الرد السياسي المنطقي بعقلانية أهل السودان علي مزاعم عسكوري الضئيل طرحا
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
في مواجهة ردي علي مقال علي عسكوري الذي يهاجم فيه القوي المدنية تحت عنوان ( انكسار (تقدم) الذي نشر في موقع الاحداث الخبري السوداني المملوك للاستاذ عادل الباز،كان من الضروري التركيز على الطرح الموضوعي المدعوم بالمواقف الواضحة للقوى المدنية، وتجنب الوقوع في الانفعال أو الرد الشخصي. الرد يجب أن يعكس التزام القوى المدنية بمبادئها الأساسية في وقف الحرب وحماية المدنيين، مع دحض الاتهامات بطرح يستند إلى الحقائق
إلى السيد علي عسكوري
إن المقال الذي كتبته مليء بالاتهامات العامة والمبالغات التي تفتقر إلى الدقة والموضوعية، كما يعكس محاولة لتشويه جهود القوى المدنية التي تعمل بإصرار على تحقيق السلام ووقف النزيف الوطني الذي يهدد بتمزيق السودان.
التزام القوى المدنية بحماية المدنيين
القوى المدنية، وعلى رأسها (تقدم) وقوى الحرية والتغيير، أعلنت بشكل صريح أنها ماضية في نهجها لوقف الحرب وحماية المدنيين. هذا الموقف لا ينبع من أي "إملاء خارجي" كما تزعم، بل من واقع مسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب السوداني الذي يعاني من ويلات الصراع.
الرفض لأي تدخل عسكري أجنبي في السيادة الوطنية
عكس ما تدعيه، فإن القوى المدنية لم تدعُ في أي وقت إلى عودة الاستعمار أو قهر الجيش الوطني. بل على العكس، نادت بضرورة احترام السيادة الوطنية ومعالجة القضايا السودانية بطرق سلمية وديمقراطية بعيداً عن عسكرة الدولة.
الاتهامات بالعمالة والتبعية
الإصرار على وصف القوى المدنية بالعمالة وخيانة الوطن هو محاولة يائسة لتشويه صورتها أمام الشعب السوداني، وهو خطاب لا يخدم سوى تأجيج الصراعات وزيادة الاستقطاب. المواقف الحقيقية للقوى المدنية تظهر حرصها على تجنيب البلاد الدمار ومواصلة نضالها من أجل سودان ديمقراطي ومزدهر.
رفض الحرب كوسيلة لحل النزاعات
شعار "لا للحرب" ليس تعبيرًا عن حياد أو خنوع، بل هو موقف مبدئي ينبع من الإيمان بأن الحل العسكري لن يؤدي إلا إلى مزيد من الموت والدمار. إن استخدام السلاح لحسم الخلافات السياسية هو ما دفع السودان إلى شفا الانهيار.
من هم العملاء الحقيقيون؟
العملاء هم من يسعون إلى تقسيم البلاد وتشتيت وحدة الشعب السوداني بإشعال نار الحروب الأهلية، وليس من ينادي بالسلام والتعايش السلمي. القوى المدنية تطرح مشروعًا سياسيًا شاملاً يعالج جذور الصراع، وهو ما يقلق أولئك الذين لا يعيشون إلا في أجواء الحرب.
مستقبل السودان يتطلب الشراكة الوطنية
دعوات الإقصاء والتخوين التي وردت في المقال لا تبني وطناً. السودان لا يمكن أن ينهض إلا بتضافر جهود جميع أبنائه، بما في ذلك الجيش، القوى المدنية، والشباب الذين يدفعون ثمن الحرب من دمائهم وأرواحهم.
الاستقواء بالشعب وليس الخارج
الشعب السوداني، الذي خرج في ثورة ديسمبر العظيمة، أثبت أنه لن يقبل العودة إلى الماضي أو السماح بتسلط القوى العسكرية. القوى المدنية تستمد شرعيتها من هذا الشعب، وليس من "مجتمع دولي" أو أجندة خارجية كما تلمح.
وما طرحته هو محاولة لتقسيم السودانيين إلى "معسكرين"، وكأن السودان بحاجة إلى مزيد من الفرقة. أما القوى المدنية فهي مستمرة في الدفاع عن حقوق السودانيين بالوسائل السلمية، وستبقى متمسكة بالحلول السياسية التي تحقق السلام والاستقرار بعيداً عن خطابات الكراهية والتخوين التي لا تجلب سوى الخراب.
