أمين البحوث الإسلامية: الحوار لم ينسلخ في المنظور التشريعي عن مطالبات الفطرة الإنسانية
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
قال الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: إنَّ القواعد المحورية الكليَّة لهذا المؤتمر المبارك وعاءٌ ميمونٌ يتشارك فيه مجمع البحوث الإسلامية وكليَّة الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، وهو يعبِّر في الوقت ذاته عن رؤية كل قطاعات الأزهر الشريف، وأنَّ المجمع بكل أماناته وإداراته وإصداراته وفعالياته ليُعنَى عنايةً واضحةً بالدعوة الإسلامية وعظًا وإرشادًا وإفتاءً ونشرًا، وأنَّ كلية الدعوة الإسلامية المباركة بعلمائها الأجلَّاء ومجمع البحوث الإسلامية تربطهما قواعد كليَّة عبَّرت عنها محاور هذا المؤتمر، كما هو دأب سائر كليَّات الجامعة وقطاعات الأزهر الشريف؛ فهي تنسجم مع المجمع في كلِّ المسارات الدعوية والبحثية، كما تنبثق من مجلس المجمع لجنةٌ ضمن سلسلة ذهبية مِنَ اللجان العِلمية تُسمَّى: (لجنة التعاون بين المجمع وجامعة الأزهر)؛ ومِن هنا جاء هذا التشارك الميمون.
وأضاف الدكتور الجندي -خلال كلمته صباح اليوم بمؤتمر كليَّة الدعوة الإسلامية، الذي يُعقد بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية بمركز الأزهر للمؤتمرات تحت عنوان: (الدَّعوة الإسلامية والحوار الحضاري.. رؤية واقعية استشرافية)- أنَّ موضوع هذا المؤتمر بلغ من العناية بمكان لدى مولانا الإمام الأكبر حفظه الله تعالى، الذي دائمًا نراه يجدِّد دعوتَه للحوار في وقت ادلهمَّت فيه الصراعات، وشاعت فيه التحديات الإقليمية والعالمية، وأنَّ مفهوم الحوار لم ينسلخ في المنظور التشريعي الإلهي عن مطالبات الفطرة الإنسانية، ولم يصطدم بالحقائق الحيوية للكينونة الإنسانية، فالحوارُ خطابٌ للوجود كلِّه بمنهجٍ يتناغم مع طبيعة الحياة فيه، وقد ساق البشريَّة كلَّها إلى حياة الإِلْف والإخاء، وأنقذها من عناء التدابير الفكرية المنزلقة إلى نظام حياة الغابة، وحذَّرها من خطر السيكولوجيات المضلِّلة، وأعفى البشرية مِن تولِّي وضع التصميم الأساس لحياة الإنسان، بل لحياة الكائنات المشاركة في الإرث الأرضي والكوني على حدٍّ سواء، وتأتي رسالة رسول الله محمد ﷺ لتؤكِّد وتجدِّد نداء السماء بعدم المساس بمنهج الله سبحانه، فإنه لا اجتهاد مع النَّص.
وأشار الأمين العام إلى أنَّ خبراء الحوار قد اختصروا الغاية منه في الإسلام في عبارات جزلة، يقول الإمام الغزالي في (الإحياء) عند ذِكره علامات طلب الحق في الحوار: «أنْ يكون في طلب الحق كناشد ضالَّة، لا يفرّق بين أن تظهر الضالة على يده، أو على يد مَن يعاونه، ويرى رفيقه معينًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق»، وقال الإمام الشافعي: «ما حاورتُ أحدًا إلا تمنيتُ لو أنَّ الله أظهر الحقَّ على لسانه»، وفي ذلك إسقاط للعصبية والتعصُّب والأنا وفقدان المعيار ونشدان الانتصار.
منظومة منهاج الحوار في الإسلام واحدةوأكَّد أنَّ منظومة منهاج الحوار في الإسلام واحدة، ومَن كانت لهم اليد الطُّولى في التقعيد للحوار المنطقي العقلي والدعوي وآدابه، استمدوا منهجهم من الإسلام، فنرى (منهج الإسلام في الحوار) في منهج الإمام أبي حنيفة النعمان، والإمام أحمد بن حنبل، والعلَّامة إمام الحرمين الجويني، والعلَّامة أبي بكر الباقلاني، والعلَّامة أبي حامد الغزالي، والعلَّامة أبي الحسن الفارسي، والعلَّامة عبد الكريم بن محمد الدامغاني، والعلَّامة الإمام أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني، والعلَّامة الإمام البيجوري، والعلَّامة الإمام محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، والعلَّامة أحمد الملوي، والعلَّامة محمد بن عياد الطنطاوي الشافعي، والعلَّامة الإمام المراغي، والعلَّامة الإمام عبد الحليم محمود، والعلَّامة مولانا الإمام الأكبر أحمد الطيب.
