دعوات شيطانية.. لإفساد العلاقات الزوجية
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
النغمة النشاز التى يعزفها أصحاب الدعوات الشيطانية من دعاة الفتنة لإفساد العلاقات الزوجية وخراب البيوت، لا يقبلها إلا من كان فى قلبه مرض أو هو بعيد كل البعد عن تعاليم الشرع الحنيف، أو هو منفصل عن الواقع وبعيد عن حقيقة العلاقات الزوجية السوية.
إن العلاقة الزوجية يقيمها الحق تبارك وتعالى على السكن والمودة والرحمة، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (المودة هي: المحبة، والرحمة هى: الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد).
فمن أعظم مقاصد النكاح في شرع الله المطهر أن تسود المودة والرحمة بين الزوجين، وعلى هذا الأساس ينبغي أن تبنى الحياة الزوجية. قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" الروم آية 21.
فيا أيها الزوجة الكريمة ويا أيها الزوج الكريم، ينبغى ألا يغيب عنكما المودة والرحمة اللتين ذكرهما الله تعالى في الآية الكريمة بين الزوجين، وعلى الزوجة أن تتأمل في حال أمهات المؤمنين ونساء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين لاسيما دور السيدة خديجة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لتجتهد في إسعاد الزوج والأسرة، وسوف تجد أثر ذلك خيرا إن شاء الله، ولا تستمعى أيتها الزوجة الغالية لذلك النفر الذى لا يريد للأسرة استقرارا، بل يسعى لتفكيكها، بدعوى الحرص على حقوق المرأة وإنصافها من ظلم الرجال. واعلمى أن من أكبر أسباب كسب القلوب البشاشة ولين القول كما جاء عن بعض الصالحين: "إنما البر شيء هين: وجه طلق وقول لين" فتكلفي هذا البر مع زوجك - حتى يصير لك سجية - فتكسبي قلبه وتنعشي فيه المودة والرحمة نحوك.
بل قبل ذلك، وفوق ذلك كله، قول ربنا جل جلاله: "وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). فصلت: 34-35.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: "أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات لأجل رضا الله تعالى، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه، ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم، لا في ذاتها، ولا في وصفها، ولا في جزائها: "هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ".
ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه.
وإذا كان هذا كله في حق الخلق، فكيف في حق الزوجين كلاهما تجاه الآخر؟، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ" رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث صحيح.
وإلى كل زوج كريم: ينبغى ألا يغيب عنك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ.. " رواه مسلم، وماذا فعلت أخى الكريم بوصية النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال لنا: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" رواه البخاري ومسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" رواه الترمذي في صحيحه، وقد قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء: 19.
على مثل ذلك تقام البيوت وتبنى الأسر، لا على الدعوات الشيطانية التى تثير الفتن بين الأزواج، ولا تبتغى سوى المزيد من حالات الطلاق إرضاء لإبليس وأعوانه.
[email protected]
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
حكم تأجيل العمل وقت الدوام ليكون عملًا إضافيًّا
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة: "ما حكم تأجيل العمل وقت الدوام ليكون عملًا إضافيًّا بعد انتهاء وقته؟ فأنا أعمل في شركة ما وأجد بعض الزملاء يؤجلون بعض الأعمال إلى وقت الساعات الإضافية بدون سبب من أجل الحصول على مقابل مالي لذلك، فما رأي الشرع في هذا التصرف؟".
وردت دار الإفتاء المصرية، موضحة، أن قيام العامل بما أُنيط به من مهام وتكاليف بموجب العقد المبرم بينه وبين جهة العمل أمر واجبٌ شرعًا، وأما تعمُّد تأجيله بعض الأعمال المطلوبة منه في وقت العمل الرسمي إلى وقت الساعات الإضافية من أجل حصوله على مقابلٍ لذلك دون عذر تقرره الجهات المختصَّة فحرام شرعًا؛ لما فيه من التحايل وخيانة الأمانة التي اؤتمن عليها، وأكل الأموال بالباطل؛ وقد ورد النهي عن أكل المال بالباطل في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 92].
حثُّ الشرع الحنيف على العمل والسعي لكسب الرزق الحلال
حثَّ الشرع الحنيف على العمل والسعي لكسب الرزق الحلال؛ لكي يكون المسلم عضوًا فعَّالًا مُنْتِجًا في مجتمعه، عاملًا على توفير حياة كريمة له ولأهل بيته، قال الله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [المزمل: 20].
قال الإمام النَّسَفِي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (3/ 560، ط. دار الكلم الطيب): [﴿يَضْرِبُونَ﴾: يسافرون، و﴿يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾: رزقه بالتجارة... فسوَّى بين المجاهد والمكتسب؛ لأنَّ كسب الحلال جهاد] اهـ.
وعن المِقْدَام بن مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» أخرجه البخاري في "صحيحه".
كما جاء الحث على إتقان العمل في قوله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، وقال تعالى في وصف عباده المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8]، وهذا أمر بالإحسان في كل عمل، والرعاية والحفظ في كل أمانة، وأثنى سبحانه على ممتثل ذلك بوصفه بالإيمان والإحسان، فالعامل المتقن لعمله يثاب على إخلاصه وتفانيه واجتهاده، فهو سبيلٌ لمحبة الله تعالى له، ولذلك ورد في الحديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» أخرجه الطَّبَرَانِي في "المعجم الأوسط"، والبَيْهَقِي في "شُعب الإيمان"، واللفظ للطَّبَرَانِي.
