بريكس تتحدى أنظمة الدفع الغربية- هل تنجح ؟
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
د. عمر محجوب محمد الحسين
لا شك أن اتجاه إيجاد أنظمة دفع وتسويات مالية بديلة للأنظمة المعمول بها عالميا، اتجاه صحيح ومطلوب -على الأقل- لمنع استمرار اتخاذ الأنظمة السائدة حاليا وسيلة للضغط السياسي والاقتصادي ضد دول معينة مستقلة سياسيا، ولا تريد نظاما عالميا أحادي القطب تهيمن عليه دولة واحدة، لذلك برزت منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس كمتحد للهيمنة الأمريكية والغربية عموما، على اعتبار أن منظمات واتحادات التكامل الإقليمية يمكن أن تعزز التعددية القطبية وتكسر حاجز الهيمنة.
قادت روسيا جهود إنشاء نظام دفع (BRICS payment system) اعتبارا من قمة بريكس 2015م في روسيا، وأجريت مشاورات حول النظام بين دول البريكس الذي سوف يكون بديلاً لنظام سويفت، كما بدأ البنك المركزي الروسي (CBR) مشاورات مع دول بريكس تتعلق بنظام الدفع المقترح في ذلك الوقت. صحيح كان هدف تحسين النظام المالي العالمي على جدول أعمال المجموعة منذ اجتماعها الأول، لكن أصبح من أكثر المواضيع مناقشة في ظل رئاسة روسيا للمجموعة، باعتبارها أكبر المتضررين من الهيمنة الامريكية. مثلت روسيا القوة الدافعة لفكرة نظام الدفع والتسويات الموحد للمجموعة، بالإضافة إلى خبرة روسيا في مجال استحداث شبكات دفع منفصلة عن سويفت، ففي عام 2014م وعلى خلفية العقوبات الغربية بسبب انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، لجأت موسكو إلى استحداث نظام تحويل الرسائل المالية الخاص بها (SBFC)، ليكون بديلا عن نظام سويفت (SWIFT) الدولي لتحويل الأموال. نفذت عبر النظام أول معاملة ناجحة في عام 2017م، وانضم لشبكة النظام أكثر من 400 مؤسسة مالية، وتسعى روسيا لضم حلفائها لهذا النظام، ووفقاً للبنك المركزي الروسي، يتم حالياً 20 % من التحويلات المحلية من خلال (SPFS). منذ عام 2019م، تم توقيع عدد من الاتفاقيات لربط نظام (SPFS) بأنظمة الدفع في بلدان أخرى مثل الصين والهند وإيران، في نهاية عام 2020م كان هناك 23 بنكًا أجنبيًا مرتبطًا بنظام (SPFS)، من جانب آخر تم ربط نظام SPFS بنظام التحويلات الصيني (CIPS) في عام 2019، علما بأن الصين أطلقت نظامها للتحويلات المالية في عام 2015م، ويعيب هذا النظام أنه يعمل داخل روسيا فقط بمعنى أنها مبادرة كانت على الصعيد المحلي.
لقد أصدرت منظمة البريكس الموجهة نحو الجنوب العالمي خططاً لتحويل النظام النقدي والمالي الدولي وتحدي هيمنة الدولار الأمريكي. بصفتها رئيسة مجموعة البريكس لعام 2024م، اقترحت روسيا إنشاء مبادرة الدفع عبر الحدود لمجموعة البريكس (BCBPI)، حيث يستخدم أعضاء المنظمة عملاتهم الوطنية للتجارة. أعدت مجموعة العمل الخاصة بالتسويات المالية التابعة لبريكس مذكرة تحليلية حول مبادرة المدفوعات عبر الحدود للمجموعة (BCBPI)، وهي مبادرة طوعية وغير ملزمة، وأشار الإعلان عن المذكرة إلى المبادرة الروسية لإنشاء بنية تحتية مستقلة للتسويات والايداع عبر الحدود، وإلى مؤسسة (BRICS Clear) ومؤسسة (BRICS Re) للتأمين؛ كل هذه الأنظمة تم تصميمها لتقليل المخاطر والعقبات عند سداد المدفوعات بالعملات الوطنية. قال خبراء صينيون إن هذه المبادرة ستوفر لدول البريكس خيارات دفع موسعة لتسوية السلع والخدمات، مما يعزز علاقاتها الاقتصادية بشكل أكبر، بالإضافة إلى ذلك، قد يساعد هذا النهج في تقليل الاعتماد المفرط على الدولار الأمريكي، وموازنة هيمنة الدولار، وتعزيز التنوع المالي، وتعزيز الاستقلال الاقتصادي بين أعضاء البريكس وخارجها. لم يتم تفعيل هذه الأدوات لأنها تحتاج إلى المزيد من النقاش خلال الفترات القادمة، تتوج بإنشاء المجموعة لبنية أساسية بديلة للمراسلة للالتفاف على نظام سويفت للاتصالات بين البنوك.
