تمر علينا الآن الذكري السنوية لتلك المبادرة الموقعة بين الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني والراحل الدكتور جون قرنق ديمابيور رئيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا في 16/11/1988 والتي لولا اجهاض حزب الأمة والجبهة الاسلامية لها في البرلمان في نهاية العام ١٩٨٨م فاسقطوها بالتصويت بالاغلبية ما ادي الي خروج الاتحادي الديمقراطي من الحكم الائتلاقي وتركه السلطة لحزب الامة وحليفه الجبهة الاسلامية التي كانت تعارض بشدة وعمدا ومع سبق الاصرار والترصد لتلك المبادرة ( الفاخرة).

فلو اجازوا تلك المبادرة بالبرلمان وقتذاك لما حدث انقلاب الاسلاميين علي الحكم المدني فى ٣٠ يونيو ١٩٨٩م ولكانت بلادنا اﻵن تعيش سلاما قويا ويسودها الاستقرار وتظللها وحدة التراب وتعززها التنمية .. وتبتعد عن ارضها الحروب الطاحنة التي ظلت تهددها بالاطراف بسبب قيام حركات مسلحة ارهقت شعبها وشعبنا وجيشنا بخسائر يصعب تعويضها . فضلا علي ابادة شعب دارفور كما يعلم الجميع خلال الاعوام ٢٠٠٣ / ٢٠٠٤م.
وقد ظهر فيما بعد ما يسمي بالدعم السريع والذي بانت نتائجه علي البلاد الان وعلي اهل الحكم أنفسهم وقد اتاحوا الفرص للتدخلات الاجنبية في دعم المليشيات العديدة.
وما يؤسف له حقا ان عباقرة اهل الاسلام السياسي الذين كانوا يعيشون الوهم المتواصل قد افتقدوا كل مقومات النجاح في تطوير انظمة الحكم والحفاظ علي وحدة الوطن في ذلك الزمان .. وقد كان الراحل جون قرنق يعرف تماما ان اي دعوة لانفصال الجنوب عن الشمال معناها الموت والدمار لشعب الجنوب في المقام الاول لانه كان يعرف الروح العدائية التي تجتاح عقول قبائل الجنوبيين في حالة الانفصال .. كما ان الزعيم الميرغني ظل يردد ابان الفترة الانتقالية التي اعقبت اتفاقية نايفاشا في ٢٠٠٥ م بان اي جنوح نحو انفصال الجنوب سيسبب عدم استقرار في جوبا والخرطوم علي السواء .. وهو ما حدث بالفعل حيث ظلت تعيش دولة الجنوب في حالة حرب اهلية مسلحة بين الدينكا والنوير بعد الانفصال مباشرة.. فانهارت الدولة هناك وتوقف تدفق نفط الجنوب عبر مساراته بالشمال وتاثر اقتصاد السودان بسبب توقف النفط ... ما ادي بالحكومة الي تطبيق الزيادات في الوقود ومشتقاته وما تسبب من اثار بائنة في زيادات اخري استمرت في متوالية هندسية حتي اللحظة.. ما ادي الي المصاعب الاقتصادية التي تعيشها الدولتان الآن بسبب الوهم المقرون بضيق الافق لدي قيادات الحركة الاسلامية ورفيقتها الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد انفصال الجنوب.
ولعلنا نذكر غباء الادارة الامريكية في عهد الرئيس بيل كلينتون حين كانت مندوبة امريكا بالامم المتحدة سوزان رايس ومنظمتها (هيومان رايتس ووتش) حين القت خطابها في جوبا عند الاحتفال بانفصال دولة الجنوب .. مهنئة اهل الجنوب باستقلالهم .. ثم لم تمر فترة طويلة حين انهارت دولة الجنوب بسبب انقسام الجيش الي جزئين ( دينكا ونوير ) وسالت الدماء واضطربت البلاد .. الا ونجد سوزان رايس تعبر عن خيبة املها في الجنوبيين وفي دعم ادارتها لخيار الانفصال... فتأمل !!!!.
