في ذكرى التأسيس: النادي السوداني: خمسة وعشرون عاما من العطاء
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
حامد فضل الله / برلين
عندما سألني الزميل إبراهيم خطّاب عضو اللجنة التنفيذية للنادي السوداني، عن إمكانيّة أن أتحدّث في الاحتفال في ذكرى تأسيس النادي السوداني (الجمعية الثقافية السودانية الألمانية)،
Sudanesische – Deutsche Kultur Verein . ev.
قلتُ له ما أكرمك! يسعدني ويشرّفني ذلك، خاصّة أمام هذا الجمع النبيل.
لم أكن ضمن الأعضاء المؤسسين، ولم أتمتّع بعضويّة النادي، ليس عزوفاً عن العمل الطوعي المُشرّف، ولكني كنتُ مؤسساً ومشاركاً ولا أزالُ في العديد من منظّمات المجتمع المدني. إذ أعتبر نفسي صديقاً للنادي، ومتابعاً بانتظام لمسيرته المُمتدة لربع قرن.
سوف أتحدث باختصار وبقدر ما حفظتهُ الذاكرةُ والتزاماً بالوقت المحدد.
مدخل تاريخي مختصر:
ــــ بدأ توافد السودانيين إلى برلين الغربية في بداية ستينيّات القرن المُنصرم.
ـــــ وتكوّنت رابطة الطلاب السودانيين في عام 1963
ــــ تكوّن اتحاد الطلاب والعاملين السودانيين في الثمانينيات.
ــــ و"اتحاد الطلاب السودانيين ببرلين" في عام 1987.
ــــ ثم الجالية السودانية برلين براندنبورج في عام 1994
ــــ والنادي السودانيّ في 31 أكتوبر 1999
مفهوم الجالية بمعناه الواسع، بأنّ جميع السودانيين في برلين تلقائيا أعضاء في الجالية. وبالطبع لتنظيم العمل لابدّ من وضع النظام الأساسي (الدستور) واختيار القيادة. وباستلام الجبهة الاِسلامية القومية (الاِخوان المسلمين) للسلطة في 30 يونيو 1989، بتقويض النظام المدني، عن طريق الانقلاب العسكري تمّ الاستقطاب والتحزّب وانتهاك النظام الأساس. فدبّت الخلافات بيننا وتفرقنا، فجاءت فكرة تكوين منبر آخر.
لا غضاضة من تعدد المنابر والتنافس الحرّ، مع الالتزام باحترام الآخر، وهكذا ولد النادي السوداني في 31 أكتوبر 1999، بداية بمجموعة صغيرة مُتجانسة، ثم اتسعت العضويّة، ويمكن القول بأنّ غالبية أعضاء النادي السوداني يمثّلون التيار اليساري السوداني العريض.
هناك فهم خاطئ؛ بأنّ اليسار يعني دائماً الحزب الشيوعي فقط، وبالتالي فأنّ إشارتي إلى اليسار العريض، أعني التيار الذي يعمل من أجل المواطنة والعدالة والديمقراطية والحريّة وحريّة الإنسان.
وكذلك تجدر الاِشارة هنا لبروز نشاط المرأة في النادي، ليس كعضوة فحسب، بل في مواقع قيادية: كرئيسة أو عضوة في اللجنة التنفيذية. تمّ إعداد النظام الأساس وانطلق العمل بمشروع عندما تم أعداده بدقّة وفي فترةٍ وجيزةٍ بالتعاون مع بعض الأصدقاء الألمان، حيث استوفى كلّ الشروط المطلوبة لمثل هذه المشاريع، وحصل النادي على ضوء ذلك على تمويل لمدة 3 سنوات.
وتم تأمين المقرّ ووضعت البرامج،
أولاً: في المجال الاجتماعي:
فتح فصول للأطفال لتعليم اللغة العربية، وتعلم فنون التطريز والحياكة للسيدات، وبرنامج لتعليم الكتابة على آلة الكمبيوتر، بعد تأمين عددٍ كبيرٍ من أجهزة الحاسوب.
ثانيا: المجال السياسي والثقافي والأدبي:
عقد الندوات من أجل التثقيف في المجال السياسي، والثقافي والأدبي من خلال مناقشة القضايا المزمنة مثل قضايا التنمية وأسباب التخلف وإشكالية الديمقراطية وحقوق الاِنسان، والسلام، ولفت نظر المجتمع الألماني، إلى ما يدور في الوطن عن طريق التظاهرات وأرسال الخطابات لوزارة الخارجية الألمانية كمثال، وكذلك إشكالية الاندماج وقضية اللجوء إلخ....
كانت رؤية النادي واضحة منذ البداية، وهي: رفض الحكم العسكري، والدولة التسلطية وترسيخ الحكم المدني والتعدد السياسي والثقافي والديني. جرت محاولة واحدة في تاريخ النادي للسيطرة على اللجنة التنفيذية من أجل طموحات شخصية وحزبية، مخالفة للخط السياسي للنادي المنفتح على الجميع، وتم إحباط المحاولة في مهدها.
