من تصريف الأعمال على مدى أكثر من عامين، إلى تصريف تبعات الحرب المدمّرة، انتقلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي تكافح منذ ما قبل الثامن من تشرين 2023، لتبقى صامدة بوجه عواصف الداخل والخارج، وقادرة على إدارة شؤون وشجون البلاد، وهي آخر المعاقل الدستوريّة العاملة في البلاد، بفعل استمرار الفراغ في موقع رئاسة البلاد الذي دخل عامه الثالث، وتعطّل السلطة التشريعيّة المكبّلة بالفيتوات الانتخابيّة وهواة التعطيل.

  بين الممانعة والمعارضة دعوات للصرف والمنع
رغم أنّ الحكومة لم تكن شريكة في قرار الحرب، تواجه اليوم ضغوطات سياسيّة من فريقين متقابلين، فريق يدفع باتجاه زيادة الإنفاق لتمويل حاجات النزوح المليوني، من خلال استعمال الأموال المتوافرة في حساب الدولة لدى المصرف المركزي أي الحساب 36، أو حتّى استعمال الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان. وفريق آخر، قوامُه عدد من الكتل النيابيّة يعارض بشدّة، متسلّحًا بالمادة 27 من قانون المحاسبة العامة التي تنظّم نفقات الدولة، ولا تجيز صرف نفقات من دون إدراجها مسبقًا في الموازنة. تضيف الكتل النيابية المعارضة إلى "مقاربتها القانونيّة" أبعادًا سياسيّة، فتصوّب سهامها على الفريق الذي تفرّد بقرار الحرب، وتُحمّله ومن خلفه إيران مسؤوليّة وتبعات جرّ البلاد إلى حربمدمّرة.   القانون لا يتيح الإنفاق
من الناحية القانونية، تتركّز إشكاليّة الإنفاق من خلال ثلاثة أبعاد، يقول المحامي فؤاد الأسمر في اتصال مع "لبنان 24" الأول عدم إمكانيّة الإنفاق من خارج إقرار قانون في البرلمان يجيز ذلك، وهو متعذّر اليوم بظل مجلس نيابي معطّل. البعد الثاني متعلّق بالحكومة، كونها حكومة تصريف أعمال ولا تملك الوضعيّة القانونيّة التي تخولّها أن تنفق من خارج الدائرة الضيقة، وإنفاقها هو بالحد الأدنى لتغطية رواتب الموظفين والحاجات الصحيّة والخدماتيّة الأساسيّة، والمجلس النيابي لم يمنحها حق إصدار مراسيم اشتراعيّة. أمّا البعد الثالث، فظاهره السياسي لا يلغي مرتكزه القانوني يقول الأسمر "هنا نتحدّث عن المسؤوليّة عن فعل الغير، بحيث يتمّ تحميل الدولة والمواطن مسؤوليّة إجراء لم يتخذه أيّ منهما، علمًا أنّ الدولة ممثّلة بالحكومة والمجلس النيابي لم تُستشر ولم تمنح موافقتها على جبهة الإسناد، ولم تكن ماليّة الدولة جاهزة لتحمّل النتائج. أمّا الشعب فلم يُسأل رأيه عن طريق استفتاء. بالتوازي الأموال في خزينة الدولة هي أموال عامة وملك الشعب اللبناني، متأتيّة من الضرائب والرسوم التي يدفعها المواطن اللبناني، ولا يمكن التصرّف بها. لذلك كله لا يجوز تحميل الدولة والشعب نتائج قرارات وأفعال الغير. من ناحية أخرى هناك واقع مالي، مفاده أنّ الدولة عجزت عن القيام بتأمين الخدمات وتصحيح الرواتب قبل الحرب، فكيف الحال بنفقات باهضة جرّاء موجات النزوح الكبيرة والتي تفوق قدرة الدولة؟".   ماذا عن أموال الاحتياطي هل يمكن استخدامها لتمويل نتائج الحرب؟
