حملها الأجسام والأنفس، فهناك القريب وذوو القربى، وهناك الصاحب والصديق، وهناك الوظيفة والواجب، وهناك القيم، والأعراف، وهناك الجماعة، والجيران، وفـي كل زاوية من هذه الزوايا يكمن حمل كبير وثقيل، من الالتزام فـي بعديه المادي والمعنوي، بضرورة الوفاء بما يجب أن يكون، وفـي كل هذه التموضعات لا يكفـي أن تكون الحالة وفق سياقها الطبيعي من الالتزام حيال استحقاقاتها من الواجب، والأمانة والصدق، بل قد يحدث أن تكون فـي هذه كلها أو فـي واحدة منها ما يقوض عليك راحتك، ويحملك فـيما لا تطيق، من مضاعفة ما يجب أن تقوم به تجاهها، ويكون الحال كما قال أحدهم: «إن لم تزد شيئا على الحياة، فأنت عبء على الحياة» وبالتالي فحتى لا توقع نفسك فـي «عبء على الحياة» تراك تضحي، وتخاطر، وتتنازل.

وهل أحدنا مكلف بأن يتحمل عبء الآخر، أو يصمت لأجل خاطره، أو يتحمل منغصاته؛ إن حدثت بصورة فوضوية؟ قد يكون الأمر سهلا بالنسبة إلى الأشخاص، بأن تُحَيِّد نفسك عن الوقوع فـي مأزق تحمل عبء الآخر، ولكن هذا الآخر تتفاوت علاقتك به، فذوو القربى؛ والأصدقاء المقربون؛ ليس الأمر يسيرا أن تتنصل عنهم، لتخفف من عبء حقيبة الظهر التي تحملها، وأما بالنسبة للمفاهيم الأخرى كالوظيفة والقيم، والجماعة، والجيران، فإن نسبة تحمل أعبائها تتفاوت وفق الشعور بالمسؤولية، والالتزام، والسمت، ولكنك لن تستطيع أن تجرد نفسك عن الالتزام؛ ولو بالجزء اليسير الذي يقتضيه الواجب؛ وتستشعره أنت كفرد تحجز لك مكانة فـي وسط المجتمع، فالمسألة ليست خيارا مباحا بصورة مطلقة، وإنما تحيطها بعض المسائل الفنية؛ إن تصح التسمية؛ وذلك خاضع للدور الذي نقوم به فـي هذه الأوساط كلها، فالأدوار الهامشية؛ يقينا؛ تشعرك بكثير من الحرية وعدم الالتزام، أما الأدوار المهمة، فلا بد لنا أن نقوم بكامل المسؤوليات والواجبات التي ينتظر نتائجها الآخرون من حولنا، وهذا مما يضاعف العبء الذي نستشعره، وقد ننزله منزلة الدين على أنفسنا، ولذلك نستشعر عظمته، وثقله.

ليس هناك من أحد لا يستشعر ثقل مسؤولية ما، سواء تجاه نفسه، أو تجاه الآخرين من حوله، فهذا أمر مسلم به، تبقى فقط درجة هذا التحمل، وهذا يعود إلى الشعور الذي يقلق البعض منا، ولا تكون درجة القلق عند البعض الآخر بالدرجة ذاتها، ومن هنا أيضا يتفاوت ثقل حقائب الظهر عند الناس، فمنا من يصرح وربما يصرخ، ومنا من يلوذ بالصمت، كخيار أخير.

مقالات مشابهة

  • حسن عيسى: الاقتصاد الحقيقي يقوم على الصناعة والزراعة والصحة والتعليم
  • حقائب ظهر..
  • رئيس جامعة أسيوط يعلن عن فتح باب التقدم لمسابقة إبداع مستدام
  • علم.. إبداع.. قيادة.. مسئولية.. شعار برلمان طلائع مصر في الوادي الجديد
  • اتحاد نقابات عمال مصر: التأهيل الحقيقي للعامل هو الأساس في بناء سوق عمل منظم
  • "علم.. إبداع.. قيادة.. مسئولية".. شعار برلمان طلائع مصر في الوادي الجديد
  • جمعية الصحفيين الإماراتية تنظم جلسة بعنوان: “الإعلام بين الحرية والمسؤولية”
  • قيادية بـ «الشعب الجمهوري»: عمال مصر هم المحور الحقيقي للتنمية والانطلاق
  • 10 سنوات من النشر والإبداع «الاحتفال بالريادة في عالم الكتب»
  • الأشتر والمسؤولية الرياضية