لقد عقد النادي العديد من الندوات، وأشير هنا إلى بعضٍ منها والتي كنتُ من المشاركين في الاِعداد لها:
ــ الندوة الرائعة، التي قدمها الراحل عميد الصحفيين السودانيين الأستاذ محجوب محمد صالح، محجوب الذهبي (كمال الجزولي).
ـــ ندوة مع الدكتور عبد الرحيم بلال المدير السابق لمؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية في الخرطوم ــ وأول وأخر مدير سَودَن منصب المدير حتى سنّ التقاعد ــ والرائد في قضايا المجتمع المدني، بأبحاثه الهامة والعديدة.
ــ المحاضرة العلمية القيمة، التي قدمها البروفيسور أحمد عبد المجيد، أستاذ في كلية العلوم بجامعة الخرطوم، تحدّث فيها عن الختان الفرعوني (الطهارة).
ــ وكذلك اللقاء مع الروائي المعروف عبد العزيز بركة ساكن، بتقديم ومناقشة آخر أعماله.
ــ ثم الندوة الشهيرة، التي قدمها الأمام السيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء الأسبق.
ــ وكذلك المناقشات المثيرة والمتعددة عن الحرب في دارفور وجنوب السودان وخاصة بعد تكوين فرع للحركة الشعبية لتحرير السودان في برلين.
ــ وأشير هنا إلى اللقاء العفوي مع السياسي الجنوبي البارز لام أكول وياسر عرمان والسيدة الفاضلة عائشة الكارب عند زيارتهم الخاطفة إلى برلين، بعد مشاركتهم بدعوة من منبر السودان للمشاركة في المؤتمر السنوي في مدينة هيرمانزبورج في ولاية ساكسونيا السفلى، للبحث والنقاش حول قضايا السودان، المؤتمر الذي شاركت فيه بانتظام لمدة خمسة وعشرين عاماً.
ــ وكذلك الندوة العلمية الهامة، عندما استضاف النادي أربعة أكاديميات من السودان، لقد حضرن للمشاركة في مؤتمر علمي عالمي في برلين، يناقش قضايا اجتماعية متعددة، منها مكافحة العادات الضارة، المرتبطة ببعض التقاليد القديمة، مثل الختان الفرعوني و الشلوخ على الوجه والجبين والوشم وتشويش الوجه ودقّة الشلوفة وتخريم الأنف والفم، وخلع بعض الأسنان واستبدالها بأعواد من الخشب خاصة عادات قبائل الشلك والنوير والدينكا في جنوب السودان.
فقامت السيدات الفاضلات، بعرض ملخص لأبحاثهن المقدمة للمؤتمر، مع عرض مدّعم بالصورة والاحصائيات. وكانت الصور التي عرضت عن تلك الحالات مرعبة.
ــ كما أشير إلى المعرض الجميل للفنان التشكيلي المعروف والكاتب خالد كودي، حيث حضر الفنان بنفسه يوم افتتاح المعرض قادماً من بوستن بأمريكا.
ــ وكذلك معرض الفنان التشكيلي الأخ الدودو، الأستاذ في أكاديمية الفنون الجميلة في مدينة كاسل و النقاش معه حول مضمون تصاويره، ودور الفنّ والفنان في التوعية الجماهيرية.
ــ وكذلك حضور الفنان التشكيلي العالمي حسن موسى، قادماً من فرنسا، بدعوة من النادي. وقام حسن بعمل رسومات على الشارع في ميدان الكسندر بلاتس والنقاش مع الجمهور المختلط. وختم زيارته بندوة ضافية.
ــ بعد انقلاب الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021 على الفترة الانتقالية، وثم اندلاع الحرب الأهلية اللعينة في 15 أبريل 2023، قام النادي بالاشتراك مع الجالية بجمع التبرعات لفترات مُتعددة لمساعدة المحتاجين في الداخل، وما أكثرهم.
ــ مع تقلص المساعدات المالية من الجهات المانحة، لدفع المشاريع المقدمة، أدّى ذلك تقليل نشاط العديد من المنظمات المجتمع المدني، والاعتماد على العون الذاتي (الاشتراكات)، مما انعكس على عمل هذه المنظمات.
ــ هذا ما جادت به ذاكرتي، وهناك الكثير ممّا غاب عنّي
ــ إن العمل الطوعي والانخراط في منظمات المجتمع المدني، مهمة نبيلة ومسؤولية أخلاقية، أمام النفس وأمام الأخرين.
أخيراً
التهنئة والتحية الحارة للرواد وللذين يواصلون المشوار، في عيد ميلاد النادي الخامس والعشرين، وستبقى مسيرة النادي، حيّة فاعلة في تاريخنا البرليني.
hamidfadlalla1936@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: النادی السودانی المجتمع المدنی ــ وکذلک
إقرأ أيضاً:
رايتس ووتش تتهم قوات الدعم السريع بارتكاب عنف جنسي في السودان
اتّهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الاثنين، قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في السودان، بارتكاب أعمال عنف جنسي واسعة النطاق في جنوب البلاد، التي تشهد حربا دامية منذ أكثر من عام ونصف العام.