والآن نلاحظ تراجعات اهل الاسلام السياسي الذين كانوا يملأون دنيا السودان زعيقا وضجيجا بقيام الدولة الرسالية ذات المقاصد الخيرة .. فاصبحوا يوجهون النقد علنا عن فشل تجربتهم في الحكم وخيبتهم في ذلك .. ولعل كتابات الراحل البروفيسور الطيب زين العابدين وبروفيسور حسن مكي وبروفيسور عبدالوهاب الافندي ود. التجاني عبدالقادر المتواصلة وغيرهم من القيادات تدلل علي فشل تجربة الاسلاميين في الحكم ما ادي الي تدمير الوطن ومشروعاته الاقتصادية بالكامل .
كما تابع الشعب السوداني اعترافات البروفيسور حسن مكي الذي يعتبر من كبار مفكري حركة الاسلام السياسي من خلال حوارات زميلنا الصحفي عادل سيد احمد خليفة في برنامجه الاسبوعي ( نادي الاعترافات ) بقناة ام درمان في ذلك الزمان حيث تحدث حسن مكي حول فشل تجربة الاسلاميين في الحكم بانهم كانوا يعتقدون اعتقادا جازما بانهم كعناصر سيكونون امناء علي البلاد .. وهو ماقادهم الي تطبيق سياسة التمكين في كل المرافق . كما قال بانهم كانوا يعتقدون بانهم سيكونون حريصين علي اموال الدولة .. بل اضاف بانهم كان لديهم اعتقاد جازم بانهم رسل العناية الالهية واضاف ايضا بان الوهم كان يسيطر عليهم .... فتأمل تارة اخري !!!!
وميزة حسن مكي انه ظل يجاهر بهذا النقد .. ولكن لو كانت مثل هذه الانتقادات الحادة قد اتت من عناصر من خارج اطار الحركة الاسلامية لما كانت ستري النور عبر الاجهزة والصحف إلا لماما .
لذلك ... تظل اتفاقية الميرغتي قرنق من اهم علامات الفرص الضائعة لشعبنا .. فهل يا تري ان النحس سيظل ملازما لمسيرة شعبنا المستقبلية .. ام ستحدث معجزة تنقل بلادنا من حالة الفقر التي تضرب بعنف علي خاصرة هذا الشعب المسكين المستكين .. الي مشارف الرفاه والرخاء والاستقرار والسلام في كل ربوعه .
وأن دمار الوطن الذي يجري حاليا هو نتاج طبيعي لاجهاض مبادرة السلام السودانية حيث يتحمل انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م كل الاوزار وبلا تردد. وستظل لعنة شعبنا ولعنة التاريخ السوداني تطاردهم مهما تسلحوا وانقضوا علي ثورة الشباب والقضاء علي الحكم المدني الديمقراطي الخلاق.
كما يسجل التاريخ أيضا للسيد محمد عثمان الميرغني وحزبه الاصل تلك الروح الوطنية العالية التي صنعت تلك المبادرة التي طواها النسيان .. وسنظل نذكر الموقف الوطني للراحل دكتور جون قرنق وتمسكه بوحدة الوطن في ذلك الزمان .. وقد قال قولته المشهور بانه يطمع في وحدة وادي النيل من نمولي في اقصي جنوب السودان وحتي الاسكندرية في أقصي شمال مصر.
وياخسارة شعبنا في تلك الفرص الذهبية التي اضاعها الإسلام السياسي وحركته الموهومة حتي اللحظة. ذلك انها تختفي حول وهم كبير لم تستطع الفكاك عنه وربما لا تستطيع إلا من رحم ربي.
لذلك نقول ان الحركة الاتحادية اذا اتحدت رؤاها وتوحدت فصائلها وعاد الاتحادي الديمقراطي موحدا كسابق عهده.. ستعبر بلادنا الي بر الأمان برغم الكوارث الحالية.
وللعلم الجميع الفروقات الضخمة بين الحكم المدني الديمقراطي والأحكام الشمولية العسكرية حيث ظل بعض العسكر المأدلجين يتركون مهام الجيش الأساسية ويتحولون الي السباق نحو كراسي الحكم فيصيبهم الفشل الذريع منذ اللحظات الاولي. ولكنهم لايعترفون بذلك اطلاقا.
فالتاريخ يسجل كل شيء لتتعظ منه الأجيال الحالية والقادمة.
إن سجل التاريخ لا تفوته شاردة ولا واردة.
ونأسف للاطالة.
ولنا عودة ؛؛؛؛؛