هذا الوطن يسع الجميع، والسلام هو السبيل الوحيد لبناء مستقبل مشترك.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الشعب السودانی القوى المدنیة
إقرأ أيضاً:
البحر الأحمر وباب المندب… مفاتيح الصراع مع القوى العظمى
عندما تتلاقى الجغرافيا بالسياسة يصبح للبحر الأحمر والقرن الأفريقي وزنٌ استثنائي في ميزان القوى الدولية. فالمياه التي تفصل شبه الجزيرة العربية عن شرق أفريقيا لم تعد مجرد ممر تجاري بل تحولت إلى ساحة صراع جيوسياسي شديد التعقيد، تتداخل فيه المصالح الأمنية والاقتصادية والعسكرية بين الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، وبين خمس قوى كبرى،
قلق أميركي من تحوّل البحر الأحمر إلى ساحة نفوذ روسية - صينية
عندما تتلاقى الجغرافيا بالسياسة يصبح للبحر الأحمر والقرن الأفريقي وزنٌ استثنائي في ميزان القوى الدولية. فالمياه التي تفصل شبه الجزيرة العربية عن شرق أفريقيا لم تعد مجرد ممر تجاري بل تحولت إلى ساحة صراع جيوسياسي شديد التعقيد، تتداخل فيه المصالح الأمنية والاقتصادية والعسكرية بين الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، وبين خمس قوى كبرى، الولايات المتحدة، روسيا، إسرائيل، فرنسا، وبريطانيا.
هذه الورقة تحاول فكّ شيفرة هذا التداخل، عبر تتبع خيوط النفوذ والتنافس الذي يتبلور عند بوابة البحر الأحمر، من السودان جنوباً وحتى فلسطين المحتلة شمالاً، مروراً بجنوب الجزيرة العربية وامتدادات القرن الأفريقي.
منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، برز السودان كأرض مفتوحة لتدخلات خارجية. ليس فقط لكونه يعاني من فراغ سياسي وأمني، بل بسبب موقعه الإستراتيجي على البحر الأحمر، وطموح روسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان، وسعي إسرائيل لترسيخ التطبيع والسيطرة على العمق الأمني المتاخم.
وبينما تغرق الخرطوم في فوضى داخلية، تقف القوى الكبرى كلٌ بحسب أجندته، تغذي الصراع أو تتدخل في مآلاته. وهنا يصبح السودان أقرب إلى زمن الأسد “سوريا أفريقية”، تدار صراعاتها بالوكالة وتُوظَّف لتصفية حسابات كبرى.
هل ستنجح القوى الكبرى في إعادة تشكيل المنطقة بما يتناسب مع مصالحها، أم أن هناك قدرة للعالم العربي والأفريقي على فرض أجندة مستقلة ومتوازنة في مواجهة هذه الأطماع؟
وتنظر إسرائيل إلى البحر الأحمر بوصفه جبهة أمنية لا تقل خطورة عن الجبهة الشمالية. فالتمدد الإيراني في اليمن عبر الحوثيين، والتوتر المتزايد في مضيق باب المندب، يجعلان من تعزيز العلاقات مع دول القرن الأفريقي – خصوصاً إثيوبيا وإريتريا – أمراً وجودياً.
كما أن تل أبيب تسعى لخلق عمق أمني إستراتيجي في السودان، ضمن مشروع التطبيع الذي بدأ قبل الحرب وتجمّد مؤقتاً. إسرائيل لا تريد فقط علاقات سياسية، بل تريد هندسة جديدة لأمنها القومي تشمل البوابة الأفريقية كاملة.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تسعى روسيا للوصول إلى الممرات المائية الدافئة. وقد وجدت في السودان فرصة إستراتيجية لتثبيت حضور عسكري مباشر، عبر اتفاقية قاعدة بورتسودان البحرية، والتي تم تأجيلها بفعل الضغوط الأميركية.
لكن النفوذ الروسي لم ينتهِ، بل ازداد تعقيداً بفضل حضور قوات “فاغنر” في عمليات التنقيب عن الذهب، ودعمها لقوات الدعم السريع، في محاولة للسيطرة على ثروات السودان كتمويل بديل وموقع عسكري متقدم.
تسير السياسة الأميركية في المنطقة على خيط دقيق. فمن جهة، تحاول واشنطن الحد من النفوذ الروسي والصيني، ومن جهة أخرى لا تريد الغرق في مستنقعات جديدة بعد عقدين من التدخلات الكارثية في الشرق الأوسط.