وأكّدت المنظمة في تقرير أن "عشرات النساء والفتيات، تتراوح أعمارهن بين 7 سنوات و50 عاما، تعرّضن للعنف الجنسي، بما في ذلك اغتصاب جماعي واستعباد جنسي في ولاية جنوب كردفان السودانية".
وتخضع ولاية جنوب كردفان بجزء كبير منها لسيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، وهي مجموعة مسلحة عناصرها إلى حد كبير من الإثنية النوبية وغير ضالعة مباشرة في النزاع الحالي.
منذ نيسان/ أبريل 2023، يشهد السودان حربا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي.
وأودت الحرب بحياة عشرات الآلاف، وشردت أكثر من 11 مليون شخص، وتسبّبت بما تعتبره الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في الذاكرة الحديثة.
وتواجه قوات الدعم السريع أيضا الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال للسيطرة على المنطقة.
وبحسب "هيومن رايتس ووتش"، تعرّضت الكثير من الضحايا للاغتصاب الجماعي في منازلهن أو منازل جيرانهن وغالبا أمام عائلاتهن، بينما اختطفت بعضهن واستُعبدن.
وروت امرأة نوبية عمرها 35 عاما أن ستة مقاتلين من قوات الدعم السريع "يرتدون زيا باللون الكاكي اقتحموا مسكن" عائلتها، "وقال أحد الرجال: يا نوبية، اليوم يومك". ثم اغتصبها الرجال جماعيا. وأضافت "حاول زوجي وابني الدفاع عني، فأطلق أحد مقاتلي الدعم السريع النار عليهما وقتلهما. ثم استمروا في اغتصابي، الستة جميعهم" بحسب التقرير.
وقالت امرأة ثانية عمرها 18 عاما إن "مقاتلي قوات الدعم السريع أخذوها في شباط/فبراير مع 17 امرأة وفتاة أخريات من فايو إلى قاعدة عسكرية، حيث احتُجزن مع مجموعة من 33 امرأة وفتاة كن هناك أصلا".
وتابع التقرير "تحت السيطرة الكاملة لخاطفيهن من قوات الدعم السريع، احتُجزت النساء والفتيات في ظروف استعباد، وفي بعض الأحيان رُبطن بالسلاسل"، وأضاف "كل يوم لثلاثة أشهر، اغتصب المقاتلون النساء والفتيات وضربوهن، ومن بينهن الضحية البالغة من العمر 18 عاما، وهي جرائم تشكل أيضا استعبادا جنسيا".
وروى التقرير كذلك قصة هبة (22 عاما) التي فرت من منزلها في كادقلي التي اجتاحها القتال أيضا أواخر العام 2023. وبينما كانت عائلتها تمر عبر ضواحي بلدة قريبة، "اقترب منهم أفراد قوات الدعم السريع بزيهم الرسمي وأجبروهم على الركوع على الأرض، ثم أمروا الأسرة باتباعهم. رفضت عائلة هبة، فبدأ المقاتلون إطلاق النار، فقتلوا والدها ووالدتها وزوجها".
وروت هبة "بعد ذلك قالوا +إلى أين أنت ذاهبة؟ سنستخدمك ثم نتخلص منك+ (...) اغتصبني الخمسة جميعهم، واحدا تلو الآخر. كان أطفالي بجواري مباشرة، يشاهدون ويبكون. قالوا لأطفالي أن يصمتوا ثم اغتصبوا أختي أيضا".
انتهاك للقانون الانساني
واعتبرت المنظمة أن هذه الحالات من العنف الجنسي هي "انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، وجريمة حرب" داعية "الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى التحرك بشكل عاجل لمساعدة الضحايا، وحماية النساء والفتيات الأخريات، وضمان العدالة في هذه الجرائم الشنيعة".
ولفتت إلى أن "أعمال العنف الجنسي هذه (...) تؤكد الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات دولية جادة لحماية المدنيين وتحقيق العدالة".
وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر حذّر الشهر الماضي خلال زيارة للسودان من وباء عنف جنسي تتعرض له النساء في البلد الغارق في الحرب، محذّرا من أن نطاق هذه الاعتداءات الجنسية "غير مقبول".
وفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر، قالت الأمم المتحدة في تقرير إنّ جرائم الاغتصاب في السودان أصبحت "معممة".
وأوضحت المنظمة الأممية أنّها أجرت تحقيقا أكّد أنّ معظم أعمال الاغتصاب ارتكبتها قوات الدعم السريع.
وقال رئيس البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان محمد شاندي عثمان في بيان "لقد صعقنا بالنطاق المهول للعنف الجنسي الذي نقوم بتوثيقه في السودان. إن وضع المدنييّن الأكثر حاجة، ولا سيما النساء والفتيات من جميع الأعمار، يبعث على القلق الشديد ويتطلّب معالجة عاجلة".
وقال عثمان الذي يرأس هذه البعثة التي أُسِّست أواخر العام الماضي من جانب مجلس حقوق الإنسان لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في البلاد منذ بدء الصراع في نيسان/أبريل 2023، "لا يوجد مكان آمن في السودان الآن".