واختتم الدكتور الجندي أنَّه مِن خلال هذه القواعد المسلسلة نرسِّخ للحوار الدعوي في كنف رؤية محبوكة تضمن الانسجام في المجتمعات؛ تحقيقًا لحفظ الضرورات الخمس، ونصوغ رؤيةً استشرافيةً مستنبطةً من أقيسة وقراءات عمليَّة، خصوصًا في ظلِّ التحديات الإقليمية والعالمية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: البحوث الإسلامية الدعوة الإسلامية الأزهر جامعة الأزهر قطاعات الأزهر البحوث الإسلامیة
إقرأ أيضاً:
رمضان الصاوي: العلم والعقل لا يستغنيان عن بعضهما فكلاهما مكمل للآخر
عقد الجامع الأزهر، اليوم الثلاثاء، ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، وكان موضوع حلقة اليوم: "مكانة العقل في الإسلام"، وذلك بحضور الدكتور رمضان الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري، والدكتور عبدالفتاح خضر، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، وأدار الملتقى الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر.
وقال الدكتور رمضان الصاوي إن العقل أحد مقاصد الإسلام الخمس، بل هو أهم هذه المقاصد، فمقاصد الإسلام هي: "حفظ الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال"، والعقل هو أهمها لأن المقاصد الأربعة الباقية لا تتم إلا به، والعقل وإعماله شرطان أساسيان للإيمان بالله ـ عز وجل ـ لذلك وجه سبحانه وتعالى العقل بقوله: " أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ"، وقال الأعرابي ببداهته وعقله: " الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير"، لافتا أن الله قد نهى الإنسان عن عدم التعقل واتباع الظن فقال: "إن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا"، فالعقل ونصوص القرآن الكريم داعيان إلى الإيمان بعد تفكير ومن ذلك قوله تعالى: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ".
وبين نائب رئيس جامعة الأزهر أن العقل للتفكير والتدبير، والسمع للنقل والنصوص، والشرع عقل في الخارج والعقل شرع في الداخل، لذلك منع الله تعالى الكفار من العقل، فقال سبحانه: "صم بكم عمي فهم لا يعقلون"، مع وجود العقل، إلا أنه لا يعمل ولا يفكر، والعقل شرع في الداخل لأن الله تعالى يقول: "فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم"، لهذا كان الاهتمام بالعقل من جانب الإسلام على أحكمه وأشده، فقد منع الإسلام كل ما يغيب العقل أو يؤثر عليه، حيث قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، ونهى نبينا "صلى الله عليه وسلم عن كل مفتر ومخدر، وقد ركز أعداء الله الذين دخلوا بلادنا على تغييب العقل، بإغراق الشباب في المخدرات حتى يغيبوه عن قضاياه الأساسية، فإذا غاب العقل لم يعرف الإنسان عدوه من صديقه، مؤكدا أن العلم والعقل لا يتسغنيان عن بعضهما فكلاهما مكمل للآخر.
من جانبه، أوضح الدكتور عبدالفتاح خضر أن العقل تجري أموره في اللغة على الإمساك، لأنه يمسك الإنسان من أن يصنع القبيح، إلا أن هناك من يفهم كل شيء ويدرك كل شيء ويعي معظم الأشياء، إلا أنه ليس بعاقل لأنه فعل واخترع وتعلم وتعرف، لكنه لا يؤمن بالله، ومن ذلك قوله تعالى: " قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"، وقوله تعالى: " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ"، لافتا أن كل هذه لطائف ربانية أوجدها الله تعالى في الإنسان لكي يحيى سعيدا، ويصل إلى السعادة الحقيقية في الجنة.
وأضاف أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر أن السعادة المطلقة التي لا نسبية فيها تكون في الجنة، فالله استودعنا العقل من أجل أن نسعد، إلا أن بعض الناس جعلوا من العقل إلها يعبد، معتقدين أنه طالما كانت الحواس سليمة فالعقل سليم، ونقول لهؤلاء أن العقل ليس إلها، وإنما العقل يقف عند وجود الإله، ومن هنا كان العجز عن الإدراك إدراك، والعبث والدخول والبحث في ذات الله إشراك، فعلى المسلم أن يقف بعقله عند حدوده وأن يعلم أن السعيد هو من يسخر عقله لله.