وبينما تتخذ واشنطن موقفاً “مائعًا” من حرب السودان، فإن حضورها العسكري في جيبوتي والمراقبة الدائمة للممرات البحرية تعكس قلقاً إستراتيجياً من تحوّل البحر الأحمر إلى ساحة نفوذ روسية – صينية. كما أن التطبيع بين إسرائيل والسودان جزء من مشروع أميركي أوسع لدمج إسرائيل في المحيط الإقليمي.
ورغم تراجع النفوذ الاستعماري، إلا أن باريس ولندن لم تغادرا المشهد. ففرنسا تعتمد على حضورها العسكري والاستخباراتي في دول الساحل الأفريقي، وتراقب السودان والقرن الأفريقي كامتداد لعمقها الأفريقي التقليدي. وبريطانيا، من جهتها، تُبقي على حضور دبلوماسي كثيف وتحالفات هادئة داخل إثيوبيا وكينيا.
فكلتاهما تدرك أن القرن الأفريقي مفتاح لأمن البحر الأحمر، وبالتالي فإن التنافس الجديد يشبه كثيرًا صراع الإمبراطوريات، ولكن بأدوات القرن الحادي والعشرين.
على الدول العربية، إما أن تُبلور دوراً سيادياً جماعياً يخلق توازناً حقيقياً، أو تذوب في خرائط النفوذ الجديدة كعوامل مساعدة لا أكثر
ولم تكن الدول العربية غائبة عن مشهد التنافس في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، بل كانت حاضرة بقوة، وإن اختلفت الأدوات والدوافع. فالسعودية والإمارات، على وجه الخصوص، تدركان أن أمن البحر الأحمر ليس منفصلاً عن أمن الخليج، وقد عملتا على بناء نفوذ اقتصادي وأمني عبر استثمارات في الموانئ والبنية التحتية، لاسيما خلال الفترة الانتقالية التي سبقت الحرب.
كما لعبت قطر دوراً في الوساطات السياسية، وسعت إلى توظيف أدواتها الدبلوماسية الناعمة في النزاع السوداني، في حين ظلت مصر تنظر إلى السودان من زاوية الأمن القومي وملف مياه النيل، ما يجعلها لاعباً حذراً ولكنه حاضر بقوة.
أما الدول العربية الأخرى، وبالأخص الأردن، فتؤدي أدواراً متوازنة في دعم الاستقرار الإقليمي، من خلال المساهمة في المبادرات الدولية أو عبر علاقات خاصة مع أطراف محلية ودولية.
وبينما تتجه الأنظار إلى القوى العالمية الكبرى، فإن التوازن العربي الداخلي في هذه المنطقة الحساسة سيكون عاملاً حاسماً في صياغة المستقبل، سواء من باب المصالح المباشرة أو من زاوية الأمن الجماعي العربي رغم أنها لم تُدرج ضمن القوى الخمس التقليدية في هذا التحليل، إلا أن الصين حاضرة بقوة، وإن بصمتها أهدأ. وبكين لا تعتمد على القواعد العسكرية المباشرة كما تفعل واشنطن أو موسكو، لكنها تبني نفوذها عبر “طريق الحرير البحري”، عبر تمويل الموانئ، وبناء البنية التحتية في دول القرن الأفريقي، وعلى رأسها جيبوتي، حيث تمتلك أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها.
فالصين تنتهج سياسة “النفوذ الاقتصادي أولاً”، مستخدمة أدوات التمويل والدبلوماسية التجارية للوصول إلى الموانئ والممرات الحيوية. لكنها تراقب عن كثب ما يجري في السودان والبحر الأحمر، وتتحرك بهدوء لتأمين مصالحها التجارية، لاسيما أن أكثر من 60 في المئة من تجارتها تمر عبر هذه البوابة البحرية.
فالصراع في البحر الأحمر ليس فقط بين القوى التقليدية، بل هو أيضاً صراع بين نموذج القوة الغربية العسكري، ونموذج القوة الصينية الاقتصادي التسللي.
والبحر الأحمر اليوم ليس فقط ممراً لـ10 في المئة من تجارة العالم، بل هو نقطة الربط الحاسمة بين الخليج وشرق المتوسط، وبين أوروبا وآسيا، وبين إسرائيل وأفريقيا. ولهذا، فإن أي دولة تُمسك بمفاتيح البحر الأحمر يمكنها أن تؤثر في معادلات الأمن العالمي والتجارة العالمية.
ولذلك نشهد هذا التدافع الدولي غير المسبوق نحو الموانئ، القواعد، العلاقات الثنائية، وحتى دعم الحركات المسلحة.