منذ بدء ولاية حاكم مصرف لبنان بالإنابة، اتخذ المركزي قرارًا بعدم تمويل الدولة، وتمكّن بفضل ذلك من زيادة موجوداته من العملات الأجنبيّة بما يقارب 2 مليار دولار. وقد سمح ذلك، معطوفًا على تقليص حجم الكتلة النقديّة بالليرة،بثبات سعر صرف الدولار الذي حافظ على مستواه ما دون التسعين ألف ليرة رغم الحرب. هذه الأموال التي كوّنها المركزي ليست ملكه، بل هي ما تبقّى من أموال المودعين، والمركزي ملزم بإعادتها لهم. وبالفعل بدأ مصرف لبنان باستخدامها في زيادة السحوبات ومضاعفة الدفعات الشهريّة وتوسعة التعاميم. كما أنّ احتياطي المركزي يشكّل ركيزة جوهرّية في استعادة أموال المودعين في أيّ خطّة للنهوض تتخذها الحكومة.   ماليّة الدولة منهكة ولا استدانة
قبل أن تستعر الحرب بدءًا من الثامن عشر من أيلول الماضي، وتنقلب إلى تصعيد عدواني، يطال بالدمار والقتل والتشريد ثلث مساحة لبنان، كانت الحكومة بوضع مالي لا تُحسد عليه، تحاصرها مطالب موظفي القطاع العام،لا سيّما العسكريين المتقاعدين، الذين لجأوا إلى الشارع مرارًا وقادوا تحرّكات احتجاجيّة. لم يكن أمام الحكومة الكثير من الخيارات لإعادة الاعتبار إلى رواتب العاملين في القطاع العام، بظل لاءات عديدة رُفعت في وجهها، من قبل مصرف لبنان وإصرار حاكمه بالإنابة الدكتور وسيم منصوري على عدم تمويل الدولة، تفاديًا لتكرار خطيئة سلفه، ومن قبل الجهات الدائنة التي لا زالت تنتظر جدولة ديونها منذ توقّف حكومة دياب عن الدفع في آذار 2020. أمام استحالة الاستدانة من الداخل والخارج، لم يعد أمام الحكومة من مصدر سوى إيراداتها الذاتيّة، ونظرا للايرادات المتواضعة عجزت الحكومة عن تلبية كل المطالب، رغم إقرارها بأحقّيتها، وأعطت ضمن امكاناتها. هذا الواقع المعقّد قبل عدوان أيلول، زاد حراجة مع اتساع موجات النزوح، وتخطّيها عتبة المليون و200 ألف نازح. وقد عملت الحكومة منذ اللحظة الأولى على مواجهة التحدّيات الكبيرة، وتمويل الإنفاق خصوصًا بشقّه الصحي لمعالجة جرحى العدوان، وتأمين مراكز لإيواء مئات الآف النازحين، كما عمل رئيسها ولا زال على قيادة جهود دبلوماسية جبّارة مع عواصم القرار لوقف العدوان من جهة، وتغطية نفقات العدوان من جهة ثانية، وقد أثمرت الجهود في تخصيص 800 مليون دولار في مؤتمر باريس، ينتظر لبنان ترجمتها العملانيّة.
 