سيتضمن نظام العملات المتعددة "الوطنية" آليات جديدة ليس فقط الاستغناء الدولار في العمليات التجارية، ولكن أيضًا لتشجيع الاستثمار بين أعضاء مجموعة البريكس وغيرها من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، بما في ذلك منصة (BRICS Clear)، ونظام جديد للمحاسبة والتسوية للأوراق المالية، والذي سيكون بديلاً للبنى الأساسية الغربية مثل DTCC) , Euroclear ,Clearstream)؛ بالإضافة إلى الأدوات المالية المقومة بالعملات الوطنية.
يذكر أنه في الآونة الأخيرة، كان التركيز الرئيس على ما يعرف بجسر البريكس القائم على تقنية دفاتر الحسابات الموزعة كوسيلة لتمكين اجراء المعاملات بالعملة المحلية، وربما مع البنوك المركزية الرقمية. استخدام كلمة جسر يشير إلى (mBridge) نظام الدفع عبر الحدود الذي طوره بعض أعضاء البريكس، والذي وصل إلى مرحلة المنتج النهائي القابل للتطبيق. الجدير بالذكر أن المجموعة في صدد إتاحة كود (mBridge) مفتوح المصدر، مما قد يسهل على أعضاء البريكس تبنيه واعتماده، وعلى النقيض من (BRICS Pay)، فإن (mBridge) عبارة عن بنية أساسية للدفع ترتبط بأنظمة مصرفية قائمة.
بيان مجموعة بريكس الصادر عن قمة قازان الأخيرة الذي احتوى على 136 صفحة جاء فيه جزء يسير عن نظم المدفوعات، وجاء في البيان تأكيد التزم تعزيز التعاون المالي بين دول مجموعة البريكس. وادراك أن نظام الدفع عبر الحدود السريع والمنخفض التكلفة والفعال والشفاف والآمن والشامل القائم على مبدأ تقليل الحواجز التجارية والوصول غير التمييزي له فوائد واسعة النطاق، كما تم تفويض وزراء مالية مجموعة البريكس ومحافظي البنوك المركزية بمواصلة دراستهم للتعاون بالعملة المحلية وأدوات الدفع والمنصات حسب الاقتضاء وتقديم تقرير خلال رئاسة مجموعة البريكس القادمة، وتمت الإشارة إلى ادراك بلدان المجموعة أهمية استكشاف جدوى ربط البنية الأساسية للأسواق المالية في بلدان مجموعة البريكس، ونتفق على مناقشة ودراسة جدوى إنشاء "بنية أساسية لإيداع وتسوية الأوراق المالية في بلدان المجموعة"، على أساس طوعي لتكملة البنية الأساسية القائمة للأسواق المالية.
إن تناغم المجموعة هو تناغم اقتصادي في المقام الأول، كما أن ما يشغل روسيا حول سلاح العقوبات ليس بالضرورة أنه يشغل كل دول المجموعة بنفس الدرجة، ويبقى سؤال مهم جدا هل ما عجزت عنه روسيا صاحبة القوة الدافعة نحو التحول المالي بعيدا عن سويفت وهي ترأس دول المجموعة خلال الفترة الماضية، يمكن تحقيقه تحت رئاسة دوله أخرى ربما أقل حماسا لتنفيذ طموحات روسيا، وإن اتفقت الدول الأربعة المؤسسة على تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية، لكن انضمام دول أخرى قد يكون لها رأي مخالف أو أقل حماسا لفكرة ثنائية القطبية. إن تطبيق نظام بديلا لسويفت لن يكون قريبا مع انضمام دول جديدة للمجموعة، ومع تعاظم قدرات روسيا في تخطى العقوبات المفروضة ضدها.
omarmahjoub@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: مجموعة البریکس نظام الدفع عبر الحدود فی عام
إقرأ أيضاً:
بعد 3 أعوام من الصراع| هل تنجح السعودية في إذابة جبل الجليد بين روسيا وأوكرانيا؟.. تحليل
في خطوة تعكس التزام المملكة العربية السعودية بدعم جهود السلام العالمي، تستعد الرياض لاستضافة قمة مرتقبة تجمع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وتهدف هذه القمة إلى مناقشة سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا وإعادة تشكيل المشهد السياسي العالمي، وسط غياب أوكرانيا والدول الأوروبية عن المحادثات.