وفي ظل هذا الاشتباك الجيوسياسي متعدد الأقطاب، تتبلور ملامح معركة كبرى عنوانها السيطرة على المفاتيح البحرية والنقاط الحرجة في شبكة التجارة والأمن العالمي. فالسودان، وقد أصبح عقدة رخوة في خاصرة القارة الأفريقية، مرشحٌ لأن يتحول إلى ساحة صراع مستدامة تتجاوز حدود الحرب الأهلية إلى مشهد معقد من التفاعلات الإقليمية والدولية، يتداخل فيه المسلح بالناعم، والمعلن بالمخفي.
ويتضح من هذا المشهد المركب أن البحر الأحمر لم يعد مجرد ممر مائي، بل تحوّل إلى مختبر مفتوح لإعادة تشكيل النفوذ في النظام الدولي. فالقوى الكبرى لم تعد تتحرك من منطلقات عسكرية فقط، بل باتت تستخدم أدوات مركّبة تشمل المال، والموانئ، والتحالفات، والدبلوماسية، والديناميكيات المحلية، لصياغة توازن جديد في واحدة من أكثر المناطق حساسية في العالم.
البحر الأحمر اليوم ليس فقط ممراً لـ10 في المئة من تجارة العالم، بل هو نقطة الربط الحاسمة بين مختلف دول العالم ولهذا، فإن أي دولة تُمسك بمفاتيح البحر الأحمر يمكنها أن تؤثر في معادلات الأمن العالمي والتجارة العالمية
وفي هذا السياق، يصبح الصراع في البحر الأحمر أكثر من مجرد تنافس تقليدي، بل معركة رمزية تمثل تحوّلات عميقة في النظام العالمي نفسه. وبينما تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على توازن هش، تتقدم الصين بنموذج اقتصادي صامت، وتعود روسيا بلغة “المرتزقة والذهب”، وتلعب إسرائيل على وتر الأمن المطلق، وتتنفس أوروبا من خلال ماضيها الكولونيالي.
أما الدول العربية، فإما أن تُبلور دوراً سيادياً جماعياً يخلق توازناً حقيقياً، أو تذوب في خرائط النفوذ الجديدة كعوامل مساعدة لا أكثر.
قد لا تكون المعركة العسكرية مباشرة، ولكن معركة النفوذ جارية بكل وضوح. فالقوى الكبرى تتحرك كما لو أن البحر الأحمر هو الجائزة الجيوسياسية القادمة. والمثير أن مركز هذا الصراع لم يعد فقط الشرق الأوسط، بل الامتداد الطبيعي له في أفريقيا، وخاصة السودان.
إن البحر الأحمر، ذلك الممر المائي الذي طالما كان شاهداً على تبادل التجارة والحضارات، أصبح اليوم ساحة صراع بين القوى العظمى والإقليمية، ليس فقط على مستقبل المنطقة، بل على صياغة النظام الدولي القادم. فما يحدث اليوم في هذه المنطقة هو ليس مجرد صراع على النفوذ، بل هو معركة إستراتيجية مفتوحة، تتداخل فيها مصالح أمنية، اقتصادية، وعسكرية، مع تأثرات غير مباشرة على توازن القوى في العالم بأسره.
فمن الصراع المستمر في السودان، إلى تحركات القوى الكبرى عبر المياه الإقليمية، تحاول كل دولة فرض أجندتها الخاصة، لكن ما يظل ثابتاً هو أن البحر الأحمر، بنقاطه الحيوية، سيظل محوراً لا يمكن تجاهله في المعادلات الجيوسياسية المستقبلية. فإذا كان التاريخ قد علمنا أن مناطق الصراع الكبرى غالباً ما تقود إلى تغييرات دراماتيكية في مسار العالم، فإن البحر الأحمر اليوم ليس مجرد بوابة بين قارتين، بل هو مؤشر على التحولات الكبرى القادمة.
والسؤال الذي يطرحه نفسه، هل ستنجح القوى الكبرى في إعادة تشكيل المنطقة بما يتناسب مع مصالحها، أم أن هناك قدرة للعالم العربي والأفريقي على فرض أجندة مستقلة ومتوازنة في مواجهة هذه الأطماع؟ تبقى الإجابة مرهونة بالصراعات المستقبلية، لكن ما هو مؤكد أن البحر الأحمر سيظل هو مركز الصراع الذي يعكس التوازن العالمي بين القوى.
عبدالكريم سليمان العرجان
كاتب أردني
نقلا عن العرب