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: مصرف لبنان ة الدولة

إقرأ أيضاً:

ماكرون يفتتح لقاءاته اللبنانية باجتماع مع ميقاتي لقاء بري وسلام يحدد اتجاهات المسار الحكومي

بدأ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون زيارته الثالثة للبنان باجتماع مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مقر كبار الزوار في مطار بيروت بعيد وصوله صباح اليوم الى لبنان .
ويعود ماكرون إلى لبنان بعد نحو أربع سنوات من زيارتَين له في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب  2020.
وبحسب مصادر مواكبة للزيارة فان باريس تريد أن تواكب خطوات العهد الجديد على صُعد عدة: ترميم السيادة اللبنانية بخروج القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان وتمكين قوى الدولة الشرعية من فرض هيمنتها على كامل الأراضي اللبنانية وفرض الرقابة على الحدود، وذلك من خلال توفير الدعم للجيش اللبناني والقوى الأمنية ومساعدة الرئيس الجديد على تحقيق ما وعد به في خطاب القسم، بما في ذلك العمل على إقناع "حزب الله" بالتخلي عن السلاح والانخراط في اللعبة السياسية اللبنانية كبقية الأحزاب.
وينتظر أن يعلن ماكرون عن مبادرات جديدة عقب اجتماعه بعون في قصر بعبدا. وقالت مصادر الإليزيه، في معرض تقديمها للزيارة، إن باريس "ستواصل جهودها من أجل التعبئة الدولية وتجميع شركاء لبنان"، مؤكدة أن فرنسا "ستكون بتصرف السلطات اللبنانية من أجل توفير الدعم الذي تريده"، مضيفة أنها "ترى الظروف الجديدة أصبحت ملائمة" لإنجاح التعبئة المنشودة، خصوصاً في موضوع "رصّ الجهود الدولية لدعم سيادة لبنان؛ ما يعني بداية توفير الدعم للجيش والقوى الأمنية التي يحتاج إليها لبنان".
وكان ماكرون وولـي العــهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اكدا دعمهما الكامل لتشكيل "حكومة قوية" في لبنان. وقالت الرئاسة الفرنسية إنّ الرجلين "أشارا في خلال محادثة هاتفية، إلى أنّهما سيقدّمان دعمهما الكامل للاستشارات التي تجريها السلطات اللبنانية الجديدة بهدف تشكيل حكومة قوية وقادرة على جمع تنوّع الشعب اللبناني وضمان احترام وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان وإجراء الإصلاحات الضرورية من أجل ازدهار البلد واستقراره وسيادته".
حكوميا ، تتجه الأنظار اليوم إلى اللقاء الحاسم الذي سيجمع الرئيس المكلف نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري عند الساعة الثانية عشرة، والذي يفترض أن يؤدي إلى توضيح الرؤية وتظهير المشهد حول أزمة التمثيل الشيعي في الحكومة بعد مقاطعة "الثنائي" الاستشارات النيابية، التي أجراها سلام في ساحة النجمة واختتمها بلقاء النواب المستقلين والتغييريين.
وشددت أوساط الثنائي  على الموقف الموحّد بين حزب الله وحركة أمل في كل الاستحقاقات وعلى رأسها المشاركة في الحكومة، ولفتت الى أن الأمور مرهونة باللقاء بين الرئيس بري والرئيس المكلف وسنبني على الشيء مقتضاه.
واستبعدت مصادر مطلعة  مقاطعة المشاركة في الحكومة، التي ستتقرر في ضوء اللقاء بين بري وسلام، وبناء على ضمانات يطالب بها "الثنائي"، وقد تلقف بري رسائل رئيس الحكومة التطمينية بايجابية، وهو لن يتطرق الى مسالة الحصص الوزارية بل الى رسم محددات العلاقة بين الثنائي والحكومة، واذا حصل تفاهم، يتم النقاش لاحقا مع كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة حول التفاصيل المتعلقة بالمشاركة وحجمها.


المصدر: لبنان 24

مقالات مشابهة

  • علاج تساقط الشعر بـ«شوكة الطعام».. تريند أم حقيقة؟
  • إدارة الدولة يرد على القوى السنية: إنجاز البرنامج الحكومي بلغ 76 بالمئة
  • المفتي حجازي حيا مواقف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المُكلف
  • الإعلامي الحكومي يعلن عن خطة لإعادة النازحين إلى وسط وشمال غزة
  • ماكرون يفتتح لقاءاته اللبنانية باجتماع مع ميقاتي لقاء بري وسلام يحدد اتجاهات المسار الحكومي
  • وزير الخارجية التقى نظيره الأردني.. وهذا ما تقرر بشأن النازحين السوريين
  • وجاء الرد! براد بيت يصدر بيانا حول الفرنسية التي تعرضت لعملية احتيال عبر استخدام صور مزيفة للفنان
  • سموتريتش يضع شرطا للبقاء في الائتلاف الحكومي
  • مفاجآت من العيار الثقيل .. هل أموال إعمار غزة سبب رفض عباس حل أزمة إدارة القطاع بعد الحرب؟
  • “فصل جديد”.. رئيس الحكومة اللبنانية المكلف يتحدث عن التحديات التي تواجهها البلاد