abulbasha009@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: تلک المبادرة حسن مکی فی ذلک

إقرأ أيضاً:

تعالوا شوفوا كاميرون هدسون قال ايه !!..

كاميرون هدسون زميل في برنامج افريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية نشر مقالا في مجلة ( فورين بولسي ) الأمريكية ، وما يهمنا في مقاله هذا تلك الجملة التي تقرأ :
( ترامب وحده يستطيع صنع السلام في السودان ) !!..
ونرد عليه بهذه الجملة المؤمنة :
( اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك السلام تباركت و تعاليت يا ذا الجلال و الاكرام ) .
لاحظنا أن ترامب ولم يمض على دخوله البيت الأبيض عدة أيام وهو في عجلة من أمره يصدر وابل من القرارات ويعرض علي الشاشات توقيعه عليها بصورة مسرحية يتفوق بها علي ابطال هوليود ويتبعها بتصريحات نارية واخري مثيرة للجدل وغيرها وغيرها مما يتعثر علي الدماغ فهمه وكان هذا الرئيس الاستعراضي يريد أن يثبت للعالم أن مستوي فهمه فوق الجميع وأنه ( حلال العقد ) بما عنده من قلة ذوق وفهم وفهلوة وغطرسة ونرجسية ولا مبالاة وقسوة قلب وبلادة وحقارة ، وهذه الصفات التي عرفها عنه أهل الأرض جميعا صارت طابعه المميز وخاتمه البريدي وارثه الحضاري والثقافي والاجتماعي والبيولوجي والتكنلوجي وملكته في الرسم والتلوين والتاليف والجولف علي وجه الخصوص ووقوفه مع الكيان الإسرائيلي كالبنيان المرصوص ...
هذا كله مفهوم عنه وقد عاد لولاية ثانية ولن يتواني في أن يكرر نفس سيناريو ولايته السابقة ويسير عليه بالكربون وقد أفصح عن الكثير مما ظل يصدع به العالم زمان إذ أن هذا الشخص ليس عنده جديد فلم نراه يفتح كتابا أو يلقي علي المسامع مايفيد وكل بضاعته إذا استثنينا العقارات نجدها في الكيد والتبكيت علي الآخرين ويريد مالا ولا يهمه أن كان حلالا أو حراما وأوروبا العجوز مسكينة سيبتزها لتدفع من خزائنها الخربة مقابل حمايته المزعومة لهم وكمان اهلنا في الخليج سيلعب معهم دور التاجر وهم الزبائن يشترون من سلعه حتي التي إليها لا يحتاجون ويمنعهم من التصنيع ويريدهم مستهلكين مطيعين فيالهم من مساكين !!..
نعود ونكرر أن الحرب اللعينة العبثية المنسية في السودان لها أجل محتوم وهي عاجلا ام اجلا الي نهاية بحول الله وقوته وعظمته وجبروته مهما تدفق السلاح من الشرق والغرب ومهما كان كنه هذه الكارثة هل صراع محلي علي السلطة ام أن الطامعين الدوليين وجدوها فرصة ليدسوا انفهم فيها فانقسوا فريقين هذا مع الجنرال ( ا ) وذاك مع الجنرال ( ب ) والمسألة كلها صراع علي الحقوق والموارد البشرية كما جاء في الفلم الأمريكي ( السديم The Mist ) !!..
الوضع في بلادنا الحبيبة كالاتي: شعب مشرد وجايع وقتلاه بالالاف ومرضي وجرحي من غير إسعاف أو غرفة عمليات ومقابر تملأ الساحات والرحب ودولة منهارة ... والعجيب أن الأمريكان بالذات في عهد هذا المدعو ترمب إذا تدخل في السودان وبحكم أنه لايري غير مصالحه فإن ليل الشعب الطويل ومايكابده من ويل لن يهمه في شيء بل الذي يهمه أن لا تنفرد إيران وروسيا بالسودان وهذا هو الذي يجنن ترمب ومعاه عبد القادر كمان !!..
تاني هذا الصهيوني ترمب سيحاول فتح بوابة التطبيع مع بلادنا الحبيبة ( وربما نري قريبا مسؤول كبير من بني جلدتنا تحمله طائرة مجهولة تحط به في يوغندا أو ايسلندا ( مامعروفة الظروف ولا الحروف والخوف كل الخوف المرة دي الشرك يهبر وتتم ملاقاة الزعيم العبري والحكاية تخلص ويسدل عليها الستار ونحن آخر من يعلم كالعادة لشعب قليل الحظ والسعادة ) !!..

حمدالنيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

ghamedalneil@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • عوض بكاب: مبادرة "رد الجميل" خطوة جديدة نحو التنمية المستدامة في السودان
  • السودان: ارتفاع عدد ضحايا الكوليرا إلى 1407 حالات وفاة منذ أغسطس الماضي، وفق بيان لوزارة الصحة السودانية
  • السلطات السودانية تدق ناقوس الخطر بسبب ارتفاع عدد ضحايا الكوليرا.. ماذا يحصل؟
  • السلمية: قوة المستقبل.. ثورة ديسمبر السودانية نموذجاً
  • بعد اعتراف المتحدث بإسم القوات الجوية… سفير أوكرانيا ينفي تدخل بلاده في الحرب السودانية
  • الحكم المحلي هو الأنسب للفترة الانتقالية
  • تعالوا شوفوا كاميرون هدسون قال ايه !!..
  • هل تستغل جوبا الأزمة السودانية لفرض واقع جديد في أبيي؟
  • بابا الفاتيكان يحث الأطراف السودانية على بدء مفاوضات لتحقيق السلام
  • منظمات المجتمع السودانية تعلن مناصرتها لقضايا سكان الكنابي بولاية الجزيرة