حكم تأجيل العمل إلى وقت الساعات الإضافية ليكون عملًا إضافيا
العلاقة بين العامل وصاحب العمل تُكَيَّفُ شرعًا على أنها علاقة إجارة، سواء كان العمل عامًّا -أي: حكوميًّا- أو خاصًّا؛ حيث يقوم العامل بأداء عمل معين ومهام محددة للطرف الآخر في وقت محدد مقابل أجر محدد معلوم بينهما وهذه هي حقيقة الإجارة، إذ تُعرَّف بأنها: عقدٌ على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبَذْل والإباحة بعِوَضٍ مَعلوم. ينظر: "البحر الرائق" للعلامة ابن نُجَيْم الحنفي (7/ 297، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"الشرح الصغير" للشيخ الدَّرْدِير المالكي (4/ 5، ط. دار المعارف)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني الشافعي (3/ 438، ط. دار الكتب العلمية)، و"كشاف القناع" للعلامة البُهُوتِي الحنبلي (3/ 642، ط. دار الكتب العلمية).
الذي يضبط تلك العلاقة بين طرَفَيْهَا: هو العقد المبرم بينهما وقانون العمل، فيجب على كلٍّ منهما الالتزام بما تضمنه من بنود، والتقيد بما فيه من شروط؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، أي: ما عَقَدَه المرء على نفسه من بيع وشراء وإجارة... وغير ذلك من الأمور، ما كان ذلك غير خارجٍ عن الشريعة، كما جاء في "تفسير الإمام القُرْطُبِي" (6/ 32، ط. دار الكتب المصرية).
ولما ورد عن عمرو بن عَوف المُزَني رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» أخرجه التِّرْمِذِي في "سننه".
وعلى ذلك، فقيام الموظف -أو العامل- بما أنيط به من مهام وتكاليف بموجب العقد المبرم بينه وبين الجهة التي يعمل فيها أمر واجبٌ شرعًا، وتباطؤه في إنجاز الأعمال الـمُسندة إليه وتأجيلها بغير وجه حقٍّ حرام شرعًا؛ لما فيه من خيانة للأمانة التي اؤتمن عليها، وخيانة الأمانة من الكبائر، وصفة من صفات المنافقين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» متفق عليه.
تأجيل الأعمال والإبطاء فيها؛ لأجل التحايل على أجرٍ مضاعف يُعدُّ من أكل المال بالباطل؛ ذلك أَنَّ الموظَّف أو العامل قد أهدر وقت الدوام الرسمي دون أن يُنجز عمله دون عذر، وقد ورد النهي عن أكل المال بالباطل في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 92].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» متفق عليه.
يضاف إلى ذلك أنَّ حفظ المال من المقاصد العَليَّة التي جاءت الشريعة الغراء لحفظها وحمايتها، سواء كان مالًا عامًّا أو خاصًّا، ولا شك أَنَّ الجُرْم يكون أفحش والإثم يكون أعظم إذا كان الإهمال واقعًا على المال العام، إذ الضرر الواقع حينئذٍ لا يقع على فرد بعينه، بل على مجموع الأفراد، لذا غلَّظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرمة الاعتداء على المال العام، وجعل صيانته من النهب والإهدار والاستغلال مسؤولية الجميع؛ لأنَّ هذا المال ملك لكل أبناء الوطن، والتصرف فيه يكون وفق ضوابط الشرع والقوانين، فعن السيدة خَوْلَة الأنصارية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
ففي الحديث وعيد شديد لمن يتخوض في المال العام، أي: يأخذه ليتملكه ويتصرف فيه تصرف المالك.
قال الحافظ ابن حَجَر العَسْقَلَانِي في "فتح الباري" (6/ 219، ط. دار المعرفة): [لا ينبغي التخوُّض في مال الله ورسوله والتصرف فيه بمجرد التشهي، وقوله: «لَيْسَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا النَّارُ» حُكْم مُرَتَّب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله، ففيه إشعار بالغلبة، قوله: «يَتَخَوَّضُونَ -بِالْمُعْجَمَتَيْنِ- فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ» أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل، وهو أعم من أن يكون بالقسمة وبغيرها] اهـ.
والأخذ من المال العام بغير حق نوع من الغلول الذي نهى الله تعالى عنه في قوله: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 161].
قال الإمام النَّوَوِي في "شرح صحيح مسلم" (12/ 217، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأصل الغلول الخيانة مطلقًا... وأجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغلول وأنه من الكبائر، وأجمعوا على أن عليه رَدَّ ما غَلَّه] اهـ.
الخلاصة
بناءً عليه وفي واقعة السؤال: فقيام العامل بما أُنيط به من مهام وتكاليف بموجب العقد المبرم بينه وبين جهة العمل أمر واجبٌ شرعًا، وأما تعمُّد تأجيله بعض الأعمال المطلوبة منه في وقت العمل الرسمي إلى وقت الساعات الإضافية من أجل حصوله على مقابلٍ لذلك دون عذر تقرره الجهات المختصَّة فحرام شرعًا؛ لما فيه من التحايل وخيانة الأمانة التي اؤتمن عليها، وأكل الأموال بالباطل.