وانطلقت في السعودية، الثلاثاء، أولى المباحثات المباشرة بين مسؤولين روس وأمريكيين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
وتهدف هذه المباحثات إلى تطبيع العلاقات بين البلدين والتحضير لمفاوضات بشأن الأزمة الأوكرانية، حيث احتضن قصر الدرعية في الرياض الاجتماع الذي جمع بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونظيره الروسي سيرجي لافروف، بحضور وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان.
تفاصيل الاجتماع والملفات المطروحةوشهد الاجتماع، مشاركة مسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين، حيث حضر من الجانب الأمريكي مستشار الأمن القومي مايك والتز والمبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، بينما شارك من الجانب الروسي المستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف.
وأظهرت اللقطات التي بثتها القنوات السعودية، الوزير السعودي فيصل بن فرحان يتوسط الوفدين، في إشارة إلى دور السعودية كوسيط في هذه المباحثات.
ويرى الكرملين أن المحادثات تهدف إلى إعادة تشكيل الأمن الأوروبي والتأكيد على ضرورة تراجع حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن توسعه في شرق أوروبا، حيث تعتبر روسيا غزو أوكرانيا محاولة لحماية أمنها القومي.
ومن المتوقع أن يكون النزاع الأوكراني هو الملف المحوري في المحادثات.
سياق الاجتماع والدوافع السياسيةوتأتي هذه القمة بعد سنوات من التوتر بين موسكو وواشنطن، وقبل أيام من الذكرى الثالثة للغزو الروسي لأوكرانيا.
كما تزامنت مع مكالمة هاتفية جرت الأسبوع الماضي بين ترامب وبوتين، أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الدبلوماسية.
وبينما كثفت الإدارة الأمريكية انتقاداتها لحلفائها الأوروبيين مؤخرًا، تُثار تساؤلات حول دور الأوروبيين في هذه المحادثات، خاصة بعد غيابهم عن قمة الرياض.
وأعربت أوكرانيا عن قلقها من تهميشها في هذه المباحثات، حيث أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه سيتوجه إلى السعودية الأربعاء لحث الحلفاء على عدم السماح بعقد اتفاق روسي أمريكي يستثني كييف.
كما دعت أوكرانيا الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ موقف موحد ضد أي اتفاقات يمكن أن تؤثر على مصالحها.
وفي الوقت ذاته، يعقد القادة الأوروبيون اجتماعًا في باريس الاثنين المقبل لتنسيق مواقفهم بشأن أي ترتيبات أمنية جديدة قد تنبثق عن محادثات الرياض. كما يستعد المبعوث الأمريكي الخاص لأوكرانيا كيث كيلوغ لزيارة بولندا وكييف خلال الأيام القادمة.
موقف موسكو وواشنطنوشدد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على أن القادة الأوروبيين "ليسوا معنيين بالجلوس إلى الطاولة لأنهم يريدون استمرار الحرب"، فيما أكد ماركو روبيو أن المفاوضات لا تزال في مراحلها الأولى، مشيرًا إلى أن أي حل يجب أن يشمل أوكرانيا في مرحلة لاحقة.
ومن جانبه، أظهر بوتين بادرة حسن نية تجاه واشنطن من خلال الإفراج عن مواطن أمريكي احتُجز لفترة وجيزة في مطار موسكو، وهي خطوة تأتي بعد صفقة تبادل معتقلين تمت الأسبوع الماضي بين البلدين.
شروط التفاوض بين روسيا وأوكرانياوتطالب روسيا باعتراف أوكرانيا بضم شبه جزيرة القرم، والتنازل عن أربع مناطق في الجنوب والشرق، بالإضافة إلى ضمانات أمنية تمنع انضمام كييف إلى الناتو. في المقابل، ترفض أوكرانيا هذه الشروط، وتصر على استعادة أراضيها وضمان استقلالها الكامل عن النفوذ الروسي.
وعلى الأرض، أعلنت موسكو أنها سيطرت على قريتين في منطقتي كورسك وخاركيف، بينما نفذت أوكرانيا هجومًا بطائرات مسيّرة استهدف محطة ضخ في خط أنابيب ينقل النفط الكازاخي إلى البحر الأسود، مما أدى إلى تعطيله.
وتعكس قمة الرياض، مساعي السعودية للعب دور محوري في جهود السلام العالمي، كما تبرز أهمية هذه المحادثات في رسم مستقبل الصراع الأوكراني.